الثلاثاء ١٠ أبريل ٢٠١٨
تحت عنوان «كيف يمكن التخلص من الاجتماعات المرهقة؟» كتب رون كاروتشي، المؤسس والمدير المشارك في شركة نافالنت، إن الاجتماعات تعد من بين الأنشطة الأكثر إرهاقاً وإحباطاً في أي شركة. فهي تكلف الشركات الأميركية أكثر من 37 مليار دولار سنوياً، وتستحوذ على أكثر من ثلث وقت الموظفين، وعلاوة على ذلك، هي غير منتجة بنظر 71 في المئة من كبار المديرين. ويستشهد كاروتشي، الذي يعمل مع الرؤساء والمديرين التنفيذيين الذين يسعون إلى إحداث تغيير على مستوى مؤسساتهم والمجالات التي يعملون بها، يستشهد على هذا بتقييم أجرته شركة عالمية للمنتجات الاستهلاكية عمل معها، كشف عن درجة عالية من الاستياء بشأن الوقت الذي تستغرقه الاجتماعات الخاصة واجتماعات الفرق المتعاقبة، بحيث لا يتسنى سوى وقت المساء لأداء العمل المطلوب إنجازه خلال النهار، وذلك وفق ما قاله أحدهم خلال مقابلة معه. ويضيف: حسبنا الساعات التي تستغرقها اجتماعات المديرين وأصحاب المناصب العليا عبر أقسام الشركة، أي نحو 500 موظف، فتبين أنهم يصرفون أكثر من 57 ألف ساعة سنوياً في الاجتماعات الروتينية المتكررة، ويضاهي هذا 6 أعوام ونصف العام! تفاصيل كثيرة في المقال، الذي نشرته مترجماً هارفارد بزنيس ريفيو العربية، تجعل منه مقالاً يستحق القراءة، منها ما ذكره أحد الذين قابلوهم في شركة المنتجات الاستهلاكية التي أجرت التقييم، حين قال إن الناس يأتون قبل الاجتماع بثلاثين دقيقة من…
الإثنين ١٩ مارس ٢٠١٨
«مقتل 4 في مظاهرة بدرعا». تحت هذا العنوان، طيّرت وكالات الأنباء، خبر مقتل محمود قطيش الجوابرة، القتيل الأول للثورة السورية، الذي سقط على يد عناصر أمن النظام السوري في محافظة درعا، جنوبي البلاد، وتلاه ثلاثة من زملائه، كانوا مشاركين في المظاهرة السلمية التي انطلقت من المسجد العمري في المدينة الشهيرة، التي بدأت منها الأحداث، بعد أن تحرّك المتظاهرون باتجاه المحطة الشرقية، التي تقع إلى جانب حي الكرك. حدث هذا يوم 18 مارس 2011، وقد تصدر الخبر وقتها جميع وكالات الأنباء في العالم، باعتبار أن سقوط 4 قتلى في مظاهرة سلمية بسوريا في ذلك الوقت، كان خبراً. واليوم، بعد مرور 7 سنوات على سقوط أول قتيل للثورة السورية، ودخول الأحداث عامها الثامن، هل يمكن أن تعتبر وكالات الأنباء العالمية، سقوط 4 قتلى في مدينة سورية خبراً؟. ليس في السؤال تقليل من قيمة البشر، ولا هو استهانة بأرواحهم، لكن عدد الذين سقطوا قتلى في سوريا خلال السنوات السبع الماضية، يجعل من هذا العدد رقماً صغيراً، وإن كان يجب التوقف عنده وقتها، قبل أن تتسع الدائرة، ويصل العدد إلى الأرقام المعلن عنها حتى الآن، وربما كانت الأرقام الحقيقية أكبر من المعلن عنه بكثير، لأن الحروب علمتنا أن رائحة الدم تجتذب المقاتلين، وتجعلهم يستمرئون القتل، حتى لا تعود لأرواح البشر لديهم قيمة، بدليل أن…
الإثنين ٢٦ فبراير ٢٠١٨
