السبت ٢٥ أبريل ٢٠٢٠
الأزمات تحكي قصة معادن الرجال، وتفصح عن جوهر الذين يخبئون في الكينونة نفائس الإنسان الصادق، ويبرزون المعنى في حب الآخر. في الفترة التي تمر بها الدولة، كما هي سائر الأوطان، وفي حمى الكفاح من أجل الظفر بعافية الناس جميعاً، شعرنا أن هناك قوة مثالية، ونموذجية، تستحق أن نقول عنها، إنها جيشنا الأبيض الذي وضع الأيدي على زناد الإرادة، واستطاع أن يقف نداً قوياً في مواجهة الوباء اللعين، وأن يعلن هذا الجيش العرمرم، تصديه للقوة الغاشمة، بكل بسالة وتحد، وأن تقف مؤسستنا الطبية، وقفة رجل واحد، والدفاع عن صحة الإنسان، والحفاظ على حياته، بجرأة الشجعان، فعندما نرى أولئك الناس الأوفياء، رجالاً ونساءً، يحومون حول مرضاهم، كما هي الفراشات الحميمة، ويقدمون أرواحهم فداء لمن ناموا على أسرة الألم ينتابنا الفزع، والخوف على أرواح أطبائنا والممرضين والممرضات، أكثر من غيرهم، لأنهم في الحقيقة يقومون بفعل جهادي، وفدائي حقيقي، كون هذا الوباء يحمل في طياته من الفيروسات الفتاكة، والتي من الممكن أن تتشبث بحسد أي إنسان يقترب من مصاب، ولكن أبناء المهنة الرحيمة يقومون بالواجب بقلوب مؤمنة بأن الحياة لا تقبل أنصاف الحلول، فإما أن نكون أو لا نكون، ولن نكون إلا بتعاضدنا وتراحمنا وتضحياتنا، من أجل مجتمع صحيح معافى من درن كل ما يعيق صحة الناس أجمعين. هذا المشهد الخيالي يثير في النفس…
الجمعة ٢٠ مارس ٢٠٢٠
الإمارات بإمكانياتها البشرية والمادية جاهزة لأن يصبح فيها مركز أبحاث طبية. الإمارات رائدة في كل مفاصل الحياة، ولديها القدرة على الريادة في مجال البحوث الطبية، وهي أساسية، وضرورية، لبلد أصبح في المواجهة لكل ما يعتري العالم من ملمات، ومفاجآت، تأتي من الطبيعة، ترهب، وتعذب، وتطيح بالفرح الإنساني. نطرح هذه الفكرة ونحن على ثقة من أن بلادنا قادرة وبكل قوة على صناعة مستقبل يملك مقومات النجاح، والظفر بمكتسبات تضيف إلى انتصار الإنسان على كثير من العقبات، انتصاراً جديداً يتمحور في تقصي محدثات الدهر، ووضع الكوابح التي تمنع الضرر عن البشر. الإمارات قادرة على فعل ذلك، وبإمكانها مفاجأة العالم بقدرات مدهشة، لأن لديها العقول اللامعة الأذهان الصاحية، والإرادة القوية. اليوم ونحن نواجه وباء الكورونا، أثبتت كوادرنا الوطنية أنها تملك مخزوناً معرفياً هائلاً، ما يؤهلها لأن تقيم مركزاً بحثياً يسمع العالم بأن هنا في الإمارات مخزناً للإبداع، ومرفقاً ثقافياً يستطيع أن يصبح في المستقبل موئلاً للخبرات العالمية، وقبلة لكل من يريد أن يستزيد من معارف تفيد البشرية. نثق بهذا الدور الذي من الممكن أن تتبوأه الإمارات، طالما وجدت على دفة المركب قيادة تبذل النفس والنفيس من أجل خدمة الإنسانية، والارتقاء بها إلى مصاف النجوم، وعند تخوم السحابات الشامخة. الإمارات قادرة على فعل ذلك، وهي بحاجة إلى هذه الصروح التي تقدم ما ينفع، وتدرأ…
