الخميس ١٨ أغسطس ٢٠١٦
كان الخصام الناشب حالياً بين تركيا والولايات المتحدة سبباً وجيهاً لتزخيم احتضانٍ روسي ثم إيراني لرجب طيب أردوغان، بعدما أشعرته موسكو في الخريف الماضي، بعقوباتها وإشهارها العداء له غداة إسقاط «السوخوي»، بأنها في صدد شطب تركيا من أي معادلة نفوذ إقليمية خاصة بسورية. خلال تلك المحنة، بخسائرها الاقتصادية المحققة وتداعياتها السياسية غير القابلة للضبط، لم يبذل «الحليف» الأميركي أي جهد لطمأنة أنقرة ولم يخرج «الناتو» عن تضامنٍ معنوي غير مجدٍ. لم تكن تلك المرّة الأولى التي يشعر فيها الأتراك، منذ بدء الأزمة السورية، بأن واشنطن تخذلهم وتعرقل كل خططهم مع حلفائهم العرب، وفيما تكبّل أي دعم للمعارضة السورية بكمٍّ هائلٍ من الشروط إلا أنها تتعايش مع كل التدخّلات الأخرى أو تشجّعها، سواء كانت روسية أو إيرانية أو إسرائيلية. ومع أن أنقرة لم تتبنَّ بعد رواية علنية متكاملة لـ «الدور الخارجي» في المحاولة الانقلابية، إلا أنها مقتنعة على الأقل بأن روسيا وإيران كانتا خارج «المؤامرة». ولعل وقوع المحاولة بعد أسبوعين على توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل حال دون الاشتباه بالأخيرة رغم اتهامات سابقة لها بعلاقات مع جماعة فتح الله غولن. لذلك بقيت فرضية الدور الأميركي قوية، شرط التوصل الى إثباتها، وبالأخص تحديد دوافعها وأهدافها. خلافاً للعواصم الأوروبية التي اشتبكت سياسياً وإعلامياً مع أنقرة على خلفية حملة «التطهير» العسكرية والمدنية لـ…
الخميس ٠٤ أغسطس ٢٠١٦
لم تغب عن الأذهان سوريالية قرار قمة نواكشوط عقد القمة العربية المقبلة في اليمن، على رغم إجرائيته وحتى رمزيته التي تنطوي على تمنٍّ بأن تنتهي الحرب في أقرب الآجال. ونظراً الى الوتيرة المتسارعة للصراعات في الدول الأربع المأزومة، قد تكون الجامعة العربية مدعوة الى التفكير في أن قمة نواكشوط ربما تكون الأخيرة التي تنعقد ولو صوَرياً بـ «22 دولة»، وهي عملياً 21 بسبب المقعد الخالي لسورية. فالعدد مرشحٌ لأن يتزايد من دون أن تكون للجامعة ودولها إرادةٌ في التوسّع، على غرار ما حصل للسوق الأوروبية المشتركة التي حوّلت نفسها الى اتحاد أوروبي لتستوعب الدول الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989. والفارق أن السوق في أوروبا الغربية كانت واعية ومواكبة، بل مساهمة في ذلك الانهيار ومستعدّة للتعامل مع تداعياته وفقاً لسياسات مرسومة ومدروسة مسبقاً، أما الجامعة فبدت وفق بيانات القمة الأخيرة كأنها بالكاد لديها علمٌ وخبرٌ بكوارث ما هو جارٍ في سورية والعراق واليمن وليبيا و... و... من تفكيك للدولة وتمزيق للمجتمعات. لا يعني ذلك أن الجامعة أو بالأحرى دولها تجهل الأخطار، لكنها ترضخ لحقيقة أن قوى أخرى دولية أو إقليمية تتصرف الآن بمصير هذه الدول وشعوبها، وستتصرّف بدول وشعوب أخرى مرشّحة للاضطراب، وما على الجامعة ودولها سوى انتظار المحصّلة النهائية التي قد تفرّخ ما لا يقلّ عن عشر الى…