هذه الحكاية أنقلها عن الصديق الأستاذ بلال البدور، سفير الدولة السابق في المملكة الأردنية الهاشمية، وأعتذر لبعض أطرافها لأنني لم أستأذنهم في نشرها، وقد جرت أحداثها أثناء تلقي سفارة الدولة في عمّان العزاء في شهداء الوطن والواجب باليمن، حيث وصلت السفارة باقة ورود بيضاء، ومعها بطاقة من سيدة أردنية تقدم من خلالها العزاء لقيادة دولة الإمارات وشعبها وذوي الشهداء، وقد ختمت كلماتها بالعبارة التالية: «لئن ذهب أولئك الشهداء للقاء ربهم، فإنني لن أنسى ابتسامة ذلك الضابط الإماراتي الشاب، الذي ختم لي جواز سفري وأنا أغادر دبي». يقول الأستاذ بلال البدور إنه بحث عن اسم السيدة فلم يجده مكتوباً على البطاقة، وفي اليوم التالي طلب من أحد موظفي السفارة الاتصال بمحل الورود الذي وصلت منه الباقة، حيث تم التوصل إلى اسم السيدة التي أرسلتها ورقم هاتفها، فقام بالاتصال بها، كي يشكرها على هذه اللفتة الكريمة، وقد تبين له خلال الاتصال أنها كانت في زيارة لدبي قبل فترة، وقد أثّرت فيها الطريقة الحضارية التي تعامل بها ذلك الضابط الشاب وهي تغادر دبي، والابتسامة التي لم تفارق وجهه وهو يختم جواز سفرها. ويكمل الأستاذ بلال البدور فيقول إنه قد قام بإرسال صورة تلك البطاقة إلى اللواء محمد المري، مدير الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في دبي، الذي استفسر بدوره عن اسم السيدة، والفترة…
الإثنين ٠٥ فبراير ٢٠١٨
انتهت قبل أيام الدورة الثانية عشرة من معرض «توظيف أبوظبي»، الذي نظمته شركة «إنفورما» للمعارض، وحظي بشراكة استراتيجية مع «دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي»، كما حظي برعاية القوات المسلحة، الراعي التيتانيوم، بينما مثل كل من القيادة العامة لشرطة أبوظبي ومصرف أبوظبي الإسلامي الراعي البلاتيني، ومثلت «دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي» الراعي الذهبي، بالشراكة مع الشركة القابضة العامة «صناعات»، و«الإمارات العالمية للألمنيوم»، و«هيئة التأمين»، و«مصرف الإمارات المركزي»، و«جامعة نيويورك أبوظبي»، و«موانئ أبوظبي»، إلى جانب عدد من الشركاء من مختلف القطاعات. تعمدت أن أذكر الجهات الراعية، لأقول: إن معرضاً يحظى برعاية هذه الدوائر والمؤسسات والشركات المهمة، لا شك في أننا نتوقع منه نتائج ملموسة، تنهي الشكاوى التي نستمع إليها بشكل شبه يومي في برامج البث المباشر، التي لا تخلو منها إذاعة من الإذاعات، التي تبث من أنحاء دولتنا، والتي تعبر عن معاناة الكثير من الخريجين المواطنين، التي يفصحون عنها من داخل معارض التوظيف نفسها، وهم ينتقلون بأوراقهم من منصة إلى منصة، باحثين عن حلول تنهي معاناتهم، بعد أن قضوا سنوات من أعمارهم على مقاعد الدراسة، وأصبحوا جاهزين لتخطي أولى عتبات الحياة العملية، والحصول على الوظيفة التي تحقق لهم الأمان والاستقرار، لبناء أنفسهم، وتكوين أسر تسهم في بناء هذا الوطن ونهضته، فإلى أي مدى حققت معارض التوظيف هذه وظيفتها خلال السنوات الماضية، وماذا…
