السبت ٠٣ مارس ٢٠١٨
لأنه لا يؤمن بأن الحظ هو الذي يسيّر الحياة، بقي يحارب كل بوادر سوء الطالع ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، تارة بالمثابرة، وتارة بالمحاولة، والغاية التخلّص من وسم «منحوس»، الذي كانت تطلقه عليه والدته منذ اليوم الأول من ولادته. صحيح أنه ولد في اليوم التالي لوفاة والده، وتعطّلت الطابعة أثناء استخراج شهادة ميلاده، وتوقّفت المدارس أسبوعاً كاملاً عند الدوام في أول يوم دراسي له، بسبب حدث كبير، وأغلق باب التسجيل في الوظائف العامة بسب كثافة المتقدّمين، إلا أنه يعتبر تلك المناسبات مجرد صدف زمنية لا أكثر. بعد تخرّجه في الجامعة أغلقت كل الأبواب في وجهه، فما إن يقدّم لوظيفة حتى يكون الجواب «لقد اكتفينا»، وما إن يذهب ليتنافس مع المتنافسين حتى يختاروا أصحاب الواسطة الثقيلة، ويعتذرون له بحجة عدم اجتياز الامتحان التنافسي، ومع كل هذا الإحباط، بقي مثابراً مجتهداً، معتبراً أن ما يجري له ما هو إلا مصادفات وحوادث عرضية ليس إلا، ولا علاقة لها بسوء الطالع.. دخل في «اللوتري» للهجرة إلى أميركا وكندا، وقد حدث أن ظفر بها بعض أصدقائه المترفين أصحاب الوظائف، إلا أن الهجرة أخطأته وهو في أمس الحاجة إليها، أخيراً قرر انتحال صفة سائح، والسفر مع «جروب سياحي» إلى أوروبا، مضمراً في نفسه ألا يعود إلى بلاده العربية أبداً، فسيهرب ويختبئ هناك عن عيون الشرطة، ليعمل…
السبت ٢٤ فبراير ٢٠١٨
أن تزرع شعراً في المناطق الجرداء من الرأس يُعدّ أمراً عادياً جداً، ومتعارفاً عليه، ومن كان يتوارى خلف القبعة أو «الغترة» أو كان يقوم بنقل شعر الميسرة إلى الميمنة في محاولات جدية لسد الفراغ، صار أكثر جرأة بتمشيط شعره ومتابعة التسريحات الحديثة. الطب الروسي تجاوز قصة زراعة الشعر، وبدأ بزراعة «الألسن» لمن يشعر أن لسانه يخونه في التعبير أو يخذله عند المعارك الكلامية. الطب الروسي تجاوز قصة زراعة الشعر، وبدأ بزراعة «الألسن» لمن يشعر أن لسانه يخونه في التعبير أو يخذله عند المعارك الكلامية أو لا يكفي شحنه لقول الحق في المواقف المهمة، فقد نجح فريق طبي روسي في استئصال جزء من لسان مواطن روسي مصاب بالسرطان وزراعة خلايا جلدية أخذت من كتف المريض وزرعت في المكان المستأصل لتعتبر سابقة طبية فريدة، أن يزرع فيها «بعض من لسان» وتأخذ مكانها الصحيح. المريض غادر بعد أيام عدة من مراقبته، وبعد أن تلقى نصائح من الكادر الطبي بضرورة الالتزام بحمية غذائية والتحدّث طويلاً قدر الإمكان، فكثرة الكلام في هكذا حالة جزء من العلاج، وبهذا يكون قد أخذ وصفة طبية يستطيع أن يتكلم ما يشاء ومتى يشاء دون أن يتّهم بإطالة اللسان. لا أدري إن كانت مصادفة أن تؤخذ من الكتف خلايا جلدية وزراعتها في اللسان، فالكتف الذي يحمل كل شيء واللسان هو…
السبت ١٠ فبراير ٢٠١٨
