علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

كلنا.. كلنا نحب جميرا

الإثنين ١٤ نوفمبر ٢٠١٦

محظوظون هم أولئك الذين يولدون في أماكن تطل على بحار، ويعيشون طفولتهم على سواحلها. ومحظوظ أنا، لأنني واحد من هؤلاء، فقد وُلِدت ونشأت في «فريج» ارتبط اسمه باسم مهنة من مهن البحر؛ هو «فريج الضغاية»، الذي استمد اسمه من إحدى طرق صيد الأسماك، هي «الضغوة» التي تعني صيد الأسماك الصغيرة بشباك كبيرة، ذات فتحات ضيقة، يقوم بغمرها الصيادون في البحر حتى تمتلئ بالأسماك. وعشت طفولتي كلها على ساحل البحر، متنقلاً بين بحر «ديرة»، حيث كنا نسكن، وبحر «جميرا»، حيث تسكن شقيقتي الكبرى. ما بين بحر «ديرة» وبحر «جميرا» اللذين عشت على ساحليهما تكونت علاقة حميمة، حملت ذكرياتها معي عبر رحلة العمر، ولم تغادر تفاصيلها ذاكرتي حتى اليوم، لأن الذين يولدون على سواحل البحار تظل ذاكرتهم متقدة بها، يحملون ذكرياتها معهم حيثما رحلوا، تستقر في أعماقهم غنية بأحلى الصور، مثلما هي أعماق البحار غنية بالحياة والجمان والمرجان. وكانت هذه الذكريات أكثر حضوراً مساء يوم الأربعاء الماضي، عندما حضرت حفل تدشين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لقناة دبي المائية على شاطئ بحر جميرا، في أمسية جميلة، وأجواء احتفالية رائعة، استحضرت الماضي بكل ما فيه من عبق وذكريات مستقرة في الوجدان، لتمزجه مع الحاضر بكل ما فيه من ألق وجمال…

بوصلة البغدادي المختلة

الإثنين ٠٧ نوفمبر ٢٠١٦

تصورت للوهلة الأولى أن ثمة خللاً فنياً أصاب الجهاز الذي سجل عليه أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، خطابه الأخير الذي بثه بعد بدء معركة الموصل لاستعادة آخر وأكبر معاقل التنظيم في العراق، فقد ترك البغدادي القوى الأساسية التي تقاتل التنظيم داخل العراق وسوريا، وتلك التي تدعمها، ودعا مقاتليه إلى شن هجمات على المملكة العربية السعودية، واستهداف قوات الأمن ومسؤولي الحكومة، وأعضاء العائلة الحاكمة، ووسائل الإعلام، لمشاركتهم في الحرب على الإسلام والسنّة في العراق والشام، حسب تعبيره. كما دعا مناصريه إلى غزو تركيا، ونقل المعركة إليها، وإطلاق نار غضبهم على القوات التركية. إذا لم يكن ثمة خلل أصاب جهاز التسجيل، فمؤكد أن ثمة خللاً أصاب بوصلة البغدادي، ربما بسبب أجهزة التشويش التي تستخدمها القوات المنتشرة في المنطقة، فألحقها بعقله المختل، فقد كان متوقعاً أن يطلب البغدادي من مقاتليه مهاجمة إيران التي تحارب ميليشياتها التنظيم في العراق تحت اسم «الحشد الشعبي»، وتحاربه في سوريا تحت اسم «حزب الله». أو كان متوقعاً أن يطلب منها أن تتوجه لمحاربة إسرائيل التي تحتل فلسطين، كما تقتضي أدبيات الخطاب الديني الذي تعودنا سماعه من جماعات الإسلام السياسي لدغدغة مشاعر المسلمين واستدرار إعجابهم. هذا إذا كان منطلق البغدادي وتنظيمه هو الجهاد كما يدّعي، أما أن تكون السعودية وتركيا فهما هدفا تنظيم «داعش» في مرحلة ما بعد الموصل،…

