عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي

بلد المليون سائق

الثلاثاء ٢٦ يونيو ٢٠١٨

الرقم ليس بعيداً عن الحقيقة، ومع بقية العمالة المنزلية يتجاوز العدد المليون ونصف المليون، يعمل معظمها لدى الأسر في السعودية، التي تستنزف مداخيلها. إنما مع إنهاء الحظر لم تعد هناك أسباب قاهرة لتوظيفها. 120 ألف امرأة تقدمن بطلب رخصة قيادة فور فتح الباب وإنهاء الحظر، رقم يعبر عن التأييد الشعبي الذي لم نكن واثقين منه قبل ذلك، نظراً لأن السماح للمرأة بقيادة السيارة كان إشكالية دينية واجتماعية لفترة طويلة من الزمن. إصلاح أوضاع العائلة السعودية الاجتماعية والاقتصادية يَصب في مصلحة الاقتصاد المحلي أيضاً، حيث إن الهدر المالي عليها أو بسببها ضخم جداً. بسبب منع الاحتفالات، والحفلات، والسينما كانت مئات الآلاف من العائلات تضطر إلى السفر إلى الخارج بحثاً عن الترفيه، وبسبب تضييق الأنظمة الحكومية على المهن التي توظف المرأة جلست عشرات الآلاف من النساء المؤهلات بلا عمل، ولا مصدر للدخل. كل هذا يتغير اليوم بشكل تدريجي. قبل عامين لم تسمح سوى بضعة محلات بتوظيف النساء في سوق «البحر الأحمر مول» في جدة، اليوم تقريباً النساء العاملات فيه هن الأغلبية والرجال هم الأقلية. وغالباً جاء توظيفهن على حساب العمالة الأجنبية. خلال هذا العام شمل فتح التوظيف للنساء مجالات عمل حكومية واسعة؛ الشرطة، والمرور، وشركات التأمين والحوادث، والجوازات، إلى جانب مباشرة النساء السعوديات في العمل في سيارات الأجرة الخاصة ونحوها. ورأينا في…

محمد بن سلمان وإنهاء حظر 70 عاماً

الأحد ٢٤ يونيو ٢٠١٨

ربما كان لمنع المرأة من قيادة السيارة في السعودية أن يستمر عشر سنين، أو حتى عشرين سنة أخرى، لولا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي كلفه الملك بمشروع التحديث والتغيير. قرار إنهاء منع قيادة المرأة واحد من عدة قرارات للمرأة، مثل السماح لها بدخول الملاعب الرياضية، وحضور الحفلات، والعمل في كثير من القطاعات الجديدة عليها. منذ السبعينات، ظللنا ننتظر اللحظة التي ينتهي فيها منع المرأة، الذي لم يكن يبرره منطق أو دين، بل مجرد تقاليد اجتماعية. عام تلو عام مر وخابت تمنياتنا، وعجزت الدعوات النسائية المحلية، واستمر المنع عقوداً طويلة لأن أحداً لا يجرؤ على إغضاب المحافظين أو امتحان المجتمع. وهذا الأمر يشمل كثيراً من المحظورات غير المبررة، من سينما وحفلات ومشاركتهن في مناسبات اجتماعية مفتوحة. أقول هذا لتوضيح حقيقة تعلمناها من المنع الذي دام لعقود، إنها خطوة شجاعة من الأمير محمد بن سلمان، الذي لم يكن مضطراً لها. فقد كان له أن يترك السعودية تسير كما كانت في السبعين سنة الماضية، بمنع المرأة من قيادة السيارة. وليس صحيحاً أن هناك ضغوطاً خارجية، فقد جربتها الحكومات الغربية في الماضي وفشلت، ولا يوجد تيار داخلي كبير يدعو للتغيير كما يزعم البعض. فعدد اللاتي فعلاً جربن كسر الحظر وقيادة سياراتهن في السنين الماضية قليل جداً. السعودية شهدت عامين حافلين بالتغييرات الكبيرة،…

الرياضة بين التسييس والقرصنة!

السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٨

النزاع في منطقتنا على بث مباريات كأس العالم لكرة القدم سياسي، ولا علاقة له بالربح التجاري أو الرياضة. فقطر اشترت العقود الرياضية الدولية بمبالغ خيالية، مليارات الدولارات، لأهداف سياسية حتى احتكرت سوق عشرين دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الفقيرة جداً. ولا يوجد لقطر عذر منطقي، فهي دولة لا تملك فرقاً رياضية متفوقة، ولا نراها تهتم بتطوير رياضتها، ولا تحقق من وراء البث أرباحاً حتى نعتبره نشاطاً تجارياً. هذا التصرف، أي الاحتكار لأسباب سياسية، تحظره معظم دول العالم. إنه يشابه لو أن قنوات روسية تتملك حقوق بث الرياضة حصرياً في بريطانيا أو الولايات المتحدة. الحال نفسها بين قطر وجاراتها. فهي تستخدم الرياضة لتمرير رسائلها السياسية المعادية لهذه الحكومات عبر التلفزيون، تستهدف مائة مليون مشاهد عربي في المنطقة، كما تفعل محطتها الأخرى «الجزيرة» الإخبارية. ولـ«الجزيرة» تاريخ يجرّمها، حيث تبث خطباً ومقابلات مع قادة تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش». الحكومة القطرية ليست جديدة في استخدام البث الرياضي في أغراضها السياسية؛ فقد كانت تملك «الجزيرة الرياضية» ثم قررت في عام 2011 أن تشتري شبكة تلفزيونية «بي إن سبورت» للتحايل على سمعتها السيئة، وغيرت اسمها من «الجزيرة» إلى «بي إن سبورت». وأحد أسباب قطع العلاقات بين قطر وأربع حكومات، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، هو استخدام التلفزيون في التحريض، وبعده صار ممنوعاً على شركات قطر…

من يوقف الهجوم على الحديدة؟

الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٨

بعد بلوغ قوات التحالف وجيش الشرعية اليمنية مشارف ميناء الحديدة الرئيسي قبل نحو أسبوعين، دبّت الحياة في أروقة مجلس الأمن، وانتفضت العديد من المنظمات والحكومات تحذر من مذبحة رهيبة، مطالبة بوقف الهجوم العسكري. وزير الخارجية اليمني الجديد، خالد اليماني، لم يضع كل النقاط على الحروف، حيث قال إن هناك دولة تقف ضد تحرير الحديدة. لم يسمها، لكنه لمّح بما يكفي للمتابع العادي بأن يعرف الدولة... يقول إنها التي وقفت ضد حماية المدنيين في سوريا؟! ولم يخطر ببال كثيرين أن الدول الكبرى في مجلس الأمن ستتدخل في الحرب اليمنية، وهي التي رفضت التدخل لإعادة الحكومية الشرعية التي وجدت في الأصل بناء على قرارات مجلس الأمن الذي تخلى عنها بعد الانقلاب. وفوق هذا كان موقف مجلس الأمن عاجزاً حيث امتنع بصوت واحد عن إدانة إيران لدعمها المتمردين الحوثيين. أما لماذا تصوم مدافع قوات التحالف عن القتال مراعاة لمجلس الأمن إن كان بإمكانها الاستيلاء على الحديدة، المدينة الأهم للحوثيين؟ فالسبب أن الشرعية تريد إرضاء الدول الخمس للحصول على تأييدها فيما تبقى من خطوات عسكرية وسياسية لإنهاء الانقلاب. إيران والحوثي يخططان لمجزرة كبرى في الحديدة بدليل أن ميليشياتهم وتعزيزاتها اندست وسط المناطق السكنية وتحصنت بالمدنيين، وهو أسلوب حزب الله نفسه في حربه مع إسرائيل عام 2006. فهو بعد أن نفذ هجوماً على الحدود هرب…