في الوقت الذي كنت أطارد فيه القطط في الحي، وأختبر مهارة التصويب لديَّ وهي في غفلة من أمرها بما يتيسر لي من مقذوفات حجرية وأكواز ذرة فارغة، والجري وراءها مسافات طويلة دون أي هدف سوى إرعاب الكائنات الحية، وفي الوقت الذي كنت أنصب فيه كمائن محكمة للسحالي والحراذين التي تختبئ في شقوق السياج، ونفتخر بقطع ذيلها في نهارات الصيف القائظة لم يكن المدعو «مارك زوكربيرغ» مؤسس «فيس بوك» قد جاء إلى الدنيا بعد.. فشتّان بين إنجازاتي وإنجازاته. فوجئت بأن الملياردير الشاب هو من مواليد عام 1984. فوجئت بأن الملياردير الشاب الذي ملأ صيته الدنيا هو من مواليد عام 1984، بمعنى آخر عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي وأحفظ سبعة أناشيد وجدول ضرب الـ«6»، وأصل بخطٍ الصور بالكلمات، وأقطع المسافات البعيدة بحثاً عن المطّاط الدائري لصنع الشنكل أو «النقيفة»، لم يكن الأخ مارك قد «قُطعت» سُرّته بعد ولم يكمل والده إجراءات تبليغ الولادة. تخيّلوا معي لو أن «مارك زوكربيرغ» ولد عربياً.. وفكّر بمشروع «فيس بوك»، وصارح الست الوالدة وجناب الوالد بذلك والأقارب والأصدقاء، بعد تردد طويل وتفكير عميق بالمشروع.. فماذا ستكون الردود؟ الأم: سيبك من الكلام الفارغ والشلّة التعبانة اللي بتلعب براسك، وخلص جامعتك لعل الله تلاقي وظيفة تستر حالك فيها. الأب: «فيس شو»؟؟.. «فيس بوك»؟؟؟ شو يعني؟؟؟ بلا قلة عقل…
السبت ٢٣ ديسمبر ٢٠١٧
المرأة في البيت مثل القطعة الأولى في هرم «الليجو»، إذا تحركت من مكانها سقط كل شيء. جميعنا نرى الأشياء بعين الاعتيادية دون أن نفكّر للحظة كيف أتت؛ الملابس معلقة في أماكنها، الأواني مصفوفة على رفوفها، واجبات الأولاد متابعة بالسطر والصفحة، قطع الأثاث نظيفة ومرتّبة، البيت دافئ وعامر ومضاء والحياة تسير على سكّة السكينة، نتأفف أحياناً من هذا الروتين القاتل ولا ندرك أن هذا الروتين بحدّ ذاته نعمة، وفي لحظة الحرمان المؤقت نتمنى أن يعود هذا الروتين كما كان ولو ليوم واحد، لا أحد يعرف الواجبات التي تقوم بها «قبيلة النساء» المتحدة في جسد الأم سوى عند افتقادها أو غيابها عن البيت، للحظة ما تحسّ أن كل شيء بات بحاجتها ويحن لوجودها بدءاً من نظرات آخر العنقود وليس انتهاء بصوت المدفأة الحزين آخر الليل، كل شيء تحسّه صار ثائراً، وغائراً، ومتوارياً عن الأنظار. قد تدير مؤسسة كاملة لكن هذا لا يعني أنك قد تنجح في إدارة قرص «الغاز» لعمل فنجان قهوة، قد تكون متفوقاً في الحياة أمام الناس، لكنك فاشل في وضع الجورب في قدم ابنك الصغير. يقول صاحبي أمام صالة العمليات كنت أنتظر خروج الطاقم الطبي بمنتهى الصبر والقلق، كلما فتح باب وخرجت ممرضة أو دخل مساعد وقفت على رجليّ، بعد دقائق طويلة من الانتظار فتح الطبيب الجراح الباب أزال…
السبت ١٦ ديسمبر ٢٠١٧
