علي سعد الموسى
علي سعد الموسى
كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية

أميركا.. التي رأتني

الأحد ٠٨ يونيو ٢٠١٤

كان الوقت يشير إلى الساعة الثالثة بعيد ظهر الجمعة وأنا أدلف بعد هذا الغياب الطويل إلى قلب جزيرة "مانهاتن"، روح نيويورك وأيقونتها المعتمدة. كنت في مكتمل التعب والإعياء بعد رحلة طويلة من "أبها – جدة – فرانكفورت وأخيراً نيويورك"، وللحق أو للصدفة كان مدخلي إلى "مانهاتن" من البوابة المناسبة أو الجسر البحري المناسب: فجأة وجدت نفسي أمام إشارة مرور طويلة جداً على الركن الخلفي لمبنى الأمم المتحدة. وفي المشهد، على الرصيف المقابل نفر من جماعة الإخوان المسلمين يتظاهرون أمام المبنى الأممي ويرفعون صور "محمد مرسي"، وتلك الأعلام والشعارات التي أدمنتها منذ عام على قناة "الجزيرة". هربت منها في رحلة استرخاء إلى غرب الأرض فوجدتها "أول صوت" أسمعه في الأرض الجديدة والعالم الجديد. كانت إشارة المرور طويلة وحمراء مزدحمة تسمح بالمناكفة وتبادل إشارات الأصابع ما بين عابر سيارة أجرة وبين متظاهرين على الرصيف. كنت أرفع إصبعين وهم يرفعون "الأربع". حتى الصدفة نفسها تسمح بتداخل نغمة تشابه الحروف ما بين "مرسي وسيسي" في مناخ من الحرية المكتملة. أنت في "مانهاتن"، ونحن جمعياً في نيويورك، ولا أحد منا يستطيع كتم الصوت أو تقنين حركة الأصابع أو الاعتداء على رؤية مخالفة ما بين شارع ورصيف. وصلت فندقي في "مانهاتن الوسطى" فلم أحتمل ضياع دقائق من نهار أميركا الصيفي الطويل. قررت أن يكون استرخائي على…

لعدنان العرعور: عيب.. كفى جبنا

السبت ٠٣ مايو ٢٠١٤

بمهنية احترافية وموضوعية تستحق الإشادة، عاد داود الشريان في "ثامنته" ليضع جمهوره من جديد في مواجهة حقائق "أم محمد"، التي أرسل مشائخ الفضائية المكيفة نجلها الطفل المراهق إلى ما لا نستطيع إلا أن نسميه "نخاسة حروب سورية"، وقد عاد الطفل المراهق ليفضح على الملأ كل هذه الوقائع المخجلة. المشكلة أن الجمهور سيلتهي بقنبلة داود الشريان وسينسى الجرح المؤلم في قلب الأم والطفل. وأنا اليوم، وللإيضاح، لا علاقة لي بالدكتور محمد العريفي، الذي نفى في وقت سابق كل تفاصيل مأساة هذا الطفل، وأعرف أيضاً أن شيخنا الأنيق المهتم لأقصى حد بشياكته وحياته المترفة لما فوق الخيال لن يغامر بالتغرير بأطفال بلده وشبابه إلى حروب بلا راية. أنا مؤمن أنه بريء من التهمة لأنه مثلي تماماً لم يضرب برصاصة واحدة في حرب أو غزوة. كل مأساة "أم محمد" وولدها تذهب بالأسئلة إلى عدنان العرعور لأن الطفل البريء فضح كل شيء من أرقام "التسهيل" التي أرسلها إليه، إلى معسكرات النبيذ والنساء باسم الجهاد إلى حركة البيع التي تحول فيها "طفلنا" إلى سلعة تباع من جبهة إلى نظام إلى منظمة. وحتى لا يظن عدنان العرعور أننا أغبياء وسذج إلى هذه الدرجة فسأدعوه إلى الحقائق التالية: تقول "ويكيبديا" في تعريفها لسيرة العرعور التي أرسلها بنفسه إلى الموقع ما يلي: عمر عدنان العرعور 65 سنة، وهو…

