الخميس ١٧ أبريل ٢٠١٤
تشعر أم صالح الهاجري بوحدة قاتلة بعد أن تزوجت ابنتها الوحيدة وغادرت مع زوجها إلى أستراليا لمتابعة دراستهما. أحست أنها أوشكت على الموت إثر فراق ابنتها وصديقتها وحبيبتها. فبعد أن رحل زوجها لم يتبق لها سوى ابنتها التي كانت تملأ حياتها ووجهها بالابتسامات. ظلت تصرف أوقاتا طويلة مع ابنتها على الهاتف، لكن الحديث معها لم يعدها إليها، بل زادها اشتياقا لها. تغلق السماعة وتفتح صنبور دموعها. تبكي بحرقة حتى تجف مياهها وتنام. ظلت شهورا عديدة على هذه الحال حتى قررت أن تقوم بمبادرة غيّرت روتينها اليومي وحياتها. استأنفت طهي الطعام من جديد بعد أن ودّعته منذ أكثر من عقدين من الزمن بعد أن استقدمت عاملة منزلية. بدأت في إعداد الطعام إلى أربعة أشخاص يومياً. وبعد أن تنتهي من تحضير وجبتها اليومية تقوم بتوزيع ثلاثة أطباق على ثلاثة منازل مختلفة كل يوم. فمرة توزعها على جيرانها. ومرة تذهب مع سائقها إلى محطة الوقود وتمنح أول ثلاثة تقابلهم طبقها الطازج. ومرات عديدة تهديها إلى حرّاس الأمن الذين يقفون بمحاذاة أبواب المباني المترامية الأطراف في مدينة الظهران. كان الطبق الرابع هو الوحيد الذي لا يتغيّر مستقبله. يذهب هذا الطبق إلى مؤذن مسجد الحي، الذي يرقد في المستشفى منذ سنوات إثر حادث مروري. منذ أن بدأت أم صالح في مبادرتها اليومية انقلب حالها رأسا…
الإثنين ١٤ أبريل ٢٠١٤
درست أفنان سليمان الباتل، لغات وترجمة في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض. بدأت علاقتها مع الكاميرا عام 2000. كانت تتقاسم حياتها الخاصة مع متابعي مواقع “سبيس” و”فليكر” ومنتديات الإقلاع. تعرض أمامهم مقتنياتها وأغراضها ورحلاتها. تروي لهم حياتها بالكلمة والصورة. كوّنت لها شعبية خلال فترة قصيرة كونها من القلائل وقتئذ، الذين يشاركون الآخرين حياتهم الحقيقية في العالم الافتراضي. لم يلتفت والداها إلى لافتات “العيب” التي أشهرها المحتجون في وجه ابنتهما. شجعاها على المضي قدما فيما تقوم به ما دام يسعدها ولا يسيء إلى أحد. كانا يختاران معها الصور، التي تنشرها والتعليقات، التي تسكبها عليها. أبهجها اهتمام الناس بصورها فحرصت على تطوير مهاراتها التصويرية من خلال تثقيف نفسها عبر دروس تصفحتها في “اليوتيوب” ومواقع التصوير المتخصّصة. أصبحت الكاميرا جزءا من حياتها. تصور كل شيء يعبر أمامها وتنقله إلى متابعيها في كل المواقع، التي تشترك فيها. أمست لديها سمة خاصة. اقترحت عليها قبل سنوات عدة إحدى صديقاتها أن تشترك في تطبيق “الإنستغرام” لمشاركة الصور. لكنها رفضت كونها تجهل أسلوب التطبيق. ألحت عليها صاحبتها بأنه يناسب شخصيتها ونمطها المفعم بالصور والحياة. أصرت الباتل على موقفها المناهض للفكرة. لم تجد صديقتها خيارا سوى أن تضع أفنان أمام الأمر الواقع. افتتحت حسابا باسمها، وأرسلت كلمة المرور إليها. امتناناً لصديقتها طرحت أفنان صورة ثم أخرى…