محترفون نحن في التحايل على مواجهة واقعنا، نحاول أن نخترع ألف سبب لقرارنا ونهرب من الاعتراف بالسبب الرئيس، مثلاً أكثر ما يدهشني أن يدفع أحدهم عشرات الآلاف، وقد يلجأ إلى قروض طويلة الأجل بفوائد مرتفعة بغية افتتاح مصلحة خاصة، مطعم، مقهى، محل ملابس، سوبر ماركت، يقوم بكل وسائل الإعلان الممكنة للترويج لنشاطه، وعندما يفشل في إدارة المشروع الجديد يكتب ورقة صغيرة (A4) على واجهة محله.. للبيع لعدم التفرّغ. بماذا مشغول الأخ؟ اجتماعات الكونغرس، التنسيق لقمة سوتشي، هل يعمل بعد الظهر مبعوثاً أممياً لأكثر من دولة شرق أوسطية، في حقيبته ملفات عالقة ومصالحة مقترحة وأسماء الفصائل المتناحرة؟ لماذا لم يتفرّغ هذا الرجل لمشروعه الذي دفع عليه «دم قلبه» كما يقولون؟ لماذا لا يقتطع من وقته الثمين لأجل هذا المشروع ويرعاه وينميه ويقف على حاجته؟ الجواب بسهولة.. البيع بالتأكيد ليس بسبب الانشغال كما يدّعي، إما لتراكم الديون أو غياب رؤية الإنجاح، فنسب المصالح التي تعرض للبيع بسبب عدم التفرغ لا تتجاوز الواحد بالمئة في أحسن الأحوال. «لعدم التفرّغ» هي أكثر حجة متداولة للتحايل على الواقع، تستخدم لتغطية لافتة العجز والفشل، رغم أنها لا تقنع المتفرج ولا الشاري، لكنها تبقي على القليل من ماء الوجه خلف «سوكريت» المصلحة. أحياناً أشعر أن بعض الساسة العرب يرغبون في كتابة هذه الورقة على أوطانهم، بعد أن…
السبت ١٨ نوفمبر ٢٠١٧
زمن الحواري القديمة لم تكن القطط صعبة الاقتناء، على العكس تماماً، فقد كنا نعاني ألفتها الزائدة وتكاثرها المبالغ فيه.. أقل بيت في حيّنا كان لديه من القطط ضعف عدد أفراد العائلة، وأحياناً لا تعرف كيف أنجبت القطة الأم كل هذه المخلوقات في وقت قياسي، خصوصاً إذا كانت القطة حلوة ورشيقة فأبشر بقبيلة من القطط تموء تحت نافذتك كل مساء طلباً لود هذه المخلوقة.. يوم الجمعة تحسّ أن بيتنا تحوّل إلى مؤتمر للقطط، لا نكتفي بالسكان المحليين، لا بل يأتي بعض الغرباء للمشاركة معتقدين أن الدعوة عامة، خصوصاً عندما تحمّر أمي رحمها الله دجاجتين بالفرن الطيني، أو تفوح رائحة لحم الأضاحي على جمر النار. هذا التكاثر والانفجار السكاني «القططي» كان يرغمنا أحياناً على حمل هذه القطط في أكياس من «الخيش» ذات المسامات الواسعة، ونمشي بها مسافات طويلة نلف بها بين البيوت، وننزل في الوديان ثم نخترق حارات جديدة، وبعد أن نبعد بها مسير ساعة ونصف الساعة، نفتح باب الكيس فتنطلق القطط الصغيرة مسرعة إلى عالمها الجديد.. فنطوي الكيس ونعود به إلى بيوتنا.. وما أن نستريح ونلتقط أنفاسنا حتى نسمع المواء اللحوح نفسه من القطة نفسها.. فنحاول اصطيادها وحملها ثانية لكن إلى وجهة مختلفة هذه المرة. لا أدري كيف كانت تقرأ القطط «خارطة الطريق» من غير «جي بي إس» وقبل اختراع الإنترنت…
السبت ٢٨ أكتوبر ٢٠١٧
