الخميس ١٦ يناير ٢٠١٤
سيقفل هذا المساء، وحده، على ما يزيد عن سبعين رحلة مجدولة وإضافية من مطاراتنا المختلفة إلى دبي وحدها، وهو رقم معلن، أما رقم التخمين الخفي، فيقول إن ما يقرب من مليون سعودي سيقضون إجازة نصف العام الدراسي في هذه المدينة. وكنت دائما أردد وأقول إن هذا النزوح الجماعي البيني ـ ما بين دولتين ـ وبهذه الكثافة الهائلة، يجب أن "يرشد" باستحداث البدائل، وتوفير مناخات محلية منافسة، حتى قرأت لكم بعض الحقائق. وقبل أن أسرد شيئا مما قرأته، يلزمني أن أقول واثقا، إن أيا من مدننا لن تكون لنا جميعا بديلا ـ على الإطلاق ـ عن دبي. وكذبة كبرى إن ضحكنا على أنفسنا أن "السعودي" يذهب إلى دبي بحثا عن المتنفس: على العكس، هو يغادر مربع الفوضى إلى دائرة القانون التي لا تسمح له حتى بتجاوز الخط الأصفر على الطريق. ولا تفهموا مفردة "المتنفس" التي قلتها في سياقها اللا أخلاقي؛ لأن القلة لا تعكس انضباط الأغلبية الكبرى، ولن نكذب على قواعدنا، فهذه القلة في مدنها السعودية تستطيع توفير كل ما توفره لهم دبي. السعودي يذهب إلى دبي؛ من أجل أن يعيش تفاصيل يومه بشكل مجتمعي واجتماعي طبيعي افتقده ولم يعد يجده في مدنه، حين أصبحنا في مدننا مجرد استراحات مقفلة على أطراف المدن. السعودي يذهب إلى دبي؛ كي يعيش طبيعيا في…
السبت ٠٤ يناير ٢٠١٤
حين سئلت في مجلس "ألمع" الثقافي، مساء الأربعاء الماضي، فيما إذا كنت أخاف على أطفالي في مدارسهم من مسائل مثل تشتيت "الهوية" وتفتيت الانتماء، أجبت فورا بالنفي الجازم القاطع؛ لأن بنية التعليم للأسف الشديد وصلت إلى درجة مخيفة، لم تعد حتى تسمح لمحمد وخلدون أن يتلقيا شيئا في المدرسة. خذوها على مسؤوليتي: لم يعد التعليم ولا المدرسة وسائل تربية أو تعليم أو بناء معرفي. لم تعد المدرسة ولا التعليم أوكار خطورة على القوام الفكري والبنائي لملايين الأطفال والشباب، مثلما أيضا لم تعد وسائل بناء وتثقيف حتى ولو من أجل الأوراق والمناهج الرسمية التي يحملونها كل صباح إلى المدرسة. سأقول بالفم المليان: لا يخيفني أن تكون "نسخة" من محمد الظواهري هو المدير أو المشرف التربوي في مدرسة "الولدين"، ولا يرعبني أن تذهب "سارة" إلى مدرسة ثالثة تحت إدارة نسخة أخرى من نوال السعداوي. أطفالي مثل كل أطفالكم، ولا نكذب على أنفسنا، أول من يعلم أن الاستيقاظ في الصباح مجرد روتين "عسكري" يبدأ من طابور السابعة حتى الصافرة الأخيرة عند الواحدة بعد الظهر. لا تخافوا ولا تقلقوا من كل ما يحدث في ثنايا هذه الحصص السبع. أطفالكم مثل أطفالي لا يرون فارقا أبدا... أبدا... بين مدرس "لغتي" وبين مدرس "العلوم" وهم... أبدا... أبدا.. لا يلمسون فارقا ما بين المادتين وبين الحصتين. هم…
الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠١٣