كورونا.. بين الابتزاز وشك الحقيقة

الخميس ٠١ مايو ٢٠١٤

بالعودة إلى أرشيفي الكتابي الخاص، اكتشفت أنني لم أكتب مفردة "كورونا" في كل ما سبق سوى مرة واحدة، وأيضاً في مقال لا علاقة له بفيروسنا الوطني الثقيل: هذا خطأ أعترف به من كاتب يومي يتعمد أو يتجاهل قضية رأي عام لها أركانها المكتملة. ولكن ما الأسباب؟ أولاً، سأعترف أن مشواري مع كل القضايا يميل إلى العزوف والإحجام عن طرق القصص المشبعة، وأيضاً لا أفضل دخول القضايا التي يختلط فيها العلمي البحثي مع النقل والإشاعة والتهويل. وكل ما أخشاه أن في حالة "كورونا" أشياء من الابتزاز ونفوذ كارتيل المصالح المادية وتجار الأوبئة ومنتفعي ضربة "الفيروسات" بألوانها المختلفة. أكتب اليوم، وعلى يساري في طاولة مكتبي تقرير مطبوع من هيئة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة وفيه لغة واضحة صريحة تقول بكل شفافية ما أترجمه بالحرف "إن أنفلونزا الخنازير احتوت على تهويل ومبالغة بلا أي برهان علمي، وإن وراء هذه المبالغة مصالح ترتبط بنفوذ شركات الأدوية الخمس الكبرى وأيضاً باستغلال مصالح شركات التأمين الصحي". التقرير نفسه يشير إلى أن مجموع ضحايا كل حمم وحمى "السارس والطيور والخنازير" مجتمعة في كل الدنيا لم تصل إلى ثلاثين ألف حالة بينما قتل فيروس الأنفلونزا العادية في ذات الفترة ثلاثة ملايين إنسان على ظهر البسيطة، وهنا تبدو مفارقة الأرقام مدهشة تستحق التأمل والدراسة. وأنا هنا لن أتاجر بعواطف…

لماذا لا يفكر بعض المحتسبين إلا في الجنس والعورة؟

الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠١٤

تستطيع بكل بساطة، أن تجعل فئاماً غالبة من شرائح هذا الشعب تسهر على فكرة "قوطي" وتصبح عليه حين تحول هذا "القوطي" إلى فزاعة اجتماعية للتحذير من خطورته على ناصية الشارع العام. هو الشعب الوحيد الذي رأيته من بين الأمم الذي يستطيع تحويل "القوطي" ومخاطره إلى – هاشتاق – ثائر بآلاف التخيلات والصور. قد يكون "القوطي" في هذه الخزعبلات المجتمعية قنبلة سائبة وقد يكون علبة مخدرات.. وقد يكون أي شيء مما يخطر على البال، ولكن "شعب الهاشتاق" لن ينظر إلى البدهي المألوف من أن نفس الشعب يرمي في شوارعه بمليون "قوطي" في اليوم الواحد وتذهب إلى زبالته خمسة ملايين علبة. وتوطئة لما سلف، فالقوطي الذي أتحدث عنه هو تصويت مجلس الشورى على توصية بإقرار حصة الرياضة في مدارس البنات. المعترضون على مثل هذا "القوطي" الشارد قد لا يعلمون وقع لغتهم الصارخة على نصف الشعب من الإناث وهم يرمون القرار بأقذع الصفات. أنا لا أعلم بكل صدق وصراحة لماذا يفكر "المحتسب" دائماً في الجنس والعورة وكل تفاصيل الأنثى الجسدية مع كل قضية تمس نصف شعبه، رغم أنه وبالافتراض أكثر من يجب عليه طرح حسن النوايا وإيجابية الثقة. لا أعلم لماذا يظن "المحتسب" أنه أكثر غيرة من الناس على محارمهم ونسائهم وأنه المسؤول الأول عن كل فساتين الدولاب وألوانها ومقاساتها. مسؤول عن شكل…