اشتراط بقاء الأسد بخروج إيران

الثلاثاء ٠٥ يونيو ٢٠١٨

نظام خامنئي ونظام الأسد يسعيان إلى تحقيق هدفين معاً؛ بقاء نظام دمشق كما هو، والإبقاء على وجود إيران العسكري والاستخباراتي وميليشياتها في سوريا، والتفاوض على ما عداه. في حين أن الطرح الأميركي الأخير هو العكس؛ بقاء نظام الأسد مشروط بإنهاء الوجود الإيراني في سوريا وما تبقى قابل للتفاوض. لكن الرحلات والتصريحات تقلص التوقعات إلى أن «تتنازل» إيران وميليشياتها بالامتناع عن الدخول في معارك درعا، حيث المثلث السوري الأردني الإسرائيلي، مقابل أن تخرج الوحدات الكردية «قسد» الموالية لأميركا من منبج، وهو مطلب دمشق وتركيا. وسبق لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، أن قال إن الخروج الأميركي من منبج هو الأساس قبل الالتزام بمنع إيران قواتها من الوجود في درعا. ولا يستبعد لاحقاً أن تفاوض دمشق، وهي لسان حال إيران، بأنها سترضى بالوجود الأميركي شرق نهر الفرات مقابل بقاء قوات الجنرال الإيراني قاسم سليماني خارج درعا، وعلى بعد عشرين كيلومتراً من «حدود» إسرائيل. أي أن سوريا بهذا الأسلوب «تشرعن» للوجود الإيراني برضا دولي، ولا تكتفي باعتباره قراراً سيادياً لها. فتصبح القوات الإيرانية المحتلة اليوم مثل القوات السورية في لبنان في السبعينات؛ احتلال بشرعية من الجامعة العربية وموافقة الحكومة اللبنانية! لهذا التخوف هو أن تخرج المفاوضات عن طروحاتها الأصلية، وهي أن على نظام الأسد أن يختار بين وجوده وبين وجود الإيرانيين، لا يمكن الجمع…

هل يمكن تطوير مكة؟

الإثنين ٠٤ يونيو ٢٠١٨

في الطائرة عائداً إلى لندن، لاحظت أن نحو نصف الركاب كانوا من المعتمرين الذين جاءوا لزيارة مكة في رمضان، الشهر الروحاني حيث تزدحم فيه العاصمة المقدسة بملايين المعتمرين من أنحاء العالم. وفِي هذا الشهر كان الملك سلمان بن عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين، قد أمر بتأسيس هيئة ملكية لمدينة مكة المكرمة التي نتطلع إلى تفاصيلها بعد ثلاثة أشهر، حين تستكمل إجراءات تأسيسها. مبدئياً، أفترض أن هذه الخطوة ستغير مفهوم خدمة المعتمرين والحجيج، بل وستغير وجه مكة نفسها، خصوصاً أنها ستُبنى على أسس تنظيمية مختلفة عن السابق. الهيئة الجديدة ستكون مستقلة بصلاحياتها، فلا تغرق في البيروقراطية الإدارية المعطلة للعمل والروح معاً. ومن الطبيعي أن تكون مكة محل اهتمام كل الملوك السعوديين طوال الثمانين عاماً الماضية، فهي عاصمة العالم الإسلامي، وإليها يصلي أكثر من مليار مسلم في أنحاء العالم. الجديد في الأفكار المطروحة أن ما كان يتم في السابق هو التركيز على بناء المنشآت، تحديداً توسعة الحرم المكي، وقد أنجزت التوسعات مساحات هائلة للحرم، جعلته أكبر مبنى في التاريخ. أما المشروع الجديد فهو تمكين ملايين المسلمين من الحج والعمرة. ملايين الزوار يأتون ويجدون مكاناً للتعبد لكنها بقيت، ولا تزال، رحلة شاقة، يقومون بها بأقل قدر من الحركة، وفي أقصر وقت ممكن كواجب ديني ثم يغادرون على عجل. هل يمكن أن تكون الرحلة…