الخميس ١٣ مارس ٢٠١٤
أحرص كلما أتيحت لي فرصة زيارة العاصمة الحبيبة الرياض، أن أتنقل بين شوارعها المزدحمة عبر سيارات الأجرة. تمنحني هذه الرحلات كثيراً من القصص والتجارب الملهمة. إحدى أجمل الرحلات على الإطلاق كانت من محطة سكة الحديد في الملز إلى مقر معرض الرياض الدولي للكتاب في طريق الملك عبد الله. كان بطل الرحلة السائق، عبد الرحمن الشمري (أبو يوسف). روى لي أبو يوسف في طريقنا كيفية انتقاله من مكة إلى الرياض قبل نحو 19 عاماً. يتذكّر أبو يوسف أن ابنه الأكبر تخرج في الثانوية العامة بتقدير مرتفع. حاول أن يجد له مقعداً في كلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز بجدة فلم يفلح. قدّم ملف ابنه إلى كلية الطب في جامعة الملك سعود فظفر بقبول. انتقل الابن البكر إلى الرياض وحيداً. لكن سرعان ما شعر يوسف بحنين إلى والديه وأخيه وأخته، كاد أن يودي بمستقبله الدراسي. لم يجد الأب خياراً للمحافظة على مستقبل ابنه سوى بالانتقال إلى الرياض والتقاعد مبكراً للاهتمام بابنه ومساعدته على قضاء حوائجه؛ ليركز في دراسته. وصل أبو يوسف إلى الرياض قبل نحو عقدين من الزمن. كان يقوم بالطبخ لابنه والعناية بملابسه ومشاعره. بعد سنوات قليلة التأم شمل الأسرة من جديد لكن في الرياض. جاء الابن الثاني، مشاري، إلى العاصمة؛ لدراسة الطب برفقة والدته وشقيقته. تخرّج لاحقاً يوسف ومشاري،…
الأحد ٠٢ مارس ٢٠١٤
قرر أمانسيو أورتيجا جاونا افتتاح متجر يبيع أرواب الحمامات في إسبانبا عام 1972. بارك والده الخطوة لكن حذره أن يقوم بتسمية المتجر باسمه. كان يرى الأب أنه كلما كان الاسم بسيطا وغامضا ساعد على النجاح والانتشار. تحايل أمانسيو على تحذير والده وسماه شركة كونفيسونيس جوا (تمثل الحروف الأولى من اسمه معكوسة مع إضافة أخرى يفضلها). لم يحظ المتجر بقبول الزبائن. اضطر إلى إغلاقه والتفكير في مشروع آخر. حرص أن يشتمل مشروعه الجديد على منتجات متنوعة. جاكيتات وسراويل وقمصان وأحذية. ترتكز فكرة المتجر أن ينتج نوعيات محدودة وبسعر مناسب حتى تكون في متناول الجميع لكن لا يلبس نفس القطعة الجميع. أطلق على المتجر الذي افتتحه عام 1975 اسم زوربا متأثرا برواية “زوربا اليوناني”، التي كانت تجد قبولا لدى الكثيرين، وقتئذ. بيد أنه أجبر على تغيير الاسم؛ لأن محل آخر على نفس الشارع كان يحمل نفس الاسم. احتار أمانسيو كثيرا في اختيار الاسم الجديد؛ كون أثاث متجره يعتمد على حرف (ز). بعد نقاش مع رفاقه وأقاربه استقر على اسم (زارا) محافظا على الحرف الأول ومنفردا باسم جديد ومبتكر. دفعت غرابة الاسم وفرادته أن يكون محور أسئلة الزبائن الذين استهواهم الاسم والمنتج معا. حقق المتجر إقبالا ملحوظا أعاد أمانسيو إلى نصيحة أبيه المبكرة بأن يحرص على الغموض والتشويق في مشروعه التجاري. إمعانا في…
