مفاجأة الفائض في الميزانية السعودية

الثلاثاء ١٤ ديسمبر ٢٠٢١

  أعلنت السعودية ميزانيتها المتوقعة لعام 2022، وكان أبرز المفاجآت للرأي العام السعودي هو توقع تحقيق فائض بمتوسط 90 مليار ريال، تزيد أو تنقص بحسب عدة سيناريوهات تتوقعها الحكومة وفقاً للمتغيرات العالمية. الحديث هنا عن فائض أياً كان حجمه، وعن الظروف التي تحقق فيها، وماذا يعني بالنسبة للسنوات المقبلة التي كان من المتوقع أن يتحقق فيها التوازن المالي حتى عام 2030. مهندسو الميزانية المعلنة، يدركون أن العالم كله يعيش في عنق زجاجة لأزمتين هزتا اقتصاد العالم؛ وباء «كورونا»، وأزمة الطاقة. الوباء بدأ قبل عامين، وخلال تلك الفترة، تعطلت الأعمال وتجمد التنقل، وشاب العالم شلل غير مسبوق في التاريخ، وتدفقت أموال الدول إلى قطاع الصحة لإنقاذ أرواح الناس كأولوية قصوى. وفي هذا الوقت الحرج، قل الطلب على مصادر الطاقة حتى وصل سعر البرميل من النفط في العقود الآجلة إلى سالب 37، وهو أيضاً حدث غير مسبوق في التاريخ. ثم تسرب بصيص من الأمل وظهرت تصريحات حكومية في دول كثيرة تتحدث عن بدء حصول التعافي من الأزمة بعد توفر اللقاح، وتلقي نسبة كبيرة من سكان معظم دول العالم له، ورغم ظهور سلالات جديدة من الفيروس، لكن كانت جرعة اللقاح الأولى عبارة المرور إلى الضفة الآمنة. وكان من تداعيات التفاؤل إعادة فتح المطارات وحركة النقل، وعودة نشاط قطاع الأعمال. ذاب الثلج ودبت الحياة…

الجنسية السعودية الباهظة القيمة

الثلاثاء ١٦ نوفمبر ٢٠٢١

عندما أسس الملك عبد العزيز (رحمه الله)، المملكة العربية السعودية، كانت بلداً فتياً؛ قبائل يسكنون صحراء واسعة توحدت تحت راية رجل شجاع، في إقليم جغرافي غمره الاستعمار الأجنبي، وجلب إليه متغيرات ثقافية كانت إضافة معرفية لهذه البلدان، وأهمها دور التعليم المختلفة والمراكز الثقافية والخبرة العتيقة في بناء الدول الحديثة. كان الاستعمار، رغم آثاره النفسية والوطنية، سبباً مباشراً في تحضر المناطق التي استعمرها؛ شبكات الطرق، والتعليم النوعي، والثقافة الغربية عامة. السعودية لم يمر عليها استعمار، ولم تكن يوماً تحت حكم أجنبي، ورغم ما تحقق للملك عبد العزيز ورجاله من وحدة صف، واستقرار داخلي، كان المؤسس يعلم أن بلاده بحاجة إلى أن تبني نفسها تنموياً، وتقدم خدمات لسكان هذا البلد الفسيح من طبابة وتعليم وطرق وكل ما كان وقتها يمثل الدولة المدنية، بالأخص كانت الأهمية الكبرى في بناء سياسي، وبث عروق دبلوماسية في أنحاء العالم تمثل السعودية التي تأسست حديثاً أمام العالم والمجتمع الدولي. لم يتردد الملك عبد العزيز، وهو رجل فطين حاد الذكاء، في أن يستعين بشخصيات أجنبية موثوقة، وجيهة، ذات خبرة في بناء الدولة على الطراز الحديث، فاختار نخبة من رجال السياسة والتعليم والطب ليساهموا في وضع لبنات هيكل الدولة الحديثة. كان فؤاد بك حمزة اللبناني، ممن عملوا في الشؤون الخارجية من ضمن المستشارين العرب الذين استعان به الملك عبد…