لماذا يحاربون «العاصوف»؟

الأربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٨

لأنها المحطة، ولأنه الممثل، ولأنه الكاتب، «العاصوف» مستهدف فكرة وموضوعاً وحواراً وشاشة حتى قبل أن يبث. هذه معركة رمضانية، اعتدنا عليها طوال السنوات الماضية. يهل هلال رمضان بمعركة تلفزيونية، تتجمع الأصوات المتطرفة تهاجمه كل عام. أما لماذا رمضان تحديداً فلأنه الشهر الذي تجتمع فيه أغلبية المشاهدين. وهدفها تشويه وإيقاف الأعمال الفنية، وهم ضدها جملة وتفصيلا، يعرفون أنها تؤثر في الرأي والمجتمع ضد خطابهم المتطرف. «العاصوف» مسلسل درامي تعرضه محطة «إم بي سي»، يحكي عن السبعينات (1970 - 1975). يصور تلك الحقبة بتفاصيل جميلة ودقيقة منقولة عن صور وشهادات حقيقية، ولسوء حظ كارهي «العاصوف» أنه سلسلة طويلة، هذا الجزء الأول منها. المتطرفون ضده لأنهم يَرَوْن فيه محاولة لهدم ما بنوه في العقدين التاليين وسموه «الصحوة»، وهم محقون. فالمسلسل يقدم صورة مجتمع سعودي محافظ متدين من دون التشوهات التي أدخلها المتطرفون في أعقاب الثورة الإيرانية والتي شوهت العالم الإسلامي كله لا السعودية وحدها. المتطرفون محقون في غضبهم لأن المسلسل فتح الصندوق القديم، فأكثر من ثمانين في المائة من المشاهدين لم يعيشوا تلك الحقبة، وأغلبهم يتصورون أن مدينة الرياض القديمة كانت بلدة مظلمة، وسكانها كانوا جهلة منغلقين متطرفين. الحقيقة عكس ذلك. تاريخ المدينة، وتاريخ البلد كله، تم طمسه وأعيدت كتابته. وشهود الزُور هم الذين يريدون إيقاف مسلسل «العاصوف»، وحرمان الناس من اكتشاف الحقيقة.…

الأوروبيون يهربون من إيران

الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٨

جاء خطاب وزير خارجية أميركا، مايك بومبيو، أمس ليضع نهاية للمساومات. رسمياً، واشنطن بدأت الحرب على نظام إيران، بسلاح العقوبات الاقتصادية تهديد لوجود النظام كله وليس فقط التضييق عليه. «توتال» الفرنسية تركت حقول الغاز في الخليج وغادرت. وكذلك أبلغ رئيس ANI الإيطالية إدارة الشركة بأنهم أغلقوا مكاتبهم في طهران، وتوقفوا عن البحث عن النفط والغاز. «إيرباص» وقعت على بيع إيران مائة طائرة ولم يصل إلى مطار طهران سوى ثلاث طائرات فقط من الصفقة التاريخية، الشركة أعلنت إلغاءها. وشركة نرويجية للطاقة الشمسية غادرت الأسبوع الماضي، وقد بقي في عقدها أربع سنوات. وكذلك هربت شركات كبرى أخرى، مثل «سيمنز» الألمانية، و«دانيللي» للصلب الإيطالية، وشركة «ميرسي» للشحن البحري. عشرات الشركات الأوروبية رفضت الإغراءات الإيرانية بالبقاء خشية من إدارة دونالد ترمب، بأن من لم يتوقف عن التعامل مع إيران خلال الـ180 يوماً المقبلة سيحظر عليه التعامل مع السوق الأميركية. لماذا تخاف شركات أوروبية وعملاقة؟ ببساطة، جميعها لها مصالح أعظم مع الولايات المتحدة، وحتى تلك التي لا تهمها السوق الأميركية فإن حرمان إيران من التعامل بالدولار سيعرضها للإفلاس. لم تفلح مساعي الحكومات الأوروبية في حماية عقود شركاتها، التي وعدت بأنها ستستمر في التعامل مع إيران اقتصاديا التزاماً باتفاق JCPOA مع إيران. تقريباً كل الشركات الكبرى التي أبرمت صفقات تنسحب سريعاً رغم الخسائر المحتملة من خروجها.…