قادة يقدّرون القراءة قادة يستحقون التقدير

الإثنين ٣١ أكتوبر ٢٠١٦

في الوقت الذي كانت العيون فيه ترصد معالم الفرح على وجوه الفائزين في حفل «تحدي القراءة العربي» الأسبوع الماضي، كانت عيناي ترصدان معالم الفرح على وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مطلق هذا المشروع غير المسبوق في التاريخ، الذي دفع ملايين الطلبة العرب، وغير العرب الناطقين باللغة العربية، إلى خوض غمار هذا التحدي ليربحوا جوائزه، فكان الرابح الأكبر هو الكتاب العربي الذي اتسعت قاعدة قرّائه، وكانت الرابحة الكبرى هي القراءة التي تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على إعادة الاعتبار إليها، وجعلها سلوكاً يومياً يمارسه الجميع، وأسلوب حياة للمجتمع كله. كانت معالم الفرح التي رأيتها على وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وفي عينيه، أضعاف تلك التي رآها الملايين على وجوه وفي عيون أولئك الصغار الذين كان لهم قصب السبق بين الذين شاركوا في هذا التحدي، مشكلين جيلاً فاق كل التوقعات، أثبت لنا أن الأمل كبير بمستقبل تصنعه الأجيال الجديدة، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي رد على الرسالة التي وجهها إليه الروائي العالمي «باولو كويلو» قائلاً إنه تأمل في رسالته وتجربته، وتأمل في الخلاصة التي توصل إليها بأن سر الحياة واكتشاف الذات يمران بطريقين لا ثالث لهما، هما القراءة وخوض غمار التجارب، بأن لنا تجربة ورسالة أحب أن يشاركه…

الخائنون لا مكان لهم بيننا

الإثنين ٢٤ أكتوبر ٢٠١٦

لم يصدمني كمُّ التهم التي وجهتها النيابة العامة إلى المتهمين في القضية المعروفة إعلامياً بقضية «حزب الأمة الإماراتي» فقط، وإنما صدمتني نوعية التهم الموجهة إليهم، وحجم الخيانة، التي يحملونها في أعماقهم، والمؤامرات التي كانوا وما زالوا يحيكونها لزعزعة أمن واستقرار دولة الإمارات، دونما سبب مفهوم، اللهم إلا سيطرة الفكر الإخواني على عقولهم، والأوهام التي تمتلئ بها هذه العقول الفارغة، والسعي إلى الانقلاب على السلطة، للوصول إلى سدة الحكم في الدولة، وهي أوهام لا تستند إلى منطق ولا واقع، ولا تتوفر لها الأرضية التي يمكن أن تمهد لها، ولا العوامل التي تساعد على تحقيقها، فشعب الإمارات المسلم متوحد، وملتف حول قيادته التي حققت له التقدم والرفاه، الذي يحلم به أي شعب، وقبل هذا كله الأمن والاستقرار اللذين تفتقدهما شعوب، وبلدان كثيرة في المنطقة وخارجها. في التفاصيل التي تم الكشف عنها أثناء نظر دائرة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا للقضية، أن ما يُدعى «حزب الأمة الإماراتي» يتلقى دعماً مالياً ضخماً من دول عدة، وقد أنشأ قسماً إعلامياً يتمثل نشاطه في تمويل قنوات فضائية، تروج لما أُطلق عليه «مؤتمر الأمة في الخليج» بإبراز رموزهم وقياداتهم على هذه القنوات، والترويج لها، وهي ست قنوات؛ خمس منها تبث من تركيا، وواحدة من بريطانيا. كما وجهت النيابة العامة تُهماً كثيرة إلى المتهم الأول، منها التعاون…