نقاش على تويتر: من يفوز بالغنائم؟

الثلاثاء ٠٩ نوفمبر ٢٠٢١

من يتذكر اسم حائز جائزة نوبل في الكيمياء العام الماضي؟ لا أحد تقريباً، سوى المجتمع الأكاديمي الذي يعد من أضيق مساحات المجتمعات المهنية. الفائز حصل على 800 ألف دولار، مبلغ رمزي لا يرقى إلى أن يكون الهدف، ولا يكافئ عقوداً من العمل المضني، لكن تظل القيمة الحقيقية لنوبل كونها أسمى إقرار بمساهمة العالم في حقل علمي معين يخدم الإنسانية... هي تقدير معنوي كبير لا علاقة له بالشهرة ولا المال. وهناك آلاف من الباحثين حول العالم لا يسمع بهم أحد، رغم مساهمتهم العلمية النوعية، واجتهادهم، وتسخير جل وقتهم وسنوات عمرهم في البحث والدراسة. الموضوع جدلي قديم، قبل حتى ظهور شركات العلاقات العامة التي تبرز أسماء لم تقدم للمجتمع فائدة تذكر بحسب معاييره. من يستحق أن يكون ثرياً، شهيراً؟ من كد وتعب وحصل على شهادة مرموقة، أم صاحب المهارة الفردية كالرياضيين والفنانين، أو الصفات الشخصية كالجمال والرشاقة، وغيرها...؟ المشاهير الذين يغزون منصات التواصل الاجتماعي بمحتوى ضعيف أو ضحل، ينظر متابعوهم إليهم كأداة للترفيه والاستمتاع، وربما تأثروا بهم إن كانوا من فئة عمرية صغيرة يثير إعجابها الأمور الشكلية ومتابعة يوميات الأثرياء وعارضات الأزياء. والجانب الآخر، أن الناس بطبيعتهم يبحثون في وسائل التواصل عن التسلية والترويح عن النفس، بعيداً عن تعب الالتزامات والعمل والمسؤوليات الأسرية. الترفيه أيضاً بضاعة لمن يبحث عنها. عدد من المثقفين…

اللبنانيون وإدراك المتغيرات

الثلاثاء ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١

بقلب مفتوح، قرأت مقالات وتعليقات كثير من اللبنانيين، سواء ضد أو مع قرار السعودية سحب سفيرها من بيروت، وطلبها مغادرة السفير اللبناني في الرياض. ومنها مقال الزميل الأستاذ إياد أبو شقرا في هذه الصحيفة، تحت عنوان «إيران الرسام وسوريا الصورة الأصلية، ولبنان نسختها». ما لفتني في مقال الأستاذ إياد مسألة أشار إليها بكثير من اللطف الجم، ودماثة الخلق، وحرقة الدفاع عن مواطنه اللبناني، حين ذكر أن «اللبناني الشريف الذي يعمل بكد وشرف في دول الخليج، غير مسؤول عن تصرفات أي لبناني آخر ولا عن أخلاقياته. ومن واجبات الأخوة، في الاتجاهين أن يكون اللبناني وفياً لمشاعر الأخوة بقدر وفائه للقمة عيش أهله، وفي المقابل، من واجبات أهلنا في الخليج أن يدركوا أن في لبنان اختلافات سياسية عميقة حتى على هوية البلد ومصيره لا تجيز التعميم». أوافق تماماً أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وهذا مبدأ عدلي لا غبار عليه. السعودية ودول الخليج، تسمح أنظمتها بالعمل للأجانب، ولكن يظل على الشركات والمؤسسات عبء اختيار من تراه مناسباً. غضب السعوديين من بعض الشخصيات اللبنانية التي عملت في مؤسسات سعودية وانتكست في أخلاقها معهم، غضبة مبررة، لكن التعميم كما قال الزميل إياد لا يجوز. لكن في رأيي أنه لا يجوز ليس بسبب الاختلافات السياسية العميقة في لبنان كما ذكر الكاتب، لأن هذا شأن يخص…