..والعنوان بعاليه هو اقتباس حرفي لعنوان الأخ الزميل عبدالرحمن اللاحم، ولكن مداخلتي معه تكمن في رؤية أخرى للفكرة. أشهر المبتعثين السعوديين إلى لواء "داعش" هو أحمد الشايع الذي نام كامنا سنوات بعد عودته الشهيرة من العراق، ثم استيقظ بكل قوة ليصبح نجما "يوتيوبيا"، وهو يهرب إلى "جامعة داعش"، فمن هو أحمد الشايع؟ هو نفسه الشاب السعودي الذي اعترف أمام الملايين أنه كان يقود شاحنة في أحد شوارع بغداد، دون أن يعلم مطلقا بأنها كانت شاحنة مفخخة بأطنان من "الديناميت" الحارق، ودون أن يعلم بأن خلفه عن بعد من يحمل "ريموت التفجير" ليفجره في اللحظة المناسبة. نجا أحمد الشايع بأعجوبة وتقدير إلهي، ووجدوه على بعد مئة متر من موقع الانفجار "مقذوفا" بجسد مكتمل الاحتراق، ليعلم فيما بعد أنه قتل "درزنا" من الأبريا، وكلهم بنسبة مئوية مكتملة من المسلمين، من بينهم ستة أفراد من عائلة سنية كانت تقطع الشارع أمام الشاحنة، واسمحوا لي، فأنا مع القتل بريء من التفريق بين الأديان والمذاهب. وفي الحقائق الدامغة أن أحمد الشايع عاد إلى عاصمة وطنه الرياض بتدخل إنساني جوهري من حكومة بلده، مثلما ـ في الحقيقة أيضا ـ أن بلده هي من عالجت جسده من بقايا جراح الحريق، مثلما كان ضغط حكومة بلده هو من أنقذه من مصير مأساوي في غياهب السجون العراقية. وعلى "يوتيوب"،…
الإثنين ٢٣ ديسمبر ٢٠١٣
شكرا لـ"الوطن" لأنها منحت السعوديين وبالمجان موضوعا يتكلمون فيه ريثما يعود نادي النصر إلى مبارياته، وللحق لم يستوقفني الخبر المنشور على صدر هذه الصحيفة قبل أيام عدة، حول أسعار سيارات أصحاب المعالي، واعتمادات "المالية" لهذه السيارات. السبب أنه لا يشكل فارقا ماليا حقيقيا إذا ما نظرنا إلى عدد الوزراء القليل، ولا يشكل فارقا ماليا حقيقيا إذا ما نظرنا إلى مصروفات أخرى "بالهبل" على "موائد" ليس لها عوائد، وعلى "رحلات" "تعبت منها المطارات" حتى قيل لأهل المعالي: "خففوا الأسفار". ما استوقفني هو ما وراء الخبر من تعليقات تويترية و"هاشتاق" نشط، وكل يدلي بدلوه، وكأنه "الفاهم" الوحيد في هذه البلاد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها. لا مشكلة؛ فجميع السعوديين أصبحوا محللين وكتابا وخبراء وأصحاب رأي، حتى الذين لا يفرقون "بين الخاء والباء" أصبحوا في هذا العصر المعلوماتي العولمي الرقمي التواصلي يكتبون وينظّرون، لكن المشكلة في الغضب من اعتمادات أسعار سيارات أصحاب المعالي. السعودي صار "يفتش" عن أي شيء ليقول أي شيء، وينتقد كل شيء، لا لشيء، إلا لتفريغ شحنات سالبة مجهولة المصدر، ولا فائدة من كل هذا "الهياط" النقدي إلا "التفريغ"؛ لأن النقد الشعبوي العام لا يقوم على معطيات حقيقية ولا يقرأ لغة الأرقام جيدا. النقد الشعبوي العام ينطلق من العواطف ويسير مع "الخيل يا شقرا"، ولذلك نجده دون…
الثلاثاء ١٧ ديسمبر ٢٠١٣
عشقي الشخصي للتباين والتضاد والاختلاف المحمود: للزوجين واللونين ولرقم الاثنين المتضادين، يدفعني اليوم للكتابة عن معرض الهيئة العامة للآثار والسياحة القادم، تحت عنوان "ألوان السعودية"، أنا أحب الأفكار المختلفة ولهذا أستطيع بكل ثقة، القول إن مثل هذا المعرض يستحق أن يكون (فكرة العام) بأكمله وأكثرها خروجا عن النمطية المطبوعة التي سئم منها الجمهور ورفضها مللاً من الرتابة. هذا الوطن الواسع بنوعه الموحد وتنوعاته المتضادة يستحق أن يكون فكرة (تسويق) إلى مواطنيه، وإلى العالم الفسيح من حولنا مثلما أحلم أن تكون كل صوره المدهشة (بطاقات بريد) في أسواق العالم المختلفة. ما هي (ألوان السعودية) إذا ما ارتفعنا فوق الصورة و(الفوتوغراف) واللقطة البصرية؟ من هو الذي يجبرنا لأن نكون لوناً واحداً رغم الطيف البصري والفكري والثقافي الواسع الذي تختزنه ذاكرة بلد. وفي قرار (جنوني) قررت قبل شهرين أن أذهب إلى الخط التالي على الخريطة في ظرف أيام أربعة: من أبها حتى وصلت القصيم ثم إلى حائل ومن بعدها إلى المدينة المنورة ثم إلى جدة وبعدها عبرت الساحل التهامي عائداً لمنزلي كي أكمل دائرة هائلة، اكتشفت أن (ألوان السعودية) أكثر دهشة وجمالية من مجرد حصرها في لون واحد وثقافة واحدة أو صورة بصرية نمطية. اكتشفت أن محمد زايد الألمعي هو نفسه سلمان العودة في الهدف النهائي رغم تناقض الآليات. اكتشفت أن القصيمي في…
الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠١٣
يقول الملياردير المصري، ورجل الأعمال، نجيب سويرس، في مقابلة تلفزيونية أمس: إن اشتراكيا يساريا من بلده قال له ذات مرة في لقاء شارد: أنا أكره الأغنياء، فأجابه سويرس: "مش حا أصحى بكرة الصبح فقير عشان حضرتك تحبني". وحين كتبت جملتي الحوار بين الاشتراكي وسويرس، في تغريدة "تويترية"، تواترت علي الردود التي أقرأ الآن آخرها لمغرد يقول: أغنياء العرب صنيعة فساد. في قصة مماثلة أخرى يروي المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، حكايات من قصص كثيرة لأناس يستغربون عليه كمثقف ومفكر ليبرالي حيازته شقة فاخرة في قلب مانهاتن، نيويورك، وقيادته سيارة "برجوازية" من أغلى الماركات الإيطالية. يضيف تشومسكي: لا أعرف من أين فهم هؤلاء الكثر أن المثقف والمفكر لابد أن يكون فقيرا، يخرج إلى الحياة العامة بشعر "مبهدل" و"هندام" رخيص الثمن؟ سؤالي من القصتين، أو من قصة نجيب سويرس مع محدثه بالتحديد: لماذا يكره العرب أن يكون بينهم ثريا؟ ولماذا يذهبون فورا إلى الشكوك وتهمة الفساد؟ وأنا لن أنفي في الجواب أن في عالم المال والأعمال نسبة لا أستطيع تحديدها من الاحتيال والفساد، ولكنني أيضا على استعداد للصدام المباشر مع مروجي هذه الكراهية بالقول الواضح الصريح: إن النسبة الكبرى من هذه الكراهية تنبع من ثقافة الفاشلين الذين يشعرون بالغبن لأن غيرهم نجح بالطموح والعصامية. سأقولها بكل شجاعة: إن الفاشل عالة وعبء على مجتمعه،…
الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠١٣
أستطيع بكل سهولة أن أفهم وأتفهم هذه الجرأة الهائلة المخجلة التي دفعت بمعلم مدرسة في صبيا إلى أن يسجل على هاتفه مقطع تعنيفه لطالب طفل ثم يواصل أيضا ضغط بضعة أزرار إلكترونية كي يجعل من مقطعه، وبفعل أصابعه، قصة وطنية مخزية ومجلجلة. هو فعل هذا لا لأنه كالعادة، أمن العقوبة فأساء الأدب، ولكن لأنه قرأ بشكل دقيق كل سلوكنا المجتمعي مع ثنائية (التصوير والأحداث المؤلمة). سآخذكم إلى القصة المقابلة الموغلة في الحزن بذات قدرها الموغل في الوحشية: كهل سبعيني حضر لمنزلي الأسبوع الماضي وهو يغرق في البكاء والدموع لأن بناته الست يسهرن كل مساء على تصوير اللقطات الأخيرة لشقيقهن وهو ينازع سكرات الموت في حادث سير مؤلم. أي قلب إنساني هو (ذاك) الذي يتجرأ على تصوير جثة محجوزة في قلب سيارة (مصدومة) ثم يبثها للملايين دون أن يفكر في الألم المخيف الموحش لهؤلاء الشقيقات الست وهن يشاهدن الدقائق الأخيرة من ثواني حياة الأخ الشقيق الوحيد! هذا الأب المكلوم جاء لبيتي ليسألني أن أكتب لأنه يظن واهما أن مقالا سيلغي عشرات الليالي المحزنة المؤلمة من حياة ست بنات يشاهدن اللحظات الأخيرة من مصرع شقيق. أي جرأة استثنائية هي تلك التي تتلذذ وتستمتع بتصوير شاب يعاني سكرات الموت محتجز في حادث سير؟ معلم صبيا الذي يتلذذ بتعذيب طفل يتيم هو نتاج هذه…
الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠١٣
في الجملة الأولى من تقديمه لمناظرة الأخوين الكريمين: الشيخ الدكتور محمد النجيمي، والمفكر الأديب محمد زايد الألمعي، وفي برنامجه الصاعد المثير: "هاشتاق خليجي"، طرح الصديق الأثير، إبراهيم الفرحان سؤالاً جوهرياً عن صراع القطبين: من صراع المثقف والداعية.. من ينتصر؟ سؤال جريء لا يمكن طرحه بمفردة: "صراع" إلا في مجتمع منقسم منفصم؛ لأنني مؤمن تمام الإيمان أن تقابلية "الداعية والمثقف" يجب أن تكون في الأصل تقابلية تكاملية تطابقية في الأهداف، لا تناقضية تباينية كما هو الحال ـ للأسف الشديد ـ في المجتمع السعودي. ومن وجهة نظري الخاصة فإن "الانتصار" محسوم سلفاً، وبنتيجة ساحقة لصالح الداعية على حساب المفكر والمثقف؛ لأن التركيب الهيكلي لبنية الثقافة المجتمعية المحلية قد مهدت طريقاً مفتوحاً للمنتصر، بالتأهيل وبالحسابين: الرسمي والمجتمعي، وأيضاً عبر الصندوق البريدي الأسود "Black mail" الذي جعل من المثقف والمفكر في المجتمع السعودي فكرة منبوذة تستأثر بآلاف رسائل التخويف وعشرات التهم الكاذبة التي ابتدأت قبل أربعين سنة بمصطلح "الماسونية" وتنتهي الآن بتهم التغريب والعلمنة. ومن الآن يجب علينا أن نعود إلى الجذر المصطلحي في تعريف الفارق بين "الداعية والمثقف" كي يكون المتلقي على وعي تام وشامل بتجاذب الأطروحات التي تتنافس عليه. المثقف هو من يحلل ومن يستشرف، وهو من يقرأ الحاضر من أجل قراءة ودراسة التنبؤات المستقبلية لما قد يحدث أو يكون "غداً" من…