في استقبال أوباما.. تحليل خطاب الضعف

الأحد ٣٠ مارس ٢٠١٤

أمضيت بياض الجمعة وسواد ليلة السبت مستمعاً إلى عشرات المحللين السياسيين وأساتذة الإعلام والكتاب ورؤساء تحرير الصحف على القنوات الإخبارية في استقبال زيارة الرئيس الأميركي المجدولة منذ شهرين خلت إلى الرياض. تستطيع من "تحليل الخطاب" لهذا الطيف الواسع من "الأنتلجسنيا" السعودية أن تقول بثقة إن القاسم المشترك في الخيط الرابط بين كل الآراء والتحليلات أن هناك فهماً خاطئاً عميقاً في "السطحية" لوزن المملكة الإقليمي ولمكانتها وثقلها على مسرح السياسة والاقتصاد الدولي. تستطيع أن تقول بثقة أيضاً إنك تشعر على "الجلد" بشيء يشبه وخز الدبابيس حين تستمع إلى "خطاب التحليل" الذي يشعرك بالضعف والاستجداء وهم يتوسلون من الزيارة أن يعود إلينا القطب المارد الأميركي: يصوروننا وكأننا غزلان شاردة تائهة في صحراء أو حتى غابة ثم ترفع آذانها كي يراها "الكاوبوي" ثم يقبل إليها بحباله وخيله. في الأمثلة والنماذج من تحليل الخطاب ما يلي: أولاً: فبدلاً من أن يتكئ تحليل الخطاب على فوائد العلاقات المشتركة ما بين بلدين كبيرين تجمع بينهما مصالحهما الاقتصادية والسياسية الخالصة، فقد تعمد خطاب التحليل السياسي، على توزيع ملفات الهموم المشتركة ما بين البلدين إلى ملفات سياسية ثانوية لمشكلات المنطقة وأزماتها من إيران إلى سورية وصولاً إلى القصة المصرية، وما أريد أن أكتبه بكل وضوح وصراحة أن أوباما لم يجدول زيارته إلينا منذ شهرين ثم يسافر شرقاً من…

ما ليس باليابان.. ولكنه في السعودية

السبت ٢٢ مارس ٢٠١٤

يقول لي صاحبي، أستاذ جامعتي: وبعد هذا السرد الجارف عن تجربتك الطارئة القصيرة في "غزوة اليابان" ما الذي يمكن لك أن تكتبه عن النقيض؟ ما هو الجانب المضيء الجميل الذي تراه في وطنك وبلدك ولم تره أو تشاهده في اليابان؟ قلت له فوراً وبلا تردد.. هما جملتان. الأولى سؤال الحياة لقيمة الإنسان، والآخر، يكمن في الفرصة المشرعة حينما تتوافر لدى الفرد رغبة التغيير وحوافز الطموح. وجواباً عن السؤال سأقول بكل صراحة ووضوح إن حياة الفرد الياباني وطبيعة السباق التنافسي قد حولت هذا الفرد إلى آلة صماء، وهو فيها ليس إلا مسماراً في قلب هذه الآلة. ولكم جميعاً من الخيال أن طوكيو تتصدر مدن الدنيا في حالات الانتحار تبعاً لشعور الفرد بالضياع إذا لم يستطع مقاومة طبيعة التنافسية والمنافسة. الياباني فرد مكبل بالقوانين وضغوط العمل ولهذا لم أجد باليابان أي مظهر للاحتفاء بالحياة ولا شيء من بهجة الحياة الاجتماعية. لم أشاهد في طوكيو، مثلاً، فكرة "المقهى" وصخب الحياة الليلية بعيد الساعة السادسة. أشعر مع المقارنة أن وطني مفعم بالبهجة للإنسان، وأنه أيضاً يعطيه مساحة هائلة من الحرية. وفي جواب الجملة الثانية، أشعر أنه ما زال في وطني مزيد من الفرص وسلالم النجاح لمن أراد بناء حياة كريمة بشرط الإصرار والطموح. شعرت بالحزن الشديد وأنا أناقش أستاذا بجامعة "واسيدا" على طاولة عشاء…