الغنوشي… الدرويش والسلطة

الثلاثاء ٢٨ سبتمبر ٢٠٢١

خلال فورة الثورة، نهاية عام 2011، خرج راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية ذات التوجه الإخواني، مأخوذاً بفرحة سقوط نظام زين العابدين بن علي والطريق الذي بات ممهداً لعودته ليس فقط لتونس، بل لأروقة الحكم والسلطة والنفوذ، خرج يبشر بسقوط أنظمة الحكم الملكية في الدول العربية. تجاوز الغنوشي الحديث عن تونس إلى امتدادات جغرافية تعكس النزعة الإخوانية الممتدة عبر الأقطار التي لا تعترف بالمسمى الوطني الواحد، وترى في البلاد أمة واحدة. مرت زوبعة الغضب في الشارع العربي، وعصفت بأنظمة الحكم في الدول العربية عدا الملكيات، التي كانت الأكثر ثباتاً واستقراراً وتجاوزت هذه المرحلة بعودة أكبر للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. الغنوشي مثل دراويش جماعة «الإخوان المسلمين»؛ حسن الترابي ويوسف القرضاوي وحسن الهضيبي، يؤصل لفكر الجماعة عقائدياً، ويقدمه كنظام متفرد لأسلمة السياسة. قضى مثلهم حياته في المنفى أو السجون، متهماً بخلق الاضطرابات والتآمر. الغنوشي كان مشروع فقيه ديني، لكنه تأثر بالاشتراكيين، خاصة بالرئيس المصري جمال عبد الناصر، ثم العقيد الليبي معمر القذافي وحديث القومية، واستقر أخيراً على منهج «الإخوان»، فكان من الطبيعي أن يختلف مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الرئيس العلماني الذي سجنه وأراد إعدامه، وجاء زين العابدين بن علي فأخرجه من السجن لكنه عاد لنشاطه السياسي فغضب عليه بن علي. استضافه السودان الذي كان بيت ضيافة لرموز الإسلام السياسي، استقبله زميله في…

تسليح الإندو ـ باسيفيك والنظام العالمي الجديد

الثلاثاء ٢١ سبتمبر ٢٠٢١

قال الرئيس السابق دونالد ترمب إنَّ الصين ستعمل كل ما بوسعها حتى أخسر الانتخابات الرئاسية. وانسحب قبل ذلك من اتفاقية الشراكة التجارية عبر الأطلسي لأنَّها لا تلبي مصالح الولايات المتحدة. ترمب بث الرعب في الدوائر السياسية الأميركية حول مخاطر الصين كمهدد حقيقي ووشيك للاقتصاد الأميركي، وهذا الخوف يعبر عن نفسه اليوم باتفاق «أوكوس» بين واشنطن ولندن وكانبيرا، من خلال إدارة الرئيس جو بايدن. حرب التسليح في منطقة إندو - باسيفيك، في المحيطين الهادي والهندي لها جذور ومسوغات أكبر من مجرد عقد تم فسخه مع فرنسا من الجانب الأسترالي، واستبدالها بالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. وبخلاف أنَّ الغواصات الأميركية نووية، وتعمل بوقود نووي وأكثر تطوراً من الناحية السيبرانية من الغواصات الفرنسية، لكن الأسباب الجوهرية أكبر من ذلك. واشنطن لا تثق بالأوروبيين كشركاء يعتمد عليهم في مواجهتها المحتملة مع الصين وروسيا. الاتحاد الأوروبي يعتبر الصين الشريك التجاري الثاني بعد أميركا، وألمانيا التي تقود الاتحاد تدعو لمزيد من التعاون مع الروس، حتى أنَّها تشعر بأنها ذهبت بعيداً في خلافها معهم حول أوكرانيا. واشنطن تريد حلفاء أقوياء يحققون مصالحها بصرف النظر عن علاقة الصداقة التاريخية. المصالح هي التي تحكم العلاقات الدولية وليس التاريخ أو العشم في الصداقات. فرنسا غضبت من الموقف الأسترالي والأميركي الذي «طعنها في الظهر»، بحسب تعبير وزير خارجيتها جان إيف لودريان، والأسوأ…