السبت ٢٢ فبراير ٢٠٢٠
الشخص المستبد، مستمد قوته من ضعفه، ومن الزجاجة المهشمة في داخله. عندما تجد شخصاً يقتل آخر بدم بارد، ويفتح شدقيه بابتسامة واسعة، تقول إن هذا الشخص شجاع إلى حد الصرامة، قوي إلى حد الحزم، حازم إلى حد الجزم. ولكن عندما تتأمل وجه هذا القاتل، وتتقصى التجاعيد على جبينه، ثم تتعرف على تاريخه الشخصي، تكتشف أنه إنسان مكتنز بمشاعر أشبه بنثار الغبار، أشبه بحثالة قهوة باردة، أشبه بنخالة بذور تالفة. القاتل يعاني من تشوهات تربوية، ومن شروخ في الوجدان، ومن طفح في الذاكرة ومن نتوءات في الثقافة، ومن بثور في الأحلام. هذا الشخص مثبت عند مرحلة مأساوية في حياته، هذا الشخص يواجه مأزقاً أخلاقياً، وأزمة معتقد. لا يقدم على القتل إلا من واجه قتلاً في تطلعاته، وطموحاته، إنه شخص مكبوح، وقد غطست أجنحته في بقعة زيت هيضت قدرته على الطيران، ومسخت قدرته على التحليق. هذا الشخص واجه في مرحلة من مراحل العمر، كتلة صخرية، أصابته بالدوار، مما جعله يسير في العالم بلا بوصلة توازن فهمه للعلاقة مع الآخر. هذا الشخص محتقن بصدمة نفسية قاسية، جعلت أفكاره مثل فرائس فرت من قسورة، جعلت من قناعاته مثل رمال متحركة، جعلته خائفاً لا يستطيع أن يثق بنفسه ولا بالآخر، مما يضطره إلى التخلص من الآخر، وكلما أقدم على جريمة نكراء، كلما انتابته قشعريرة الفوز،…
الخميس ٢٠ فبراير ٢٠٢٠
يقول فولتير: «من يجعلك تؤمن بالسخافات والخرافات، يستطيع أن يجبرك على ارتكاب الفظائع». فلا نستغرب أبداً عندما نرى كائناً بشرياً يقوم بتفجير نفسه، وسط حشد من الناس الأبرياء في سوق أو مركز تجاري. لا نستغرب في أن يقدم وحش بشري على طعن امرأة مسنة، لا ذنب لها إلا أنها مرّت في الطريق الذي يكمن فيه هذا الوحش. الخرافة تجعلك مثل الجهاز المسيّر بالريموت كونترول، تجعلك تمضي في الحياة مثل عربة بلا فرامل، تجعلك الخرافة في اليقين الأعمى، فتقتل لأن المقتول لم يرق إلى مزاجك، أو أنه يخالف فكرتك، أو أنه جلس إلى جوارك من دون أن يحييك بابتسامة تريحك، أو أنه نسي أن يفسح لك مكاناً في الحافلة! الخرافة كاميرا قديمة، تصور الوجوه، والأشياء على غير طبيعتها، فتبدو هذه شائهة، لا تروق للخرافي. الخرافة ترسلك إلى العالم مثل طائرة ورقية، توهم الناس بأنها طائرة، ولكنها ليست بطائرة. الخرافة تبرز في الوجود عندما يختفي المنطق في جلباب قديم، مرقع بالأفكار الشائهة. الخرافة تأتيك عندما تكون معمماً بخرقة الجهل! الخرافة تستولي عليك عندما تكون في قفص الكبت، وحولك ببغاوات تردد ما قاله مدع كذاب، ومعتد أثيم، ومشّاء بزنيم! الخرافة لا تسكن إلا في بيت مؤثث بكومة من النفايات، وبقايا كائنات نافقة، وصناديق معدنية صدئة، ودواليب خشبية عاثت في أضلاعها الرمة. الخرافة يسوقها…
السبت ٠٨ فبراير ٢٠٢٠