أزاح «ماثيوس» ستارة غرفته، مساء الجمعة، فشاهد قافلة من السيارات الطويلة التي تطلق أبواق التزمير عالياً وهي تشغّل الأضواء الرباعية وتمشي ببطء شديد، فشعر بفزع كبير، ثم لاحظ خروج أحدهم من سقف السيارة وأطلق النار في الهواء بشكل متتابع، فلم يكن من المواطن الألماني إلا أن اتصل بالشرطة وبالقيادة العامة للقوات المسلّحة يخبرهم بما يجري، معتقداً أن مدينته قد سقطت بيد العرب. حضرت الشرطة وأوقفت قافلة السيارات، وبدأت تدقق بالأوراق الثبوتية للأشخاص، طبعاً بعد أن هرب مطلقو النار وفرّ أصحاب الأسبقيات. وعندما سألت الشرطة عما يقوم به أصحاب السيارات قالوا لهم إن هذه «زفّة عرس» على الطريقة العربية، وإن إطلاق النار ليس حادثاً إرهابياً ولا شروعاً بارتكاب الجريمة، وإنما ابتهاج بزفاف أحد أبناء الجالية، وأشاروا إلى العروسين ليتأكدوا من صحة الادعاء، فتركتهم الشرطة يكملوا طريقهم مع تحذير إلى شرطة المدينة التالية أن ثمة قافلة تطلق الأبواق والرصاص اتركوهم، إنهم عرب يحتفلون بالزفاف. هذه الحادثة حصلت فعلاً قبل أيام في إحدى المدن الألمانية. ** طبعاً قبِلَ الألمان الفكرة على مضض، وهم لا يستطيعون تفسير علاقة الفرح بإطلاق مزامير السيارات، وما علاقة الفرح بإخراج الأسلحة الخفيفة وإطلاق النار في الهواء، وما علاقة الفرح بإغلاق الطرق الرئيسة بالمركبات التي تجبر الآخرين على المشي بالسرعة البطيئة نفسها، ثم لم يتمكنوا من تفسير علاقتهم بأصحاب…
السبت ١٦ سبتمبر ٢٠١٧
رغم أن عيوننا تحمل التكوين نفس، حدقة وبؤبؤ وشبكية وقرنية وشعيرات، إلا أنها لا ترى سوى «الهوى» الذي يعنيها. التاجر يراك زبوناً، البنك يراك عميلاً، سائق الحافلة يراك راكباً، الطبيب يراك حالة، وشرطي المرور مخالفة، وجرسون المقهى «بغشيشاً»، والمدير يراك راتباً كبيراً وعبئاً ثقيلاً، الديكتاتور يراك متمرّداً، الحكومات تراك رقماً في التوظيف أو الضريبة.. كل العيون تراك على منفعتك ومضرّتك.. لا أحد ينظر إليك على أنك إنسان وحسب. إجلاء أكثر من 60 ألف شخص في فرانكفورت من أجل قنبلة، وفي سورية تلقى القنابل على أكثر من 60 ألفاً بين امرأة وطفل وعجوز دون سابق إنذار. ** في ألمانيا اضطرت السلطات هناك لإجلاء أكثر من 60 ألف شخص من فرانكفورت لتقوم بتفكيك قنبلة ضخمة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، كل من توقعت أن يؤذى أو يُزعج أو يُصاب أو يمسّه سوء في حال فشل تفكيك تلك القنبلة القديمة المتهالكة تم إبعاده عن المنطقة حفاظاً على سلامته.. وبالفعل نجح خبراء المتفجرات في تفكيك القنبلة وإبطال مفعولها، حسب المتحدث باسم الشرطة الألمانية، وعاد السكان إلى أماكنهم. إجلاء أكثر من 60 ألف شخص في فرانكفورت من أجل قنبلة، وفي سورية تلقى القنابل على أكثر من 60 ألفاً بين امرأة وطفل وعجوز دون سابق إنذار أو تحذير أو ذنب يذكر.. هنا تتضح المفارقة بين شرح…
الأربعاء ٢٦ يوليو ٢٠١٧
