الأحد ٠٩ نوفمبر ٢٠١٤
الخلل الكبير والواضح بين مكونات المجتمع زاد كثيرا من حدة الجدل حول مصطلح (التعايش)، الذي جاء في المعجم الفرنسي (لوبوتي لاروس) أنه بمعنى: "قبول رأي، وسلوك الآخر القائم على مبدأ الاختلاف، واحترام حرية الآخر، وطرق تفكيره، وسلوكه، وآرائه السياسية والدينية؛ فهو وجود مشترك لفئتين مختلفتين، وهو يتعارض مع مفهوم التسلط، والأحادية، والقهر، والعنف".. الأحداث المحيطة بنا ـ داخليا وخارجيا ـ تشير إلى أن أي صراع كبير أو صغير بين أبناء الوطن الواحد لا يمكن حله والقضاء عليه إلا بنشر ثقافة التعايش المشترك، وهذا التعايش يحتم علينا بذل كل جهد في وقف ومنع خطاب الكراهية والتحريض، وصيانة وحدة البلاد، والذود عن تراب الوطن، والحفاظ بكل قوة على نسيجه المجتمعي، وعدم التفكير في المساس بأمن البلاد والعباد.. ما من شك في أن أيسر طرق الرد على العابثين بالأمن، والمستهترين الذين لا همّ لهم إلا إيقاد نار الأحقاد بين الناس هو تطبيق أدبيات العيش المشترك، وأهمها الاحترام المتبادل، والالتفاف حول راية البلاد.. الآن وأكثر من أي وقت مضى لا بد من أن يتفق الكل على التأكيد على حتمية الحوار كسبيل لإحياء التواصل بين المجتمع، وترسيخ قبول حقيقة التعدد والتنوع، وحسن إدارة الاختلاف، ولا بد من التأكيد أيضا على أهمية التوعية بثقافة الوسطية والاعتدال لتجاوز حالة التمزق والاحتقان التي ظهرت في القديم، والمرشحة للظهور…
الأحد ١٢ أكتوبر ٢٠١٤
في حجته صلى الله عليه وسلم، وعند وصوله إلى جمع ـ مزدلفة ـ ؛ يحكي لنا ابن عمه ـ ابن العباس رضي الله عنهما ـ فيما رواه أصحاب السنن؛ ما حصل هناك بقوله: قال لي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "هلم القط لي"، فلقطت له حصيات، هن حصى الخذف ـ مما يحذف به ـ فلما وضعهن في يده، قال: "نعم، بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين".. حديث بقصة تحكي لنا تحذير معلم الأمة، وهاديها ـ صلوات ربي عليه ـ من التعصب، والتشدد، والتطرف، والتنطع، والاختلاف المذموم.. كتب الكثيرون، ومازالوا، حول الغلو وآثاره، والمشكلة ما زالت قائمة، وسأكتب وغيري كذلك، وكلنا متعلقون بالأمل في أن يعجل الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالقضاء على مظاهر الغلو؛ التي لا يكاد أحد منا إلا وقد عانى منها بطريقة أو أخرى.. المظاهر ـ وهنا أذكرها للتحذير من المتصفين بها ـ كثيرة، وفي مقدمتها: أن المغالي لا يعترف لغيره في الأمور الاجتهادية، التي تكثر فيها آراء السابقين. وأن المغالي يعشق إلزام الآخرين بما يراه؛ غير مكترث بالمشقة التي سيعاني منها غيره. وأن المغالي غليظ الطبع؛ فلا يعرف رفقا لا مع كبير، أو صغير، حتى لو كانوا من أرباب الحقوق عليه، كالوالدين، ومن في درجتهما. وأن المغالي…
الأحد ٢١ سبتمبر ٢٠١٤
قبل سنتين ذكر سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي، أنه في العام الماضي أرسل لي عبر "تويتر" حسن المزروعي فكرة إطلاق حملة "فوق بيتنا علم"، وأعجبت سموه الفكرة، وأطلقها عبر "تويتر"، وطارت بها مواقع التواصل، ولاقت الصدى العجيب، والاستجابة الفورية. وفي السنة التالية، ذكر سموه أن الكثيرين اقترحوا إعادة الحملة، وأبى أن يستبقها قبل القيام بزيارة حسن بن عبدالله المزروعي في منزله لشكره، ويرفع معه العلم. الإماراتي الشاب ذكر القصة بطريقة جميلة أخرى؛ قائلا: إن سمو الشيخ تمنى قبل ثلاث سنوات عبر حسابه