ألمانيا وفرنسا مع إيران

السبت ١٢ مايو ٢٠١٨

اختبار صفارات الإنذار في عدد من المناطق السعودية ليس عملاً روتينياً وسط أجواء المنطقة المتوترة، واستمرار الإيرانيين في إطلاق الصواريخ الباليستية مستهدفة المدن السعودية المكتظة سكانياً، من خلال وكيلهم الحوثي في اليمن، يعبر عن حجم المخاطر التي تواجه الجميع. مع هذا، ورغم انتشار العنف المنظم من قبل النظام الإيراني، فإن الحكومتين الألمانية والفرنسية تسوقان لفكرة السكوت على حروب إيران، واحترام الاتفاقية النووية معها. مستشارة ألمانيا ميركل وبشكل صريح، ولأول مرة، تتحدث عن تعزيز سياستها الدفاعية العسكرية بعيداً عن الولايات المتحدة، وتقول للرئيس الإيراني هاتفياً إنها ملتزمة بالاتفاق والتعاون مع إيران. أيضاً، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مع ميركل اختارا الانفصال عن واشنطن متعهدين للنظام في طهران بالمتاجرة معه، ومعلنين رغبتهما في الاستقلال بشكل أكبر عن حليفتهما الدائمة الولايات المتحدة. المواقف المعارضة لقرار الرئيس الأميركي بنقض الاتفاق النووي مع إيران تطرح جملة تصورات تبدو إيجابية، لكنها في الحقيقة سلبية للغاية. قد يبدو تمسك فرنسا وألمانيا بالاتفاق على أنه أهون الشرين. يدعون أن موقفهم يعطي فرصة لإيران للتفكير والتعامل بإيجابية حتى لا تخسر أوروبا، بعد أن خسرت الولايات المتحدة. ألمانيا وفرنسا تسوقان موقفهما المنحاز إلى طهران على أنه من أجل منع النظام من العودة لبناء السلاح النووي وتعقيل سياساته. إنما مقابل هذا الموقف المنفتح، لا يملك الألمان والفرنسيون ما يكفي لضمان سلوك طهران…

هل الحرب بديل الاتفاق؟

الخميس ١٠ مايو ٢٠١٨

السكوت عن الاتفاق النووي مع إيران، كما هو، كان الخيار الأسوأ مثل بلع الموس. وإلغاؤه الخيار الأقل إيلاماً، وهذا لن يعني انفراجاً وسلاماً سريعاً، بل تحجيم النظام الذي سيحاول التمرد وتهديد دول المنطقة وتخويفها، بنشر المزيد من الفوضى والحروب. علينا أن ندرك أن الآتي لن يمر سهلاً وسريعاً. إذن... ما المكسب من وراء الإلغاء إن كانت له تداعيات تفتح المزيد من أبواب جهنم؟ إلغاء الاتفاق وإحياء العقوبات الاقتصادية يهدف إلى إعادة الجني الشرير إلى قارورته وحبسه فيها، وحتى نلمس تغييراً في سلوكه فسيتطلب الأمر وقتاً وجهداً. وعلى رائحة الخطر وقبل أن تبدأ العقوبات خسر التومان ثلث قيمته، وانسحبت شركة توتال من تطوير الحقول النفطية الإيرانية، وتتحدث إيرباص الأوروبية عن إلغاء صفقات الطائرات التي فرحت بها وسوقتها حكومة روحاني على أنها انتصار في وجه خصومها. لا تستهينوا بالأزمة التي تواجه حكومة طهران ومخاوف النظام كله. قد تنتكس الأزمة داخلياً وتتسبب في صراع داخلي بين قوى النظام نفسه، وقد تشجع الشعب الإيراني على المزيد من التظاهر، وقد تكون النتيجة في النهاية سقوط النظام بشكل ما! دول المنطقة تحتاج إلى سياسة في مواجهة النظام المجروح، الذي سيحاول تصدير أزمته إلى الخارج ويشغل المزيد من الحروب. دول المنطقة لم تسع إلى نقل الحرب إلى داخله، ولَم تمول فتح جبهات خارجية ضده، وليس لها يد…

