الأربعاء ١٩ يونيو ٢٠١٩
«الفريج» هو مؤلَّف قيِّم وضعه المستشار إبراهيم بوملحه، دوَّن فيه جزءاً مهماً من ذاكرته وذكرياته التي ترتبط كما سمّاها بأيام «الزمن الجميل»، الكتاب لا يتحدث بالتفصيل سوى عن حيّ واحد فقط من بين أحياء عديدة في ديرة أو دبي وهو حي أو فريج «سكة الخيل»، باعتبار أنه الحي الذي وُلد ونشأ فيه المؤلِّف، وفيه قضى سنوات من طفولته المبكرة، وهو كما يقول ماثل وثابت في ذاكرته بمعالمه وبيوته ودكاكينه وسكيكه رغم مضيّ الأيام والسنين، وهو على أية حال نموذج لما كانت عليه أحياء دبي في تلك الفترة. إن كتاب «الفريج» الصادر عام 2017، عن دار مداد للنشر في دبي، وإن لم يعرج صاحبه على ذكر بقية الأحياء بالتفصيل، والتي وجدت إلى جانب «سكة الخيل» مثل فريج الراس، والضغاية، فريج عيال ناصر، والمرر.. إلخ، إلا أنه قدم توثيقاً جيداً لملامح الحي القديم، سماته وتقسيماته وما كان يمتاز به، وما يميز ساكنيه من حيث اهتماماتهم وعاداتهم واحتفالاتهم وتطور حياتهم. إن حي أو فريج «الراس» سُمي كذلك؛ لأنه يقع في أول مدينة ديرة، وفيه بُنيت أول مكتبة عامة في دبي عام 1960 ولا تزال قائمة حتى اليوم، لقد كان هذا الفريج -ولم يزل حتى اللحظة- يموج بالحياة والتجارة والبشر والبضائع والسفن و... إلخ، هذا الفريج الذي يطلّ على خور دبي، سكنته عائلات كبيرة،…
الخميس ١٣ يونيو ٢٠١٩
اقرؤوا الكثير من الكتب، وفي كل وقت ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. القراءة ليست هواية، الهواية نشاط اختياري غير ملزم، غالباً ما يقع في المنطقة الثانوية من الوقت، نمارسه حين لا يكون لدينا عمل ضروري نقوم به، وعادة ما نكون أحراراً في استبدال أي شيء آخر به، وعليه فالقراءة بهذا المعنى ليست هواية، لأن آثارها علينا وحاجتنا إليها تتجاوز الثانوي والاختياري. القراءة تُكسبنا الكثير، تطورنا وتهذبنا، وتمنحنا مفاتيح معرفة ذواتنا والآخرين والعالم المحيط بنا، لذلك فنحن نتعلم لنقرأ، ونقرأ لنصير أفضل إنسانياً، وحين تصبح إنسانيتنا أفضل نصير أكثر استحقاقاً لمغزى وجودنا في الحياة، وتصير الحياة تجربة جديرة بالاحتفاء والعيش، «فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة»، هذا ما نعرفه أكثر حين نقرأ، هذا ما يقوله شاعر كدرويش، وهذا ما تقوله الكتب وكل دواوين الشعر الجميلة! اقرؤوا في كل لحظة، تجدوا أنفسكم غير منشغلين بالضرورات الحياتية، واقرؤوا حين تتراكم عليكم ضرورات الحياة، القراءة فعل إنقاذ، وحل متاح للخروج من عنق زجاجة الأزمات والضغوط كلها، ستفعلون ذلك حين تغيّرون زاوية الرؤية، حين تتعاملون مع الكتاب كعضو مكمل لأجسادكم، كاليد أو الرأس مثلاً، كالهواء أو الماء، كضرورة أساسية، وليس هواية لوقت الفراغ! إنكم تذهبون إلى أي مكان بصحبة هواتفكم، ساعة اليد ومحفظة النقود، لا بأس إن أضفتم تفصيلة مهمة أخرى: الكتاب، لن يكلفكم كثيراً،…
