الأربعاء ٠٦ فبراير ٢٠١٣
من ثلاث مدن، لثلاث مناطق سعودية مختلفة، قضيت مساء ما قبل البارحة في حوار صاخب خرجنا منه بالسؤال المشترك من مجموع الألسنة: لماذا لا يستمعون إلينا؟ وهم بالطبع يقصدون الآذان الصماء لفئام واسعة من قطاع المسؤولين التنفيذيين بالإدارات الحكومية بهذه المناطق.. أمين المنطقة الذي استمرأ الاستعلاء والطرد رغم كل ناصح إليه يقول له بالحرف إنه يعدم المستقبل الجمالي لهذه المدينة، وإن ثلث هذه المدينة بالكامل بلا (أمين) حقيقي، وبلا بلاطة واحدة للخدمات البلدية منذ خمس عشرة سنة.. هم يقصدون صاحب المعالي، مدير الجامعة، الذي حول الجامعة في منطقتهم إلى مجرد قطعة أرض بأطراف المدينة، ولا دخل لأهلها ولا لأبنائها في مناصبها الإدارية المختلفة، مثلما هم أيضاً أقليات بأدنى نسب القبول في الكليات النوعية، وعلى رأسها الطب والهندسة.. هم يقولون إن الحصول على وظيفة (معيد) بالجامعة لأهل المكان، ليس إلا وهما من الخيال، رغم أن الضامن المعلن عبثا في الترشيح ليس إلا الكفاءة والمعدل وبطاقة الهوية الوطنية.. هم يقصدون مديري التعليم في محافظات مناطقهم المختلفة الذين يختذلون معادلة الترشح للوظائف الإدارية في قطاع التعليم داخل أجندة سرية، رغم أن الضامن العلني، مرة أخرى، هو معيار الكفاءة وبطاقة الهوية. سأقول اليوم على مسؤوليتي الخاصة إن خللاً ثانوياً في شخصية مسؤول ثانوي شارد قد يقتل من حيث لا ندري محبة وولاء قطاع واسع…
الإثنين ٠٤ فبراير ٢٠١٣
بيد كسلى، نفضت (منى) عند الرابعة فجرا بطانية ثقيلة على الوقع الأخير للمنبه. يوم جديد من ذات الروتين العبثي إلى تلك الأغوار التهامية السحيقة بمئات الكيلو مترات لمعلمة مبتدئة. ثلاثة أطفال من حولها، على ذات السرير، مثل نبات متسلق إلى شجرة منزوعة. تفتح دولابها وتنظر فيه إلى كل الملابس التي غطت من قبل هذا الجسد الطاهر. ليس في تفاصيل هذا الفجر ما يستحق. تدثرت بالأطرف الجاهز من الدولاب. أكملت وضوء الفجر القادم بعد ساعة من الزمن. وضعت على الوجه بعض المساحيق على (الكمال) الذي لا يستحق الإضافة. نظرت إلى المرآة كي تشاهد وجهها ولكن: للمرة الأخيرة. أيقظت شريك الحياة، كي يأخذها إلى موعد (الباص) على أطراف هذه القرية الجبلية الموحشة. قبلت أطفالها الثلاثة برأس الشفة كي لا تزعج غيبوبتهم في هذا الزمهرير الشتوي القارس. اختصت (سارة) الكبرى بقبلة إضافية ثقيلة ثم وضعت حقيبتها المدرسية (جاهزة) بجوار السرير ليوم جديد من الفصل الابتدائي الأول. على بوابة المنزل، أسدلت حجابها على الوجه التقي النقي الطاهر. كان (علي)، وكالعادة، آخر شهود الوجه الأخير، وكالعادة، كان المرآة على كل تفاصيل الفجر في هذه الرحلة. (ما رأيك أن نعود) تقولها منى بعد أن تأخر الباص قليلا عن الموعد. تحرك قليلا وفجأة يظهر (الباص) على الطرف الآخر من الشارع. تذهب إليه بخطى نائمة متثاقلة. يطمئن (علي)…
الأحد ٠٣ فبراير ٢٠١٣
سأذهب، سيدي الأمير، هذا المساء معزيا نجل أغلى أصدقاء والدي في وفاة زوجته التي انتهت حياتها مأساوية مع الفجر اصطداما في حملة لتهريب المجهولين القادمين من القارة الأفريقية. تقول المعلومات، يا سيدي، إن المهرب كان عسكريا سابقا خرج من سجنه بالعفو لقضية مماثلة، وكل القصة الأهم، يا سمو الأمير، أن القتلى التسعة من المجهولين المهربين يكملون هذا الشهر وحده مجموع 23 ضحية ماتوا في حادثين متشابهين في كل التفاصيل: تهريب مجهولين على أجساد باصات المعلمات، وأدهى من هذا كله على ذات الطريق نفسه ومرورا بكل نقاط التفتيش الأمني نفسها وفي نفس التوقيت وبذات الأعداد وحجم الضحايا والكوارث. نحن سيدي، وزير الداخلية، رفعنا بمطالبنا إلى كل طوب الأرض، ونحن سمو الأمير، سكبنا دموعنا مع كل (صلايا) القبور التي ركزناها على هؤلاء الضحايا. نحن، سيدي، أيضا نتعاطف مع المجهول الضحية، مثلما يأكل الحزن قلوبنا على "منى" و"صنعا" من بناتنا اللواتي تركن حتى اليوم سبعة أيتام من الأطفال، على ذات الطريق، وذات نقاط التفتيش الأمنية، وذات النهايات المتشابهة في كل التفاصيل حذو المأساة بالمأساة التالية. نحن يا سيدي، وزير الأمن، نعيش منذ أربع سنوات على الأقل ذات القصة الأمنية التي لم نعد نشعر معها بالأمان ولم يلتفت أحد. ذات جنود الأمن، وذات المجهولين، وذات نقاط الأمن والتفتيش وذات الطريق وذات الضحايا وذات القرى…
السبت ٠٢ فبراير ٢٠١٣
وكأي سعودي، وعلى عادته، كان لا بد أن أضع دمغتي على أديم هذه المدينة وأنا أغادرها صباح الأمس عائدا إلى أديم هذا الوطن. حادث سير بسيط خرجنا منه ولله الحمد بالسلامة. لكن خلاصة التجربة تستحق التأمل للمقارنة. كيف حضر البوليس في سيارة فارهة تستحق أن تكون لرجل الأمن، وكيف كانت حركاته وهندامه وكأنه داخل لطابور العرض. كيف وصلت سيارة الإسعاف في أقل من ثلاث دقائق وكيف أقفلوا لها الشارع المعاكس كي تختصر المسافة، وكيف توقف لها العشرات كي تعبر بسلاسة. كيف كان طاقم الإسعاف مهنيا حتى وهو يصر على توقيعنا على انصرافه وتأكيده أننا لسنا في حاجة إليه. كيف أجابت شركة تأجير السيارة على أول اتصال وكيف أحضروا سيارة السحب، وكيف لم يتركوا بعدها مسارا شاردا على جانب الطريق. كيف تجاوبت شركة التأمين مع ثنائي (الشركة والمستأجر) كي نقفل الملف. كيف وضع البوليس إشارات التحذير من حول الحادث ولم يتطفل فرد واحد بالوقوف والتجمهر! والمهم أننا كنا على بعد ساعة ونصف من رحلة طيران دولي وتحت كل هذه الظروف: زحام وحادث وأجانب وسيارة مستأجرة وشركة تأمين وأوراق بوليس ومع هذا وصلنا للمطار قبل 50 دقيقة من موعد الطائرة. على النقيض؛ هنا مئات حوادث السير التي أصبحت (مهنة) لمحترفي سرقة المحتويات من جيوب الأموات ومن بين أيادي الجرحى. حوادث تتحول إلى…
الثلاثاء ٢٩ يناير ٢٠١٣
أحتاج بعد الفراغ من كتابة هذا المقال (ظهر الأمس) أن أبحث في مكتبات هذه المدينة، حيث إقامتي المؤقتة، عن كتاب جمال حمدان، شخصية مصر، كي أحاول من جديد فهم ما يحدث. مشكلة مصر، لم تكن بعد عامين من التجربة، في السقوط السياسي، بل في سقوطها الثقافي والاجتماعي. ومن العبث أن نقول إن مرسي وجماعته يتحملون المسؤولية. مشكلة مصر أنها استسلمت للعوام وللرعاع، بلا مواربة أو حسن إدارة للكلمات. ومن غير المعقول أن يقول الإحصاء المتحفظ البسيط إن نصف مليار من أهلها خرجوا إلى الشوارع في كل المظاهرات في الشوارع والميادين منذ اليوم الأول وحتى اللحظة. مشكلة مصر الحقيقية أن مجرد (مظاهرة) تحولت بالكذب والتزوير إلى مصطلح (للثورة). الثورة في أركان المصطلح لا تستحق الاسم إلا بعد عقد من الزمن حين تستطيع تغيير كل الوقائع المجتمعية من التعليم إلى الاقتصاد، ومن العيش حتى تأسيس مبادئ الحرية. مشكلة مصر الكبرى أنها ضاعت بين أحلام المجتمع وبين وعود الساسة.. بين مجتمع يظن أن في يد المؤسسة الحاكمة قدرة مصباح علاء الدين أن يوزع الخبز على المنازل في الصباح، وأن يؤمن في المساء أنبوية الغاز.. مجتمع يظن أن صيانة القطار المتهالك في درج دولة الرئيس، وأن لدى مستشاريه العشرين ونوابه مفاتيح الشقق المفروشة لملايين الباحثين عن سكن. وبين جبهة الإنقاذ وبين جماعة الإخوان ترقص…
السبت ٢٦ يناير ٢٠١٣
في غيابي الطارئ، لأسبوعين، عن الكتابة مرت على الأمتين السعودية والعربية بضعة أحداث جسام رفع الله عني أسبابها فرفعت عنها قلمي. من مدينتي سأبدأ سرد أحداث (الغياب) قبل أن تستيقظ الأمة من (الغيبوبة). أمين مدينتي يهدد مجلجلاً بمقاطعة هذه الصحيفة حتى كدنا نقول: ليته فعل. ولو أنني كتبت عن تهديده لقلت له: إن كان في الجعبة فعل يستحق أن تتحدث عنه فأمامك صحف جوبا والخرطوم. اختر أن تتحدث أينما شئت وخصوصاً عن أنباء التجديد والتعاقد لأنها الجديد الوحيد الذي يستحق أن تتحدث عنه. في غيابي أيضاً، خرجت وجوه الخيبة من كأس الخليج وكان اللافت الأبرز وهم يركبون (باص العودة) ليس إلا (لواقط) المايك على الآذان يستمعون فيها إلى ما لذ وطاب. كأنهم داخلون إلى (قهوة) لا إلى وطن بشعب وعلم. اختلط الأمر لدى رفاق الكابتن (ياسر) فلم يعرفوا الفرق ما بين جسر الملك فهد وبين (جسر اللوزية). في غيابي أيضاً، اعتذر القسم المعني بمجلس الشورى لهذه الصحيفة عن تزويدها بالسيرة الذاتية لبعض المعينين الجدد بالمجلس الموقر. الذين ذهبوا إلى الشيخ (جوجل) أيضا لقراءة السيرة الذاتية اكتشفوا أن فضيلته اعتذر لأن بضعة وعشرين عضواً جديداً ليس لهم من (نقرة) ولا اسم ولا رسم على كل هذا العنكبوت الإلكتروني الهائل. اكتشفت، وللمفارقة، أن ذات الشيخ (الجوجلي) الذي أنكر أسماء بعض أعضاء الشورى…
الخميس ١٠ يناير ٢٠١٣
ومن حسن إدارة الوقت أن أتوقف اليوم عن الاستمرار في كتابة العنوان "السلسلة"، ذاك لأن لدي شرائح أخرى من القراء باهتمامات مختلفة. بقي لدي من ملفات "الاختراق" ملف الإعلام الصاعد وجمعيات المال الخيري بالبراهين المذهلة حيث الفقير الخليجي مجرد حيلة لجمع المال السياسي، مع الوعد بفتح هذه الملفات في مرة قادمة. أشكر من الأعماق كل هذا التفاعل المثير مع هذه السلسلة بما يقرب الألف تعليق حتى اللحظة، مما يجعلها الأعلى بلا منازع في سوق الصحافة الأسبوعي. أشكر كل الذين اختلفوا معي مهما كانت حدة الاختلاف، وعلى رأس هؤلاء من أشعل (تغريداته) التويترية للقب (المثقف الأجير) ليجعله وسما (هاشتاقيا) لأنه أعطاني الفرصة أن أتحسس (بطني) لأقارنه (بكروش) الآخرين ومكاسب بعضنا البعض المذهلة. بقي من ذيل العنوان بعاليه: لماذا كتبت؟ كتبت أولا لأن حركة الإخوان المسلمين ارتضت بقرارها المستقل أن تتحول إلى فصيل سياسي، تماما مثلما نكتب عن حزب (حفلة الشاي) الأميركي، أو طالبان الأفغاني. لكن معضلة حركات الإسلام السياسي، وهي بالعشرات، أنها تنظر لنفسها أن الحديث عنها ومجادلتها هو حديث وجدال مع الدين، لا مع لعبة سياسية بقواعد الديمقراطية. وخذ بالمثال عندما كتب محمد الغزالي عن (الفقه البدوي) هل هذا يعني أنه ضد الدين أم أنه يحاور فصيلا؟ وعندما رد عليه سلمان العودة في كتابه (حوار هادئ مع محمد الغزالي) فهل…
الأربعاء ٠٩ يناير ٢٠١٣
أدركت جماعة الإخوان المسلمين، منذ طفرة نهاية السبعينات، أن الكتلة الخليجية الصاعدة هي الذراع المالي الذي سينقلها إلى مرحلة (التمكين) بحسب برمجة الحركة. وسيلة الجماعة هي الوصول إلى القاعدة ولكن بتوظيف النخبة فماذا فعلت؟ وجدت جماعة الإخوان أن المنجم النخبوي الهائل يكمن في آلاف المبتعثين الذين سيعودون لبلدان الخليج أساتذة للجامعات وبالتحديد في بريطانيا والولايات المتحدة. هؤلاء المبتعثون من النخب هم الجمهور الأبرز للحضور الطاغي للمؤتمرات الدورية التي كانت تعقد بصخب هائل، وبحضور الآلاف، سواء في المعسكرات الصيفية للطلبة المسلمين في الغرب أو في المؤتمرات الشاملة التي تعقد في نهاية العام الميلادي في مدن غربية مختارة. في هذه البيئة، وجدت الحركة مناخا هائلا من الحرية في الوصول إلى عقول من رأت أنهم أصحاب القرار المستقبلي وسادة التأثير المجتمعي. وبعد أكثر من ربع قرن على هذا الاختراق ستكتشف بما لا يدع ثقبا للشك أن شمس هذه الحركة أشرقت من (الغرب). وليست صدفة أن تجد أن الأسماء اللامعة التي تبدأ هذه المؤتمرات الصاخبة وتنهي محاضراتها تكاد تنحصر في أسماء بنية الحركة الذين يتكررون بشكل ثابت، وكالأمثلة، من القرضاوي إلى الغنوشي والترابي وعصام البشير وعبدالله عزام، رحمه الله، وأنا لا أكتب دون البراهين، لأن أسماء المحاضرين وعناوين هذه المحاضرات مكشوفة في أدبيات هذه المؤتمرات ومواقعها الإلكترونية ولك أن تعود إلى موقع (ESNA) وروابط…
الثلاثاء ٠٨ يناير ٢٠١٣
وبالأمس وما قبله كتبت شواهد اختراق حركة الإخوان المسلمين لبنية التعليم العام والجامعي، على التوالي. ولأن الحقائق تتطلب البرهان فسأكتب اليوم قصة الأنموذج (الشاهد). في البواكير الأولى لمطلع الثمانينات من القرن الماضي تم إلزام الجامعات السعودية كافة بتدريس طلابها كافة أربعة مقررات في مادة الثقافة الإسلامية كمتطلبات جامعية أساسية لبرنامج الدراسة. ومنذ ربع قرن مازال عشرات الآلاف من الطلاب يدرسون كتاب (النظام السياسي في الإسلام) للرمز الإخواني الشهير، محمد سليم العوا، وهو ذات الكتاب الذي درسته في الجامعة ومازال ولدي يدرسه الآن بأسماء مختلفة ولكن بذات التفاصيل المدهشة. كتاب (الطبيب) محمد العوا، ليس إلا اختصاراً مكثفاً لأفكار سيد قطب عن الحاكمية في الإسلام وموقف المجتمع من الحاكم، في اختراق بالغ الذكاء لنسف تربية المجتمع المستقبل عن مواقف السلفية التقليدية عن الحاكم وأصول الحكم. المقرر التالي كان أيضاً للقطب الإخواني الراحل، محمد أحمد العسال تحت العنوان الصريح (الإسلام وبناء المجتمع). والمقرر برمته تكثيف هائل لرسالة مؤسس الحركة، حسن البنا، عن المجتمع وعن التربية، وأكثر من هذا فإن بنك الأسئلة المشترك بين هذه الجامعات يختصر كل الكتاب ليبدأ التركيز على بضع عشرة صفحة هدفها هو الأهداف العشرة في الرسالة الشهيرة لحسن البنا حول المجتمع والتربية، وهي برمتها بضعة أسطر هدفها التركيز على امتحان آلاف الطلاب حول هضم هذه الرسالة. وخذ بالمقاربة للتدليل…
الإثنين ٠٧ يناير ٢٠١٣
تبدأ النقطة الجوهرية الفاصلة للاختراق الحركي للإخوان المسلمين في البنية الفكرية في السعودية بالتحديد مع مخرجات الطفرة الأولى نهاية السبعينات. شهدت تلك المرحلة توسعاً نوعياً وكمياً في بنية التعليم الجامعي، وهو ما خلق فرصة هائلة لأن تتنفس الحركة في فضاء جديد مفتوح تخرج به من عنق الزجاجة في بلدانها الأصل وخصوصاً مصر وسورية. ذروة الخروج إلى الفضاء الجديد جاءت بعد مجزرة حماة الوحشية البشعة، وبعيد حملات التضييق الواسعة فيما عرف باسم تطهير (مراكز القوى) في زمن السادات. جاءت هذه الحركة بكثافة إلى مجتمع بريء لم يكن في حساباته الظن بأن في (الدين) عشرات الفصائل المختلفة التي تشرذمه إلى غطاءاتها وأجنداتها السياسية. احتاجت الطفرة في جسد التعليم الجامعي إلى آلاف الخبراء والأساتذة، وبالطبع، كان الوقود التلقائي لابد أن يأتي من ذات المنجم، وخذ هذين المثالين: التوسع المحلي الهائل في كليات التعليم الديني لم يكن إلا مزيجاً لتدريس كتب وأدبيات رموز حركة الإخوان المسلمين. هنا حدثت أول حالة (انفصام) فكرية لآلاف الطلاب الذين يقفون بأرجلهم على منهج بينما تتربى عقولهم على المنهج الجديد الوافد. مزيج المدرستين أنتج حالة مدرسية ثالثة تجمع ما بين النقاء السلفي وبين منهج الإخوان الذي يحول الدين إلى حركية سياسية خالصة. هنا تقف السرورية كمثال على هذا المخاض بآلاف الأتباع النافذين القارئين من كتب الإخوان ولكن في الوعاء…
الأحد ٠٦ يناير ٢٠١٣
على صفحة كاملة، ومن أجرأ ما قرأت خلال العام الأخير، فتح قينان الغامدي بالأمس كل الأسئلة المشرعة في وجه التقية السياسية لمشروع حركة الإخوان المسلمين في الخليج، وفي السعودية تحديداً؛ بوصفها الكعكة الأغلى الأعلى في تاريخ هذه الحركة. سأبدأ مباشرة من حيث ترك قينان الغامدي نهاية أسئلته المشرعة. من المعقل ومن البذرة التي نمت تحت (التوقيع) وتحت السمع والبصر. في مدخل سبعينات القرن الماضي كان نجم (النجم) الإخواني، كمال الهلباوي، يصعد مخترقاً فضاءات رموز الحركة الكبار، ومثيراً بوهجه وأدواته الفكرية على مأمون الهضيبي وعمر التلمساني، وكان بلا جدال، أبرز الأسماء التي تحتاجها تلك المرحلة للكرسي الأعلى في منصب مرشد الحركة. وفجأة، وخارج السائد المألوف تكتشف انتقال كمال الهلباوي إلى الرياض مغروساً في قلب نظام التربية والتعليم مستشاراً أساسياً لبناء المناهج المدرسية، وعضواً باللجنة الصغيرة الخاصة بانتداب واختيار كوادر التعليم الإدارية في مفاصل الوزارة ومناطق اختصاصها الجغرافية المختلفة. لجنة كمال الهلباوي هي نفسها من وضعت في نهاية ذات السبعينات خرائط النشاط المدرسي بما فيها المعسكرات الطلابية والأندية الصيفية ونواة برامج الحركة الكشفية التابعة لوزارة (المعارف)، وفي تلك اللحظة من الزمن أكمل كمال الهلباوي سيطرة الفكرة الإخوانية على أهم مفصلين في التعليم: بناء المناهج ورسم الأنشطة. كان لابد أن ينتقل إلى مخططات المشروع الأعلى ليكون الاختراق الضخم حين تكتشف أن كمال الهلباوي…
الخميس ٠٣ يناير ٢٠١٣
وأخيراً، وصلت جامعة الملك سعود، وأوفت بوعدها الذي قطعته قبل أربع سنوات، بأنها ستقتحم نادي المئتين في تصنيف "كيو.إس" للجامعات بالتحديد، وهو التصنيف المعتمد على معياري: "المحتوى والجودة". وبالطبع، مر شهران على صدور تصنيف العام الجديد، ولم نسمع ردة فعل كالعادة، ولم ينبس بشر بابن شفة، ولم يكتب أحد ربع مقال في تقريع وتهميش استحقاق هذه الجامعة التي تصدرت كل جامعات العرب، والشرق الأوسط، مسبوقة ـ للأسف الشديد ـ بالجامعة العبرية في القدس الشريف. أما سبب الصمت، فالجواب يكمن في البرهان أن جل معاركنا مع نجاح الأفراد، أو المؤسسات، مجرد "شخصنة"، للحروب التي نضعها في طريق المبدعين والناجحين، لا حوارات نقاش وبناء حول الأفكار، ومنها ما كان في المعارك العنترية في مثلث: "العثمان والتصنيفات وجامعاتنا المحلية". وخذ بالمثال أنه المجتمع الذي أقام ذات حرب التصنيفات على المتناقضين: الأول؛ عندما هب ابتداء من مجلس الشورى حتى مجالس القرى الشعبية، عندما اكتشف أن جامعاته خارج التصنيف "الإسباني"، لقائمة الألف جامعة، والثاني؛ هو ذات المجتمع الذي هب إلى التشكيك في مؤسسات عالمية مرموقة لمجرد أننا على النقيض دخلنا إلى قلب التصنيف. كانوا يكتبون ويدبجون مقالاتهم في وجه عبدالله العثمان بدلا من أن يناقشوا المعايير. كانوا يبحثون عن الألغام في طريقه بدلا من أن يسألوا أنفسهم عن الفوارق ما بين تصنيفات "شنقهاي، أو كيو.إس،…