البعض يعتقد أن النوايا الحسنة، سذاجة، أو ضعف، أو هوان. لذلك ذهب غاندي ضحية نواياه الحسنة، فاغتيل ظلماً وبهتاناً. لماذا؟ فقط لأنه أراد أن تكون الهند العظيمة ملكاً للهنود وليس للطائفيين، والمتقوقعين عند «الأنا» المتعجرفة. قتل غاندي على يد أحد من طائفته الهندوس، فقط لأن غاندي تجاوز نفسه، ودخل في المحيط، واستطاع بوعيه أن يعبر بحيرة التزمت والتعنت، واختار الخروج من محارة التعصب الديني. وهو هكذا فعل كما قال ابن رشد، إن الأديان كلها صحيحة إذا عمل الإنسان بفضائلها. ولم يكن روسو خارج هذه السماء الواسعة حين أكد أن الأفكار المسبقة مفسدة للعقل. وقد أبدى بروتاغوراس، وعياً بأهمية سعة الإدراك، حين قال: «إذا كان العقل مستبداً، فالصحوة مستحيلة». اليوم وبعد أن قطع العقل البشري ردحاً من الزمن، لم يزل البعض يغط في سبات العقل المستبد، والوعي الضحل، لأن الرثاثة تتشبث بالأنا، وتقبض على مرفق العقل إلى درجة أن إنسان اليوم «المتحضر»، يحمل في ثناياه، بقايا عصر الغاب، كما قال سيجموند فرويد. عندما يستأنف الإنسان حياته بالانقباض، وتتحكم في تصرفاته ذات مستلبة، لا تستطيع التنفس إلا من دخان الأنانية، ولا يستطيع التحرك، ألا تحت سطوة أغلال الأنا المتأزمة. في ظل هذا التسرب المستمر للأخلاق، يبقى الإنسان أسير سوء النية، ويبقى عداؤه مستمراً ضد كل ما هو مخالف للونه أو عرقه ودينه،…
السبت ٠٩ نوفمبر ٢٠١٩
متى يحدث التواصل؟ عندما يختفي الخوف، وتصبح الأرواح مثل النهر الصافي، تحل طيور المحبة على صفحاته، وتتسرب في الماء بوعي الكائنات النبيلة. الخوف أساسه نفسي، ونحن الذين نحيك قماشته في ضمائر الصغار، ليصبح بعد حين من الدهر ملاءة رثة برائحة الغبار، ودخان الآهات الحارقة. نحن الذين نصنع من الخوف آلهة شر تلاحق ظلنا، وتلتصق بأرواحنا مثل بقع الزيت، وتستمر في غثاثتها، حتى تصيبنا بالدوار، وتملأ حلوقنا بالغثيان. نحن الذين نملأ جدران بيوتنا بصور الخوف، وهياكله العظمية المرعبة، ونستمر في تغذيتها بالمصطلحات العجيبة والمريبة، ونحن الذين نعلم أطفالنا الخوف من كل شيء نحن لا نريده، ومن كل شيء نحن نشأنا على كراهيته. الخوف كائن مجسد في ضمائر الذين فقدوا الوعي بأهمية ألا نخاف من الأوهام، والخوف سلعة رخيصة يصدرها لنا أناس خائفون من اللاشيء، أناس ترجفهم كلمة لا، فتجعلهم مثل أسماك ملقية على الرمل، تجعلهم مثل أرانب مذعورة من صوت خارجي مبهم، لا أحد يعرف من أين مصدره، ومن أي جهة يأتي. لا نستطيع التواصل مع الآخر ونحن نحمل في داخلنا هذه الكتلة من الجحيم، تحرق أوراق وعينا، وتخترق ألبابنا، وتمارس ضدنا، ما يفعله اللهيب في الأخشاب الجافة. الخوف كائن خرافي، نبتت أشواكه منذ أن فتح الإنسان عينيه، ورأى العواصف كيف تطيح الأشجار الواقفة، ثم تطور وكبر في عقولنا، ليصبح خوفاً…
السبت ١٩ أكتوبر ٢٠١٩