الخميس ٢٠ فبراير ٢٠١٤
حلم كل أب بريطاني أن يدخل ابنه إلى مدرسة إيتون، فهذه المدرسة هي باب المستقبل المشرق لأي فتى، تخرج فيها نحو 19 رئيس وزراء بريطاني حتى اليوم وآخرهم الرئيس الحالي ديفيد كاميرون، فضلاً عن أهم السياسيين في المملكة المتحدة، وعدد كبير من الباحثين والعلماء، الذين حصلوا على جوائز نوبل في فروعها المختلفة. إيتون، مدرسة داخلية عامة تقع في منطقة إيتون، بالقرب من وندسور في إنجلترا. يدرس فيها نحو 1300 طالب تراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً. هي إحدى المدارس الأربع فقط المخصّصة للأولاد وغير المختلطة في إنجلترا، والثلاث المتبقية هي: وينشستر، وهارو، ورادلي. يبلغ عدد أعضاء هيئة تدريسها نحو 160 معلماً من حملة الماجستير والدرجات العليا. ويتابع معظم خريجي إيتون دراستهم الجامعية في كامبريدج أو أكسفورد إثر مستواهم العلمي والثقافي المتميز مقارنة بغيرهم. تعتمد المدرسة على برنامج تعليمي مكثف في الرياضيات والأدب والفنون والفلسفة واللغة. يخضع الطلاب إلى اختبارات قدرات مبكرة تساعد معلميهم على التركيز على نقاط القوة والضعف وتطويرها بشكل مكثف؛ كل على حدة. فلكل طالب برنامج يختلف تماماً عن رفيقه؛ نظراً لتباين القدرات بينهما. لكن أغلبهم يتخرجون وكل منهم يتمتع بنقاط قوة تساعده على التألق على نحو استثنائي وملموس. يتمتع الطالب في إيتون بامتيازات خاصة. يلتقي بعالِمه المفضل أو السياسي الذي يتابعه بشغف في لقاء شخصي توفره إدارة…
الأحد ٠٩ فبراير ٢٠١٤
تعرّفتُ على شاب يمني أثناء توصيله ثلاجة إلى منزلي. بعد أن قرأ عليّ السلام سألني عن المكان الذي أرغب أن أضع الثلاجة فيه. قلت له: لا تقلق، في الطابق السفلي. فرد، وابتسامة كبيرة تكسو وجهه: "سأحملها على كتفي إلى السطح، إذا أحببت. هذا واجبي. مساعدتك مصدر سعادتي. هدفي أن أصنع الأصدقاء ببذل أقصى ما أستطيع". روحه الجميلة ودماثة أخلاقه جعلتنا صديقين سريعا. فتحت نافذة حوار بيننا. تحدثنا طويلا عن طبيعة عمله وعائلته والشركة، التي يعمل لديها. أدهشتني ابتسامته، التي يسكبها كشلال من وجهه. عزز لديّ الإيمان بأن المال وحده لا يصنع الروح الجميلة، إنما الروح الجميلة تصنع كل شيء. بحتُ له بمشاعري تجاه ابتسامته وروحه. فأخبرني أن الابتسامة هي الشيء الوحيد، الذي يسعه أن يقدمه لمن حوله. فلا يملك سواها ليتقاسمه مع الآخرين. شكرت السائق محمد قبل أن يغادر وسألته إذا كان بوسعي مساعدته بأي شكل وطريقة. لم أكن أعلم أن سؤالي سيمدد حوارنا لأشواط إضافية. لقد أجابني محمد قائلا: "ادعو لي أن يديم عليّ نعمة الصحة والعافية؛ لأسدد ديوني وأستمتع بهذه الحياة". دعوتُ له عاليا أن يرزقه المال ويحافظ على صحته. ضحك ثم علق قائلا: "شكرا على دعوتك، لكني تمنيت أن تشير إلى الصحة أولا". فقلت له: كلاهما مهمان. لكن عاد وقال: لا مال ينفع دون صحة تعينك على…