الخميس ١٤ يوليو ٢٠١٦
أثبتت شهور طويلة من التعامل مع خططٍ لإنهاء الصراع في سورية تماسك محور روسيا - إيران - نظام بشار الأسد، وتمسّكه بشروطه للحل السياسي من جهة، وامتلاكه بديلاً هو الحل العسكري من جهة أخرى، مستنداً إلى اختلال ميزان القوى لمصلحته، وبالتالي عدم اكتراثه بالكلفة البشرية والاقتصادية والعمرانية. وفيما يشاطره المحور الآخر عدم الاكتراث هذا، فإنه يكاد يقتصر على الولايات المتحدة، وحدها عملياً، وهي متخبّطة ومُربكة، سواء بخياراتها ومصالحها أو بتناقضات لا حصر لها مع حلفاء وأصدقاء، يشعرون أحياناً كثيرة بأنها متواطئة مع روسيا أو مع إيران ومع النظام، والأسوأ أنها كلّما لوّحت وتلوّح بتنازلات للحصول على «صفقة/ اتفاق» تجد أن موسكو تأخذ تلك التنازلات على أنها مكاسب ولا تلبث أن تخدعها فلا تعطي شيئاً في المقابل. مردّ ذلك إلى أن «الدب الروسي» مدرك أنه يتساوم في سورية مع «أميركا بلا أسنان»، وما دامت كذلك فهي في نظره رهانٌ خاسرٌ لمن يعوّلون عليها ولا يحقّ لها أن تحصل على شيء. لكنها أميركا مختلفة في مكان آخر: أوروبا. لم يكن مُستغرَباً، إذاً، أن يخفق التنسيق والتعاون بين موسكو وواشنطن، ويبدو تشدّد حلف الأطلسي في ملفّيَن (روسيا والإرهاب) وعزمه على تعزيز وجوده العسكري في شرق أوروبا بمثابة تفسير لهذا الإخفاق. ذلك أن شروط الروس لقتال مشترك ضد تنظيمي «داعش» و »جبهة النصرة» (بعد…
الخميس ١٩ مايو ٢٠١٦
السلطة أهمّ من الوطن. أهمّ من الشعب والدولة والشرعية. أهمّ من العمران والاقتصاد... لأن السلطة، كما ارتسمت ومورست بعد الاستحواذ عليها في يمن علي عبدالله صالح ومن سبقه من ضبّاط، قبل «توحيد» الشطرين وبعده، أعفت الحاكم من واجبات إنشاء الدولة واحترام الشعب والاهتمام بالتنمية، وتحوّلت مصهراً للاستبداد، وهو أسوأ أنماط الفساد. ولأن السلطة، كما استورثها الحوثيون من علي عبدالله صالح وكما باشروها، تحاول تخليق «ما بعد بعد» الاستبداد، لذلك تحوّلت معهم فعلَ احتلال، وهو أسوأ الأسوأ. وهكذا تبدو الحكومة الشرعية، وهي «تشاورهم» في الكويت لأنهم يستكثرون عليها أن تفاوضهم، في دور «الأم» المضطرّة للتخلّي عن ولدها حيّاً مخافة تقطيعه، وبالتالي قتله كما يريد مَن ينازعونها عليه، وفقاً للمثل الأخلاقي الكلاسيكي المعروف. غير أن الأخلاقية مفتقدة كليّاً عند الحوثيين وحليفهم. تعقد مشاورات/ مفاوضات الكويت تحت رعاية الأمم المتحدة وبهدف تنفيذ القرار الدولي 2216 الذي صيغ وبني على أساس اعتراف بحكومة يمنية شرعية موجودة وجرى الانقلاب عليها بتواطؤ وتعاون بين ميليشيات محلية ورئيس تنحّى ظاهرياً من أجل مصلحة البلد، لكنه تفرّغ عملياً لنصب الأفخاخ والمكائد، مصادراً بعض وحدات الجيش ومحافظاً على خطوط اتصال مع مجموعات إرهابية تعمل تحت راية تنظيم «القاعدة». وكما أن ميليشيا الحوثيين، أو جماعة «أنصار الله»، استقوت بالعلاقة التي أقامتها مع إيران وقاتلت الجيش الحكومي في صعدة أيام حكم…
