الإثنين ١٧ يونيو ٢٠١٣
أستأذن الإخوة الكرام، وقدوتنا من أصحاب الفضيلة ومن طلبة العلم أن يعيدوا ضبط مطالبهم على الفضائيات والمنابر بالنفرة والنصرة للشعب السوري رغم آلاف الصور المؤلمة والموغلة في الوحشية وانتهاك الكرامة الإنسانية. أستأذن آبائي الكبار من العلماء وإخواني من طلبة العلم حين أدعوهم إلى دراسة فاحصة لمآلات وخراج الأنموذج الأفغاني الذي شوه في النهاية كل القيم الإسلامية السامية العليا لمفهوم (الجهاد)، وألا نكرر ذات التجربة في الأنموذج السوري. سورية ليست أبداً بحاجة إلى مقاتلين بقدر ما هي بحاجة إلى مواقف شعبية وسياسية وإلى الدعم المكتمل على كل الأصعدة. الشعب السوري سيدفع قريباً مثل الشعب الأفغاني، ثمناً باهظاً لكل الذين يحاربون عنه بالوكالة، ومن أجل مستقبل هذا الشعب أرجو أن نتدارس الأمر بعقل قبل أن نضع سورية في الطابور خلف الأنموذج الأفغاني. سورية لا ينقصها مئات آلاف الشباب من داخلها، وحتى من خارجها، فإن أرقام حركة الإخوان السورية وحدها تتحدث عن خمسين ألف شاب في دول الجوار. في أفغانستان كنا نشحن الآلاف في عشرات الطائرات، وكانت الطائرات تعود إلينا بآلاف الأفغان للحياة والعمل، وهذه معادلة مختلة. في أفغانستان نجح الجهاد بامتياز في دحر المحتل، ولكنه في المقابل أيضاً نجح بامتياز في أن تكون أفغانستان مسرحاً فيما بعد لتجار الحروب وتجارب الأجندات المتناقضة ومثالاً استثنائياً لأركان الدولة الفاشلة، وللأسف أن مفهوم الجهاد قد…
الخميس ٠٦ يونيو ٢٠١٣
سأسحب اليوم من أرشيف الذكريات "فاتورة" قديمة تعود إلى أربعة عشر عاما، وبالضبط، صباح ولادة "حياتنا" الثالثة بالغالي محمد. يوم ولادة "حمود" كان سعر الدجاجة سبعة ريالات، ويومها كان نصف الدجاجة يكفي زوجين وطفلين. صباح ولادة "حمود" كان سعر كيس الأرز 97 ريالا، وقيمة وزنة من السكر 76 ريالا بالضبط كما تشير الفاتورة. كانت علبة الحليب المجفف الكبيرة بـ27 ريالا بالضبط. كنت وما زلت إلى اليوم أسميه "المبروك" لأنه كان وجه فأل على حياة أسرته الصغيرة، وبمقدمه فتح الله لي أبوابا من فضله. يوم ولادة هذا "الحمود" كنا نملك سيارة "مقربعة" وكنت مثقلا بالقروض، وكنا نعيش على الهاتف المنزلي بدون القدرة على شراء جوال قديم لاستحالة سعره وتكاليف فواتيره، ولأن "حمود" من مواليد "الصدفة" لا من منتجات التخطيط والاستعداد، فقد كان ـ من يومها حتى اليوم ـ مثالا للفاتورة التي ولدت متواضعة ثم تضخمت إلى ثلاثة أضعاف سعرها ما بين زمنين. تضاعفت أسعار الدجاج والبيض ومواشي العقيقة، ولم يتضاعف حب هذا "المحمد" لأنه في الأصل ولد بحب مكتمل، برغم الصدمة الأولى لأمه ليلة تشخيص الحمل. وأنا اليوم لا أكتب قصة عائلية لابن "مبروك"، بل أكتب الفاتورة المتضاعفة في حياة عائلة سعودية. أكتب لأقول للأجيال: إن كل طفل جديد ليس إلا فاتورة تتضاعف ولشهر كامل قد يستهلكها كاملة في يوم شارد.…