هل هي ولادة عراق جديد؟

الثلاثاء ١٤ سبتمبر ٢٠٢١

العراقيون متحمسون للانتخابات التشريعية المقبلة أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي بعد شهر من اليوم، وهي الخامسة منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003 وإسقاط نظام صدام حسين. مبكراً، منذ أسابيع، أنهت الحكومة الخطة المفترضة، والإجراءات التنظيمية، ووضعت 500 مراقب دولي وأممي لضمان سلامة العملية الانتخابية وسلاستها، التي من المقرر أن يرشح عنها مجلس للنواب يضم 328 عضواً في انتخابات بكرت بموعدها الذي كان مقرراً منتصف العام المقبل. لم هذه الانتخابات لها أهمية قصوى للعراقيين؟ بداية، جاء التبكير بها نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي أربكت البيت السياسي وأسقطت حكومة عادل عبد المهدي بعد عام من تشكيلها في 2018. نزل الناس إلى الشوارع محتقنة من ضعف الخدمات، ومن الفساد المستشري في المؤسسات العامة، وحوادث الإهمال والتقصير وضعف المحاسبية والرقابة. لم يكن بمقدور عبد المهدي الذي سبق أن حمل حقائب كبيرة كالدفاع والداخلية والنفط ونيابة رئاسة الجمهورية إلا أن ينسحب من المشهد الغاضب، واضعاً الرئيس برهم صالح أمام مهمة تكليف جديدة، حيث برز اسم السيد مصطفى الكاظمي لإدارة المرحلة الانتقالية، وتولى المنصب في مايو (أيار) 2020. العراق مشكلاته معقدة ومتجذرة، أبرزها على الإطلاق الفساد؛ الإثراء غير المشروع، ونهب المال العام، والتحزب الطائفي ضد فئات مجتمعية معينة، وقانون هزيل أمام نصرة الناس وحماية حقوقهم. ولأن الفساد مثل الأخطبوط متشعب الأيادي، كان الكاظمي يعلم أنه بحاجة لمجتمع…

الأمن الغذائي السعودي والاستثمار في الخارج

الثلاثاء ٠٦ يوليو ٢٠٢١

السعودية بلد صحراوي، مواردها المائية محدودة؛ إما مياه البحر الأحمر والخليج العربي، أو المياه الجوفية التي تجدد نفسها عبر مياه الأمطار الشحيحة كذلك. وزارة البيئة والمياه والزراعة أعطت تقييماً لمعدل هطول الأمطار في المملكة، وذكرت أنها تبلغ 103 ملم سنوياً، والحجم السنوي للأمطار 166 مليار متر مكعب في السنة، يأتي منها 8 مليارات متر مكعب سيولاً. وحتى في مواسم الأمطار الغزيرة، وهي متقطعة، تحاول السعودية حفظ مياه السدود من خلال 521 سداً سطحياً أو قائماً، لكن ظلت هذه القضية بحاجة إلى أفكار أكثر شمولية. فكيف تصرفت الحكومة السعودية؟ في هكذا مساحة شاسعة، وكثافة سكانية حوالي 35 مليون نسمة، يحتاج صانع القرار إلى استراتيجية فاعلة ذات استدامة، لضمان توفير الإمدادات الزراعية، خصوصاً القمح والشعير. وللسعودية تجارب سابقة في زراعة المحصولين، لكنها عادت بالضرر عليها أكثر من الفائدة، لأنها استنزفت المياه الجوفية عبر حفر الآبار. أخفقت التجربة لكنها كانت ضرورية لفهم أهمية التعاطي مع ملف الأمن الغذائي بواقعية. فمن يتخيل أن السعودية كانت تصدر القمح لدولة مثل مصر، أو الورود لهولندا! أمر مستغرب. على كل حال استفدنا من التجربة، وأهم الدروس المستفادة أن تنفيذ الطموحات له عدة أوجه، وتحقيق الأهداف يجب أن يكون بالحد الأدنى من الأضرار. كانت الفكرة الجديدة أن تختار الحكومة دولاً نشطة زراعياً وتستورد منها احتياجاتها من المواد الأساسية،…