الخميس ١٢ مايو ٢٠١٦
ليل الخميس - الجمعة (5 - 6 أيار - مايو) قصف طيران النظام السوري مخيم «غطاء الرحمة» للنازحين في بلدة الكمونة بريف إدلب. كان هؤلاء هربوا من جحيم حلب إلى ما ظنّوه ملاذاً آمناً أو شبه آمن. قتل وأصيب أكثر من مئة منهم في جريمة حرب موصوفة، بعد ساعات على جلسةٍ لمجلس الأمن دان فيها معظم الأعضاء الهجمات الوحشية للنظام على حلب واعتبرتها الأمم المتحدة جريمة حرب نظراً إلى تدمير منهجي للمستشفيات والبنية التحتية للمدينة. لكن روسيا منعت مجلس الأمن من إصدار بيان، مجرّد بيان تنديد، لئلا يشكّل ورقة أولى في ملف جرائم نظام بشار الأسد لمحاسبته بموجب القانون الدولي. وتأسيساً على هذه «الحصانة» التي توفّرها روسيا أغار طيران الأسد على مخيّم النازحين. هذه المرّة طلب بان كي مون بوضوح أن يتخذ مجلس الأمن إجراءات لإحالة ملف سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية. ما لبثت موسكو ودمشق أن لجأتا إلى التضليل لتمييع المسؤولية عن هذا القصف الإجرامي، بل اتهمتا «جبهة النصرة» بقتل نازحين في مخيم يقع في نطاق سيطرتها. شاركت واشنطن أيضاً في التضليل والتمييع، فكل ما استطاع ناطق الخارجية قوله أن «لا شيء يبرر الهجمات على المدنيين». هذا الموقف الأميركي المبالِغ في الخجل يريد مشاركة الأسد والروس في تعمية ما حصل فعلاً، لأن تأكيد مسؤولية الأسد يتطلّب من الأميركيين أن…
الخميس ٣١ مارس ٢٠١٦
إيران وحدها، أكثر من سواها، تعرّف ما عنته «عاصفة الحزم» عندما هبّت قبل عام. كان أتباعها في بغداد وبيروت والمنامة والكويت وأماكن اخرى، وفي بيئة الحكم الايراني و «الحرس الثوري» لا في عموم ايران، يتتبعون لحظة بلحظة تقدّم الحوثيين وعسكريي علي عبدالله صالح في أرجاء الجغرافيا اليمنية، مشدودين الى الشاشات والراديوات ذات يوم مطلع شباط (فبراير) 2015 للاستماع الى «اعلان دستوري» حوثي من القصر الجمهوري في صنعاء، وأبرز ما فيه «حل البرلمان وتشكيل مجلس انتقالي ومجلس رئاسي موقّت»... كان ذلك إشهاراً للانقلاب، بعد استتباب السيطرة على مختلف المناطق. بعد أقل من أسبوعين خرج الرئيس عبد ربه منصور هادي من مكان احتجازه في صنعاء حيث استُقيل ليظهر في عدن معلناً العودة عن الاستقالة، وبدأ الحوثيون سلسلة محاولات لتصفيته، وراحت الغارات الجوية تطارده حتى مساء 25 آذار (مارس). في اللحظات الأولى من فجر 26/3 بدأت نهاية أوهام الحوثي - صالح، كذلك نهاية حلم «العواصم الأربع» الايراني. كانت المفاجأة السعودية حاسمة وصاعقة، بمقدار ما كانت الطلعة الأولى لطيرانها تنهي ثلاثة عقود ونيّف من الصبر والصمت على جارٍ اقليمي (ومسلم، اذا كان هذا يعني شيئاً!) بلغ صلف تدخّلاته حدّاً يفوق أي وصف، فهو لا يتورّع عن زعزعة الأمن والاستقرار، ولا يرضى بأقل من فتنة تعمّ الجوار العربي الأبعد فالأقرب ليوطّد ما يسمّيه نفوذاً أو…
الخميس ٢٤ مارس ٢٠١٦