الأرض ليست كروية

الثلاثاء ٠٨ مايو ٢٠١٨

وسط السخرية منه، عقد مؤخراً مؤتمر في بريطانيا لإثبات أن الأرض ليست كروية. وسبق له أن عقد في العام الماضي وحضره بعض مدعي العلم، إلا أن مرتكزات بعضهم دينية، تخالف كل ما أثبته العلماء بعد صراع تاريخي طويل حسمته التقنية. والذين استشهدوا بالمؤتمر، وعدّوه مرجعاً، مثل غيرهم يستشهدون بشكل متكرر بنظريات المؤامرة للتدليل على أن الأرض مسطحة، وأن الإنسان لم يهبط على سطح القمر، وأن وكالة «ناسا» للفضاء الأميركية مجرد جهاز دعائي اخترعه الأميركيون ضد السوفيات، وأن الكرة الأرضيّة لا تدور، وأن مرض الإيدز كذبة، وأن السرطان إنتاج معملي لأغراض تجارية. هؤلاء أقلية تافهة في الغرب، والأغلبية تتعاطى معهم من قبيل الدعابة والترويح عن النفس فحسب، فمشروعات اكتشاف وغزو الفضاء لا تتوقف. في عالمنا المادي اليوم اليد العليا للعلم، والعلم هو الذي يقسم العالم إلى المتفوقين والفاشلين... القادرين والعاجزين، والمانحين والممنوحين، والأقوى عسكرياً والمستضعفين. لا يمكن أن يتقدم مجتمع، مهما بلغ من الترف، كما كانت حالنا في فترة الثراء النفطي السابقة، من دون مشروع علمي شامل. وعجزنا العلمي سبب أساسي في تخلفنا، مهما كبرت مطاراتنا، ومدننا، وشوارعنا السريعة، وزاد عدد خدمنا وعمالنا المجلوبين من أنحاء العالم. كلها بكل أسف مشروعات تنموية حضارية خرسانية مستوردة لم تؤسس مشروعاً علمياً تطويرياً يهتم بتنمية وتدريس العلوم المكثفة؛ بل قامت على تأمين الرفاهية السهلة.…

ماذا فعل جونغ أون بخامنئي؟

الإثنين ٣٠ أبريل ٢٠١٨

لا بد أن المرشد الأعلى في طهران وقياداته يمرون بامتحان صعب. عدا عن تهديد الحكومة الأميركية بإعادة العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني فإن انهيار الحليف النووي الرئيسي لها، كوريا الشمالية، خسارة بمثابة الكارثة. صحيح، حتى الآن، لم أسمع معلقاً جاداً يستبشر باللقاء والمصالحة التاريخية بين زعيمي الكوريتين، ولا من يصدق بأنها ستحقق نهاية الحرب والتوتر، كما أعلن الاثنان. ومع أن الشك لا يزال سيد الموقف تبقى التطورات في شبه الجزيرة الكورية محل حسابات النظام الإيراني. ماذا لو قرر الرئيس الشمالي فعلاً إنهاء حالة الحرب، مع أننا لا نفهم حتى هذا اليوم لماذا بدل سياسته، هذا إن كان قد فعل؟ لنفترض أن ما سمعناه منه يعبر عن سياسة جديدة، وأن كوريا الشمالية حسمت أمرها وقررت التحول إلى بلد مسالم بلا سلاح نووي ويتصالح مع شقيقته كوريا الجنوبية، ماذا سيحل بإيران؟ ما يحدث هو بمثابة انقلاب سياسي ضخم وشأن دولي عظيم، وتأثيراته ستصل إلى مناطق بعيدة بما فيها منطقتنا. ففي العالم بلدان أشغلا المجتمع الدولي ويهددان السلم؛ كوريا الشمالية وإيران. بانسحاب بيونغ يانغ تبقى طهران وحيدة، وسيسهل الضغط عليها، وإجبارها على أن تتوقف عن مشروعها النووي وتعدل سلوكها الإقليمي السيئ. على وقع الأخبار وحدها ستضعف إيران، وستقوى الولايات المتحدة وحليفاتها. لكن المشكلة التي تواجه الجميع نوايا الزعيم الشمالي التي يشكك فيها الكثيرون.…