«نحن الدولة الأسرع نمواً في عدد المشاريع». حقيقة نسافر إلى دول، ونقطع مسافات، ونحل ضيوفاً على شعوب وعوالم، وعندما نقارن هذه الدول وما أنجزته من مشاريع حضارية خلال قرون، نجد أنفسنا قد أنجزنا في غضون عقود من الزمن ما يفوق قدرة هذه الدول، وإمكانياتها الخدمية. نجد أنفسنا كمن امتطى صهوة خيل جامح، بينما الآخرون يسيرون إلى المستقبل على ظهور سلحفاة. ليست هذه مقارنة عجفاء، بل إن واقع الإمارات يشير ببنان واضح إلى هذه النتائج المبهرة، إنها معجزة العقول التي فكرت، والتي رأت وتبصَّرت، وتأنَّقت بذكاء وسخاء، واستطاعت أن تسابق الزمن في لحظة تأمل حقيقية، لما يتطلبه الإنسان الحقيقي من مقتضيات الحياة الكريمة. هذه هي الإمارات اليوم، تسخو، فتفيض بمشروعات، أذهلت، وأدهشت، وأيقظت في الروح نوازع الفرح، لأن الذين سهروا على ترتيب معانيها هم أناس أحبوا الحياة فأحبتهم، وأعطتهم وسخت في عطائها، وأكرمت، وأمعنت في تهذيب المشاعر، وتوضيب الإحساس، وتوظيف الوعي في إقامة صرح بدا قلعة وارفة الظلال، يستظل بظلها كل من لديه طموح الارتقاء بمفاهيمه، عن معنى أن نكون إنسانيين في هذه الحياة، وأن نكون حضاريين في الوجود، وقد قال الفيلسوف الألماني «الإنسان راعي الوجود». ومن هذا المنطلق العرفاني، فإن الإمارات بفضل قيادتها الواعية، استطاعت أن تشق الطريق إلى المجد، بكل جدارة ومهنية اقتصادية، وأن ترتقي سلم الحياة بقدرات فائقة،…
الأحد ١٣ أكتوبر ٢٠١٩
نحن لدينا إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، نستطيع به، وعلى إثره أن نضع أقدامنا على ضفة النهر، ونغتسل من العذوبة، ونرتوي حتى تعشب قلوبنا بسنابل الوعي، ما يجعلنا نكتسي بسندس الحضارة من دون إفراط ولا تفريط. نحن الشعب الوحيد في العالم الذي يمكنه أن يتجاوز مراحل التهور، بسلام لأنَّ ما قدمه المغفور له الشيخ زايد، من منظومة أخلاقية تجعلنا مكتفين ولا نريد المزيد، ما آمن به زايد هو الحب، وبالحب ترقى الشعوب، وتتعافى من كل مكروه وخبث وعبث. وهنا نستدعي مقولة الفيلسوف الدانماركي سورين كيركجارد بقوله «من لا يستطيع أن يكشف عن نفسه لا يستطيع أن يحب، ومن لا يستطيع أن يحب فهو أتعس إنسان على الإطلاق». ومن هو أعظم من زايد في الحب، وعشق الحياة، والتفاني من أجل الآخر؟ من هو أنبل من هذا القائد الذي رسخ الوضوح في حياته، كما هو النهر، في الفيافي، وكما هو القمر في الليالي المدلهمة. عندما تتخلص من عواهن عقد وتكون واضحاً متصالحاً مع نفسك، فإنك لا تحتاج إلى التقليد، ولا تحتاج إلى اللهاث خلف المبهرات من المظاهر ولا تحتاج إلى المساحيق، كي تضيء وجهك. ولا تحتاج إلى الأساور كي تخرخش في معصمك، لإسماع الآخرين أنك حاضر في المشهد. نحن نستطيع أن نواكب المسيرات العالمية الكبرى…
الأربعاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٩