منذ لحظات الوعي الأولى وصورة المسجد الأقصى لم تفارق أعيننا، كانت صورة المسجد مرسومة على «دفاترنا»، تحتل الصفحة الأولى من دفتر الرسم، مطبوعة على أغلفة كتب القراءة والتربية الوطنية وكتاب الدين.. حتى في الدروس في الصفوف الأولى لابدّ من نشيد أو قصيدة أو درس عن الأقصى وفلسطين.. فنشأ جيل محمّل بالرسالة؛ محبّ ويحمل قضية دين وعروبة.. كلما فتحنا حقائبنا المدرسية في البيت أو في الصفوف لابد من كتاب أو دفتر أو مقلمة تحمل رمزاً مقدساً للمدينة المقدّسة.. بالمناسبة جميع الدول العربية كانت تتبنى الرسالة ذاتها من الأردن إلى تونس إلى الجزائر إلى الخليج وسورية والعراق، المناهج كلها لا تغفل ولا تنسى أولى القبلتين، ولا عروبة القدس.. في نشرات أخبارها، في عناوين صحفها، وفي ندواتها الثقافية والسياسية، البوصلة هناك. شيئاً فشيئاً صارت الدفاتر تحمل رسوماً لأبطال الكرتون، والمناهج تحذف القصائد التي تتكلم عن الحق العربي وعن المسجد الأسير والبطولة والتضحية، واستبدالها بنشيد الأرانب والخراف.. والشاشات الرسمية صارت تضع ترتيب الأخبار القادمة من الأرض المحتلّة رابعاً أو خامساً في الأهمية قبل أن تتراجع لما قبل الأخير ثم يغيب ذكرها بشكل كامل، وكأنه لا وجود للقضية، ولا احتلال لفلسطين، ولا تدنيس أو تضييق على بيت الله المبارك. جيل كامل لا يحمل أي همّ وطن.. فلم تعتد عيناه إلا على صور «بوكيمون» و«دورا» و«أبطال…
السبت ١٥ يوليو ٢٠١٧
منذ أسابيع وأنا أعاني اضطرابات شديدة في النوم قلبت كل موازيني وغيّرت تفاصيل يومي، حاولت التخلّص من هذا الاضطراب بكل الوسائل السلمية، من شرب اللبن قبل النوم، لعب الرياضة، الاستغفار، سماع الموسيقى الهادئة، قراءة الكتب، وعدم استخدام التكنولوجيا بعد العشاء. طبعاً جميع هذه الطرق باءت بالفشل، فظلّ التفكير مستعراً والعقل مستيقظاً والأرق فاتحاً دكانه يرتّب الأفكار ويقلب المشروعات على الرفوف. أخيراً لجأت إلى صيدلية قريبة فأعطاني الشاب المناوب علاجاً للتحسس، لكنه يجلب النعاس من «ذيله»، وليس له أية آثار جانبية على ذمّته. قبل النوم بساعة أخذت الحبّة الأولى، تباطأ صوت ماكنات الدماغ، زاد التثاؤب، بدأت الجفون تتمدد وترتخي، تشدّ ثم تثقل تباعاً إلى أن غفوت تماماً، صحوتُ في اليوم التالي، بعد أن أمضيت تسع ساعات من النوم المتواصل. أعجبتني القصة، عدتُ مساءً إلى الشاب الصيدلاني نفسه وشكرته على وصفته الجيدة، وعندما سألني عن طول مدّة النوم، أحصى ساعات نومي على أصابعه وتعجّب من طولها، ثم سألته إن كان باستطاعته أن يؤمّن لي قرص منوّم أكبر من الذي تناولته بكثير، قرص منوّم باتساع الطبق اللاقط، يعني ألا يقل قطره عن متر على الأقل، ولا تنقص سماكته عن 20 سم. استغرب هذا الطلب وسألني عن حاجتي لمثل هذا القرص. لكثرة ما أتابع على القنوات العربية، من خلاف ودمار وتشريد ودول محترقة، انتخابات…
السبت ١٧ يونيو ٢٠١٧
البرامج الرمضانية تشبه البوفيه المفتوح للصائم، لا تستطيع أن تشبع من كل شيء، لكن لديك الخيار في أن تتذوق كل شيء، أو على الأقل ما يقع عليه بصرك بالمصادفة، أو سمح لك وقتك المتقطّع في هذا الشهر. فوجئت وأنا أحضر «عيّنات» من برنامج رامز تحت الأرض أن كل هذه الضجة الإعلامية والترويج الكبيرين، وحديث المواقع والصحف قبل البث وبعد البث، ما هي إلا صدمات كهربائية لإنعاش ميت، فكل الحديث الذي يجري حول رامز تحت الأرض للفت الانتباه إليه أكبر بكثير من حجم وأهمية وجمالية العمل نفسه. تمكنّت من متابعة خمس حلقات كي لا أظلم العمل بالحكم على حلقة واحدة، فوجدته سطحياً يستغبي المشاهد العربي بصورة معيبة، وهو لا يدري أن المواطن العربي، لكثرة ما شاهد من مقالب حقيقية سياسية واقتصادية واجتماعية، لم تعد ترعبه المقالب الفنية المتقنة، فكيف بمقالب فنية مدبلجة ومتّفق عليها، وحجم التمثيل فيها رديء جداً ومفضوح؟ فلن يجد حتى المشاهد العادي صعوبة في تحليل ملامح الضيوف، ولا ردود أفعالهم الباردة على المقلب، كما لن يجد صعوبة في تمييز الكاميرات التي شاركت بأخذ اللقطات في أسخن لقطة بالمقلب، ما يعني أن الضيف يراهم وهم يصورنه ويرونه تماماً، ويتحركون بحرية حوله لأخذ أكثر من «تيك». قبل أيام كشفت صحيفة هندية، بعد اتصالها مع مدير أعمال «شاروخان»، أحد ضيوف رامز…
السبت ١٨ مارس ٢٠١٧
في جلسة صفاء استذكر أحد الزملاء الصحافيين أخطاء البدايات في المهنة، فقال: أرسلتني المؤسسة الإعلامية التي أعمل بها لأغطي وقائع مؤتمر صحافي عالي المستوي في بلدي، وكنت وقتها حديث عهد بالمهنة، وفعلياً هذا أول مؤتمر صحافي أشارك في تغطيته، وهي المرة الأولى التي سأقف فيها أمام الجموع وأطرح سؤالاً على الضيف والمضيف وتصوّرني شاشات الفضائيات ببث مباشر. ويقول الزميل: كنت أعتقد أن التعريف بالمؤسسة التي تعمل بها ومن ثم طرح السؤال بحدّ ذاته أمر سهل يشبه «الكلاشيه» المتعارف عليه، ولم أكن أعرف أنه في بلاد الحريات الضيقة قد تتحول «الكلاشيه» إلى «كلاشنكوف». يقول الزميل: بدأ المؤتمر الصحافي وبدأت عملية اختيار الأسئلة، رفعت يدي فأشار لي المسؤول الكبير (الضيف) بطرح السؤال، عرّفت بنفسي وبمؤسستي، وطرحت سؤالاً لم يعجب الضيف ولا المضيف، وتم تجاهل الإجابة عنه تماماً مع هزّة بالرأس دليل الاستنكار.. منذ تجهّم المسؤولين ومدير مؤسستي الذي كان حاضراً في الصفوف الأولى بات يتمّشى بين الكراسي ويتوّعدني بشكل متصاعد: «مخصوم منك راتب شهر يا..»، ثم عاد يتمشى ووجهه محمرّ والخوف والقلق يبدوان عليه، ثم قال: خصم؟؟ لا لا.. اعتبر حالك مفصول منذ اللحظة.. وتابع مسيره والمؤتمر الصحافي مازال منعقداً ثم وشوشني: حتى الفصل لن يكفيك، ستتحوّل بعون الله للمحاكمة بتهمة تعكير صفو العلاقات.. ويتابع الزميل: لا أدري ماذا جرى في المؤتمر،…