النجاح النسبي لـ «وقف العمليات العدائية» لا يستبعد نهائياً العودة الى إشعال الجبهات. وهذا رهن حسابات الإيرانيين والنظام السوري، بعدما أشار الانسحاب الروسي، ولو جزئياً، الى أن موسكو تعطي أولوية للمفاوضات والحل السياسي، في إطار توافق غير مسبوق بينها وبين واشنطن. وإذا كان لهذا التوافق أن يستمر، فلا بدّ أن تسعى محادثات جون كيري مع فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف الى تطوير ما تمّ التوصل إليه، أي الانتقال من الهدنة الموقتة الى وقف إطلاق نار دائم، والانتقال من البحث في الشكليات والتفاوض على التفاوض وجدول الأعمال الى تداول وفدي النظام والمعارضة في تفاصيل «الانتقال السياسي». ولن ترضخ الأطراف لوقف النار أو لدخول تفاوض في العمق إلا إذا تبيّنت أن هناك تصميماً أميركياً - روسياً يرقى الى مستوى الإرادة الدولية، وهذه بدورها ستنعكس على الداعمين كافة. هذه هي اللحظة التي ينبغي أن يثبت فيها الأميركيون والروس فعلاً أنهم في صدد إنهاء الصراع في سورية. فالاكتفاء بـ «وقف العمليات» وعدم البناء عليه، كما الركون الى وجود وفدَي المعارضة والنظام في أروقة الأمم المتحدة وعدم تفعيل التفاوض بصيغ عملية مرنة، من شأنها أن تعيد الأولوية الى الأرض للتحاور بالنار والاحتكام الى القتال. والواقع، أن الشهور الثلاثة التي مرّت على صدور القرار 2254 شهدت إهمالاً دولياً لنصوصه وتقصيراً في تنفيذه، من دون أن يكون هناك…
الخميس ٢٥ فبراير ٢٠١٦
لا يمكن أحداً أن يتصوّر انفكاك الروابط بين المملكة العربية السعودية ولبنان. ارتضاها البلدان في مختلف الأطر والمجالات، وحافظا عليها، السعودية لأنها مفطورة على رعاية العرب والمسلمين، ولبنان لأنه بلد صغير كان وسيبقى في حاجة الى رعاية. وفي ما يخصّ لبنان تحديداً كان ولا يزال صحيحاً أن السعودية لم تميّز بين الطوائف. والأهم أنها انحازت دائماً الى الدولة، وانبرت دائماً للوساطات الطيّبة، لم تستثمر يوماً في الانقسامات والخلافات، ولم تشأ أبداً أن يكون لها دور يشعل الوقيعة بين اللبنانيين، وعندما تبادر تكون مساعدتها حاسمة في رأب الصدوع ولأم الجروح وإعادة بناء ما تدمّر بفعل عدوان خارجي أو اقتتال داخلي. لا لشيء بل لأنها تؤثر السلم والاستقرار في ربوع العرب، مقدار ما تريده في ربوعها. هفوة، غلطة، حماقة، تحدّ محسوب، أو هذه كلّها مجتمعة، أدّت أخيراً بالمملكة الى أن تدق على الطاولة وتقول كفى. نعم، هي أكثر من «جمعية خيرية»، لكنها أعطت بلا حساب ولم تطلب شيئاً في المقابل، ومثلها فعلت دول مجلس التعاون الخليجي كافة، وإن بقيت هي السابقة بأشواط، وسكتت على استفزازات السفهاء، أما أن يعجز لبنان، أو بالأحرى أحد وزرائه، عن أن يتخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، فهذا يراكم الجحود على الغباء. فالصبيانية خصوصاً في السياسة الخارجية هي المسار المباشر الى التهوّر، ومَن لا يعرف مصلحة بلده…
الخميس ٠٣ سبتمبر ٢٠١٥
