الخميس ٢٥ سبتمبر ٢٠١٤
فجأة تبرّع النظام السوري بالكشف عن وجود ثلاث منشآت لتطوير سلاح كيماوي لم يصرّح عنها سابقاً لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وتبين أن لديه مخزوناً من غاز الرايسين «العالي السُميّة»، كما يوصف. ومع تزايد التقارير عن استخدام مادة الكلور السامة أيضاً في البراميل المتفجرة، يتبيّن أن النظام لم يخف معلومات عن ترسانته ولم يخرج «نظيفاً من عملية إزالتها فحسب، بل إنه واصل استخدام هذا السلاح ضد الشعب السوري وتذكّر الآن أنه يستطيع استخدامه أيضاً لابتزاز المجتمع الدولي. لماذا؟ لأنه يريد مكاناً له في التحالف الدولي الجديد ضد الإرهاب، بصفته المسؤول عن/ والمؤتمن على سيادة الدولة السورية. لكن، حتى هذه «السيادة» باتت وهماً، أو مجرد شعار آخر يرفعه النظام في سياق استغلال الحرب على «داعش» لإنقاذ نفسه. بالتزامن وللغاية ذاتها، وبعدما رفض المرشد علي خامنئي «عرضاً» أميركياً للتعاون في محاربة «داعش»، تبرّع الإيرانيون أيضاً بـ «تسريبة» إعلامية مفادها أنهم مستعدون لوضع هذا التعاون في غمار المفاوضات النووية ومساوماتها، فإذا وجدوا مرونة غربية (أميركية) بادلوها بخدمات في الحرب. كان نظاما طهران ودمشق ساهما، مع نظام نوري المالكي في بغداد، في جعل «داعش» فخّاً يقع فيه الغرب لقبول «شيعنة» الواقع الإقليمي أو «تشيّعه»، مع ما يتطلبه ذلك من إخلال بالتوازنات وعبث بالحقائق في إقليم يغلب عليه الطابع «السنّي» وتتزاحم فيه دول غربية لا تضع…
الخميس ١١ سبتمبر ٢٠١٤
اذا كان القضاء على الارهاب سيعتمد على تنسيق مع النظامين الايراني والسوري، ومع ميليشيا «حزب الله» (اللبناني/ الايراني)، ومع حكومة عراقية تعوّل على جيش تلاعب الايرانيون بعقيدته القتالية ورفدوه بميليشيات شيعية، فهذا يقترح في المقابل ضرورة التنسيق مع الارهابيين أنفسهم، مع «القاعدة» و «داعش»، لأن النواة الصلبة لمقاتليهم كان ضباطها وأفرادها في سجون تلك الأنظمة وخرجوا أو تخرّجوا، هربوا أو هُرِّبوا، ليشكّلوا التنظيم الأكثر تطرّفاً ووحشية. طبعاً، لا أحد يعتقد بإمكان حصول تنسيق مع هؤلاء، إلا أن وجود الأنظمة الثلاثة في مؤازرة أي «تحالف» دولي - اقليمي «ضد الارهاب» يرسم الكثير من علامات الشك والاستفهام فوق الهدف المتوخّى من أي حرب يشنّها هذا التحالف. فظاهرها المعلن والمعبّر عنه بـ «إنهاء داعش» يمنح تغطية لأجندات كثيرة غير معلنة تتعلّق بمستقبل دول الاقليم، تحديداً بمستقبل سورية والعراق على نحو أوليّ. كان الاعتماد على قوات «البيشمركة» الكردية اجراءً طبيعياً فرضته ضرورتان، تعويض انكفاء الجيش الحكومي ووقف التوسع «الداعشي»، لكن برّرته أيضاً الحاجة الى قوة عسكرية منظّمة غير مصابة بالهوس المذهبي المؤدلج الذي يحرّك الطرفين الآخرين، السنّي والشيعي، أي الى قوة يمكن التفاهم معها على التزامات محدّدة لا تتطلّب موافقة «المرشد» أو «الخليفة». في أي حال لم يكن هذا الإجراء بلا مقابل، اذ إن سقوط المحافظات السنّية غطّى على «استعادة» كركوك من جانب الكرد،…
الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠١٤
لا بدّ من التصارح. فالرؤوس تُقطع والدم يُراق والأرواح تُزهق والناس تُروّع وتُذلّ والبلاد تُضَيّع، والشرق يُسلب فلذة التنوّع أو ما تبقّى منها كعنوان لروحانيته وتسامحه وتعايشاته وآخر أمل في حضاريته. لا مجال للتراوغ اذاً، فالمسلمون متيقنون بأنهم مستهدفون في دينهم تشويهاً وشيطنةً وأدلجةً وأن أعداءهم منهم وفيهم بمقدار ما هم خارجيون، والمسيحيون وغيرهم من الأقليات يشعرون بأنهم يُسقَطون اسقاطاً من معادلة الشرق «الجديد» لجعله معزلاً مغلقاً، وأن العهود الاسلامية القديمة تلاشت تحت وطأة خطر «اسلامي» محدق أيضاً بالمسلمين أنفسهم، أما الضمانات الغربية الأقل قِدَماً فتبدو كما لو أنها تبخّرت، فلا جهة في المجتمع الدولي اليوم تعتبر حماية المسيحيين من أولوياتها. أصبح مصيرهم في معمعة الصراع الدولي، الدائر باحتراب أهلي - طائفي بالوكالة، أن يكونوا الثمن، وأن يدفعوا هذا الثمن. لم تكن المشكلة الرئيسة في أي بلد، لا في مصر ولا في سورية أو العراق أو فلسطين، أن هناك سكاناً زائدين، أن هناك مسيحيين وآخرين يطالبون باحترام حقوقهم وخصوصياتهم. بل كانت هناك أنظمة حكم مستبدة وفاسدة عاملت الجميع بالقمع وبالشدّة الدموية ولم تعترف بـ «مواطنية» أي من رعاياها، كما لم يسعفها استعلاؤها على الأعراف والأخلاقيات ولا تكوينها السياسي والعقائدي في إعلاء القانون فوق الجميع. ترد «الحال الفلسطينية» في هذا السياق لأن اسرائيل شكّلت تاريخياً - باعتمادها على الارهاب والمجازر واحتقار…
الخميس ١٤ أغسطس ٢٠١٤
بعد أعوام متتالية لم تُسمع خلالها كلمة «السيادة» من أفواه الفريق السياسي الذي يهيمن عليه «حزب الله» في لبنان، كان لا بدّ من أن ينتهك مسلحو «داعش» و «جبهة النصرة» الحدود ويهاجموا الجيش اللبناني ليتذكّر هذا الفريق أن ثمة شيئاً اسمه «السيادة» وأن ما حصل اعتداء عليها. كانوا يستهزئون بالفريق الآخر عندما يتحدث عن السيادة والاستقلال، عن الدولة ومؤسساتها، وبالأخص عن الجيش كمؤسسة شرعية وحيدة مخوّلة حمل السلاح. بديهي أن هجوم الارهابيين عبر الحدود «اعتداء على السيادة»، ومن الطبيعي أن يتصدّى لهم الجيش ويطردهم، ومن الواجب أن يتضامن اللبنانيون جميعاً مع الجيش. وهل كان متوقعاً أن يتضامن أحد مع «داعش» أو النصرة» مثلاً؟ هذان التنظيمان لا يعنيان أي طرف سياسي معروف في لبنان، بل لا يعنيان الشريحة الواسعة التي تعاطفت مع الشعب السوري في انتفاضته على نظام فعل كل شيء ليثبت إجرامه في حق ما يُفترض أنه بلده ومَن يُفترض أنه شعبه. وإذا وُجد فعلاً مَن يتماهى مع «داعش» وأشباهه فهو بالتأكيد هامشي لا يستطيع أن يفرض نفسه على البلد، وبالأخص على المجتمع السنّي الذي برهن تاريخياً أنه حارس «الدولة» مثلما أن المسيحيين ولا سيما الموارنة حراس «النظام». وخلال العقود الثلاثة الأخيرة أدخل الشيعة اضافةً مهمةً الى قيم هذه الجمهورية بخوضهم مقاومة باسلة أجبرت المحتل الاسرائيلي على الانسحاب من جنوب…
الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠١٤
تتزاحم الوقائع في مرحلة باتت تستحق بامتياز، أو بالأحرى ببالغ الخزي، لقب «سنوات العودة إلى الوحشية»، إذ تُمارَس بأحدث الأدوات أو بأكثرها بدائيةً، وتُنفَّذ على أنها من أجل قضيةٍ ما رغم أنها تسيئ بالضرورة إلى أي شعب وأي قضية. ومع أن المرتكبين مسؤولون مباشرون عن أفعالهم إلا أن المسؤولية تُعزى أيضاً إلى من آلت إليهم شؤون الإدارة والتدبير. فكل تجاهلٍ لظلم هنا أو هناك، وكل إشعال لنزاعٍ وسعي إلى استغلاله، وكل إهمالٍ لتطرف وإرهاب، أفضت جميعاً إلى نتائج إنسانية كارثية تفضي بدورها إلى نزاعات وتطرّفات متوالدة ومتكاثرة وبات متعذّراً ضبطها. خذوا وقائع أخيرة حصلت في غضون أيامٍ وأسابيع متقاربة، بعضٌ منها مفاجئ لكن معظمها بدأت فصوله قبل زمن ولا تزال تتفاعل، وكلّها محصّلة طبيعية للفشل/ أو لعدم الرغبة في إيجاد حلول، ذاك أن عودة صراعات «الحرب الباردة» بين الكبار ساهمت في إفلات موجة «الوحشيّات»، التي لا يُعرف متى تتراجع وتنتهي: ... يأمر الجيش الإسرائيلي سكان منطقة تلو أخرى في غزة بإخلائها ويرفق تحذيره بعبارة «أعذر من أنذر»، ما تعتبره الولايات المتحدة «احتياطات» جديرة بالتنويه يقوم بها الإسرائيليون لتجنب المدنيين في عملياتهم العسكرية. وكأن مئات الضحايا والمصابين، وغالبيتهم من الأطفال والنساء والمسنّين، لم يسقطوا بفعل الطائرات المغيرة والصواريخ «الذكية»، التي لم توفّر أيضاً بضعة آلاف من المساكن والأبنية من دمار كلّي…
الخميس ١٧ يوليو ٢٠١٤
كان الصوت العربي الأكثر ضعفاً وخفوتاً، على المستويين الرسمي والشعبي، ضد العدوان الاسرائيلي الثالث على غزّة. وكان هناك انتظار تلقائي مؤلم، لكن من دون استهجان، لسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، فهذه مواجهة مع عدو لم يعد لديه ما يثبته، فهو أكثر قوةً ناريةً لكنها قوةٌ لم تعد تنتج سوى المزيد من الوحشية. ولا يُنتظَر منه، طالما أنه عدو مزمن وله سوابق في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، أن يكون أقلّ عدوانية من أنظمة عربية تبدو كأنها تتلمذت على أيديه في استباحة شعوبها واحتقارها. لذلك يأتي القتل الاسرائيلي كما لو أنه في سياق واحد مع القتل السوري والعراقي والليبي واليمني، فضلاً عن «الداعشي» و «القاعدي»... وإذا كان القاتل الاسرائيلي قوة احتلال، في نظر القانون الدولي الذي ينتهكه بلا محاسبة، ودولة ارهاب في عرف كثيرين حول العالم، فإن القتلة «العرب» الآخرين انحفروا في ذاكرات شعوبهم كأسوأ من مارس الاحتلال والارهاب. تبقى لقضية الشعب الفلسطيني خصوصيتها السامية - اغتصاب أرض واضطهاد شعب - لأنها تفجّرت في قلب العالم العربي لحظة ولادة دوله «المستقلّة» وانعكست على سلوك أنظمته وعسكرييها، بل في اللحظة نفسها التي شهدت تعهّد كبار العالم غداة الحرب العالمية الثانية أن لا ظلم بعد اليوم ولا استيلاء على أرض الغير بالقوة ولا سيادة إلا للقانون الدولي. كان العالم ظنّ لتوّه أنه…
الثلاثاء ٠٨ يوليو ٢٠١٤
بعدما ألغى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» هذا المسمّى، الذي اختُصر عربياً بـ«داعش»، ليعتمد اسماً بديلاً هو «الدولة الإسلامية» بداعي أن زعيمه أعلن نفسه «أميراً» للمسلمين ولم تعد ولايته على «العراق والشام» فحسب. وطالما أن الحديث هو عن مجموعة مسلحة استفادت من تزعزع الحكم والانقسام المذهبي والسياسي للشعب في هذين البلدين، فالأفضل الاستمرار في إطلاق اسم «داعش» عليه، حتى لو كان يستفزّ قادته وعناصره الذين استشعروا فيه تحقيراً وصاروا أخيراً يعاقبون الناس إذا استخدموه. والواقع أن الكلمة المستهجنة «داعش» ما كانت لتُستنبط وتحظى بطابع كاريكاتوري أسود لو أن عناصر التنظيم أشاعوا انطباعاً آخر غير الدموية واللاإنسانية على نحو ما فعلوه منذ ظهورهم في مناطق منكوبة أصلاً بحرب فرضها النظام السوري عليها. لم يكن اسم «داعش» ليعني شيئاً في حد ذاته، فلا جذر له في اللغة ولا إشارة في مراجع الإسلام، باعتبار أن الاشتقاقات الدينية شائعة بقوة. غير أنه اكتسب مع الوقت المعنى الذي يشينه. فمن يقول «داعش» يقول الاسم ويعبّر عن رأي سلبي في صاحبه. وهذا لا يتوفّر في الاختصار الأجنبي بعد ترجمة التسمية الى الإنجليزية (إسلاميك ستايت أوف إيراك أند سيريا)، إذ أفضى إلى «آي اس آي إس» ما يمكن أن يكون اسماً لعلامة تجارية جذابة، ويُلفظ «آيزيس» ما يذكّر بأسطورة إلهة الأمومة في مصر القديمة، وهذه تزوجت…
الخميس ١٩ يونيو ٢٠١٤
فشل نوري المالكي، كما فشل بشار الأسد، في إدارة التعدّد الطائفي في بلديهما، ولم يتمكّنا في المنعطف التاريخي الصعب من تغليب المشروع الوطني على الأجندة المذهبية. يُنسب اليهما هذا الإخفاق الفادح لأنهما في موقع القرار والمسؤولية، عسكرياً وأمنياً وسياسياً، وسنحت لهما كل الفرص لمدّ اليدّ الى جميع مكوّنات شعبيهما، لكنهما فضّلا المشروع الإيراني: إمّا الحكم بالإخضاع، أو الذهاب الى تقطيع أوصال البلدين العربيين حتى لو اقتضى الأمر إشعال فتنة سُنّية - شيعية، وحتى لو تطلّب التوسّل بالإرهاب والإرهابيين. طوال عامين ونيّف لم يرتكب تنظيم «داعش» أي خطأ يمكن أن يربك نظامَي دمشق وطهران، بل كانت تجربتهما معه شاملة المكاسب، فهو «الفزاعة» التي تبعد أي تدخل اميركي، وهو الاشتباه الذي يلوّث سمعة المعارضة ويرشّح فصائلها الجهادية أو «التكفيرية» (وفقاً للمصطلح المفضل لدى الإيرانيين) للوائح الإرهاب الغربية. ورغم أن «داعش» كان مزعجاً لنظام بغداد إلا أنها تعايشت مع تفجيراته، لأنه مفيد أيضاً في وصم محافظات السُنّة بالتطرف والإرهاب لتبرير عدم النظر في مطالبها وللتشهير بأقطابها وإقصائهم فلا يبقى سوى المدعو «أبو بكر البغدادي» زعيماً أوحد لها. لكن في الهجوم على الموصل بدا كما لو أن «داعش» انقلب على الدور المُعطى له. هل هذه هي «الخدعة» التي تحدث عنها المالكي ولم تكن في حساب قاسم سليماني؟ الجواب: قصف طيران النظام السوري، للمرّة الأولى،…
الثلاثاء ١٧ يونيو ٢٠١٤
هل انهار الجيش والأمن العراقيان فعلاً أم أن مَن أمرهما بالانسحاب أراد فتح الطرق أمام «داعش»؟ وإذا كان الانهيار هو المرجَّح، فهل يحدث فجأة في عتمة الليل ومن دون إشارات مسبقة؟ أما إذا كان الانسحاب هو الأرجح، فهل نُفِّذ إعراباً عن أن مناطق في العراق لم تعد تعني جيشه وحكومته لأنها... سُنّية؟! وإذ صاح نوري المالكي ومعارضوه، كلٌ يوجّه أصبع الاتهام إلى الآخر، بأن هناك «مؤامرة»، فهل يتساوى الناكب والمنكوب؟ وكيف تقول دمشق إنها وبغداد تحاربان عدواً واحداً، يُفترض أنه «داعش»، مع أن هذا التنظيم لم يقاتل أبداً ضد النظام السوري. أما النظام العراقي فيحاربه شكلياً بيدٍ ويستخدم فعلياً بيد أخرى؟ وعلى أي نحو سيكون «الجيش الرديف» الذي يبحث عنه المالكي؟ وهل سيأتي به من عشائر أمكنه اختراقها أم من أهالي مناطق عانت طويلاً من عَنَته وتعصّبه أم أنه سيسحب جزءاً من الميليشيات الشيعية المقاتلة بإمرة الإيرانيين في سوريا؟ وأساساً لماذا فعل كل شيء، وهو «القائد العام للقوات المسلحة»، ليعدم الثقة بين الجيش والمواطنين، وهل يستقيم أصلاً أن يكون «القائد» في بلد متعدد المكوّنات منتدباً لتطبيق أجندة تخريبية لا يضاهيها سوى أجندة «داعش»؟ ليس في ما يحصل أي مصادفة، ولعل في تسمية «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ما يشير إلى مشروعٍ «داعشي» لكنه في التفاصيل يتطابق مع مشروع إيراني. وفي…
الثلاثاء ١٠ يونيو ٢٠١٤
أقيمت مقارنات كثيرة بين انتخابَين متزامنَين، وشتّان ما بينهما. في مصر هناك تحدّيات لكن هناك الأمل، وفي سوريا هناك سفك دماء لكن هناك وعداً بالمزيد. لم تجد الدول الكبرى، بمعزل عن مآربها غير المعلنة، صعوبةً تُذكر في تجاوز مآخذها على الحكم في مصر أو في اعتزام العمل معه، ولم تجد ما يمنع وصفها الاقتراع في سوريا بـ «المهزلة» أو ما ينقض عدم اعترافها بنتيجته. دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، جدّدت تصميمها القوي على مساعدة مصر ودعمها، ولم ترَ في سوريا أي جديد يُعوَّل عليه. ثمة مخاوف على مصر، بطبيعة الحال، لكن المخاوف أكبر على سوريا بعدما تحوّل نظامها ورقةً يتنازعها حلفاؤه قبل خصومه وأصبح مصيرها رهن التفاوض بين هؤلاء وأولئك وليس بين الحكم والشعب. قد يقال إنه «الأمر الواقع» في الحالين، لكنه ليس كذلك فحسب، بل يتعلّق الأمر بـ «الشرعية» التي أخضعت التحوّلات العربية مقوّماتها ومحدّداتها للمراجعة، بدءاً من الطرق المتوفّرة للشعب كي يعبّر عن تأييده أو رفضه للحكم، وصولاً الى الورقة التي توضع في صناديق الاقتراع، كذلك بدءاً من الخطاب السياسي وحمولته من القيم والثوابت ومشاريع التغيير والتحديث، وصولاً إلى انكشاف حقيقة النيات خلال التطبيق والممارسة. حتى في الدول المتقدمة والعريقة في الديموقراطية حدثت وتحدث انقسامات حادة حول خيارات مبالغة في يمينيتها (معاداة الشرائح الفقيرة) أو في يساريتها…
الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠١٤
يكاد تنظيم «القاعدة» يصدر بياناً يدين فيه جرائم «بوكو حرام» في نيجيريا، لكن «أخوّة» الكفاح الإرهابي تمنعه حتى الآن، رغم أن زعيمه لم يتردد قبل أسابيع في التبرّؤ من فرعه المهم الناشط الملقّب بـ «داعش». لا شك أن قضية خطف الطالبات من مدرستهن في «شيبوك» في شمالي نيجيريا، ومن ثمَّ إعلان المدعو «أبو بكر شيكو» أنه سيتصرف بهنّ بيعاً أو تزويجاً، تؤشر إلى حالٍ انحطاطية أحطّ مما بلغته الحال «القاعدية». والأسوأ أن هذه وتلك تُحسبان على الإسلام والمسلمين، بمعزل عن كل ما يمكن أن يقال عن الإسلام كدين وعن المسلمين كمجتمعات استكانة واعتدال. لم يعد أحد يدري إذا كانت لدى «ابن آدم» النيجيري هذا قضية داخلية مشروعة، فليس في أخباره سوى القتل والذبح والتفجير، ثم أنه لا يشير في ارتكاباته الخطابية إلى مرجعية أخرى غير «الإسلام»، وليس للرأي العام العالمي أن يترك انشغالاته للإنكباب على البحث عن أي «إسلام» يمثّله هذا المخلوق، وباسم أي «إسلام» يتحدّث، وفي أي «إسلام» وجد ما يبرر له خطف فتيات أو طوال أعوام قبل ذلك، قتل آلاف البشر في بلده، لا لشيء إلا لأنه يريد إقامة «دولة إسلامية». صحيح أن ردود الفعل على الجريمة عبرت عن أقصى مشاعر الغضب والألم والنقمة، في مواقف الحكومات كما في حملة «أعيدوا فتياتنا» والتخاطبات على وسائل الإعلام الاجتماعي، لم…
الخميس ٠٨ مايو ٢٠١٤
انطوى إخلاء حمص القديمة على دلالات عدة لا بد من مراجعتها. فالاتفاق تمّ هذه المرّة بإرادة الإيرانيين وبالتنازلات التي وافقوا عليها، خصوصاً في ما يتعلّق منها بشروط خروج المقاتلين بما يستطيعون حمله من أسلحة وانتقالهم الى ريف حمص الشمالي. كما أن وجود مفاوضَين ايراني وروسي لم يؤكد تدخّل البلدين فحسب، بل وفّر الضمان الذي بحث عنه ممثلو حمص ولم يحصلوا عليه من مندوب النظام، لكنه طرح مجدداً أسئلة مدوّية عن دوافع صمت غربي - اميركي أعطى «مشروعيةً» لهذا التدخّل. ثم إن الإيرانيين اعتبروا إنهاء معركة حمص نتيجةً تلقائيةً لمعاركهم في القُصَير والقلمون، وقد خاضها أتباعهم من «حزب الله» والميليشيات العراقية. وحين تركوا النظام يفاوض ويتوصل الى اتفاق في منتصف نيسان (ابريل) الماضي، رأوا أولاً كيف أخفق هذا الاتفاق بسبب إصرار بعض أطراف النظام على إسقاط حمص القديمة عسكرياً، ثم كيف فشلت ميليشيا «جيش الدفاع الوطني» في الاقتحامات التي حاولتها والخسائر الكبيرة التي منيت بها بالتزامن مع خسائر مماثلة في معركة كَسَب، لكن الأهم عندهم أن استرجاع أسراهم وأسرى «حزب الله» بدا مهدّداً اذا واصلوا الاعتماد على مفاوضي النظام. كان الإيرانيون والروس مدركين بأن ثمة مرحلة تنتهي في الصراع السوري، وأن مرحلة اخرى تبدأ مع استشراس متزايد للنظام في القصف بقصد تدمير الأحياء السكنية تحديداً في حلب، ولذا أرادوا استغلال فرصة…