الإثنين ٠٤ ديسمبر ٢٠١٧
ليس وحده الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، الذي صدمه بيان الفريق أحمد شفيق الأسبوع الماضي، ولسنا وحدنا الإماراتيين الذين صدمنا هذا البيان، وإنما صدم المصريين أنفسهم. هذا البيان الذي لا يُمكن وصفه إلا بأنه سقطة كبيرة، وانتحار سياسي للفريق، الذي أعلن أنه ينوي الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية المقبلة، رغم أن أبواب الترشح لم تفتح في مصر حتى الآن. وإذا كان البيان في حد ذاته يُعتبر سقطة، فإن اختيار الفريق شفيق قناة «الجزيرة» المعادية لمصر والمصريين، ما عدا الإخوان المسلمين بطبيعة الحال، يعتبر سقطة أكبر، فقد خانت الحكمة والذكاء، الفريق شفيق، واختار القناة الأسوأ لإذاعة بيانه السيئ، الذي يعبر عن نكرانه للجميل، وغبائه السياسي. وهو يعلن نيته الترشح لرئاسة مصر، التي يكره شعبها قناة «الجزيرة» القطرية، ويعتبرونها البئر التي تخرج الثعابين من أحشائها لتنفث سمومها، وتنفخ في نار الفتن لتمزيق وحدة صفها، وتنشر الموت والخراب والدمار في أنحائها. صدمة المصريين ببيان الفريق أحمد شفيق، والقناة التي اختارها لبثه، كانت أكبر من صدمة الدكتور أنور قرقاش وصدمتنا، فالشعب المصري كله مصدوم ومستغرب ومستاء من الفريق أحمد شفيق، بمن فيهم أولئك الذي صوتوا له ضد مرشح الإخوان المسلمين، الدكتور محمد مرسي، في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012. هذا الاستياء عبّر عنه الكثير من الشخصيات، عبر وسائل الإعلام المصرية المختلفة، منذ أن…
الإثنين ٢٣ أكتوبر ٢٠١٧
ليس الأحياء وحدهم من يحق لهم الوقوف على منصات التكريم، فثمة غائبون عن الحياة، لكنهم أحياء عند ربهم يُرزَقون، يشاركون الأحياء، وإلى المنصات يصعدون، لينالوا من التكريم ما يستحقون. من هؤلاء كانت فاطمة غولام، التي تألقت في حفل «تحدي القراءة العربي» الثاني، الذي أقيم على مسرح «أوبرا دبي» الأسبوع الماضي، وسجلت حضوراً قوياً في قلوب من شهد الحفل، والذين تابعوه على شاشات التلفاز في كل أنحاء العالم العربي، رغم أنها غائبة عن الحياة، فنالت التكريم الذي تستحقه من مطلق المشروع وراعي الحفل؛ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ومن كل الذين عرفوها، واستمعنا إلى شهاداتهم في التقرير التلفزيوني الذي عُرض أثناء الحفل، والذين لم يعرفوها، لكنهم عرفوا حكايتها، وتأثروا بها كما لم يتأثروا بحكاية أخرى. حكاية فاطمة غولام، التي انتقلت إلى بارئها عن 17 عاماً، تستحق أن تُروى، ليتخذ أبناؤنا منها مثلاً وقدوة، وليعرفوا أن للقراءة والكلمة ثمناً، وأن هذا الثمن يجب أن يُدفع حتى لو كان غالياً، ففاطمة فتاة جزائرية من أسرة متواضعة، تقطن في منطقة قصر أولاد وشن من ولاية أدرار التابعة إقليمياً لولاية توات؛ منطقة لم نكن لنسمع عنها لولا ولع فاطمة بالقراءة، وإصرارها على التفوق فيها، مثلما هي متفوقة في الدراسة، بشهادة معلميها وزميلاتها…
