الخميس ٣٠ أغسطس ٢٠١٢
عام الانتخابات، شخصية أوباما، كوابيس العراق، موقف الروس، وفوبيا الجهاديين.. كلها أسباب قد تفسر التلكؤ الطويل في الموقف الأميركي تجاه دعم التغيير الشعبي في سوريا. آلاف السوريين يحملون السلاح ويقاتلون ببسالة في معركة مدهشة، بأسلحة بسيطة. ورغم أنهم يقاتلون منذ عام، فإنهم لم يتمكنوا بعد من إسقاط النظام، ولا حتى الاستيلاء على مدينة رئيسية واحدة. السبب أنها ثورة شعبية حقيقية لكنها يتيمة، تقارع واحدا من أعتى الأنظمة القمعية في العالم. بعيدا عن دمشق يحارب الرئيس الأميركي على جبهة الانتخابات الرئاسية التي لم يتبق عليها سوى تسعة أسابيع، ويملك فرصة لإعادة انتخابه. لذا لن يجرؤ على التورط في أي عمل خارجي كلما اقترب يوم الانتخاب خشية أن يكون ذلك سببا في هزيمته وخسارة حزبه. ثم إن هناك شخصية أوباما، حيث يبدو للجميع أنه يريد أن يميز نفسه ورئاسته بأنه ليس سلفه جورج بوش، وأنه ضد التدخل العسكري، وهو الذي سحب قواته من العراق ويعمل على الخروج من أفغانستان، ولا يريد أن يرسلها للقتال في سوريا أو غيرها. أوباما شخصيته مختلفة عن بوش، وحتى عن آخرين مثل بيل كلينتون الذي غامر في يوغوسلافيا ونجح، وقام بعمليات أقل ضد صدام في العراق وأخرى في الصومال، وكذلك السودان وأفغانستان. يريد أن يذهب الأميركيون إلى صندوق الانتخابات وهم يتذكرون أن أوباما هو الذي جاء برأس…
الإثنين ٢٧ أغسطس ٢٠١٢
مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران احتفالية تهم الحكومة الإيرانية، التي تعتقد أنها في حاجة إلى ترميم صورتها أمام العالم، وبالدرجة الأهم أمام المواطن الإيراني الذي شهد ثلاث سنوات شوهت سمعة الرئيس والمرشد والقوى السياسية بشكل لم يحدث لهم مثله منذ قيام الثورة في عام 1979. الشائع أن أحمدي نجاد فاز رئاسيا بالتزوير، وكشف النظام عن وحشية في معاملته لأتباعه الذين تظاهروا سلميا مع فريق من النظام مثل موسوي. ولاحقا، شاهد الإيرانيون نظامهم متورطا في دعم النظام السوري الذي ملأت الشاشات جرائمه ومجازره، والآن مشروعه النووي صار يقاسم المواطن العادي ثمن خبزه ووقود سيارته وهو الذي لن يستفيد منه في نهاية المطاف. لمؤتمر دول عدم الانحياز نافذة مهمة، مع أن المنظمة ذاتها لم تعد ذات قيمة منذ عقود، إنما هي فرصة لطمأنة المواطن القلق من الحصار وتصريحات الحرب والضرب من إسرائيل والغرب. والمواطن الإيراني بلغ مرحلة من النضج، والملل أيضا، بحيث لم يعد فعلا يبالي كثيرا بالقضايا التي يرفعها النظام خارجيا ويقتطع من قوته لتمويلها، هو الذي يمول محاربة الغرب، وإسرائيل، ويدعم حزب الله، والقوى العراقية الموالية له. والآن في وقت تتقشف فيه الحكومة الإيرانية في نفقتها على حاجات المواطن تدعم بمبالغ وبكرم كبير نظام الأسد الآيل للسقوط. وليس من قبيل المبالغة أو السخرية ما يقال عن جملة ضوابط وجهتها…
الإثنين ٠٦ أغسطس ٢٠١٢
منذ بداية الأزمة السورية، لعب الجانب الدعائي دورا مهما للجانبين، لكنه كان أكثر أهمية وفعالية ونجاحا لنظام بشار الأسد. وأزعم أن «البروباغاندا»، رغم فشلها في إيقاف انتفاضة الإنسان السوري، فإنها مدت في عمر النظام زمنا إضافيا طويلا أكثر مما حققته قواته وشبيحته على الأرض. ومن آخر الأكاذيب ما بث عبر وكالة «رويترز» قبل أيام من حديث منسوب لقائد الجيش الحر رياض الأسعد. الحديث كله ملفق يقول فيه بمقتل ألف من أفراد قواته وهزائمه. ولم تكن تلك الكذبة الأولى؛ حيث يوجد جيش من العاملين للنظام ينتجون الأكاذيب.. لا يكتفون بالتعليق والرد وترويج مواقف النظام في الإعلام، بل يقومون أيضا بتزييف الصور والأخبار وبلغات متعددة برسائل مختلفة. فالدعاية الموجهة للغرب تركز على أن الثوار إرهابيو «قاعدة» وحفنة من المتطرفين الإسلاميين. والدعاية الموجهة للعرب تقول لهم إن ما يحدث ضد نظام الأسد ليس إلا مؤامرة أميركية - فرنسية. والرسائل الموجهة للسوريين أيضا مختلفة؛ للمسيحيين يقال إنهم مستهدفون من إسلاميين، وللسوريين الموالين للثورة يقال لهم إنها مؤامرة على العرب والإسلام وإن إسرائيل خلفها، ويزعم العثور على أسلحة إسرائيلية مع الثوار. وهناك نشاط دعائي موجه للثوار أنفسهم لضرب بعضهم ببعض، أو تقديم معلومات مضللة؛ ففي معركة الحفة، وهي بلدة قريبة من اللاذقية استولى عليها الثوار، وجهت لهم رسائل عبر الإعلام مزعومة على لسان الجيش الحر…