مرشحان أحلاهما مر

الإثنين ١٧ أكتوبر ٢٠١٦

لفت أحد الأصدقاء انتباهي، الأسبوع الماضي، إلى أنني لم أكتب حتى الآن عن انتخابات الرئاسة الأميركية التي أصبحت على الأبواب، ولم يعد يفصلنا عنها سوى أسابيع ثلاثة، رغم أنها مادة خصبة للكتابة. قلت لصديقي الذي يتوسم في شخصي محللاً سياسياً لسْتُه: ربما لأنها المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الأميركية التي لا أتمنى أن يفوز فيها أحد، لأنها ستأتي لنا إما برئيس أرعن لا يمكن لأحد أن يتوقع ما سيصدر عنه من قرارات، خاصة عندما يذهب مستشاروه، الذين لم نعرف هويتهم بعد، ليخلدوا إلى النوم، ويكمل هو السهرة يفكر ماذا يفعل بالعالم الذي يرأس أكبر وأقوى دولة فيه، يتحكم بأزرار أسلحتها النووية التي يمكن أن تنطلق بكبسة زر منه، وأما أن تأتي لنا الانتخابات برئيسة مهزوزة وقلقة وغامضة، لا يعرف أحد كيف ستدير الدولة الأعظم في العالم بهذه الشخصية غير المقنعة. مرة أخرى أقول إن هذا ليس تحليلاً سياسياً، فهناك من هو أقدر مني على التحليل، فما ذكرته ليس إلا انطباعات شخصية، بعد متابعتي لمناظرتين تلفزيونيتين لمرشحي الرئاسة الأميركية، شاهدتهما ولم يقنعني أي من المرشحين أنه الرئيس الذي ينتظر العالم على يديه حلولاً لأزماته المستعصية، وهي أزمات أسهمت الولايات المتحدة الأميركية على مدى العقود الماضية في صنعها وتفاقمها، أو صبّ الزيت على نيرانها التي تشتعل اليوم في الكثير من مناطق العالم،…

الذين يتباكون على الأطلال

الإثنين ١٠ أكتوبر ٢٠١٦

«دولة الإمارات العربية المتحدة، تراهن على أبناء الوطن الأوفياء، خصوصاً أنتم في القوات المسلحة، الذين يقع على عاتقكم حماية وصون أرض الوطن وترابه، والمحافظة على مكتسباته الوطنية التي تحققت، وبإذن الله سنواصل العمل والجد والاجتهاد في سبيل وطننا الغالي». بهذه العبارة التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، للمرشحين في الكليات العسكرية، الأسبوع الماضي، يكون سموه قد لخص فلسفة الحكم في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهي فلسفة تقوم على شحذ همم أبناء الوطن للمضي قدماً في البناء، والمحافظة على المنجزات التي ضحى من أجلها الآباء والأجداد، وتعزيز هذه المنجزات بمواصلة العمل، رغم التحديات التي تواجه المنطقة، والأخطار التي تحيط بها، خاصة وهي تعيش مرحلة مفصلية ومضطربة وصعبة، هي امتداد لمرحلة امتدت 60 عاماً، غير أن الذي يحدث اليوم، هو أشدها صعوبة، كما قال سموه. الرسائل التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أثناء لقاء سموه بأبنائه المرشحين، تجيب عن الكثير من الأسئلة، وتضع النقاط على الحروف، وترد على أولئك الذين يتباكون على الأطلال، ويدّعون أنهم لا يعرفون الأسباب التي دفعت دولة الإمارات للانضمام إلى التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية لكبح جماح الأطماع الإيرانية، ومنع النظام الإيراني من مد نفوذه وبسط سيطرته على اليمن، من خلال…

لن نقول: لكم حجكم ولنا حجنا

الإثنين ١٩ سبتمبر ٢٠١٦

أدى المسلمون مناسك الحج هذا العام دون حوادث تذكر، الأمر الذي شكل رداً على كل الأكاذيب والافتراءات التي وجهت للمملكة العربية السعودية هذا العام، قبيل الحج، من الحاسدين والحاقدين الذين أرادوا التشكيك في قدرة المملكة على القيام بخدمة حجاج بيت الله الحرام. هذا ما أكده صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة، في نهاية موسم الحج يوم الأربعاء الماضي، داعياً القادة والعلماء المسلمين لمحاربة الطائفية والتمزق المذهبي بين المسلمين. الحاقدون والحاسدون الذين قصدهم أمير منطقة مكة المكرمة، تصدّرهم المسؤولون الإيرانيون، وعلى رأسهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذين وجهوا انتقادات حادة للحكومة السعودية، متهمين إياها بالتقصير في خدمة الحجاج، وإنقاذ المصابين في حادث التدافع الذي وقع العام الماضي في منى، وذهب ضحيته زهاء 2300 حاج، بينهم 464 إيرانياً، حيث دعا المرشد الأعلى، العالم الإسلامي إلى إعادة النظر في الإدارة السعودية للحرمين الشريفين والحج، في محاولة لتسييس هذه الشعيرة، وهو ما رفضته السعودية، واعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية، واستخداماً لهذه الفريضة في خدمة أهداف وشعارات سياسية، ليس لها أي علاقة بهذه الرحلة الإيمانية. غاب الإيرانيون عن مناسك الحج هذا العام، بقرار من السلطات الإيرانية، وذلك بعد رفض هذه السلطات، التوقيع على مذكرة التفاهم التي تقدمها المملكة كل عام، وتُوقِّع عليها عشرات الدول قبل موسم الحج، لتوضيح الإجراءات المطلوبة،…

العيد بين رجال قواتنا المسلحة

الخميس ١٥ سبتمبر ٢٠١٦

رغم بعدهم عن الوطن والأهل، في يوم يجتمع فيه الشمل، إلا أننا رأينا على وجوههم البشر، تلك الوجوه التي كانت مشرقة وباسمة تحت الشمس، تضاهي قرصها إشراقاً ووضاءً، لإيمانها بأنها تؤدي واجباً تجاه وطنها وقيادتها وأهلها، تهون دونه كل التضحيات، وترخص المهج. بمبادرة كريمة من قيادتنا الرشيدة، التي عودتنا دائماً على مثل هذه المبادرات العظيمة، تشرفتُ ومجموعة من الزملاء الكُتّاب والإعلاميين والأدباء وأعضاء المجلس الوطني الاتحادي والفنانين، بقضاء يوم عيد الأضحى المبارك مع رجال قواتنا المسلحة البواسل، الذين يذودون عن حياض الوطن، ويقفون بالمرصاد لأعدائه المتربصين به من الخارج. كان عيداً غير عادي بكل المقاييس، بدأ قبل أن تشرق شمس يوم العيد بأيام، منذ أن تلقيت خبر اختيار قيادتنا الرشيدة لنا كي نحظى بشرف قضاء يوم العيد بين جنود قواتنا المسلحة المرابطين خارج الوطن، واستمر هذا الشعور مصاحباً لي ونحن على متن الطائرة المقلة لنا، مع مجموعة من قيادات قواتنا المسلحة، إلى حيث يرابط جنودنا البواسل، وبلغ هذا الشعور ذروته عندما لامست أقدامنا الأرض، حيث يرابط هؤلاء الجنود الأشاوس ملبين نداء الواجب، واضعين أرواحهم على راحات كفوفهم، مستعدين للتضحية بها في سبيل وطن أراد لهم العزة، فأرادوا له أن يظل مرفوع الرأس ساطع الجبين، لا يجرؤ أحد على مس شبر منه، أو الاقتراب من حياضه. ما الذي يمكن أن تقوله…

أمــة تنتحـر

الإثنين ١٢ سبتمبر ٢٠١٦

نحن أمة تنتحر، والتعبير ليس من عندي، وإنما هو للشيخ عبدالله بن بيّه، أحد أكبر علماء الأمة المعاصرين. وقد جاء وصفه هذا في مجال تشخيصه لحال الأمة الذي قال إنه كارثي، خلال حوار أجراه معه برنامج «قابل للنقاش» في الحلقة التي ستبث مساء يوم الأربعاء المقبل على قناة دبي الأولى. نعم نحن أمة تنتحر، فما من أمة أتيحت لها فرص كثيرة كي تكون أمة عظيمة وضيعت هذه الفرص مثل أمتنا الإسلامية، التي شهدت على مدى تاريخها صراعات داخلية بين أبنائها أكثر مما تعرضت له من هجمات خارجية. والتاريخ على ذلك شاهد، منذ الفتنة الكبرى التي قسمت الأمة إلى فريقين متناحرين، تفرّع عنهما فرق وطوائف وشيع كثيرة مختلفة الأهواء، تعتقد كل فرقة منها أنها الناجية، لأنها على حق وغيرها على باطل. ثم تعاقبت على الحكم دول كبرى بعد انتهاء مرحلة الخلافة الراشدة، كانت أولها الدولة الأموية، وتلتها دول قامت كل واحدة منها على أنقاض الأخرى، مثل الدولة العباسية، والدولة الأموية في الأندلس، والفاطمية والأيوبية والمملوكية، وما تزامن مع هذه الدول الكبرى من إمارات وسلطنات مختلفة الحجم والقوة والضعف، مثل السلاجقة والبويهيين والأدارسة والمرابطين والموحدين والحمدانيين والزنكيين وغيرهم. فقد تناوبت هذه الدول على تضييع الفرص خلال العصور التي عاشتها، لا فرق في ذلك بين دولة كبرى، حكمت مساحات شاسعة من الأراضي، وبين…

كوكب دبي

الإثنين ٠٥ سبتمبر ٢٠١٦

كنت أتنقل، عشية الأربعاء الماضي، بين القنوات الفضائية، باحثاً عن برنامج حواري بات أكثر تسلية من المسلسلات الكوميدية، عندما سمعت مذيعة إحدى القنوات العربية، تقرأ خبر إعلان هيئة الطرق والمواصلات بدبي تجربة أول مركبة ذاتية القيادة في منطقة بوليفارد محمد بن راشد، نقلاً عن صحيفة «البيان»، قائلة إن هذا يحدث في «كوكب دبي»، في إشارة كما يبدو منها إلى بعد المسافة في التفكير، وعمق المشاكل التي يعاني منها ذلك البلد العربي الشقيق الذي تبث منه القناة، ومنها أزمة المواصلات الخانقة والمستمرة، والتي لم تُجْدِ معها كل الحلول على تعاقب الحكومات. بقدر ما أسعدني تعبير «كوكب دبي» الذي استخدمته المذيعة، شعرت بالأسى للهوة السحيقة التي أصبحت تفصل بين دول عربية حديثة الاستقلال والثروة، ودول عربية ذات تاريخ عريق، وحضارات خالدة، وكثافة سكانية تتيح لها أن تكون من أفضل الدول وأكثرها تقدماً. فمخطئ من يعتقد أن ما يحدث في عالمنا العربي من تراجع، مقابل ما يحدث في دولتنا من تقدم يسعدنا، لأن شعب دولة الإمارات تشرّب حب وطنه في إطار حب الأوطان العربية كلها، وكلنا نتذكر النشيد الذي كان الطلبة يرددونه في المدارس، حتى قبل قيام دولتنا، وهو نشيد «بلاد العرب أوطاني» الذي ألفه الشاعر والمناضل السوري فخري البارودي، ولحنه الأخوان فليفل، ليصبح واحداً من أشهر الأناشيد التي كان يرددها العرب جميعاً…

تطوير التعليم مهمة ليست مستحيلة

الإثنين ٢٩ أغسطس ٢٠١٦

كانت جلسة مكاشفة ومشاركة أكثر منها إحاطة إعلامية، تلك التي عقدها معالي حسين بن إبراهيم الحمادي، وزير التربية والتعليم، يوم الأربعاء الماضي، مع رؤساء تحرير الصحف المحلية ومديري المؤسسات الإعلامية، بحضور معالي الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، وزير الدولة لشؤون التعليم العالي، ومعالي جميلة المهيري، وزيرة الدولة لشؤون التعليم العام، في مقر الوزارة بدبي. لم يكن مبهجاً لنا فقط حجم الإنجاز الذي حققته الوزارة في مجال تطوير المناهج وتحديثها، وإنما أسعدنا أيضاً ما لمسناه من حماس الوزراء الثلاثة لهذه التجربة، ومدى تناغمهم في عملهم، واتفاقهم على إحداث نقلة نوعية في منظومة التعليم العام والعالي في دولة الإمارات، ودفقة الأمل الكبيرة التي شعرنا بها لديهم أثناء الجلسة، والتي انتقلت إلينا حاملة معها إحساساً عميقاً بحجم المسؤولية التي يتحملونها، ويُفترض أن نتحملها جميعاً معهم، تجاه هذا الجيل والأجيال القادمة من أبناء الدولة، وكل الذين يتعلمون في مدارسها الحكومية والخاصة وجامعاتها، على اختلاف جنسياتهم، باعتبار أن دولة الإمارات تقود معركة ضد الجهل والتخلف والتشدد والتطرف، وتعمل على إحياء الأمل، ليس في نفوس أبنائها فقط، وإنما في نفوس كل من يتطلع إلى محاكاة تجربتها، لأن دولتنا تكاد تكون مشعل الأمل الوحيد المضيء في المنطقة الآن، في ضوء ما نشهده من دمار وتمزق، محولاً دولها إلى كيانات طائفية وعرقية تحارب بعضها بعضاً، وتسعى إلى محو غيرها…

احموا أنفسكم من الطاعون

الإثنين ٢٢ أغسطس ٢٠١٦

صدمتني نتائج الدراسة التي أجراها أستاذ أصول التربية بجامعة الكويت، الدكتور علي عطفة، على عدد من طلاب وطالبات كليات الشريعة والتربية والآداب والعلوم والهندسة بالجامعة، ونشرتها جريدة «القبس» الكويتية الأسبوع الماضي. لم يصدمني أن طلبة الجامعة لديهم شعور كبير بالخوف والقلق على الهوية الوطنية، فهذا أمر طبيعي، ولكن صدمني أن طلبة كلية الشريعة هم الأقل شعوراً بالانتماء الوطني مقارنة بزملائهم من بقية الكليات، مثلما بيّنت النتائج، حيث يتأثرون بطبيعة الدراسة في الكلية، وتكون الولاءات لديهم دينية على الأغلب، كما أن النزعة الطائفية تبرز لديهم بشكل أكبر! الدراسة أظهرت أيضاً أن شريحة كبيرة من الطلبة تعتقد أن الولاء للطائفة أو القبيلة يعزز الولاء للدولة، وهذا يدل على وضع كارثي في مستوى الوعي بمقومات المواطنة وركائز الوحدة الوطنية لدى الطلبة، كما يعلق الباحث. لا أعلم إلى أي مدى يمكن اعتبار دراسة مثل هذه معياراً، لكنها تعطي دون شك مؤشرات من الحكمة أن نأخذ بها، فلا أعتقد أن الباحث قد انحاز إلى فئة من الطلبة أو تحامل على فئة، بدليل أنه لفت إلى أن هناك ضعفاً كبيراً في المقررات الجامعية والنشاطات الوطنية، فضلاً عن وجود بعض النشاطات التي تأخذ طابعاً طائفياً وقبلياً، لتجعل من الولاءات الصغرى محراباً يغيّب الطلبة عن مقام الوطن والتضحية من أجله. كما حدد الباحث العناصر التي تهدد الوحدة الوطنية…