الخميس ٠٦ فبراير ٢٠١٤
تسأل ابنة عمي صغيرتها ألا تغلق عينيها أمام الآخرين. توبخها عندما تقوم بكتابة الأحرف فوق بعضها. تزجرها لأنها تقضي وقتاً طويلاً في حل واجباتها بعد أن تعيدها غير مرة قبل أن تنجح. تجرها إلى الخلف كأنها قطعة أثاث كلما شاهدتها ملتصقة أمام التلفزيون لمشاهدة مسلسلها الكرتوني المفضل. فشل عنف ابنة عمي في ردع طفلتها من تكرار هذه السلوكيات التي أقضت مضجعها، بل تضاعفت مشكلات الصغيرة. أضحت تكره المدرسة والواجبات وأمها. تستيقظ الصغيرة من نومها بعد بكاء ونحيب طويل. تذهب إلى المدرسة وهي تجر أذيال الحزن. استنفدت قريبتي كل النصائح، التي استقبلتها من زميلاتها وجاراتها بلا فائدة. انهارت الأم والابنة معاً. تدخل الأب أخيراً وعرض الابنة الصغيرة على طبيب نفسي؛ لعله يجد حلاً ناجعاً يُوقف نزيف زوجته وابنته. فور أن استمع الطبيب النفسي إلى معاناة الطفلة قال لأبيها إن حل مشكلته ليس لديه، لكن لدى طبيب العيون. اقترح الطبيب النفسي أن يأخذ الأب ابنته لطبيب عيون؛ ليكشف على نظرها ويرى إذا كانت تحتاج إلى نظارة أو أي علاج آخر؛ لأنه يعتقد أنه سبب المشكلة. صدق الطبيب النفسي. لقد اكتشف الأبوان بعد أن خضعت الابنة لفحص لعينيها أنها تعاني قصر نظر كان خلف هذه الأزمة المشتعلة. ارتدت الصغيرة النظارة وانطفأت المعاناة تدريجياً. لكن تظل معاناتنا مع "قصر النظر" قائمة في مجتمعاتنا. فمع…
الخميس ٢٣ يناير ٢٠١٤
شكوت قبل عدة سنوات أحد أشقائي لدى أمي؛ لأنه لم يأت في موعد اتفقنا عليه. اتهمته بالإهمال كونها ليست المرة الأولى وأنني سأتعامل معه بالمثل في المستقبل. وأشرت إلى أن هذا الموقف يمثل دلالة على أنه لا يقدرني. دافعت والدتي عنه بشراسة وحاولت تبرئته بكل ما أوتيت من قوة. وبعد أن انتهى النقاش غادرت قليلا ثم عادت وابتسامة تكسو وجهها وبرفقتها عدة أوراق. أعطتني الأوراق برفق كأنها تناولني قطعة ألماس باهظة الثمن وقالت لي اقرأها. وفور أن قرأت الأوراق انتقلت الابتسامة الواسعة، التي ترسمها على وجهها إلى وجهي. فالأوراق التي كانت تحملها كانت رسالة إلكترونية كتبتها قبل سبع سنوات موجهة لوالدتي وأشقائي أشكر فيها شقيقي "الذي شكوته لها"، وأعدد فيها مناقبه، مرفقًا صورة للهدية، التي بعثها لي. وشرحت في الرسالة كيف أنه ادخر من مكافأته، مقدما نفسي على نفسه؛ ليسعدني. بعد أن فرغت من قراءة رسالته المطبوعة سألتني أمي وهي ما زالت تبتسم:"هل يحبك أخوك الآن أم لا؟" تعلمت كثيرا من هذا الموقف البسيط أن لا أدع انفعالاتي تتحكم في قراراتي وألا أحكم على قريب أو غريب بسبب موقف أو موقفين. ينبغي أن أقوم بعملية مسح شاملة في ذاكرتي عن مواقفه، وقطعا سألتقط ما سيؤكد أن هناك الكثير مما يجعلني أتراجع عن حنقي تجاهه. لقد قدمت لي والدتي درسا أجمل…
الخميس ١٦ يناير ٢٠١٤