الخميس ١٦ مايو ٢٠١٩
ما المشكلة في أن يضع روائي مبدع إطاراً لرواية يكون بطلها نجيب محفوظ مثلاً، باعتباره إنساناً كان يعاني مرضاً معيّناً، أو حالة نفسية جعلته عرضة للقلق الشديد، وربما دفعت به إلى أن يتردد على معالج نفسي مثلاً؟ أو يكون البطل عباس العقاد مثلاً، أو الرئيس الجزائري أحمد بن بله، وكل ذاك في سياق روائي تخيلي بحت (كما فعلت إنعام كجه جي في «النبيذة»). لأن كل هؤلاء في الحقيقة بشر عايشوا أوضاعاً حياتية اعتيادية كجميعنا وهم قابلون للنقد، كما أن الخطاب الذي قدموه لنا قابل للتفكيك، وحتى إذا لم يوضعوا في أطر تخيلية بحتة، فلا بأس من أن نراهم أبطالاً في أعمال أدبية أو فنية تسلط الضوء على الجانب الإنساني الاعتيادي فيهم، خاصة إذا كانوا قد دوّنوه في مذكرات أو حفظ في مقابلات مسجلة، أليس من حق الجماهير أن تتلصص على الجانب الخفي من حياة هؤلاء؟ هذا بالضبط ما فعله الروائي والطبيب النفسي الأمريكي أرفين يالوم، إذ قدّم للمكتبة حتى الآن ثلاثة أعمال روائية كل أبطالها فلاسفة كبار، هم: نيتشه، وشوبنهاور، واسبينوزا، بحيث وضع هؤلاء الفلاسفة في السياق الحياتي الاعتيادي بعيداً عن إبداعاتهم وأفكارهم ونظرياتهم التي شكلت علامات فارقة في الفكر الإنساني. هذا ما فعله مثلا مع نيتشه في رواية «عندما بكى نيتشه»، فقد قدّمه كرجل معتل في صحته يعاني عشرات…
الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٩
لأن إطفاء نار موقدة تُسَعَّرُ بإصرار في المنطقة عبر دهور ليس بالأمر اليسير، ولأن نزع فتيل مشتعل ومشعل للفتن والحروب منذ قرون أمر بالغ الصعوبة والحساسية، فإن خطاب التصدي للتطرف لن يتوقف على جميع المستويات، وعلينا أن نعيه جيداً، ونفهم أغراضه وغاياته ودورنا فيه، فمقولة «اليد الواحدة لا تصفق» صحيحة بل ودقيقة جداً، فهذا ليس شأن الحكومات ولا أصحاب القرار والعلماء الكبار وحدهم، إنه شأننا جميعاً، فكلنا متضرر، والجغرافيا العربية كلها مذبوحة من الوريد إلى الوريد بسبب هذا الخطاب المتطرف المستبد، منزوع القيم والحكمة! إن الاعتذار الذي تقدم به عايض القرني أحد أقطاب «تيار الصحوة» في السعودية، وقبله تراجع عدد من المشايخ، أو انسحابهم من المشهد العام، بعد أن ملؤوه دعوات أشعلت رؤس الشباب بالتعصب والتطرف ورغبة القتل والموت! إن هذا الاعتذار لم يأتِ من فراغ، وسواء اعتذر هو أو غيره بطيب خاطر أو نتيجة ظرف سياسي تعيشه المنطقة، فإن عليهم أن يفعلوا، وقد تأخروا كثيراً جداً، لأن الخراب قد وصل إلى نهايته، لقد تحطمت دول وتشتت شعوب، واتسع الخرق على الراتق وما عاد ترقيع الأمور أمراً وارداً! صحيح أن خطابهم ودروسهم وبرامجهم الفضائية ليست الضلع الوحيد في مربع المؤامرة، إلا أنه الضلع الحاد والمباشر وقريب الصلة بالشباب في الداخل والخارج، وقد آن الأوان أن يقال لهم اصمتوا، كفى فتناً…
الأربعاء ٠٨ مايو ٢٠١٩
لا يمكن لفروع الأدب المختلفة كالقصة القصيرة والمسرحية والشعر والمقال وغيرها أن تحيط بتفاصيل أي مدينة، أو أن تنقل يوميات الحياة فيها، وسِيَر الناس وأسرارهم وتقلبات معاشهم، وامتداد الإنسان وتجذره في التاريخ العام كما في سجلات العائلة والأسرة، لا يتصدى لهكذا مهمة وبجدارة إلا كتب التأريخ والروايات، وعلى وجه الخصوص الروائي المنتمي للمدينة، المتسلسل من أحداثها وتطوراتها وما شهدته وما عبر بها من أفراح وكوارث. وأيضاً الروائي الدارس لتحولات المدينة، المنقب في عروقها كعالم آثار، وما عروق المدينة سوى ذاكرتها، ومؤسسيها، وأوائل من حضر وسكن وبنى وشيد وزرع ووحّد وألّف بين القلوب، عروق المدينة هم ناسها الذين كانوا كبارها وكبراءها، مآثرها، مبانيها القديمة، حكمتها وحكماءها، لغتها، أمثلتها، وكل ما يمت بجذر لها. وعليه فإن الكتابة عن المدن كما كتب نجيب محفوظ عن القاهرة، وكذلك بهاء طاهر ويحيى حقي، ورضوى عاشور عن غرناطة، وعبدالرحمن منيف عن مدن الصحراء، وأمين معلوف عن بيروت، وإبراهيم عبدالمجيد عن الإسكندرية، وعلي المقري عن عدن.. وغيرهم، هؤلاء لو أنهم لم يملكوا طرف خيط البداية: الفهم والانتماء، لما أمكن لأي مدينة من المدن التي كتبوا عنها أن تتكئ عليهم، وتمنحهم أسرارها وتفتح لهم قلبها. إذا لم يكن الكاتب معلقاً من ياقة قميصه على مداخل المدينة كطفل معلق من أذنيه بين أصبعي أمه، فإن أي مدخل في المدينة…
السبت ٠٤ مايو ٢٠١٩
يتوجب علينا ونحن نتحدث عن حكاية بيع الكتب وشرائها، ظاهرة العزوف عن القراءة، ضعف إقبال الجمهور على معرض الكتاب، الكلفة الباهظة لمشاركة الناشر أو تواجده في المعارض باستمرار.. ألا نغفل جملة حقائق تؤثر في كل ما ذكرناه، ولن نضع لوماً على طرف ونغض الطرف عن آخر، ففي موضوع النشر والكتب والثقافة، هناك أطراف عديدة تتشارك المسؤولية بذات القدر ربما، لكن تبقى الكفة المرجحة والراجحة التي تصنع الفرق في هذا المشهد بيد صانع القرار الثقافي! أسعار الكتب التي تعد مرتفعة جداً، قياساً بمثيلاتها في الدول العربية الأخرى، تحتاج إلى وقفة صريحة تعترف بها، وصولاً لإيجاد مخرج، وهنا لن نستطيع استكمال هذه المسألة دون التطرق للشرائح القارئة في المجتمع! فمن هم القراء الذين يشترون الكتب من معارضنا في الإمارات؟ إن عدداً لا بأس به من الإماراتيين يقبلون وبانتظام وانتماء للكتاب وللقراءة، ومعظم هؤلاء لديهم قدرة إلى حد ما على استيعاب الأسعار العالية للكتب، لكن كم نسبة هؤلاء من مجموع المترددين إلى المعارض؟ نقول ذلك لنصل إلى أن الأخوة العرب من جميع الجنسيات هم قراء بالفعل، وهم قوة شرائية لا يستهان بها، لكن في ظل الأزمات الاقتصادية وارتفاع أكلاف المعيشة، مع ارتفاع أسعار الكتب يجعلهم يترددون كثيراً في الشراء، دون أن نغفل حقيقة علينا الاعتراف بها، وهي وجود هذه الكتب بشكل مجاني على…
السبت ٠٦ أبريل ٢٠١٩
يحتاج الكاتب دائماً إلى أن يبقى ممتلئاً بالمعلومات وبالشغف والتجدّد، لكي يستمر متدفقاً ومتصلاً ومتواصلاً مع نبض الحياة، ومع الواقع الذي يكتب منه والناس الذين يكتب لهم، إنه يشبه الماء في علاقته مع الكل ومع المفردات حوله: إن ساح طاب وإن لم يجرِ لم يطبِ.الكاتب المتصل الذي لا يَمِلُ ولا يُمَل هو ذلك الكاتب شديد الانسياق وراء المعرفة والفضول والمختلف، المولع بالقراءة، وبالسفر والتجوال والمسكون بالأسئلة، فالكاتب الخالي من الأسئلة خالٍ في حقيقته من كل شيء: من الإيمان بما يقول، من الاستعداد للذهاب حتى آخر الشوط مع قناعاته، فإذا تحدث أو كتب فإنه لا يقول شيئاً!! إن أي كاتب حقيقي يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد كي يتحقق شرطه ككاتب كما يتحقق شرطه كإنسان، لذلك فهو بحاجة دائمة إلى «كتب التاريخ والفلسفة والشعر، إلى قراءة الروايات، ومشاهدة الأفلام، إلى السفر والعلاقات المتدفقة، إلى زيارة متاحف الفنون، الذهاب إلى الأوبرا، وأحياناً للالتحاق بأحد فصول اليوغا أو تعلم لغة جديدة والاستماع للموسيقى..». وحين ستعبر كل هذه الروافد مسارب ذهنه سيكون مستعداً للكتابة وسيكتب كأفضل ما يريد، المهم أن لا يتعجل وأن ينتظر قليلاً حتى يصفو ذهنه ويصل إلى حالة الامتلاء! المهم أن لا يكتب لأن عليه أن يكتب، فهذه ليست كتابة حقيقية، هذا إكراه النفس على الكتابة، وهي كتابة محكومة بالفشل حتماً!!…
الأحد ٢٤ مارس ٢٠١٩
استشارتني صديقتي في أمر كتاب، قالت إن قريبة لها تحدثت عنه أمامها، وألحَّت عليها أن تقرأه، مؤكدة لها أنه يكاد يكون أعظم ما كُتب حتى الآن! قالت لي إنها اقتنت الكتاب فعلاً، لكنها لم تتمكن من قراءة أكثر من عشر صفحات، ليس لأن الكتاب صعب أو تافه، أو يتعارض مع قناعاتها الفكرية أو الدينية والأخلاقية، ليس لكل ذلك، ولكن لأن الكتاب بسيط جداً، إلى درجة أنها أحست بأنها تقرأ كتاباً في المسلّمات التي تعرفها كلها، لكنها لا تستطيع أن تعبِّر عنها مثل ما فعل المؤلف، لأنها ليست مؤلفة كتب، لكن محتوى الكتاب لم يفاجئها كما أكدت، كما لم يقدم لها علماً جديداً كانت تبحث عنه، أو علماً عميقاً يوسع مداركها، ويضيف لمخزونها! هي لم تقرأ من الكتاب سوى عشر صفحات، كما ذكرت، وهذا لا يتيح لها الحكم على محتوى الكتاب، كما أعتقد، ربما تمكّنها الصفحات العشر أن تحكم على لغة وأسلوب وتسلسل أفكار الكاتب، لكن المضمون يحتاج شيئاً من الصبر والمتابعة، مع ذلك، أصرت على أن بدايات الكتاب دلت على مساره الأساسي، وهي تسألني، ليس من أجل أن تكمل القراءة أم لا، لكنها تسألني عن رأيي في الكتاب! لم أكن قد سمعت عن كتاب إيكهارت تول المعنون «قوة الآن»، أو قوة اللحظة الراهنة، وبالتالي، لم أكن قد قرأته بطبيعة الحال،…
الأربعاء ٢٠ مارس ٢٠١٩
حكت لي معلمة تعمل في مدرسة أجنبية بالإمارات، في معرض حديثنا عن شيوع استخدام المراهقين غير المقنن وغير المنضبط لوسائل التواصل وشبكة الإنترنت، أن هذا الأمر ممنوع تماماً بين الطلاب المنتمين إلى عائلات أجنبية، وفي حال كان من الضروري أن يطلع هؤلاء الطلاب على مادة علمية عبر الشبكة، فالأمر لا يتم إلا بمعرفة الوالدين، إذ لا يحق لسواهما الدخول على شبكة الإنترنت طالما أن الأبناء تحت السن القانونية! أعلم أن هناك من سيلجأ إلى تلك المقارنات غير الموضوعية، من مثل «كيف لا يسمحون لأبنائهم باستخدام الإنترنت بينما هم يفعلون كذا وكذا، وليس لديهم أي مانع في كذا وكذا من أمور الحياة التي تتعلق بنمط معيشة الأوروبيين وثقافتهم»، هذه مقارنات غير موضوعية، لأن الأمر قائم لديهم على الفرز في مسارات متوازية لا على خلط الحابل بالنابل، فعندنا من يتحدث ليل نهار عن الدين والصلاة والأخلاق، لكنه لا يعلم ماذا يشاهد ابنه عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل مثلاً، والأصل أن يهتم ويراقب، فهذه مسؤوليته أمام الله والمجتمع ونفسه! في التربية، نحن أمام مسؤولية مجتمعية وقانونية وأمام وعيٍ حقيقي فيما يتعلق بالخطأ والصواب، وما يؤثر في صحة الطفل وجسده وأفكاره ونفسيته بحسب عمره ونضجه، هذا هو المنطق الذي يحكم المجتمعات المتحضرة التي لا تتحكم فيها آليات النفاق الاجتماعي! وسيأتيك من يرفع شعارات بعيدة…
السبت ٠٢ مارس ٢٠١٩
محاولتك تجاهل شخص ما أو مشكلة معينة أو واقع ماثل أمامك، لا يعني بأية حال أنه سيختفي أو يتلاشى أو ينعدم وجوده، فقط لأنك تنكره أو لا تعترف بوجوده أو لا تريده، فالأشخاص والأشياء والتحديات وكل ما حولنا، موجود بذاته وبشكل منفصل عنك، لا تنتظر قبولك ولا اعترافك بها وهي حتماً ستبقى كما هي، ما لم تذهب إليها وتواجهها وتغيرها إن استطعت، أو تتصالح معها إن كان تغييرها غير متاح، لكن ما سيفاجئك هو أنك إن بقيت ترفضها، مع عدم قدرتك على تغييرها، فلن يكون أمامك سوى أن تتغير أنت، وإلا فلتحاول أن تنظر لها بشكل آخر كي تقبلها أو تتقبلها، وإلا فغادر!! لا شيء يتغير لأجلك لأنك لا تريده أو لا تقبله كما هو، فصديقك لن يتغير لأنك لا تحب (س أو ص) من تصرفاته، نحن نختار أصدقاءنا لأسباب مختلفة ليس من بينها أن نعيد تشكيلهم أو أن نربّيهم من جديد، نحن نختارهم ونقبلهم كما هم كما قبلونا هم على كل ما فينا، فنحن لسنا أشخاصاً مكتملين أو بلا عيوب. السعي إلى المثالية واحدة من ورطاتنا الوجودية في هذه الحياة، ونحن نعاني كثيراً جراء هذه الورطة، وفي كل مرة يوقعنا سعينا إلى أن نكون مثاليين في مآزق وخسائر مختلفة، نعزم على تلافيها لاحقاً، إلا أننا نعود فنقع في الخطأ…
السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٩
كل الناس يمتلكون حكاياتهم الخاصة، لكنهم لا يصبحون روائيين لمجرد أنهم أصحاب حكايات غرائبية، قلة من أصحاب الحكايات يتحولون إلى روائيين وحكائين عظام، وقلة من هؤلاء مَن يتمكنون من اختراق حاجز الزمن وتحقيق معجزة الخلود الذي لم يتحقق بسبب الحكايات الخاصة التي امتلأت بها قلوب أصحابها، وإلا لأصبحنا جميعنا نسخاً من غارسيا ماركيز، أو لتكرر نموذج نجيب محفوظ في كل الأزمنة. الحقيقة أننا لو امتلكنا سر الخلطة السحرية أو معادلة الإبداع الدقيقة، لأمكن إيجاد عباقرة في مستوى تولستوي، هوغو، فرجينيا وولف، امبيرتو ايكو، طه حسين، محفوظ، ماركيز.. وغيرهم. إن أي كاتب في هذا العالم لا يمكنه أن يحقق عظمة حضوره هكذا من الفراغ، أو لأنه يمتلك قاموساً لغوياً وبضعة حكايا، فهذه الملابسات لا تخلق أدباً يصمد أمام صيرورة الزمن ويتحقق بذات الطزاجة أمام القراء في كل العصور كأنه كُتب لأجلهم مع أنه كتب منذ قرون! إذن فكيف صمدت أعمال هؤلاء الكبار؟ ما السر في أن دور النشر والمطابع والمكتبات حول العالم ما تزال تطبع وتنشر وتوزع عملاً مثل «ألف ليلة وليلة» رُغم مضيّ الزمن، و«دون كيشوت» الرواية التي صدرت في القرن الـ 17، و«البؤساء»، و«الأخوة كرامازوف»، و«الجريمة والعقاب»، و«أولاد حارتنا»، ووو؟ ما السبب في أن أعمالاً أخرى تكتب بجهد ومواظبة وبلغة جيدة، إلا أنها لا تكاد تعلَق بطرف الذاكرة أو…
الأربعاء ٣٠ يناير ٢٠١٩
على امتداد جغرافيا العالم هناك دائماً كُتاب وكاتبات معروفون بأصواتهم الإبداعية المختلفة والعالية جداً، فيما يخص القضايا التي يطرحونها، فغالباً ما تثير آراؤهم جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل، وقد سُئلت إحدى الكاتبات في دولة عربية حول رأيها في القضية المرفوعة ضدها أخيراً، بسبب رأي أدلت به، فأجابت بابتسامة: «أنا كاتبة ومهمتي أن أطرح آرائي بحرية، إن هذه الآراء قد لا يتفق معها الكثيرون، وقد يعجب بها كثيرون أيضاً، وهذا أمر طبيعي، أما أن تُرفع ضدي قضية رأي فلا أراه أمراً مسيئاً أو معيباً لأي كاتب». فيما يكتبه كُتاب وكاتبات الرأي تحديداً، وفيما يدلون به من تصريحات يعدّها البعض صادمة، فإن الصوت العالي هنا بمعنى الشديد السيطرة والتأثير، وليس ذاك العالي بالمعنى المباشر والمادي الصاخب أو عالي النبرة، وهو وإن تسبب في إزعاج البعض، لكنه ليس الإزعاج الذي يشتت الهدوء، بل الذي يربك المصالح ويبعثر القناعات التي اعتاد الكثيرون على سيادتها وثباتها زمناً طويلاً! «نظرية الصوت العالي» رغم وقعها السلبي ظاهرياً فإنها في الحقيقة قد تحمل دلالات تغيير جيدة، حين يخالف بها صاحبها أولئك الذين يحرصون دائماً على إبقاء صوتهم هامساً أو منخفضاً، فإذا أعلنوا آراءهم كانوا كمن يقدم رِجلاً ويؤخر أخرى، لا يتوافرون على تلك اللياقة الحقيقية للمواجهة واحتمال آراء الناس فيهم، وإقناع الآخرين بما لديهم، هؤلاء…