الثلاثاء ٠٤ يونيو ٢٠١٣
وحين حسبتها بالضبط، اكتشفت أن مجرد ثلاث جامعات قد دفعت في بحر هذا الأسبوع بالتحديد بسبع وعشرين ألف خريجة طازجة. ولهول مقاربات الرقم وأهواله فإن جامعتي وحدها قد اجتازت هذا العام حاجز الآلاف العشرة إلى منطقة محدودة الإمكانات وشحيحة في توفير الفرص الوظيفية. وبالطبع، لكم أن تعلموا أن الرقم السابق مجرد خراج ثلاث جامعات، ولكم أيضا أن تضربوه في العشرة حتى نصل إلى مقاربات خريجات كل الجامعات السعودية. وكل الذي أنا متأكد منه أن هذا الرقم الهائل سيضاف إلى آخر أرقام خراج العامين الأخيرين على الأقل من ساكنات البيوت على آمال الأوهام الكاذبة. عندها يصبح التعليم والشهادة الجامعية مجرد (مخدة) لأننا لا نستطيع مواجهة هذه الكارثة بحرب أفكار حقيقية لإيجاد المخارج والبدائل. نحن نركن أن (الأنثى) هي الصوت المقطوع في هذه الثقافة (البطركية) التي وصل بها الاحتساب وحناجر التخويف إلى الاحتشاد ضد تعيين 30 امرأة في المجلس الوطني الأعلى (الشورى) رغم أننا نتحدث عن نخبة اجتماعية من (أمهات الرجال) وعن وظيفة وطنية تحت القبة المكشوفة، فعلى ماذا يحتسب هؤلاء وعن أي خطورة يتحدثون وعن أي فساد أخلاقي يتوهم هؤلاء الإخوة. وعودة إلى الرقم الوطني الأخطر في الجملة الأولى من المقال. لماذا ندس رؤوسنا أمام هذه الكارثة في الرمال مثل النعامة؟ لماذا لا نلغي كل التعليم الجامعي للبنات إذا كانت نهاية…
الأربعاء ٢٩ مايو ٢٠١٣
تكمن مأساة ابننا، طفل السنوات الخمس، ثامر موسى، في أن الحصول على حقه كإنسان يبدو بلا نظام أو قانون للمحاسبة.. وفي ملفه الطبي بين يدي توزعت أركان قصته بين (القبائل). تعرض ثامر قبل عامين لضربة في الرأس أفقدته نظر عينه اليسرى، وظل في الطابور لعام كامل من أجل التحويل إلى مستشفى الملك خالد للعيون، وهو المشفى الذي بدل أن يكون حلاً، فقد تحول إلى شعار لأزمتنا الوطنية. وفي ثنايا رحلة اليأس، ذهب به والده الفقير المدقع إلى مستشفى شهير وخاص بالعيون. وفي الملف أن المستشفى المتخصص الخاص الذي تعهد بعلاجه بعملية جراحية، وعلى الفاتورة دفع له والده 23800 ريال لتنويم وعملية لم تستغرق كلها، وعلى ورق المستشفى أكثر من ثلاث ساعات من لحظة الدخول حتى إخراجه إلى الشارع.. دخل ثامر، وبالبراهين، بعشى وظلمة على العين وخرج إلى الشارع بعد ثلاث ساعات من الدخول بعين هي مجرد قطعة لحمية. ومثلما يقول والده بعيون باكية: دفعت دخلي كاملاً لعام كامل، وفي ظرف ثلاث ساعات فقط، من الشارع إلى الشارع، خرجت من المستشفى بعد أن (أعدمت) بيدي وبنقودي عين ابني الذي شكوت من أجله إلى أحجار الأرض بلا جواب.. حتى المستشفى والطبيب يرفضان أن يشرحا لي ما الذي فعلاه بالضبط. وأنا اليوم لا أسأل عن (عيون) ثامر، لأن المستشفى سيجد في قاموس الطب…