فُوجئت المصمّمة الشابة، أماني سلمان السعد، وهي تقوم بالعمل على أحد مشاريعها الفنية أنها لا تستطيع التحكم في أطرافها. راجعت أكثر من طبيب في لندن، التي تبتعث للدراسة فيها، لكن كل طبيب كان يعطيها تشخيصاً مختلفاً إثر صعوبة قراءة أشعة الدماغ وتعقد ظروفها الصحية. زاد وضعها سوءاً عندما شخّصها أحد الأطباء بإصابتها بمرض تصلُّب الأنسجة المتعدّد الذي يتسبّب تدريجياً في تدمير الخلايا العصبية. عاشت أماني وضعاً نفسياً صعباً. كانت تتساءل: كيف ستعيش؟ كيف سترسم؟ هل ستستطيع أن تقف؟ هل ستفقد القدرة على الكلام؟ كان رأسها المتعب يضج بالأسئلة بينما والدها يحمل أشعتها المقطعية من طبيب إلى آخر، بحثاً عن إجابة مطمئنة أو علاج يحمي ابتسامة ابنته. استدعى استشاري أعصاب بعد أسابيع من البكاء والنحيب والتكهنات، أماني لكشوف إضافية وأشعة جديدة. كشفت الفحوص الأخيرة أن ما تعانيه أماني هو (التهاب في الدماغ) تستطيع أن تتجاوزه - بمشيئة الله - بعد الخضوع إلى العلاج المكثّف المطلوب. غيّر المرض طريقة تفكير أماني تماماً رغم تماثلها للشفاء. أصبحت شخصاً آخر. انتهجت خطاً فنياً جديداً. باتت تقدم لوحاتها وتصاميمها بطريقة مبتكرة من وحي معاناتها. ترسم مشاعرها على صورة أشعة رأسها المقطعية. لفتت أماني الأنظار في مشاركتها في معرض الرسم الرقمي في تشيلسي وغيرها من المعارض الذي شاركت فيها بعد مرضها. كانت لوحاتها تثير أسئلة واهتماماً…
الأحد ٠٥ يناير ٢٠١٤
افتتح ماريو وشقيقه مارتينو عام 1913 متجراً لبيع الحقائب الجلدية النسائية في ميلان الإيطالية. واجه المتجر تحديات جسيمة للبقاء على قيد الحياة؛ إثر الإقبال المحدود من الزبائن. حاول ماريو أن يعيد الحياة إلى متجره بشتى الطرق. تعاقد مع بائعين من ذوي الخبرة وخفّض الأسعار وزاد ساعات العمل دون جدوى. عرض عليه شقيقه أن يوظِّف بعض فتيات عائلتهما المبدعات في المشروع، لكن ماريو رفض رفضاً قاطعاً. كان يكرّر: "النساء لا يصلحن للتجارة، إنما للشراء". حرص ماريو عندما تقدَّم في السن ومرض أن يخلفه ابنه في إدارة المتجر. قام باصطحابه معه وتعليمه أساسيات العمل. عندما تُوفي ماريو تحوّلت إدارة المتجر تلقائياً إلى ابنه. لكن ابنه في قرار مفاجئ رفض معللاً بأنه لا يحب هذا العمل. لقد كان يذهب إلى المتجر مجاملة لأبيه. توصّل الابن إلى صيغة لبيع هذا المتجر. لكن عندما علمت شقيقته لويزا بالأمر طلبت منه ألا يبيعه؛ لتديره بنفسها. رأت أنه من واجبها المحافظة على اسم المتجر، الذي يحمل اسم العائلة، ولا سيما أنها تملك الرغبة. لم يقبل شقيقها عرضها؛ كونه يتعارض مع مبادئ أبيهما. لكن لويزا أصرّت على طلبها حتى تدخّلت المحكمة وفضّت النزاع لمصلحة لويزا بعد أن قامت بدفع بعض المستحقات المالية لشقيقها. تغيّر كل شيء حينما تولت لويزا الإدارة. تعاقدت مع مصمّمين جدد، ووظّفت بعض زميلاتها للعمل…
الخميس ٠٥ ديسمبر ٢٠١٣
انتقلت أثناء دراستي في مانشستر في بريطانيا إلى لندن لمدة أسبوع؛ لإجراء مقابلات تتعلق ببحثي الدراسي. قبل أن أغادر عبأت استمارة غياب لابنتي، التي تدرس في إحدى مدارس مانشستر مرفقة مع خطاب من مشرفي الدراسي، موضح فيه سبب سفري لمدة خمسة أيام ومدى أهميته لبحثي؛ لتسمح لي إدارة المدرسة أن اصطحب ابنتي معي. لم يكن الأمر سهلا أن أقنع ابنتي بالغياب عن المدرسة إثر العلاقة العاطفية الحميمة، التي تربطها بها، شأنها شأن رفيقاتها الإنجليزيات. لكن حرصتُ على أن تكون بجواري خلال رحلتي إلى لندن. توقعت أن تواجهني صعوبات علمية خلال وجودي في لندن، بيد أن الصعوبات كانت من نوع آخر. أمطرتني مدرسة ابنتي بوابل من الاتصالات، وكان أول اتصال من معلمتها تستفسر فيه عن غياب ابنتي. أخبرتها عن السبب وأنني عبأت الاستمارة المطلوبة وسلمتها إلى المشرفة الإدارية وأغلقت الخط واعتقدت أن الموضوع انتهى. بيد أنه لم ينته بل ربما للتو بدأ. اتصلت عليّ بعدها بدقائق المشرفة الإدارية وهي تقول بحزم: "نعم، عبأت الاستمارة لكن لم نوافق على غياب ابنتك". أشارت إلى أن إدارة المدرسة بعثت بالرفض في البريد. حاولت أن أبرر لها أنني في لندن حاليا ولم أطلع على إجابة إدارة المدرسة وأنني ملزم بالسفر لإنهاء أحد متطلبات بحثي. علقت المشرفة على حديثي قائلا: "أنت ملزم بالسفر وإجراء مقابلات لبحثك.…
الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠١٣
استوقفني عند عودتي إلى منزلي قبل عدة أسابيع في مانشستر في بريطانيا شخصان يعزفان ويقومان بألعاب خفة اليد. بادرني أحدهما بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندما شاهدني أعبر بمحاذاته. تقدمتُ لأمنحه ما تيسر تقديرًا لتحيته لكن زميلي الذي كان يرافقني، وقتئذ، منعني قائلاً: ''اتركهما. إنهما نصابان، يصطادانك بهذه التحية''. انصرفتُ. وبعد قليل خرجت من منزلي ووجدتهما يصليان على الرصيف. يفرشان قطعة قماش طويلة كسجادة. توقفت أمام هذا المشهد طويلا طويلا، وتذكرت أن إحسان الظن، من أعظم خصال المسلم، ومتى ما تخلى عنها فقد تخلى عن أعظم شعب الإيمان. بعد أيام من هذا الموقف اتفقت مع صديقين آخرين في مانشستر للاحتفاء بزيارة صديقنا المشترك القادم من جدة. أحدهما اعتذر عن عدم الحضور والمشاركة لظرف طارئ ألم به. لم يرق الاعتذار لصديقي الآخر. قال لي وهو يستشيط غضبًا ولم يتبق سوى أن يخرج دخانا من رأسه: ''إنه يتنصل حتى لا يشاركنا قيمة الوجبة''. ابتسمت وسألته أن يحسن الظن، فالمبلغ بسيط، وصديقنا، الذي يتهمه بالتهرب، له مواقف إيجابية كبيرة وكثيرة من الحري أن نستذكرها في هذا التوقيت. لم يستحسن الصديق الحانق ما قلته مسترجعا فقط المواقف السلبية، التي يدخرها في رأسه، عن صديقنا الغائب: كم مرة لم يدفع الحساب عندما أكلا معا، كم مرة لم يساهم في تكلفة الوقود خلال رحلة…