الأحد ١٧ نوفمبر ٢٠١٣
في عمق الذاكرة (الرسمية) من تاريخ وطني، سأكتب بلا تحفظ أن (منفوحة) كانت أقدم حارة رسمية في التاريخ (الرسمي) السعودي. على أطراف هذه الحارة بنى الإمام الموحد، راحلنا الكبير، عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل مكتبه الأول. في هذه الحارة بالتحديد، بنى كل المؤسسين الأوائل بذرة حياتهم الأولى، ومن كل حدب وصوب من أرجاء هذا الوطن الكبير، وسأجزم بأنه لا توجد أسرة أو حاضرة أو قبيلة إلا وتحمل إرثا عابرا لمثل هذا الرمز الوطني من هذه الحروف الستة: منفوحة. كيف أضعنا هذا الرمز الوطني؟ ولماذا تحولت هذه الذاكرة الوطنية بكل إرثها وتاريخها إلى أول حالة شغب وخوف في تاريخ المدينة وتاريخ كل المدن السعودية؟ لماذا تحولت هذه (المنفوحة) الأثيرة الغالية إلى جرح نازف في خاصرة الخارطة الأمنية؟ سأشكر (منفوحة) من القلب لتاريخها المجيد الذي توحدت في جنباته كل القبائل والأسر والأعراق ذات زمن، ثم سأشكرها مرة أخرى، لأنها بأحداثها الأخيرة أيقظت شعبا مكتملا، ثم أعادت توحيد شعوره ومشاعره وهو يسهر معها في لحظات مؤلمة تنم عن انتماء شعب. وإن لم نستيقظ على جرح منفوحة النازف، وإن لم نكسب هذه الجولة، فلن نكسب من بعدها جولة، ولن نصمد في مواجهة. سيبقى السؤال الشجاع الصريح: كيف أضعنا أول حارة رسمية في تاريخنا المعاصر؟ ولماذا وكيف ومتى؟ وإن لم نبحث كل هذه الأسئلة بشجاعة فلا…
السبت ١٦ نوفمبر ٢٠١٣
للجمعة الثانية بعد قرار التصحيح لم نجد أمام مساجدنا ذات المنظر القديم المألوف من (بسطات) الخضار والجوارب. السبب لأننا لم نستورد من قبل وافدا بمهنة (بسّاط) أو بائع جورب. للجمعة الثانية على التوالي يبدو الربع الأخير من المسجد فارغا بعد أن كنا نصلي في الشوارع المحيطة بالمسجد، ورغم أن أحدا لم يقل لكل هذه الآلاف: (لا تصلون الجمعة). لليوم العاشر على التوالي من قرار التصحيح لم نجد أي صعوبة في (حلق الذقن) وغسل الثوب وشراء كيس البطاطا وطحن كيس الذرة. بكل اختصار مفيد مباشر: لن نموت كالضفادع إذا ما استطعنا ترحيل ثلاثة ملايين وافد أجنبي يعملون في سوق مفلوت وسائب. باختصار أيضا: ما زلنا على قيد الحياة وما زلنا نأكل ونشرب رغم أننا في الأسبوع الأول من كامل اليقظة ومن ذروة التفتيش وسنام رأس الحملة. تصوروا فقط: لو استطعنا مع هذه الحملة مجرد ترحيل مليون مخالف من بين الملايين الأربعة، كما تقول الإحصاءات، لاستطعنا توفير ثلاثة ملايين وجبة يوميا (مدعومة) للمواطنين: من دعم الأرز إلى قروض مصنع الدجاج مرورا بالفول والقشطة.. ومع هذا فهذه ليست القصة ولا القضية. سأقول لكم بكل صراحة وشجاعة: إن كل قراراتنا مجرد (فطفطة) وفزعة في أسبوع القرار الأول، وفي مرات نادرة تصمد حتى نهاية الشهر الأول. سأضرب لكم هذا المثال: عندما عرض علينا الجريء (صلاح…
الأحد ١٠ نوفمبر ٢٠١٣
بعد عام ونصف العام بالتقريب من المراقبة والتأمل، كمتابع باسم وحساب مستعارين على إمبراطورية (تويتر)، أستطيع اليوم أن أكتب لكم بعضاً من ملامح (شخصية السعودي) وطرائق تفكيره وأنساق همومه. تستطيع أولاً أن تقول بحذر، أنه بارد وهادئ، إن شعباً كاملاً يبدو في المجمل متحداً حول هذه الفكرة من وسائط التواصل الاجتماعي، قد يسهر خمسة عشر مليون سعودي حول تغريدة واحدة من النشاز والإثارة. تستطيع أن تقول ثانياً، وبكل ثقة إنه شعب يمارس فطرته الغرائزية في الانقياد والتبعية. كيف؟ لأن هذا (التويتر) ابتدأ في الأصل كفكرة للتعبير الفردي عن روح الاستقلال وجغرافية الفرد وحريته المطلقة في التعبير، لكنك تكتشف على النقيض أن مجرد (شخصين) من هوامير (تويتر) وحدهما يحظيان من المتابعة بمقدار يزيد على ضعف ونصفه من المنتسبين إلى هذه الإمبراطورية. عشرة أشخاص من (top ten) هم من يقودون كل هذه الطوابير الملايينية. يكشف لنا هذا (التويتر) أنه من السهولة بمكان أن يسهر شعب كامل على قضية واحدة. شعب يحول هذا التويتر إلى مجرد فكرة واحدة وإلى جملة تغريد واحدة. وبدلاً من أن يكون تويتر مسرحاً هائلاً للأفكار المتضادة المختلفة، بروح من الفردانية والشخصانية التي تعكس روح الفرد تحولنا معه إلى (قطيع) ينتظر في بواكير الصباح ومنتصف المساء: على أي قضية يخطط لها الهامور، وكيف ننام عندما يختمها بموجزه؟ عشرون (هاموراً)…
الأحد ٢٧ أكتوبر ٢٠١٣
المطلوب البدهي من الإخوة الكرام أعضاء مجلس الشورى ألا يتصرفوا مع النقد والكتابة مثل الوزراء وأصحاب المعالي والسعادة. صاحب المعالي والسعادة موظف رسمي لدى الجهاز الحكومي بينما يقتضي العرف البرلماني أن يكون عضو المجلس مندوباً للشعب وموظفاً عمومياً لديه. طبيعة الوظيفة البرلمانية تتطلب انحيازاً للعامة والقاعدة، وطبيعة الوظيفة السيادية التنفيذية أن ينحاز صاحبها إلى القرار الحكومي. وحين كتب الصديق الأثير، صالح الشيحي اقتراحه بتحويل قاعة مجلس الشورى إلى صالة أفراح لأن المجلس الموقر رفض توصية برفع مخصصات التقاعد، رد عليه البعض بأن التوصية (قد فهمت خطأ)، فأين يكمن السبب في هذا الالتباس وفي هذا الفهم الخاطئ؟ يكمن (فهمنا الخطأ) لما يدور تحت قبة الشورى في عدة أسباب: الأول، أن المجلس الموقر لم يستطع عبر خمسة عشر عاماً من التجربة أن يصل إلى الجمهور بالرسالة الصحيحة عن طبيعة القرارات وصلب أي توصية، وما صالح الشيحي إلا ناقل لما فهمه كل الشعب عن هذه التوصية بالذات. الثاني، أن الإخوة الأعضاء ومعهم طبيعة تركيب المجلس، تنظر إلى الملفات والمداولات التي تدرسها ذات نظرة (الملالي) إلى معامل (بنوشهر) النووي: كل شيء لدى الأعضاء سر مقدس، لأنهم، وباعتقادي الشخصي، قد خلطوا بين الأسرار الوطنية التي عاهدوا عليها ثم أقسموا، وبين الملفات والتوصيات العمومية التي لا يوجد فيها (عشر) سر مقدس. الثالث: لأن المجلس - وفي…