السبت ٢٥ مايو ٢٠١٣
في فاصل زمني من شهر واحد، نجح أربعة من شباب الجيل الثالث المهاجر من المسلمين إلى الغرب، مع بالغ شكرنا لهم وثنائنا عليهم، أن يحتجزوا ملايين الأقليات المسلمة في مدن أميركا وبريطانيا تحت الحصار المجتمعي والإعلامي مثلما نجحوا أن يرهنوا هذا الدين العظيم مع ملياريه من الأتباع تحت مقصلة التبرير والبراءة من الفعل. شابان من الشيشان يقتلان طفلاً مع أمه في ماراثون بوسطن، ومثلهما شابان من أصل نيجيري يتمكنان في (غزوة) ناجحة أن يقتلا مجنداً بريطانياً وهو يهم بعبور الشارع اللندني قبل أيام. وكل الأربعة سقطوا مثل الفراش حول النور في قبضة الأمن، وكلهم لا يدركون حجم الرعب الاستثنائي في نفوس ملايين الأقليات في مجتمعات المهجر. كل هذا باسم الإسلام البريء فكيف تعلم هؤلاء (كتالوج) الكراهية؟ والجواب، أننا جميعاً مشاريع مبرمجة وممنهجة لتأصيل هذه الروح التي تنظر لكل الكون بهذه الأدبيات من الازدراء والمؤامرة. صليت الجمع الأربع في الشهر الأخير، في أربعة جوامع مختلفة، وتحت كل خطيب لم نترك فصيلاً ولا مدرسة ولا مذهباً ولا ديناً ولا أمة أو شعباً إلا ودعونا عليه بالهلاك والفناء دون السؤال المضاد: ما الذي قدمه هذا أو ذاك للمنجز الإنساني وللحضارة الكونية. وفي الحالات الأربع المريضة في بوسطن أو لندن، هرب الأربعة من الكبت والفقر والجهل والمرض والإذلال في بلدانهم الأصل، إلى العوالم الجديدة…
الأحد ١٩ مايو ٢٠١٣
شعرت بالخوف الشديد وأنا أقرأ على موقع منظمة الصحة العالمية ما مفاده أن العقد القادم من الزمن سيكون عقد الفيروس العابر للقارات من الأجيال المركبة لفيروسات قد تعيد البشرية إلى ما هو أدهى من زمن الطاعون والجدري والحصبة الألمانية. سأقفز للسؤال: من هو المسؤول الذي وضعنا مع فيروس (كورونا) نصف الحصاد العالمي؟ ولأن المجتمع لا يحب قراءة الحقائق الصادقة فسيحيلنا إلى الوزارة ومعالي الوزير. هذا تشخيص خاطئ لطبيعة السبب ولو أن ظاهرة الفيروسات الوبائية تتبع نوعية الخدمات الصحية لكنا في مأمن في الطابور الطويل بعد ما لا يقل عن مئة دولة. نحن نتجاهل أن فيروس (السارس) ألقى بثلثيه على دولة مثل (كندا) وأدى إلى شلل تام لمدينة مثل (تورنتو)، رغم أنها مدينة الجذب الأولى بين مدن الكون. نحن نتجاهل أيضا أن أنفلونزا الطيور أخذت أكثر من نصف ضحاياها من الوسط الذهبي للقارة الأوروبية حيث سويسرا وألمانيا. نحن نتجاهل الحقيقة الثابتة أن (السعودية) يوم أنفلونزا الخنازير قد اشترت أكبر كمية لقاحات على مستوى الأرض بما أثاره هذا الشراء من ضجة عالمية تناهض سيطرة المال على وسائط الصحة في الظروف الصعبة. سنعود إلى (كورونا) ومنها إلى الفيروس كي نحاكم ثقافتنا الشعبية ونحذر من عواقب العقد القادم من الزمن حين يكون الفيروس عابرا للقارات. نحذر من ثقافة الجهل الصحي الذي يستقبل بها المشفى…