الأربعاء ٠١ أغسطس ٢٠١٢
عندما سأل مذيع المحطة الأميركية «إي بي سي»، الصحافي البريطاني المخضرم روبرت فيسك، عما يحدث في مدينة حلب، أجاب بأن صديقة قالت له إن صديقة اتصلت بها من حلب، وكان صوتها يصعب أن تسمعه، ولم يكن ذلك بسبب أصوات إطلاق النار، بل لأنها كانت في مطعم وسط حلب وفيه صوت موسيقى في الخلفية. المعنى هنا أن قوات الحكومة تمسك بوسط المدينة، وأن الحياة فيها عادية، بخلاف كل الصور والتقارير وعشرات الآلاف الذين ينزحون من المدينة التي تدور فيها معارك من أعظم المعارك في تاريخ الثورة السورية. طبعا، هذا هراء لكن فيسك حر في التفتيش - كما يفعل منذ بداية الثورة - عن أعذار وأوصاف لدعم نظام الأسد، مختصرا انتفاضة السوريين بأنها بفعل جماعات سلفية و«القاعدة» وبدعم سعودي قطري. الحقيقة على الأرض أهم من شهادات صحافيين عواطفهم مع النظام السوري، وسيرى العالم أن حلب ستسقط في يد الثوار، وقوات النظام ستدحر، ثم ستلاحق وتحاصر في دمشق ثم يسقط النظام إلى غير رجعة. هذه حقائق الأرض وتطوراتها، وهي رغبة أغلبية السوريين، وليست مشروعا سعوديا أو غربيا. وما كتبه الزميل الأستاذ مشاري الذايدي، أمس عن باتريك سيل صحيح أيضا، باستثناء أن سيل يبقى مدافعا لينا عن نظام الأسد، وليس مستميتا من أجله مثل البعض الآخر. الذي حدث في منطقتنا كبير جدا، أكبر من…
الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢
لا أستبعد أن بشار الأسد، في ظل ما ارتكبه من جرائم إبادة في معظم أنحاء سوريا، يتخيل أنه يستطيع غدا أن يرمي بمفتاح العاصمة، ويفر إلى اللاذقية، أو أي من مدن الشريط الساحلي المحمي بسلسلة جبلية في غرب البلاد، ويظن أنه يستطيع إقامة دويلته هناك ويستأنف نشاط. ليست مثل هذه الأفكار الحمقاء على رأس بشار الذي لم يتخذ قرارا واحدا صائبا في معالجة الثورة عليه. خطته الوحيدة كانت القوة، وبها أراد إخضاع 20 مليون سوري، وأن المدد الخارجي، الإيراني والروسي، سيحمي نظامه. بعد فشله عسكريا لم يتبق له سوى الهرب إما إلى روسيا، وإما إلى إيران، وإما إلى ما قد يعتبره ملاذه العائلي. وأمام حلمه بالملاذ العائلي المتواضع تحديان: اعتباره شخصا مطاردا سيباعد بينه وبين سكان هذه المناطق، من علويين ومسيحيين، لا يريدون تحمل أوزاره، ولا الدفاع عنه. والثاني، حتى لو كافأوه على أخطائه الشنيعة ومنحوه ملاذا ورأسوه عليهم، فكيف يمكن له أن يحمي هذه المناطق من عشرات الآلاف من الثوار الذين سيقتفون أثره ويطاردونه في أي اتجاه يذهب؟! إن ما تبقى من فلول جيشه - فضلا عن أن حرب عام ونصف العام أرهقتهم وجعلت معنوياتهم مهزومة - سيكون في موقف الضعيف أمام خصومه عددا وعدة. لقد تغيرت معادلة القوة، حتى الروس الذين كانوا يرفضون شجب استخدام القوة قبل ستة…
الثلاثاء ٢٤ يوليو ٢٠١٢
قبل الهجوم على بغداد في عام 2003 بلغ الضغط أشده على الرئيس العراقي حينها صدام حسين. كان من الواضح أن الهجوم الأميركي واقع، وهزيمة صدام أكيدة، وتقلصت خياراته إلى اثنين: الخروج أو القضاء عليه. للتاريخ، صدام اختار الأول، حيث وافق من خلال مبعوثه وسكرتيره الشخصي عبد حمود على التخلي عن الحكم وتجنيب العراق الحرب بوساطة مع القيادة الإماراتية. اجتمع القادة العرب في قمة شرم الشيخ، حيث رفض حينها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إدراج الحل الإماراتي، وانتفض رئيس الوفد العراقي بحجة أنه لا يمكن لصدام أن يستسلم. صدام في بغداد صار في موقف محرج وأخذته العزة، فتراجع عن الاتفاق وكان ما كان، ولو خرج لتغير تاريخ العراق من دون دماء. قبل أيام، ألقى السفير الروسي في باريس قنبلة عندما كشف عن أن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على التنحي بصورة حضارية، ضمن اتفاق جنيف الذي طبخه المندوب الدولي كوفي أنان، إلا أن المتحدث الرسمي في دمشق سارع لينفي الرواية. ومن المؤكد أن السفير الروسي يدري الحقيقة، لأنه يعرف التفاصيل. وما سماه التنحي «بصورة حضارية»، الأرجح أنه كان يعني تذكرة سفر بلا عودة. ومن المفهوم أن ينفي بشار الرواية السر، لأن فضح الاتفاق قد يسبب انهيارا معنويا سريعا بين قواته وقياداته، إذا علموا أن الرجل الذي يدافعون عن جرائمه يخطط…