اليوم وخلال العشرين سنة الأخيرة، حدث ما يشبه الحلم. حدث شيء يثير الصدمة الاجتماعية، حدث تغير في النسيج، حيث القماشة الاجتماعية تغيّرت في سمكها ولونها، وهذا أمر طبيعي يحدث لأي مجتمع انتقل من مرحلة الطفولة الثقافية إلى النضج. ولكن خلال هذه الرحلة حدث ما يشبه القفزة فوق حبل يربط جدارين عاليين حدث انصهار قيم، وبروز قيم أخرى، وحدث اغتراب في المفاهيم، والمصطلحات، والعادات، والتقاليد، والسلوك الجماعي. حدث خلال هذه الرحلة انبعاث أشعة فوق بنفسجية، غيرت من الرؤية، ومن المزاج، والمذاق أيضاً. بدءاً من الملبس، والمأكل، والمشرب مروراً بالعلاقة بين الأفراد، في مجال الأسرة، والعمل، والصداقة، ثم انتهاء بحزمة من الاستخدامات اليومية للغة، وثقافة عامة، نتجت في خضم الانتقالة السريعة، من منطقة الماضي، إلى الحاضر، ويبدو أن العربة الاجتماعية تمر سريعاً على الكثير من القيم، وتتجاوزها، ولا يتم الالتفات نحوها، لأنه ما من فرصة، ولا وقت يسمحان بالتريث، فالعقل منشغل كثيراً بالمستقبل، والقلب متخم بالمشاعر الجديدة، والعين يغبشها النور الساطع، ولا شيء يتوقف في هذه الحالة، بل إن المسافة ما بين الماضي والحاضر على الرغم من قربها زمنياً، إلا أنها نفسياً تبدو أبعد من المسافة ما بين الشمس والقمر. سنوات ضوئية قطعت خلال العشرين سنة، لم تستطع شعوب غيرنا قطعها خلال قرون من الزمن. المجتمع حظي بمميزات تفوق التخيل من خلال…
الإثنين ٠٧ أكتوبر ٢٠١٩
هذا الإرث، وهذا النث، وهذا البث، وهذا الحث، وهذه المنظومة الأخلاقية، التي شعت، واتسعت، ومدت، وامتدت، في المدى شراعاً ويراعاً واتساعاً، وفاضت من فيض، وروض ومنحت الحياة نسقاً معرفياً، بدا في الوجود قامة ومقامة واستقامة، بدا في الوطن سحابة هيابة، تظلل وتهطل زخات ورفرفات، لها تنيخ الركاب شجوناً، ولحوناً، وتسود الأطيار، وتترنم الأشجار، وتميل الأغصان طرباً وصخباً. هذا العرف القمي سكن القلوب، فاستكانت هدأة وطمأنينة، وازدهرت أماناً وسكينة، وبدت التضاريس مروجاً وبروجاً، وصارت البيداء فيحاء على ربواتها تحلم النوق، وتتألق الجياد، وتتدفق الوهاد عشباً يلون التراب بأخضر اليفوع ورونق الينوع، وتتباهى العيون ببريق أنيق رشيق والناس في فيافي الوطن، يرتلون آيات الحب، لوطن زرع الحب أصولاً وفصولاً، ومنح الأحلام بياض السليقة، ونصوع الخليقة. هذه منظومة زايد الأخلاقية، أكسبت الوطن قامته وشامته وعلامته ووسامته وجزالته وأصالته ونبله وخير سبله، هذه المنظومة ألهمت الوطن إبداعه وبلاغته وفصاحته، وحصافته وقدرته على صناعة المجد بكل براعة ونبوغ ومنحت الناس الوجاهة والبهجة ونهج التسامح والتصالح والخروج من شرنقة التقوقع والاختزال، والانفصال عن باقة الزهور والعطور هذه المنظومة، رسمت صورة البهاء والصفاء والنقاء والوفاء والانتماء إلى الوحدة البشرية، وتكامل الموجود هذه المنظومة هي في البدء حلم، ثم صارت علماً وعلماً، صارت في الكون نجوماً ترصع السماء بقلائد وفرائد وقصائد، وتنسج في الأرض خيوط الحرير، لشراشف الدفء…
الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠١٩
الحب.. منازل القلوب، واستمد بنيانه من فرادته في الشفافية، واستثنائيته في العفوية، وتميزه في العطاء من غير شرط، وانحيازه الدائم إلى الحق، وبلوغه مجد التفاني من دون تردد، وهكذا تشرب الحب من وحي تربة صحراوية نبيلة، وبيئة طبيعية أصيلة. لم يكن في الحياة إلا نسيماً يمر على وجنات الوجود، برشاقة المخلوقات الخارقة، ولباقة الرجال النجباء. في رحلة إلى باريس، برفقة زملاء المهنة والواجب، قادتني خطواتي إلى نهر السين، وهناك عند السور القديم استوقفتني عبارة كتبها أحد العشاق فحواها «نحن عيال زايد». هذه العبارة أدهشتني كثيراً، كما أبهرتني، وأنا أتأمل الكلمات المحفورة على جدار السور، وتساءلت حينها! ما الذي جعل هذا الإنسان أن يتذكر الشيخ زايد وهو في بلاد تبعد عن الإمارات آلاف الأميال؟ ثم قفزت إلى ذهني مضامين ما تعنيه هذه العبارة، حيث الحب الطاهر لا تخفيه المسافات، ولا تعرقله الأمكنة، ولا تعيقه الغربة. هناك خيط ذهبي ربط هذا الشخص، كاتب تلك العبارة، والشيخ زايد، إنه الحب عندما يحتل وجدان الإنسان، ويصبح جزءاً من كيانه، بل والدم الذي يجري في شريانه. أَحب الشيخ زايد الناس فأحبوه، ووضعوه موضع الرمش من العين، وأسكنوه في القلب، وفي صفحة الجبين. زايد الذي رفع هامات الناس إلى أعالي القمم، ولوَّن حياة البشر بالأحلام الزاهية، ولم تغمض له عين، وهو يسمع عن شعب مظلوم، أو…
الإثنين ١٦ سبتمبر ٢٠١٩
الناخب والمنتخب عليهما واجب، كما لهما حق. الواجبات تجاه الوطن تتقدم الحقوق، نحن جميعاً أعضاء في الوطن، ونحن جميعاً تقع علينا مهمة الوصول بالوطن إلى شواطئ اللحمة الواحدة، والنسيج المتلاحم، بعيداً عن الأغراض الشخصية وكل ما يغري في مقاعد، ومنصات البروز الاجتماعي. الناخب لا يفكر في المرشح كونه اليد التي ستتناول له ثمرات اللوز من قمة الشجرة، بل ينظر إليه كقامة سوف تحقق للوطن قيمته، وشيمته، ونخوته، وعزته، وكرامته، وشأنه، وفنه، ولحنه، وشجنه. هكذا هي الرؤية التي تضعها القيادة أمام الجميع، في مرآة الواقع. هكذا هي الآمال المعقودة على كل من يفتح عينيه في كل صباح، ويبدأ يومه في الدعوة للوطن، بأن يكون أجمل الأوطان، وأرفعها قامة، ومقامة، وأن يكون الشجرة التي تؤمها طيور المحبة والسلام، والوئام، والانسجام، وأن يكون المنطقة المعشوشبة، بمشاعر الألفة والتكاتف، والتآلف، والتحالف ضد كل ما يعكر، وكل ما يكدر، وكل ما يصادر الوعي بحب الوطن. ما يدور في خلد كل من يعيش على هذه الأرض أن يكون الناخب والمنتخب، كلاهما مجدافا سفر إلى آفاق النمو، وتطور المنشآت، والمشروعات، والمكتسبات، وأن يكونا السور والطوق والعنق، وأن يكونا، المسار والمدار والمحور الذي تدور في فلكه كواكب الحلم، ومواكب ذوي العلم. هكذا نتصور في كل من يتصدر المشهد ويعلن أنه ممثل للشعب، وحامٍ لحياضه، ورياضه، ولا مفرد، ولا…