عبّر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أخيراً عن اندهاش وانزعاج من تصريح لرئيس هيئة الأركان الأميركي الجنرال أوديرنو، قبيل تقاعده، قال فيه أن تقسيم العراق «يمكن أن يحدث»، بل إنه «قد يكون الحل الوحيد». كانت تلك خلاصة انتهى إليها عسكري قيادي أمضى أعواماً عدة في العراق، وبمعزل عن دوافعه ونياته فالمؤكد أنه تعامل مع جميع مكونات المجتمع وتحادث معها بصراحة لا تميز العلاقات في ما بينها. لكن رد مكتب العبادي اعتبر تصريحاته «غير مسؤولة» وتنمّ عن «جهل» بالوضع في العراق. كل مَن يريد للعراق أن «يبقى» (!) موحداً يتمنى طبعاً أن يكون العبادي محقّاً وأكثر علماً بحقائق بلده، وهو مؤهّل لذلك. لكن، بعد أسبوع، كان المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني من أشار إلى «التقسيم» ولو من زاوية مختلفة وفي سياق إلحاحه على مواصلة الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الوزراء، بل المضي بها بوتيرة أكثر سرعة. قال المرجع، في إجابات مكتوبة عن أسئلة لـ «فرانس برس»: «إذا لم يتحقق الإصلاح الحقيقي من خلال مكافحة الفساد بلا هوادة وتحقيق العدالة الاجتماعية على مختلف الأصعدة، فإن من المتوقع أن تسوء الأوضاع أزيد من ذي قبل، وربما تنجر إلى ما لا يتمناه أي عراقي محب لوطنه من التقسيم ونحوه لا سمح الله». وذهب المرجع أبعد حين حمَّل «الذين حكموا البلاد…
الخميس ٠٩ يوليو ٢٠١٥
كانت أزمتا سورية والعراق كافيتين لتعقيد قضية المشرق وخرائطه ومستقبل أقلياته العرقية والدينية، ولم تبدِ القوى الدولية المعنية حيال تطوّراتهما سوى التريث والانتظار، إلا أن الحروب بالوكالة مكّنتها أيضاً من تبادل الألاعيب والضربات. لكن ظهور تنظيم «داعش» وتوسّعه وتمدّده أدّت إلى مفاقمة الأزمتين، ومنحت تلك القوى الدولية عنصراً جديداً لمناوراتها، إذ إنه يبرر عودتها العسكرية ولو المحدودة، ويتيح لها حجز حصصها في أي تسويات مقبلة. روسيا وإيران ساهمتا في تمزيق سورية، تركيا وإسرائيل تتنافسان على شمالها وجنوبها، الولايات المتحدة ودول غربية تمسك بالخيوط وتراقب، ودول عربية تتطلّع إلى أدوار مهما كانت خلفية أو ثانوية. كان هناك تقاسم نفوذ في العراق بين الولايات المتحدة وإيران، لكن الإحباطات الإمبراطورية دفعت الأولى إلى الانكفاء، والأطماع الإمبراطورية الفارسية زيّنت للثانية عسكرة فئة مذهبية ضد أخرى، فكان «داعش» ثالثهما المستفيد من أخطائهما في إدارة أطماعهما. جاء هذا التنظيم في لحظته المرسومة. لم يأتِ من فراغ، لكنه جاء ليملأ الفراغ لحظة بلغ انعدام الوزن العربي ذروته، في البلدين، وكذلك في المنطقة. دول تتفكّك، مجتمعات تتمزّق، شعوب تكاد تفقد كل يقين صحيح أو كاذب تكوّن لديها على مدى مئة عام. هي حقبة تشابه انهيار الإمبراطورية العثمانية الذي استمرّت وقائعه أعواماً قبل أن يشرع الورثة في إرهاصات الدول واستقرارها. لم تبدأ مرحلة الحلول بعد في المشرق، فالحروب لا…