باكستان والتمسك بعروة الاقتصاد

الثلاثاء ١١ مايو ٢٠٢١

في المقابلة الشهيرة التي أجراها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع الإعلامي القدير عبد الله المديفر، أوضح عند سؤاله عن الأساس الذي ترتكز عليه السياسة الخارجية، أنها مبنية على «مصلحة السعودية». المعيار واضح، وهو تلمس مصالح البلاد الآنية والاستراتيجية في المواقف الخارجية. هذا ملحوظ بالنظر مثلاً لما شهدناه مؤخراً بدعوة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لزيارة المملكة، وحصول الزيارة، بعد حدوث اختلاف في وجهات النظر بين البلدين بشأن منطقة كشمير المتنازع عليها بين باكستان والهند. ولأن السعودية دولة ذات سيادة، وتصنع قرارها تبعاً لمعيارها، فإنها حريصة على بقاء التعاون مع جميع الدول الصديقة، مما جعلها تختار الحياد، فالهند شريك تجاري رئيسي وأكبر مستورد للنفط الخام السعودي، وفي البلدين مصالح كبيرة وسوق ضخمة من الأيدي العاملة والكفاءات والاستثمار في مجالات الطاقة والتقنية وأدواتها. المصالح المشتركة لغة دولية معمول بها، لذا جنحت الرياض وإسلام آباد على الوقوف على العلاقات التاريخية الجيدة، وهو إرث كبير، وعلى التعاون الاقتصادي الذي يتم ترسيخه وتوثيقه عاماً بعد عام، دون ميل منها لأحد طرفي النزاع العنيد على الحل. وفي الواقع، فإن المصلحة الباكستانية المتحققة لها من علاقتها الاقتصادية بالمملكة تتجاوز بكثير مصلحتها من موقف سياسي حول قضية الأفضل تركها للوقت. تفرض المسؤولية أن ينظر السياسي ببراغماتية في تقييمه لمصالح بلاده وفي أي اتجاه تسير هذه…

جماعة «الإخوان» وموسم الهجرة في كل اتجاه

الثلاثاء ٢٣ مارس ٢٠٢١

لم تكتشف تركيا حديثاً تواصل جماعة «الإخوان المسلمين» الموجودين على أراضيها مع جهات خارجية مثل روسيا وإيران. كانت الجماعة واضحة الأجندة أمام السلطات التركية، لكن كانت عين الرضا عن كل عيب كليلة. كانت تراقبهم وهي محكمة السيطرة عليهم، وتتتبع اتصالاتهم وتواصلهم مع قيادات لندن وقيادات أخرى اتخذوا بلداناً آسيوية مقراً لهم لتدريب كوادرها. هذا السلوك الإخواني المتعارف عليه منذ ثمانين عاماً جزء من منهجهم، وقد رضيت تركيا به منذ استخدمتهم ورقة لاستعداء العالم العربي بعدما أسقط الشارع المصري حكم «الإخوان» في عام 2013. ولا شك أن هذا من الدهاء السياسي، أن تتحكم بورقة آيديولوجية سياسية مهمة تمسّ أمن المنطقة العربية التي كان يحلم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بزعامتها. لكن ما الذي تغير اليوم؟ اختصاراً قبل التفصيل نقول ببساطة إن العالم العربي هو الذي تغير قبل أن تتغير الظروف التركية للسوء اقتصادياً وسياسياً. وعندما نذكر العالم العربي، فنحن نعني مصر ودول الخليج الكبرى وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبدعم من دول الخليج، تسبب في إفاقة للاقتصاد المصري الذي كان يوشك على لفظ أنفاسه الأخيرة، وهو اليوم في نظر المصريين المنقذ الاقتصادي والحامي الأمني وحارس الاستقرار الداخلي، وليس السيسي ذا الموقف الضعيف الذي يوصف من قِبل البعض في الغرب بالتشدد. مصر اليوم أقوى بفعل النجاح في…