الإثنين ١٦ أكتوبر ٢٠١٧
كنا نحتفل في ندوة الثقافة والعلوم، الأسبوع الماضي، بتأهل منتخب مصر وصعوده إلى نهائيات كأس العالم، المقرر إقامتها عام 2018 في روسيا، عندما همس لي صديقي المثقف، موجهاً الحدث والحديث ناحية أخرى: لماذا هذه الفرحة التي غمرت العالم العربي كله، وليس مصر وحدها، بصعود المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم، رغم أن المنتخب السعودي قد أكد صعوده قبلها، ولم يحتفل بصعوده الأشقاء السعوديون أنفسهم بالطريقة نفسها، ورغم أن تونس والمغرب على مسافة نقطة واحدة فقط من التأهل، وسنرى كيف سيحتفلون بصعود منتخبيهم؟. لم تلفت نظري المقارنات التي عقدها صديقي المثقف حسن النية، والتي تبدو ملغومة، بقدر ما أثارت اهتمامي مقدمة السؤال، فأخذت أبحث عن سر الفرح الغامر بفوز المنتخب المصري وتأكيد صعوده للنهائيات، ولماذا احتفل الشعب المصري والعرب جميعاً بصعود المنتخب المصري على النحو الذي شاهدناه في القنوات التلفزيونية المصرية والعربية، ولماذا تحتل مصر هذه المكانة لدينا، متربعة على عرش القلوب، رغم الأزمات التي تمر بها، والمؤامرات التي تحاك ضدها، والحرب الشرسة التي تُشَنّ عليها سياسياً وإعلامياً من قبل البعض، دون مبرر مفهوم، أو لمبرر نفهمه جيداً، وهو الإحساس بالهزيمة أمام إرادة شعبها، ورفضه لجماعات الإسلام السياسي التي تحاول السيطرة على مفاصل القرار والسلطة في مصر المعروفة باعتدالها، وعدم تطرف شعبها عبر العصور المختلفة؟. نفيت لصديقي أولاً أن يكون «لوبي»…
الإثنين ٠٩ أكتوبر ٢٠١٧
لكنه ليس الزمن الذي كنا نريده أو نتمنى العودة إليه. ومع هذا نقول خذوا زمنكم وردوا إلينا زمننا، لأن زمننا بكل ما كان فيه من أشياء لم تكن تعجبنا وقتها، يبقى أكثر جمالاً عندنا إذا ما قارناه بزمنكم هذا الذي لا تبدو له نهاية. لا أتحدث عن سنوات الشباب وأيام الصبا التي لا نستطيع كبح جماح أحلامها، كما قد يتبادر إلى أذهان البعض ممن يحن إلى زمن مضى لن يعود أبداً، ولكنني أتحدث عن ذلك الزمن الذي كان فيه لدينا أزمات كانت تبدو لنا كبيرة، لكنها كانت قابلة للنقاش والحل، وكان لدينا فيه زعماء وقادة ورؤساء يختلفون، لكنهم في النهاية يجلسون على طاولة واحدة يتناقشون. وكانت لدينا فيه أوطان ينتشر في أرجائها الفقر والجهل والتخلف، لكنها كانت موحدة لا تمزقها الصراعات، ولا تُزهَق فيها الأرواح، ولا تُسفَك فيها الدماء، ولا يُطرَد منها أهلها ليتحولوا إلى مشردين ولاجئين، يتسولون الأمن والمنام والطعام، ويشعرون بأنهم مثل الأيتام على مائدة اللئام. نتحدث عن زمن كان لدينا فيه أنظمة دكتاتورية في بعض البلدان العربية، تتشبث بالسلطة لكنها تحافظ على وحدة أرضها، ولا تسمح بتمزيقها وتحويلها إلى مقاطعات وأقاليم صغيرة. نتحدث عن زمن كان لدينا فيه حد أدنى من الحياء، يمنعنا من التآمر على جيراننا، وتدبير المكائد لهم، وطعنهم في ظهورهم. نتحدث عن زمن كان…
الإثنين ١٨ سبتمبر ٢٠١٧
صغاراً كنا، تفتحت عيوننا على منظر البحر، نقضي نهار الصيف كله داخله أو على ساحله. وفي الشتاء، عندما كان البحر يغمر بيوتنا القريبة منه، بفعل رياح «الشمال» التي تهب عاصفة فترفع موجه، كنا نشمّر عن سواعدنا ونهب لمساعدة أهلنا بإهالة التراب على أسوارها وعتبات أبوابها، كي نمنع دخوله إليها. لم يقل أحد وقتها إن هبوب رياح «الشمال» وارتفاع موج البحر غضب من الله، فقد كان أهلنا أنقياء طيبين، لا يفكرون بهذا المنطق، يعلمون أن الله رؤوف رحيم بعباده، فلا يربطون عصف الرياح وهيجان البحار بغضب الخالق العظيم، الذي ينسب إليه البعض هذه الأيام كل إعصار أو فيضان أو زلزال يضرب في أي منطقة من العالم، لترتفع الأصوات، وتنطلق النداءات، تدعو على «الكفار» الذين طغوا في الأرض، فاستحقوا هذا الغضب الإلهي، الذي يوزعه البعض كما يشاء، وكأن الله قد نصبّهم ملائكة للعذاب والرحمة، وسلّمهم مفاتيح النار والجنة، يمنحون صكوك الغفران من يشاؤون، ويمنعونها عمن يشاؤون. خلال إعصار «إيرما» الذي ضرب جزر الكاريبي وجنوب شرقي الولايات المتحدة الأميركية الأسبوع الماضي، تعالت أصوات كثيرة في وسائط التواصل الاجتماعي، تظهر شماتتها بما حدث لسكان تلك الديار، وتدعو على «الكفار» المقيمين فيها، وتصور الإعصار على أنه غضب من الله حاق بأهلها، لأنهم طغوا وتكبروا، وتستشهد بآيات من القرآن الكريم، تضعها في غير سياقها، جاهلة بأسباب…
الإثنين ١١ سبتمبر ٢٠١٧
الذين ولدوا في ذلك اليوم، أصبحوا الآن على أعتاب دخول الجامعة، والذين ماتوا في أحداثه، أوقد أهاليهم وأصدقاؤهم آلاف الشموع، وأقاموا الصلوات مئات المرات على أرواحهم التي صعدت إلى السماء، والذين روعتهم تلك الطائرات المجنونة التي انقضّت عليهم من السماء، ما زالوا يعالجون جروحهم النفسية. أما نحن الذين عشنا أحداث ذلك اليوم لحظة بلحظة، فقد هَرِمنا، على رأي صديقنا التونسي الذي لا نعرف أين غدا، وشعرنا أننا عشنا أحداثاً أكثر مما يُفترَض أن يعيشها إنسان في عمر واحد. إنه يوم الحادي عشر من سبتمبر، الذي تحل ذكراه اليوم، حاملة معها من التداعيات أكثر مما أثارته تلك الهجمات من حرائق وغبار في ذلك اليوم، الذي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلاً، إذا ما استثنينا الحربين العالميتين اللتين حصدتا ملايين البشر، وكان لكل منهما أسبابها التي لا تشبه أياً من الأسباب التي دعت «أسامة بن لادن» وتنظيمه إلى شن «غزوة منهاتن» الشهيرة، كما أطلق عليها بعد ذلك، عائداً بالتاريخ أربعة عشر قرناً من الزمان. حين نعود بالذاكرة إلى الوراء ستة عشر عاماً، ونقف أمام أحداث ذلك اليوم، نستعيد لحظات الدهشة، ثم محاولة الاستيعاب، ثم محاولة تفكيك المشهد، ثم محاولة التحليل، لنجد أنفسنا قد عدنا إلى المربع الأول مندهشين، غير قادرين على الفهم، بعد كل هذه السنوات التي مرت على ذلك الحادث الجلل،…
الإثنين ٢٨ أغسطس ٢٠١٧
جاءني صوته أواخر شهر رمضان الماضي عبر الهاتف واهناً، كعهدي به في السنوات الأخيرة، واتفقنا على عدم مباعدة التواصل عبر الهاتف على الأقل، إن لم يتسن لنا لقاء قريب في القاهرة، وقد أحسست أن صوته هذه المرة كان أكثر وهناً، رغم أن صوته لم يكن يوماً عالياً منذ أن عرفته، وهو القامة الرفيعة في ميادين الكتابة والبحث والتأليف للمسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما. تشهد على ذلك أعماله الخالدة التي أصبحت بصمات في تاريخ هذه الفنون، مثل مسلسلات «بوابة الحلواني» و«سليمان الحلبي» و«ليلة سقوط غرناطة» و«أم كلثوم»، وأفلام «ناصر 56» و«القادسية» و«حليم»، ومسرحيات «حفلة على الخازوق» و«السندباد البحري» و«كوكب الفيران»، والكثير مما يضيق عن حصره المجال. وقبل أيام كنت أتابع برنامجاً خاصاً عن الفنان نور الشريف في الذكرى الثانية لرحيله، فسمعته يتحدث عن آخر مشاريعه الفنية التي كان ينوي تصويرها، فيذكر أن كاتب أحد هذه المشاريع هو «العملاق» محفوظ عبد الرحمن، لهذا كان وقع خبر انتقال محفوظ عبد الرحمن إلى الرفيق الأعلى على نفسي كبيراً، وقد عايشت معه من على البعد فترة معاناته مع المرض الذي صاحبه خلال السنوات الأخيرة من عمره، فأخذ الكثير من صحته، لكنه لم يأخذ شيئاً من جمال روحه. بل جعله أكثر رقة مما عرفناه، وعزز نظرته المتفائلة للحياة، رغم قتامة المشهد من حوله، وهو المناضل القومي العنيد…
الإثنين ١٤ أغسطس ٢٠١٧
يحاولون أن يدّعوا الشطارة إلى الدرجة التي تبدو شطارتهم معها نوعاً من «البزنس» الرخيص والتدليس، فقد استطاع المتاجرون بقضايا الأمة وآلامها في قناة «الجزيرة» القطرية استثمار كل المواقف التي مرت بها القناة حتى الآن، ومنها مقتل واختطاف بعض طواقمها، واستغلالها في الترويج لبضاعتهم، وتجيير هذه الحوادث لصالح القناة، تحت بند استهدافها بدعوى أنها القناة التلفزيونية العربية الوحيدة التي تتمتع بالحرية والمهنية. وآخر هذه المواقف وضع إغلاقها بنداً من بنود المطالب التي قدمتها الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب، كما تدّعي القناة التي أطلقت سلسلة من البكاء والعويل، جرياً على عادتها، متهمة هذه الدول بالعمل على مصادرة الآراء، وقمع المنابر الإعلامية الحرة، ووجهت العاملين بها للعزف على هذه النغمة في حساباتهم الخاصة، فكانوا أسوأ عازفين لأسخف سيمفونية. ولأننا في لحظة مكاشفة، فنحن نعترف أننا قد انخدعنا بالقناة عندما انطلقت، وذهبنا إلى تصديق كل ما كانت تبثه، مدفوعين إلى ذلك بشحنة الانبهار بالسقف العالي الذي بدأت به، والذي تجاوزت من خلاله خطوطاً حمراء، لم يكن تجاوزها متاحاً لأجهزة الإعلام العربية حينها. وكانت «الجزيرة» على درجة من الذكاء استطاعت معها أن تقنع الكثيرين بمهنيتها، فاستقطبت جمهوراً واسعاً لم يعتد هذا النوع من الطرح، وساعد على ذلك المناخ الذي كان سائداً عندما ظهرت القناة، خاصة بعد تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي. حيث برزت قناة «سي…