الشخصي في "تويتر"، وبمناسبة الاحتفاء باليوم الوطني الأربعين لدولة الإمارات العربية المتحدة مغردا وقائلا: "أتمنى أن نرفع علم الإمارات فوق كل بيت"، ويضيف أني منذ أن قرأتها تشجعت لتحقيق الأمنية، وفي أقل من ساعة أطلقت حملة سميتها "فوق بيتنا علم"؛ لتشجيع رفع العلم الإماراتي فوق المنازل، وبعدها أعاد سموه التغريدة لمتابعيه، مشجعا وداعما، وسرعان ما حققت الحملة في البلد الشقيق نجاحا كبيرا، وأصبحت كل البيوت في شرق الإمارات وغربها متزينة بالعلم الإماراتي، فحققت نجاحا فاق كل التوقعات، ورفعت الأعلام بمختلف الأحجام في مشهد بهيج. فكرت وعائلتي ومن يعز علي في النجاح الذي حققته المبادرة الإيجابية الإماراتية، ووجدنا جميعا جميل التشبه بالإخوة هناك، خاصة وأننا نعيش الاحتفاء بعد غد بيومنا الوطني المجيد، وبالفعل قمنا…
الأحد ٣١ أغسطس ٢٠١٤
لم يستعمل الناس قديما التدوين والتوثيق في عقود الزواج، وكان الأمر كله مبنياً على المشافهة والإشهاد، ثم تحول الناس في نهاية القرن الثاني الهجري إلى توثيق عقود أنكحتهم، وكانت هذه المهمة واحدة من أهم الواجبات على ولي الأمر، ولأن الأعباء الملقاة على عاتقه كثيرة أناب من يثق بهم في أداء هذا الواجب من القضاة، لا سيما وأن التوثيق السابق ذكره من أهم اختصاصاتهم، وكان القاضي في البدايات يقوم بذلك، ولكثرة انشغالاته استعان بمن يثق به من الأكفاء ليقوم نيابة عنه بذلك، ومنه جاءت التسمية القديمة (مأذون القاضي) أو (نائب القاضي)، وبعدها ظهرت التسميات المعروفة حاليا (عاقد الأنكحة)، و(المُمْلك)، و(المأذون الشرعي)، والتي تعني أنه مندوب الشرع، وأنه المستند في عقود الزواج والطلاق والرجعة إلى الأحكام الشرعية. في المملكة وضمن الاهتمامات بهذه المسألة الحيوية صدر عام 1357 "نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي" والذي تضمن ترتيب أمر مأذوني عقود الأنكحة، وهو نظام جاء بعد جملة من أنظمة هامة هي: "مواد إصلاحية مؤقتة للمحاكم الشرعية" في عام 1344، فنظام "أوضاع المحاكم الشرعية وتشكيلاتها" في عام 1346، فنظام "سير المحاكمات الشرعية" في عام 1350، الذي أعيد إصداره في عام 1355، باسم "نظام المرافعات".. نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي، وهو النظام الذي يحدد اختصاصات منسوبي السلك القضائي ومهامهم تضمن عام 1372 مادة متعلقة بإعطاء رئيس المحكمة…
الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠١٤
في إطار جهود علماء الأمة في مواجهة الأفكار المتطرفة ونشر صحيح الإسلام؛ جاء بيان مفتي عام البلاد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ـ بارك الله فيه ـ (تبصرة وذكرى) كافيا ووافيا في التحذير من "جرائم ما يسمى بداعش والقاعدة وما تفرع عنهما من جماعات". وبدلالة المنطوق والمفهوم ـ كما يسمى عند علماء أصول الفقه ـ نفهم أن عبارة (ما تفرع عنهما من جماعات) تدخل فيها كافة التنظيمات والمخططات والجماعات الإرهابية التي تنتشر في البلدان الإسلامية تحت مسميات مختلفة، كطالبان في آسيا، وبوكو حرام في نيجيريا وغيرهما، فكل هذه وتلك لا علاقة لها إلا بمن (صنعها)، وسماها بتسميات متعددة تتغير على فترات متباعدة من بلد إلى آخر، ولا تهدف إلا إلى تفتيت الأمة عن طريق الأفكار المتطرفة والعنف والقتل والإرهاب، بدليل ما هو ماثل للعيان في العراق وأفغانستان ونيجيريا وغيرها من البلدان، من قتل وسفك دم واغتصاب وعنف مستمر. المواجهة لهذه التنظيمات والجماعات باتت أمرا حتميا؛ وهذه المواجهة سهلة إن اعتمدت على النشر الصحيح للدين الإسلامي، والدعم الكامل للفكر الوسطي المعتدل؛ إذ هو حائط الصد ضد هذه التنظيمات الإرهابية ومخططاتها. لا شك أن الفترة الأخيرة شهدت انتشار صورة مشوهة عن بعض مفاهيم الإسلام، خاصة مفهوم الجهاد، وانتشرت الدعايات المضادة للإسلام، والتي لا تنفك متعمدة على ربط الإسلام بمصطلح الإرهاب،…
الأحد ١٧ أغسطس ٢٠١٤
الفترة الماضية كانت مميزة بجملة من المزايدات، ومجموعة لا بأس بها من المزايدين والمتاجرين.. كلما كتب أحد الكتاب في موضوع معين؛ خاص أو عام قيل له: "أين أنت من موضوع غزة!؟"، وكأن المزايد أو الكاتب بيد أحدهما مفتاح هذه القضية ذات الأبعاد الشائكة، أو حتى لديه من الإحاطة بجوانب السياسة ما يكفي لحل هذه المعضلة، وينسى هؤلاء الذين يتاجرون بفلسطين بعمومها، وغزة بخصوصها أن قائمة المهمات عند الناس جميعهم تتصدرها مهمة إنقاذ الأبرياء الفلسطينيين من القتل الذي حصل سابقا، وحاليا على يد إسرائيل تحت طائلة القصف الجوي، والحصار البحري، والزحف البري المتواصل. لا يوجد أدنى شك في أن الخلاف السياسي والتاريخي في فلسطين بدأ ومنذ (117) عاما؛ عامُ عقد المؤتمر الصهيوني الأول في سويسرا، الذي اُفتتحت به المنظمة الصهيونية، وتضمن جملة من الأهداف والقرارات، على رأسها هدف (إقامة وطن قومي للشعب اليهودي)، ومنه بدأت أزمات وحروب منطقة الشرق الأوسط.. كما لا يوجد أي ظن في أن الشعب الفلسطيني لم يعد يحتمل أي مراهنات، أو صراعات سياسية لا علاقة له بها، ولا مصلحة له فيها، والحل حتما هو عند غير المزايدين، أو أصحاب المواقف المريبة. حان وقت توقف المزايدات بقضية الشعب الفلسطيني أو المتاجرة بدماء أبنائه، وعلى من يريد أن يحل هذه الأزمة من جذورها أن يبحث عن الذين عطلوا تنفيذ…
الأحد ١٠ أغسطس ٢٠١٤
في مكاني الذي كنت فيه، تعرفت الأعوام الماضية على مجموعة من البشر، بعضهم كان وفيا، وبعضهم لم ترد كلمة "الوفاء" في قاموسه، وفي مكاني الذي أنا فيه الآن حيث أقضي إجازة سميتها: (إجازة "لأهلك عليك حقا") البشر كالبشر، إلا ـ أعزكم الله ـ "كلب الحراسة"؛ فبمجرد نزولي حيث تعودت عرفني ومن كان معي من أسرتي.. بداية ـ وأنا الشافعي ـ شكرت للسادة الفقهاء الذين لم يقولوا بنجاسة الكلب كالمالكية ومن وافقهم، كالإمامين أبي حنيفة، وأحمد في رواية عنه. ثم كررت الشكر لمن تناول "سؤر الكلب" بالتوسعة، وهم المالكية الذين تميزوا عن أقرانهم، وقالوا بطهارة اللعاب، معتمدين على أربعة أحاديث ساقها الإمام البخاري تحت باب: "كانت الكلاب تروح وتغدو في مسجد رسول الله على عهده صلى الله عليه وسلم". وأجاب الإمام مالك عن "فاغسلوه سبعا" أن الغسل للتعبد، لا للنجاسة؛ وبالمناسبة نجد أن اقتناء الكلب له حكاية مع الفقهاء أيضا؛ إذ أجاز الإمام النووي اقتناءه "لحفظ الدور، والدروب" قياساً على حديث "كلب ماشية، أو صيد، أو زرع"، مستفيدا من علة الحاجة المفهومة من النص، وبنفس الفهم أجاز المعاصرون غير ذلك من المنافع كالكلاب البوليسية، وقيادة الأعمى. سريعا تذكرت الإمام أبا بكر محمد بن خلف بن المرزبان، من طبقة الإمام الطبري، وصاحب التصانيف الكثيرة في التفسير واللغة والأدب والشعر؛ طلب منه بعض…
الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠١٤
مرت أيام العيد السعيد ولياليه بكل بهجة، ولله الحمد والمنة، واليوم يعود أهل الوظائف إلى وظائفهم.. سيباشر المخلص منهم الدوام من أوله، ولن يخرج أو يغادر إلا إن انتهى من عمله؛ رغبة في الوعد، وخوفا من الوعيد. ففي الحديث: "إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض" قيل: وما بركات الأرض؟ قال: "زهرة الدنيا"، ثم قال: "إن هذا المال خضرة حلوة، من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، وإن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة". ويقول صلوات ربي عليه: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟". وقال عليه الصلاة والسلام: "إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به"، وقال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك"، وقال لسيدنا سعد بن أبي وقاص: "يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة". وقال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من…
الأحد ٢٢ يونيو ٢٠١٤
سعدت قبل فترة بزيارة "المصفق"، والمصفق الذي أقصده هنا ليس قرية المصفق، التي تقع في محافظة "صامطة"، التابعة لإمارة منطقة "جازان"، إنما أقصد مركز تنمية الأعمال لخدمة قطاع الأعمال والمستثمرين في جدة، الذي يتبع الغرفة التجارية الصناعية بجدة. المركز واحد من تسعة مراكز، ويقدم الاستشارات المالية والاقتصادية، ويساعد في إعداد دراسات الجدوى، والبحث عن التمويل المناسب من خلال الصناديق الحكومية، والقروض المختلفة، كما يساعد في التحفيز لإنشاء كيانات اقتصادية جديدة، وشراكات مختلفة. المركز الملقب بـ"المصفق" وكبداية مغرية أحيا في النفس الاستخدامات اللغوية للمفردة العربية، فالمَصْفَقُ لغويا: اسم مكان من صفَقَ، أي مكان عقد الصفقات، ويسمونه في عالم اليوم "البورصة".. لفت نظري أن رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة الأستاذ صالح عبدالله كامل ترك الدوام في مكتبه في الغرفة، وأصبح لا يداوم إلا في "المصفق"، يريد كما ذكر لي أن يصحح ما حصل من أخطاء في مسيرته المالية.. مركز المصفق وكما رأيت لديه ثلاث خدمات أساسية، الأولى خدمة التسويق للفرص الاستثمارية، يهتمون من خلالها بترويج المشروعات لرجال الأعمال والشركات الاستثمارية والأفراد ذوي الرغبة في الاستثمار. والثانية خدمة توفير مكان لعقد الصفقات التجارية، يجهزون الجو المناسب لالتقاء أصحاب الأفكار والمشروعات والمستثمرين من رجال الأعمال والشركات، ويوفرون المعلومات والدراسات والخدمات اللازمة. والثالثة خدمة احتضان المشاريع والأفكار الجديدة، من أجل إنشاء وتشجيع رجال الأعمال…
الأحد ١٥ يونيو ٢٠١٤
لا يختلف اثنان على أهمية (الوحدة الوطنية) أو ما يمكن تسميته (التكامل القومي)، وحتى لو اختلفنا في مفهوميهما بسبب اختلاف ثقافاتنا، وبيئاتنا، إلا أنه لا يمكن أن نختلف في أن الوحدة الوطنية هي انصهار جميع أبناء الشعب في بوتقة واحدة، وكيان واحد، وعدم وجود أي صراع فيما بينهم، بحيث يؤمن الجميع أنهم أبناء وطن واحد.. نحن هنا في المملكة العربية السعودية لغتنا واحدة، وديننا واحد، ونطيع حاكما واحدا، وأهدافنا العامة واحدة إلا أننا نعاني ـ وللأسف ـ من المتربصين بوحدتنا من خارج البلاد، ومن داخلها. الموجودون بالخارج أمورهم مكشوفة، أما الموجودون بالداخل فخطرهم كبير، وخصوصا إن وصلوا ومُكنوا من منابر الثقافة والإعلام، وأذرعها المعروفة، والصحافة في مقدمتها. ينبري بعض هؤلاء بأقلامهم، وبتمهيد من رؤسائهم إلى كل ما يفسد التزاوج والتداخل بين مكونات الناس الحضارية والثقافية، ويوجهون كل قواهم لصهر الناس في بوتقة واحدة، هي بوتقتهم فقط، وبدلا من أن يولد الدين الشعور بالوحدة، وأن يكون واسطة التفاهم، ووسيلة التفكير ونقل الأفكار والمكتسبات لتنمية وتقوية الروابط العاطفية والفكرية بين الفرد والجماعة يصبح عكس ذلك، وبدلا من أن تكون عادات أفراد المجتمع سببا في التجانس بين الأفراد يصبح الأمر أيضا على العكس تماما. استغلال المنابر لتأجيج الصراعات أمر خطير وخبيث، وعزل الناس بجعلهم في تكتلات سيؤدي إلى اختلاف ثقافي وفوارق اجتماعية، وسيحدث…
الأحد ٢٥ مايو ٢٠١٤
قبل نحو شهرين من الآن كتبت مقالًا بعنوان: "السيد أمين عطاس.. رمز جميل"، حاولت فيه أن أرصد بعض محاسن السيد العطاس، واليوم أكتب مقالي ـ من خارج البلاد ـ بعد أن نعى إلي ابنه أخي السيد محمد خبر وفاة والده ـ سيدي أمين ـ ، الذي رجعت نفسه المطمئنة إلى ربها (راضية مرضية)؛ فاللهم لك ما أخذت، ولك ما أعطيت، فأحسن العزاء، واجبر المصاب، واغفر ـ بفضلك ـ للفقيد، ولنا أجمعين، ولمن نودهم يا رب العالمين. جربنا في حياتنا توديع المسافرين من بلد إلى بلد، عند باب المنزل، أو عند صالة المطار، ومررنا عند تلك اللحظة بمشاعر مختلفة من الحزن والفرح، وفي الغالب الدموع تكون حاضرة غير غائبة، أما التوديع من دنيا إلى آخرة فأمره من المؤكد مختلف.. توديع الموت فيه هيبة، وفيه عبرة، وفيه غير ذلك من مشاعر.. إنه الواعظ، و"كفى بالموت واعظا". الإسلام اهتم ـ فيما اهتم ـ بقضية الموت، وظهر ذلك من خلال ورود كلمة الموت ومشتقاتها في القرآن الكريم 165 مرة. مسألة الموت ترددت على الناس في كتاب ربهم لتذكرهم بالاستعداد للرحلة الحتمية، وتنبههم إلى أن الحياة الدينا ليست بدار إقامة، وأنه (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)، وأن الرابح الأكبر هو من وفقه الله إلى الاستقامة هنا ليرتاح هناك، (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ…
الأحد ١٨ مايو ٢٠١٤
مرات ليست بالقليلة، أتمنى أني لو كتبت المقال الذي كتبه أحد الزملاء، وأحيانا أتمنى لو أني ألفت أو جمعت المؤلف الذي صاغه أحد الفضلاء؛ ومن هذا وذاك كتاب (العمامة) الذي صدر مؤخرا للقدير النبيل سعادة الأستاذ سعود الرومي مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية". كتاب جميل أصدره المهرجان برعاية وزارة الحرس الوطني، تمنيت أني لو كتبته لمسائل متعددة، من أهمها أن غالبنا ـ وللأسف ـ غارق في (التفكير النمطي)، الذي جعله يصدر أحكامه اعتمادا على الأفكار الجاهزة التي استوردها من عاداته وتقاليده وموروثاته؛ فصار الحكم على لابس (الشماغ) مختلفا فيما لو لبسه اللابس بعقال، أو بدون عقال، وصار الحكم عنده على من تلبس (العباية) مختلفا فيما لو لبستها السيدة العفيفة على كتفها أو فوق رأسها. أما العمامة ـ فهذه المسكينة ـ قد يعاني من يلبسها من كلام الناس، خصوصا أولئك الذين يستغلونها لتصنيف الآخرين، ويجعلونها دليلا على أوهامهم، ومن ذلك زعمهم أنها معينة على الطائفية، وموقدة لنارها، والمؤلم أنهم يظنون أنهم الأكثر ديانة ووطنية ممن لم يلبسها. كتاب (العمامة) أوضح فيه الأستاذ الرومي أنها وسام شرف، وتاج يجمل صاحبه، وفيه تفاصيل جميلة عن أهمية العمامة، وفوائدها، وأشكالها، والمسائل الفقهية المتعلقة بها، والأحاديث الواردة فيها، وما قيل فيها، وغير ذلك من موضوعات.. المؤلف تحدث ـ فيما تحدث ـ عن العمامة…