الثلاثاء ٠٩ يونيو ٢٠١٥
يتفاقم الخطر في سوريا إلى حدّ أنه يمكن أن يقوّض أي نوع من الحلول التي تم تداولها في الأعوام الأربعة الماضية. كانت قوات المعارضة وسّعت أخيراً رقعة سيطرتها في الشمال، كما في الجنوب، وأكّدت وجودها الصامد في ريف العاصمة دمشق. أصبحت أي خطوة تالية لها قادرة على تهديد النظام بالانهيار. ما العمل؟ هنا، تحرّك تنظيم «داعش» أو جرى تحريكه أو أوحي له بأن تقدمه نحو حلب مرحّب به. وعندما فعل تلقى مساعدة من جانب النظام بقصف مركّز بالبراميل المتفجّرة وغيرها لمواقع المعارضين المتصدّين لـ «داعش». وقبل أسبوعين كان مقاتلو التنظيم اجتازوا مسافة صحراوية طويلة ومكشوفة من دون أن يتعرّض لهم أحد، لا طيران «التحالف الدولي» ولا طيران النظام، فاستولوا بسهولة ومن دون قتال فعلي على مدينة «تدمر». تبادل أدوار، التقاء مصالح، تحالف ضمني موقّت، ضرورات تفرض أولويات؟ كل ذلك وارد في تفسير التنسيق الميداني بين النظام السوري و«داعش». فللمرة الأولى منذ بدء الصراع المسلّح في سوريا لم تتردّد الخارجية الأميركية في اتهام النظام «بمساعدة المتطرّفين والعمل على تقوية موقف داعش»، وأشارت الى تجنّبه توجيه ضربات إلى مواقع التنظيم، لكنها لم توضح لماذا امتنعت الطائرات الأميركية أيضاً عن ضرب تلك المواقع الشمالية التي تقع في منطقة عمليات «التحالف» طالما أن أحد أهدافه منع «داعش» من توسيع رقعة سيطرته. قد يقال، تفسيراً…
الخميس ٠٧ مايو ٢٠١٥
في غضون أسبوعين، تغيّرت المعادلة الميدانية في شمال سورية لمصلحة المعارضين للنظام، وبعد إدلب وجسر الشغور، باتت الخطوة التالية المتوقعة في منطقة الساحل حيث لم يتوقف الغليان في ريف اللاذقية طوال الأعوام الماضية. وعلى رغم حصارات التجويع والبراميل المتفجّرة والقصف المتواصل، لم تكن وطأة الطوق الذي تشكّله الغوطتان حول دمشق كما هي الآن. وثمة تغيير آخر لا يقلّ خطورة سيأتي من جبهة الجنوب وتقدّم المعارضة الى درعا، التي أُخليت منشآتها الحكومية من الأثاث والوثائق. فمع خسائر الشمال، واحتمال استكمال إخراج قوات النظام من حلب، يتركز الخطر على ما يسمّى «معقل النظام»، وهو المنطقة التي بقيت هادئة نسبياً بل إن القوى الدولية سبق وحذّرت المعارضة من التعرّض لها خشية وقوع «مذابح مذهبية». ومع ازدياد الضغط من الجنوب والغوطتين، قد لا تعود العاصمة منطقة آمنة للنظام، لذلك أكثرت أوساطه وكذلك أوساط إيرانية أخيراً الكلام عن نقلٍ أو انتقالٍ ما لقيادة النظام الى طرطوس، ما أوحى بأن الفكرة قيد التداول، ومن مؤشراتها حصول حركة نقل لعائلات الضباط الى المدينة الساحلية. طوال الفترة الأخيرة، كان السؤال الأكثر إلحاحاً وغموضاً: أين إيران من الهزائم التي يراكمها حليفها في سورية؟ ففي أواخر شباط (فبراير) - أوائل آذار (مارس)، لم يُسجَّل للإيرانيين أي إنجاز سوى إرسال حملة الى الجنوب لاستعادة المواقع التي تسيطر عليها المعارضة حول درعا،…