الأحد ١٢ مايو ٢٠١٣
حرصت تماما في الأسبوعين الأخيرين أن أتسمر مغرب كل جمعة أمام القناة الأولى للتلفزيون السعودي وهي تعرض تسجيلا لبعض جلسات مجلس الشورى الموقر. وبالمناسبة لا أعرف من أين جاءت كلمة (الموقر) التي أصبحت توصيفا لغويا كلما كتبنا اسم المجلس. والخلاصة أنني توصلت إلى واحد من أحد حلين: إما أن يغير المجلس (الموقر) طريقته المعلبة في نقاش القضايا التي تعرض عليه، وإما أن تتوقف القناة الرسمية عن عرض هذا التسجيل كي لا يفقد الشعب الكريم ثقته بمجلسه البرلماني. اختتم المجلس الموقر جلسته مساء البارحة بالتصويت على المادتين الأخيرتين بعد قراءته لتقرير مستشفيات العيون الوطنية. في التوصية الأولى (يؤكد المجلس على ضرورة إنشاء سجل وطني لأسماء المصابين بإعاقات بصرية)، وفي الثانية (يوصي المجلس بالتوسع في برامج الزمالة العليا لأطباء العيون). هكذا كانت التوصيتان بالضبط، ولكن المفاجأة المدهشة أن ثلاثة أعضاء اعترضوا على التوصية الأولى، فيما اعترض سبعة أعضاء على التوصية الثانية. وبودي أن أسأل: هل قرأ الإخوة الأعضاء في المجلس (الموقر) كلمة واحدة من التوصية التي اعترضوا عليها قبل ضغط الأزرار على توصيتين لو عرضتا على كل ملايين هذا الشعب لما اعترض عليهما فرد واحد عاقل يستطيع فقط أن يقرأ ويضغط. كيف أستطيع أن أستوعب أن كفاءة وطنية اختيرت لأعلى المجالس ترفض توصية بتدوين أسماء مرضى الإعاقة البصرية ثم ترفض في الثانية…
الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠١٣
لا يمكن لي أن أضع بين يديكم، ولو على مساحة كل أوراق هذه الصحيفة، كتاب (الجهاد في الإسلام) الذي طبعته ذات زمن مضى (وزارة المعارف) وختمت على غلافه بعنوانها وشعارها وأرسلته بالبريد الرسمي إلى كل مدرسة سعودية. كل قصة هذا العنوان وهذا الكتاب تكمن في الاختراق الفكري الذي سمح للمؤسسة التربوية الرسمية أن تستقطب الثنائي الأشهر في التاريخ الحركي (حسن البنا وسيد قطب) ليؤلفا كتاباً تطبعه المطبعة الرسمية وتوزع منه على جيل مضى نصف مليون نسخة. وحين تعود لتاريخ التأليف وسنة الطبعة تكتشف أنها (بالمصادفة الحميدة) تعود لذات العام الذي كان فيه كمال الهلباوي، رئيس التنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين، يعمل لدينا رئيساً للجنة مستشاري بناء المناهج المدرسية في وزارة (المعارف) السعودية. ولكم أن تعلموا، كي تدركوا المقاصد والأهداف، أن هذا الكتاب (لمؤلفيه) الاثنين بالتحديد كان الكتاب الأوحد الوحيد الذي طبعته (وزارة المعارف) خارج كتب المقررات المدرسية رغم أن الكتاب لا علاقة له بحصة أو مادة أو منهج أو أسئلة امتحان. والقصة الأهم، حين تقرأ هذا الكتاب الموجود إلكترونياً بضغطة أزرار، أن العنوان الذي لا تستطيع مساءلته على غلاف الكتاب، لا علاقة له بالجهاد في الإسلام الذي يعرف كل مسلم أركانه وشروطه وضوابطه. الجهاد الذي يتحدث عنه هذا الكتاب الذي وصل إلى آلاف المدارس ذات زمن ليس ببعيد، هو تمرير…