كيف حال المرأة السعودية؟

الإثنين ٠٨ مارس ٢٠٢١

في احتفالية العالم بيوم المرأة، كيف حال السعوديات؟ يبدو أن قصص النساء في كل التاريخ دائماً ما ترافقها متعة السرد، لأنها تحمل دائماً الغريب والمتميز والنادر والظاهرة. حسناً، يبدو أننا في المملكة العربية السعودية نستقبل هذا اليوم بمنجزات من العيار الثقيل، قد أزعم ألا شبيه لها في كل دول العالم، وذلك لسبب وجيه؛ أن المرأة السعودية لم يسعها أن تمشي إلى تطوير وضعها وقيمتها المجتمعية على خطوات، لم تكن الظروف تسمح برفاهية التدرج. ومع أن رحلة تعليم المرأة بدأت مبكراً منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، وتعززت بأمر ملكي في عهد الملك سعود، وترسخت في عهد الملك فيصل، وتوسعت في عهدي الملكين خالد وفهد، رحمهم الله جميعاً، إلا أن العقدين الماضيين شهدا نقلة نوعية كبيرة في مسار التعليم، الذي هو مصنع خام النجاح. دراسات كُثر تطرقت لشأن المرأة السعودية كونه إحدى أهم القضايا التي عبرت الحدود وأصبحت قضية رأي عام دولي. لماذا البنات السعوديات لا يقدن مركبة؟ لماذا عليهن أن يستأذن الرجال حتى يتعلمن أو يعملن؟ أين أهليتهن القانونية؟ مَن يحميهن في الشارع؟ لماذا حُشرن في خانة العمل التعليمي وقليل من الصحي وأغلقت الأبواب عنهن من دون ذلك؟ للإنصاف، وحتى نكون أكثر دقة في ملامسة كفتي الميزان إن أردنا المقارنة. فالمرأة في النمسا لم يُسمح لها بدخول…

ملفات المنطقة على طاولة الرياض

الإثنين ١١ يناير ٢٠٢١

قراءةٌ معمّقةٌ للمشهد السياسي في المنطقة العربية خلال خمسة أعوام، تعطي تصوُّراً واضحاً كيف للتدخلات الخارجية أن أحدثت فوضى خلَّاقة للتدمير، باعثة لدوافع الاحتراب، مهددةً للاستقرار. وكيف نجحت، للأسف، هذه القوى المتطفلة في تشكيل مناخ متوتر بين دول عربية عدة، كان مخططاً له أن يتَّجهَ للأسوأ لولا أنَّ بعض القيادات العربية أدركت مؤشرات الخطر الذي أُريد لها، ولعبت دور الكابح لهذا التسارع الكبير لتركيع البلاد العربية والرجوع بها إلى استعمار مذلّ. أكثر من ملف، كانت مثل الشوكة في البلعوم، مؤلمة ومعطلة، ولا أحد لديه الإرادة السياسية الكافية لحمل أعباء غيره، لأنَّ كلَّ دولة تنوء بحملها ومشكلاتها الذاتية. لكن تتمايز الدول بعضها عن بعض في الملمّات، وفي إجادة تصويب الأوضاع خارج حيز حدودها، لما تمتلكه من نفوذ سياسي واقتصادي يؤهلها للعب دور إقليمي ودولي. في هذا السياق، أستعرض على عَجَل ملفات معقّدة، وما أكثرها، تحلحلت وبدا أنها تتفاعل إيجاباً مع محاولات معالجتها، والقاسم المشترك هنا هو دور الرياض، والوعي والنضج في مواقفها في قضايا خليجية وعربية عدة. في المصالحة الأخيرة بين الدول التي قاطعت قطر قبل نحو أربع سنوات (السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين)، لعبت السعودية دوراً كبيراً في التجاوب مع الوساطات التي بدأت منذ بدء المقاطعة، لكن هذه الوساطات كانت دائماً ما تواجه حائطاً مسدوداً. العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد…