الإثنين ٠٥ سبتمبر ٢٠١٦
عندما سألت أحد المارّة عن «ساحة الكتب»، ابتسم وأشار بأصبعه إلى شارع يتفرّع من الشارع الذي وقفت على ناصيته، ثم قال لي إن عليّ بعد اجتيازه، أن أسلك شارعاً آخر إلى اليسار، فأصل إلى تلك الساحة. لم أكد أصل حتى دهشت، شعرت أن رهبة تستولي عليّ: ساحة شاسعة كأنها مقسومة نصفين، النصف الأول تحتلّه آلات ضخمة لم أبصر يوماً ما يماثلها، تشبه مطاحن الصخور بفتحاتها العالية وما ينحدر منها من قساطل كبيرة تنتهي عند خزانات مغلقة وقد وصِلت بها محرّكات. أما النصف الآخر من الساحة فكانت تتوزّع فيه شاحنات تنتظر لإفراغ حمولتها، والى جانبها سيارات يجلس فيها أناس كأنّما ينتظرون دورهم أيضاً... ما زاد من دهشتي أنّ الشاحنات محمّلة أكداساً من الكتب، وكلّ شاحنة يحين دورها، تتقدّم قليلاً لتفرغ حمولتها داخل صناديق كبيرة يربط بينها وبين المطاحن أحزمة عريضة تدور آلياً ناقلة الكتب من الصناديق الى الفتحات العالية. وكلما سقطت بضعة كتب من الأحزمة الحديد النافرة الحواف، كان يلمّها أشخاص يقفون هناك ويجمعونها ثم يرمونها في الصناديق كي تأخذ سبيلها الى المطاحن. كان النصف الآخر من الساحة يزدحم بالشاحنات والسيارات، وكان أناس يفرغون سياراتهم من كراتين مملوءة كتباً ويضعونها جانباً على الرصيف الواسع لينقلها عمال بعربات صغيرة إلى جانب الصناديق. وقفت وسط جمع من أناس كانوا على ما بدوا، يقصدون…
الإثنين ٢٩ فبراير ٢٠١٦
كان امبرتو ايكو يهوى قراءة الصحف صباحاً مع فنجان القهوة. فالنهار لديه لا يبدأ إلا عبر أخبار الصحف ولو أضحت بائتة بعد نشرات التلفزيون الليلية، أو مكررة و «ببغائية» كما عبّر مراراً. لكنّ الصحف تظل بطاقة عبور إلى الخارج، إلى العالم وقضاياه اليومية وإلى شؤون السياسة والاقتصاد أو السوق... تبنّى ايكو، كما أشار مرة أيضاً، مقولة هيغل الشهيرة «قراءة الصحف صلاة الإنسان الحديث»، على رغم اختلاف العصر الراهن عن عصر الفيلسوف الألماني الذي لم يعرف ثورة الميديا والمعلوماتية. ولم يثن انتقاد ايكو الصحافة وفضحه ألاعيبها و «مناوراتها» عن ولعه بها وإقباله عليها، قارئاً وكاتباً أو «معلقاً». وكثيراً ما جذبت مقالاته في مجلة «اسبرسو» الإيطالية القراء على اختلاف مشاربهم وأعمارهم، وعرفت رواجاً كبيراً نظراً إلى فرادتها الأسلوبية وطرافتها وجرأتها في اقتحام «مناطق» شبه محرمة في السياسة والإعلام والثقافة اليومية و «الكيتش» والخلاعة اللطيفة... ولعل هذا المفكر والناقد الطليعي الذي زاحم الروائيين في عقر دارهم، سعى عبر مقالاته، إلى التأريخ اليومي للحياة بوجوهها كافة ومدح بعض أساطيرها أو «ميتولوجياتها» وفق تعبير رولان بارت. كتب ايكو عن الفساد السياسي ورموزه، كتب عن التلاعب في السوق، عن التلفزيون والإعلانات والبرامج الشعبية والمسلسلات والممثلات، عن ثقافة الشارع والموضة والبورنوغرافيا... وكانت مقالاته تترجم سريعاً إلى لغات أخرى وتتناقلها صحف عالمية. وأذكر مقالة طريفة كتبها عن الهاتف…
الإثنين ٢٢ فبراير ٢٠١٦
ألقت الشرطة المصرية القبض على الروائي الشاب أحمد ناجي وقادته إلى السجن مثلما يُقاد اللصوص والمجرمون، مخفوراً، يداه مكبلتان وراء ظهره. هذا الإذلال لا يقتصر على صاحب رواية «استخدام الحياة»، بل يشمل كل حمَلة الأقلام، هؤلاء الذين لا سلاح لهم سوى الكلمة، في ظل الخيبات والانتصارات الوهمية والحروب والمآسي. رُمي الكاتب في السجن من غير حق في الاستئناف، ما يعني انه سيقضي عقوبته وراء القضبان عامين كاملين. وبحسب خبراء، يبدو أن القرار تجاوز القانون المصري الذي أسقط بعد حركة الإصلاح مبدأ السجن بتهمة الرأي. لكنّ السلطة هي دوماً فوق القانون، كما علّمنا كافكا في روايته البديعة «المحاكمة». لا يستحق أحمد ناجي السجن، فهو لم يقترف جرماً ولا هاجم السلطة أو الجيش ولا «تعامل» مع العدو الإسرائيلي، تطبيعاً أو استخباراتياً، ولم يثر حفيظة الأزهر تجديفاً أو كفراً... كل ما ارتكبه هو كتابة بضعة مقاطع إباحية اقتطعها الرقيب من سياقها وعزلها ليظهر فداحتها ويكيل للكاتب تهمة «خدش» الحياء العام، وهي تهمة تدعو إلى الهزء والسخرية بعدما فقدت معناها وباتت أشبه بإشاعة شعبية. تراقب السطلة «خدش» الحياء العام في الروايات والقصائد والخيال، أما في الواقع فهو لا يعنيها. لا يهم أن يرتكب مواطنون مكبوتون ومقموعون أفعال التحرش الجنسي الوقح في الشوارع والأحياء. لا يهم أن يُقدم شبان متهورون على اغتصاب فتيات أو نسوة…