ثمانون نجمة في سماء جازان.. شكرا “عادلة”

السبت ١٥ مارس ٢٠١٤

مساء غد الأحد، ستحتفل درة الجامعات السعودية، جامعة جازان، بقطاف الثمرة الأولى لأكثر من ثمانين طالبة في كليتي الطب والصيدلة من بناتنا في خريجات الدفعة الأولى في هذه التخصصات النوعية. نعم.. سيكون عتبي على الرقم الذي كان يفترض أن يكون بالضعف، عطفاً على ما أراه في وطني من الإمكانيات والموارد ولكن: لكم أن تعلموا أن جامعة جازان كانت أول جامعة سعودية تبدأ برامج التعاون الدولي المشترك، ولكم أن تعلموا أيضاً أن كل فتاة سعودية من خريجات الدفعة الأولى كان لها الخيار في الذهاب للدراسة والتدريب الطبي في أرقى جامعات الكون لفترات من برنامج تأهيلها الدراسي. كانت جامعة جازان أول جامعة ناشئة تفتح كل برامجها الدراسية للجنسين عند اليوم لإقرار أي قسم أو برنامج أكاديمي دراسي دون أولوية أو تمييز. مساء غد ستكون، أو ستعود الأميرة، عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، إلى ذات الحقل الزراعي الإنساني الذي وقفت معه منذ اليوم الأول. إذ قبل ما يقرب من ست سنوات راهنت "عادلة" على البذرة وظلت لأسبوع كامل تداوم في القاعات والمعامل في جامعة جازان وتنتظم مع أخواتها وبناتها في جداولهن الدراسية. وقد لا يعرف الكثير مع زحمة الأخبار أنها كانت "الأم الروحي" لكل مناشط الجامعة النسائية، وأنها نفسها من قال في اليوم لدراسة هؤلاء البنات: إن طبيبة واحدة من جازان أو الجوف…

النمو السكاني.. أخطر أرقام التنمية

الأحد ٠٩ مارس ٢٠١٤

في اليوم الأخير من زيارة اليابان، وفي منتصف الطريق الساحر ما بين يوكوهاما إلى طوكيو، فوجئت بصديق الحياة وزميل الدراسة الدكتور سعد السويلم يسألني: أي شيء لفت انتباهك بشدة أكثر في هذا البلد ونحن على أبواب المغادرة؟ فجأة تقفز الإجابة في تحوير السؤال: ما الذي لم أشاهده في اليابان؟.. والجواب: شاهدت هناك كل شيء. عشت المدن الذكية لأسبوع مكتمل وخرجت منها مؤمناً أن الفوارق التقنية ما بين "عالمين" تجعل من قدرتي على التكيف صعبة ومؤلمة. عشت الانضباط الذي حولني إلى آلة تريد تهذيب هذه "الأنا" الفوضوية في مجرد أسبوع وهذا من الاستحالة أن يحصل. بكل الاختصار، شاهدت في اليابان... كل شيء.. وحاولت التأقلم والمسايرة مع كل شيء. والجواب المباشر.. خرجت من اليابان فلم تقع عيناي.. أبداً أبداً.. على منظر طفل واحد ولا صورة امرأة "حبلى" سوى ما كان لي من زيارة مدرسة ابتدائية سأكتب عنها في مرة لاحقة. قصة السكان ومعدلات النمو السكاني بالنسبة لي هي لب وجوهر أي بناء وتخطيط تنموي. الكارثة الكبرى أن بيننا من ينظر إلى معدلات النمو السكاني على أنها مؤشرات موجبة دون النظر إلى تقابلية "الجغرافيا والموارد". والمدهش المثير في الصدفة نفسها أن زيارتي لليابان كانت منتصفاً ما بين عوالم باكستان والهند: حيث الخزان البشري الهائل لأجداث تخرج من الأرض في جوف الصباح إلى الأمل…

ما الذي أوصل قطر إلى هذا الحد؟

الخميس ٠٦ مارس ٢٠١٤

ما الأسباب والعوامل التي أوصلت دولة شقيقة مثل "قطر" إلى أن تغرد خارج سربها الاجتماعي والسياسي حتى وصل الحد إلى أن تسحب ثلاث شقيقات من حولها سفراءها من الدوحة؟ هناك جواب ثقافي مهم في تحليل المسألة. ومثلما يتحدث علماء الاجتماع عن مصطلحات مثل توازن التركيبة السكانية وتكافؤ نسب الأعراق لديمومة وحيوية النسيج الاجتماعي، فأنا أعتقد جازما أن موازين "التركيبة الثقافية" وحركة القوى الفاعلة في تشكيل الوعي لمجتمع مثل شقيقنا المجتمع القطري هي من أدى في نهاية الأمر لهذه المحصلة. يعود لب الجذر حين قررت قطر قبل ما يقرب من عقدين من الزمن أن تلعب دوراً قيادياً على المسرحين الإقليمي والعالمي، ولكنها اكتشفت أنها تبني مجسم "فيل" ضخم ولكن بلا أرجل وسواعد محلية تستطيع حمل المعجزة. لن تستطيع الدوحة أن تكون "دبي" لأن الأخيرة انطلقت قبل إشارة "الماراثون"، ومن طبيعة المنافسة استحالة تكرار التجربة. لن تكون قطر نسخة من "الكويت" لأن الأخيرة ذات جذر ثقافي واجتماعي راسخ في التقاليد وبناء نهضة المعرفة، ولن تكون حتى مثل "البحرين" لأن الأخيرة من حضارات تاريخ الخليج وإرثه، بل حتى رمزه من أيام "الديلمون". وحينما لم تجد قطر صناعة محلية لتربيط مسامير المارد القطري فتحت أبوابها للكتل الثقافية النشاز في عالمنا العربي، حتى أصبح القطري الأصيل نفسه غريبا داخل ثقافته الأصل. وخذ لتقريب المثال أن…

“غزال”.. ذروة الجهل بطبائع البحث العلمي

الأحد ٠٢ فبراير ٢٠١٤

هناك ما يكفي من الفخر والاعتزاز لإدارة جامعة الملك سعود السابقة أن مشروعاً بحثياً ابتكارياً مثل قصة السيارة (غزال)، يعود اليوم إلى واجهة الحديث الإعلامي، ويستأثر بهذه الهجمة المنظمة، وينال كل هذا القدح لأن فكرة بحثية جامعية أرادت أن تكسر (التابوه) المغلق في المخيال المجتمعي بأن الجامعة مجرد أستاذ وطبشورة وقاعة دراسية. وحين قرأت بالأمس كلاماً عن أن فكرة "غزال" فساد يستوجب التحقق والتحقيق، أدركت أننا أمام منعطف خطير جداً قد يجبر الجامعات وكوادرها البحثية، وخصوصاً في المجالات العلمية، على اليأس وخفض الرأس خوفاً من ردة الفعل المجتمعي على أي اختراع أو خيال أو مغامرة علمية تستلزم أركانها البحثية اشتراطات النجاح والفشل، من هو الذي سيجرؤ بعد هذا الهجوم الشرس على فكرة (غزال) أن يتصدى لفكرة بحثية مكلفة وهو يعلم أن طبيعة الأبحاث العلمية الجادة التي غيرت مسيرة الكون البشري تفشل في عشرات التجارب الابتدائية ثم تحاول إعادة البحث وتجريب الطرائق والبدائل؟! تعالوا لنقرأ هذه النماذج من العلماء ومن قصص اختراعاتهم التي غيرت لون الحياة الإنسانية. اخترع الأخوان (رايت) فكرة الطيران الحديث، وحين فشلت فكرة التجريب في المرة الثالثة عشرة بكى الأخ الأكبر لأنه كان واثقاً في التجربة الأخيرة من نجاعة الفكرة والتجربة، ولفرط الثقة جمع من حوله جماهير مدينته في حقل (لومباردا)، وحين سقط باكياً حمله المئات على الأعناق…

عن صور الدعاة وحياتهم الخاصة

الأربعاء ٢٩ يناير ٢٠١٤

أنا لا أجد غضاضة ولا حرجا إن قلت إن استخدام الصور الخاصة للدعاة والمشايخ وطلبة العلم كبريد أسود؛ بهدف هز الصورة الذهنية عنهم لدى المجتمع، إنما يأتي كدلائل لحروب بينية مفلسة. من حق الداعية والشيخ وطالب العلم أن يركب الخيل في براري الله الخضراء، وأن يأكل الطعام الأرستقراطي، وأن يسافر بأهله في فجاح الأرض، أن يبتسم أمام الكاميرا شاكرا مستمتعا، وأن يلبس البدلة، وأن يغشى مطاعم النجوم الخمسة، وأن يرتاد مع أهله كل مكان لمتعة بريئة. سأخجل من نفسي إن لم أقل هذا بالخط الأسود العريض؛ لأنني فعلت وسأفعل كل ما تراه هذه الحروب البينية محظورا محرما أو معيبا لو فعله فضيلة الشيخ. أكتب اليوم في نهاية نهار من متابعات متفرقة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض قنوات التلفزيون، التي تحاول أن تضع المجتمع مع تقابلية الشيخ تحت عناوين مختلفة، يسيطر عليها عنوان وحيد "دعاة الجهاد يسافرون ويستمتعون.... يركبون الخيل.... ويغشون منتجعات الأرض". تخطئ آلية الحوار وتحيد عن نبلها وأهدافها حين تصل معارك الحوار إلى سهام شخصية مشخصنة. حين لا نجد في حروبنا البينية إلا التدقيق فيما كان شخصيا خالصا من حياة الإنسان الفردية الشخصية الخالصة. حين لا نجد إلا أن "علي الموسى" يمتلك سيارة (.......)، وأن صاحب الفضيلة يسكن قصره العامر. نحن وصلنا في حواراتنا إلى مرحلة خطيرة من الشخصنة…

العرب من “مونترو” إلى “لاهاي”

الخميس ٢٣ يناير ٢٠١٤

قال عنهم من قبل: إن العرب ظاهرة صوتية، وأنا سأضيف إلى ما قال: إن العرب أصبحوا فكرة خطرة على المجمل الكوني. خذوا هذه اللقطة؛ تفصل المسافة ما بين لاهاي ومونترو ما يقرب من أربع ساعات بالقطار، ولكن المشهد في المدينتين الأوروبيتين يختصر مشهد هذا العالم بأسره، الذي أقبل من كل حدب وصوب لمحاكمة خراج القنابل العربية. ومن يشاهد التلفزيون أمس سيؤمن أن العرب اليوم "فكرة مخجلة". كان المشهد استثنائيا حين اضطرت قنوات الأخبار الرئيسية أن تقسم الشاشة إلى نصفين: نصف الشاشة في مونترو حيث يتفاوض شعب مع نظامه لوقف حمام الدم في لغة لا تختلف أبدا عن مفاوضات العرب وإسرائيل، إذ لم تقتل كل حروب العرب في التاريخ الحديث ولا نصف ما أريق في سورية خلال عامين. نصف الشاشة الآخر في لاهاي حيث طغى المشهد على محاكمة يختبئ فيها المتهمون علنا بعد مقتل زعيم عربي بحجم الحريري. لماذا تقاطر هذا العالم إلى مدينتين متجاورتين من أجل بني يعرب؟ والجواب أننا أصبحنا "فكرة خطرة" على الإنسانية، ولم نعد مثل ما كان من قبل مجرد خطر على أنفسنا. نحن ـ عبر أكثر من عقد من الزمن ـ أصبحنا قصة أمنية على هذا العالم بأسره، وحتى حين أقبل الربيع العربي صفق المهللون ببشائر ولادة جيل جديد إلى هذه الخارطة. اليوم يبرهن هذا الربيع…