السبت ٠٤ مايو ٢٠١٣
بعد قصته، تعلمت أن هذه الحياة لا تحتاج إلى كثير من التفاصيل، مثلما أيضا أن هذه الحياة أهون بكثير من الاستغراق فيما لن يرحل الإنسان به. في اللحظة الفاصلة بين الدنيا والآخرة لن تحضر في حياة الغني والفقير مصطلحات ومسميات مثل: الدولار والعقار، وفي مثل هذه اللحظة الفاصلة بين "حياتين" لن تجد فرقا بين صاحبنا الذي قبرناه بعد صلاة الجمعة، بعد تسعين عاما من الشظف والمعاناة، وبين وارن بافيت أو كارلوس الحلو، أشهر علمين على رأس أثرياء الكون؛ لا أحد يدخل القبر بدفتر شيكات مفتوح. وفي حياته الطويلة، جربَ صاحبنا تجربة الزواج سبع مرات قبل أن يبلغ الخمسين، ومن التجارب السبع، لم يرزق بولد ولا بنت، ومع هذا كله وجد بعد ظهر الجمعة من يأخذه إلى "المثوى" الأخير، مثلما وجد من يبكي على أطلال القبر، ومن يدعو له بالثبات عند السؤال، رغم أنه ـ وعلى معرفتي التي دامت معه لعقد من الزمن ـ كان يعيش على هوامش هامش المهمش. كان يرفض حتى الصدقة أو فضل الزكاة، ولم يكن له في منزله المتواضع حتى ثلاجة تحفظ بقايا طعام الغداء إلى ما بعد المغرب. كنت كلما ضاقت بي وبنفسي هذه الأرض الفسيحة أذهب إليه لتنفرج الأرض أمامي بعرض وطول السماوات السبع؛ لم يكن له ولد ليشفق عليه وعلى مستقبله، ولم يكن مثلي…
الإثنين ٢٢ أبريل ٢٠١٣
لم أتقدم طيلة حياتي مطلقاً لطلب قرض من صناديق التنمية الحكومية المختلفة، ولا توجد في كل سجلاتي منحة أرض من بلدية هذه المدينة. لم أكن طوال حياتي أيضاً طرفاً أول أو عاشراً في قضية أمام كل دوائر الحكومة. لم يستوقفني رجل أمن ولا حتى جندي مرور، ولا أتذكر أنني رفعت (معروضاً) واحداً إلى مسؤول من بين مليوني موظف في سجلات إدارات الحكومة المختلفة. وكل الذي أنا متأكد منه أن الإدارة الحكومية التي ذهبت إليها في العقد الأخير المنصرم هي بضع غارات لإدارة الجوازات من أجل أوراق العاملة المنزلية، وغزوتين أخريين إلى طاولة (كاتب العدل)، وفي كل غاراتي وغزواتي خلال هذه السنين العشر لم أشغل طواقم الحكومة إلا أقل من نصف ساعة في كل تعاملاتي كمواطن مع هذه الحكومة. حتى زوجتي الكريمة الفاضلة تدبرت أمرها بنفسها في النقل كمعلمة من مدرسة لأخرى، ومازالت حتى اليوم (تعيرني) أنني لم أفعل لها شيئاً في خدماتها الوظيفية، وجوابي الوحيد لها أنها (ربما) استغلت اسمي كشفعة حين نقلت من مدرسة في طرف الحي إلى الطرف البعيد على أطراف هذه المدينة. وكل ما أكتبه في النصف الأعلى من المقال، ليس مثاليات من شخصية شهيرة بالشغب وقوة الشخصية بقدر ما هو تساؤلات عن حاجة (المواطن)، أي مواطن، لكل إدارات الحكومة المختلفة. أنا في كامل الثقة، أنني لست…
الخميس ١٨ أبريل ٢٠١٣
لم تكن "أرامكو" في حياة وطنها ومواطنيه مجرد عملاق نفط هائل أو نهر أبيض في تاريخ هذه الصحراء. كانت وما زالت (غرفة) انطلقت من حقولها ومبانيها آمال وأحلام الآلاف الذين، وبفضلها، اجتمعوا على (قلب) وطن واحد متحد سيحلو صباح (الخميس) لاستعادة واستعارة مخزون الذكريات. بعد هذه العقود من الزمن، وبعد سنيّها الطويلة، قابلت زميل الدراسة، أخي ناصر الخشيم، وهو الذي درس معي في (فصل المشاغبين) في المدرسة المتوسطة الوحيدة يوم كنا أطفالا في سراة عبيدة. لكن (أبو عبدالرحمن) تركنا العام التالي مثل آلاف المهاجرين إلى الشمال.. طفلا مراهقا يلتحق بالشركة الأم ويقضي عامه الأول فيها.. يسحب الرمال من الطرقات الذاهبة إلى آبار النفط. بعدها عمل أربع سنوات أخرى على جهاز التحويل والتشغيل في (شدقم)، وما أدراك ما (شدقم) حين تربطها في خيط مع شيء من (جهنم) يوليو أو أغسطس. لم تكن (شدقم) وأخواتها مجرد مصانع للنفط، بل مصانع لآلاف الرجال الذين خرجوا من رحم هذه (الأم) في ولادة جديدة. وبعد لهيب هذه الصحراء يذكر لي (أبو عبدالرحمن) كيف دخل عالم المال والأعمال، وكيف تحول ـ بفضل (أرامكو) ـ هذا الطفل من (فصل د) المشاغب بسراة عبيدة إلى رجل أعمال في الطرف الجنوبي من هذا الوطن. حبست دموعي وهو يروي في سرد أخاذ كيف عاد قبل عامين إلى (أرامكو) ليسأل عن…
الأربعاء ١٠ أبريل ٢٠١٣
أكتب الآن، نهايات المساء، حيث أكملت للتو طي الصفحة الأخيرة من الكتاب الضخم (ضد الرئيس) للكاتب المصري البارز عبدالحليم قنديل.. أربع ليال كاملة من الدهشة مع هذا الكتاب الذي اشتريته، وللمفارقة، منتصف العقد الماضي من رصيف (قاهري)، وأعيد قراءته كاملاً بعد هذه السنوات وكأنها قراءة مختلفة للعبرة والعظة والتأمل. كتب عبدالحليم قنديل آخر ورقة في التوطئة لهذا الكتاب في ربيع عام 2004. ولو أن فخامة الرئيس، ركل حاشيته وبطانته الذين منعوا عنه قراءة هذا الكتاب لما كان له أن يواجه ربيع عام 2011، ولربما لم يكن اليوم حبيس سجن (المزرعة) بعد أن صادرت العائلة والحاشية والبطانة كل تاريخه الذي (شاخ) عليه، فلم يستطع أن يخترقهم إلى هذا (الكتاب) بقرار أو كلمة. سأختلف جذرياً مع عبدالحليم قنديل في الأفكار والرؤية وفي توجهات المدرسة، ومع هذا سأقول: لو أن هذا (السفر) الضخم وضع أمام طاولات كثير من زعماء الجمهوريات العربية في مؤتمرات القمة المتتالية لما وصلنا إلى هذا الحمام الساخن لإرهاصات الخريف العربي. وخذ من المثال أن عبدالحليم قنديل الذي (نعى) بإحساسه القومي الناصري زعيماً مثل حافظ الأسد في مقال، كأن هو نفس (الكاتب) الذي نشر في اليوم التالي مقالاً ينذر (بكارثة بشار)، كما هو العنوان، ويحذر أن شعباً لن يتحمل ذات المنهج لأربعين سنة قادمة. خلصت من قراءة الكتاب للمرة الثانية…