عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

وسيكبرون كما كبرنا!

السبت ٢٣ سبتمبر ٢٠١٧

تميل علي إحدى نساء العائلة وأنا أتابع حركات الصغيرات وأبتسم متذكرة أنهن كن منذ فترة قصيرة بالكاد يتعثرن في خطواتهن الأولى ولا يستطعن نطق أبسط الكلمات، تلك السيدة كانت أماً لثلاثة أطفال، قالت لي بتعجب يشبه الغضب «هؤلاء الصغار لا يتوقفون عن سؤال متى نكبر؟ وها هم يكبرون سريعاً فنكبر معهم في غفلة منا!»، قلت لها: «وحين سيكبرون سيبعثرون أيامهم في الجري وراء الخواء معظم الوقت، لن يستمتعوا بهذا العمر الذي يحلمون به، ولن يتحرروا من عقدة القطيع وتقليدنا والوقوع في غرام التفاهات التي ستكون في نظرهم كل الدنيا، سيحرصون عليها مهما حصل، سيتصارعون ويعاندون ويضيعون في الزحام وفي وجوه الآخرين و...». سيدرسون ويتعلمون ويتخرجون وسرعان ما سيجدون أنفسهم وقد امتلكوا الشهادات والدورات واللغات و... الخ، وسيبحثون عن عمل، وسيركضون خلف الراتب الأعلى ليتمكنوا من شراء الساعة الأغلى والسيارة الأحلى، وستمضي الأيام بسرعة البرق، وفي لحظة ستهتز كل الأفكار والقناعات، فالحياة لن تبقى بالدفء الذي تعودوه في بيوتهم وأسرهم، إن الحياة والناس والخارج لا يفعلون شيئاً سوى مجاهرتك بالقسوة وهز القناعات والمسلمات الإنسانية التي تربيت عليها! لقد مضت بنا الحياة قبلهم فكبرنا وخرجنا وجاهرنا الحياة بحريتنا وأحلامنا، صادقنا وأحببنا واكتشفنا وسافرنا، خدعنا وصدمنا وفرحنا، فشلنا ونجحنا مئات المرات، لكننا لم نتعظ، إننا جميعاً نظل في نهار العمر البهي تواقين لركوب…

كيف تصبح مشهوراً؟

الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠١٧

كيف يصبح البعض مشهوراً؟ بأن يكون كاتباً عبقرياً أو ممثلاً أو لاعب كرة أو مغنياً عظيماً، هذا هو الطريق التقليدي أو الكلاسيكي الذي يؤمن به التقليديون أمثالنا، ربما لأننا ننتمي لجيل تعلم منذ نعومة أظفاره، أن الاجتهاد والمثابرة والموهبة الحقيقية، هي الأشياء التي تصنع الفرق، وربما أيضاً لأننا من جيل عاصر بزوغ الأسماء الكبيرة في الفن والأدب والموسيقى والشعر والتمثيل، وأدرك قصص معاناتهم واجتهادهم. تلك الأسماء التي تحولت إلى أساطير حقيقية، وظلت محتفظة بأسطوريتها المستحقة حتى بعد رحيلها أو غيابها، هؤلاء المشاهير نالوا شهرتهم عن استحقاق، لم يتحقق لهم المجد بالصدفة أو بمساعدة التكنولوجيا أو بواسطة السلطة أو بالوراثة، لذلك عاشوا وظلوا أساطير حتى اليوم (شوقي، طه حسين، توفيق الحكيم، رامي، السنباطي، أم كلثوم، نزار قباني، درويش، فاتن حمامه وغيرهم). هذا ما تؤمن أو تؤكده النظرية الكلاسيكية في ما يخص الشهرة والمشاهير، هناك موهبة حقيقية لدى كل هؤلاء، وهناك جدية في التعاطي مع هذه الموهبة، بصقلها والارتقاء بها عبر قنوات حقيقية وأشخاص متميزين، فمثلاً، ما كان لأسطورة كأم كلثوم أن تكون ما كانت عليه، لولا تمتعها بحنجرة قلما تتكرر، ولولا اجتهادها واشتغالها على موهبتها. ولولا أنها وجدت في زمن حفل بالكثير من العظماء الذين رفعوا موهبتها إلى عنان السماء، بما قدموه لها من قصائد وكلمات وألحان، فلا يقل السنباطي وعبد…

لا تكرهوا الإسلام.. افهموه أولاً

السبت ٠٩ سبتمبر ٢٠١٧

اليوم الذي نعيشه هو اليوم الذي انتظرناه بالأمس وسميناه غداً، غداً يوم لا نقف على أرضه لكننا ندق أبوابه ونستعد له، وبمجرد أن نعبر تحت جسوره لا يعود مجهولاً ولا ملكاً للزمن، يصير ملكنا نحن الذين نستظل به، وملك من عمل ليكون حقيقة يحياها الجميع بسلام وتقدم، لا بالكراهية والحروب، إن هؤلاء الذين يخلطون أوراق الحرب والسلام لا يصنعون غداً ولا حاضراً، إنهم يعيدوننا للوراء، وتحديداً لتاريخ الظلام والتخلف والحروب التي طالما طحنت الناس وقادتهم للبؤس دائماً في كل مكان، يوم كان هناك في كل زمان أناس يتسلطون على غيرهم، يسحبونهم من بيوتهم ليعذبونهم، ويحرقوهم ويقتلوهم بأبشع الطرق! لا يمكن لهذا العالم أن يحيا بشكل طبيعي ما لم يؤمن بالأمل والخير وما لم يعمل القادرون فيه والقادة من أجل التطور وسعادة الناس وتوفير احتياجاتهم وتأمين حقوقهم، وأول حقوق الإنسان ليست الديمقراطية ولا التكنولوجيا، لكن الحياة في الأمان ثم تالياً تأتي بقية الاحتياجات والمتطلبات كسلسلة ذات أولويات، فانت لا يمكنك أن تفكر في امتلاك حاسب آلي ما لم تؤمن قوتك ومنزلك وثياباً تسترك، وهكذا! استمعت إلى خطاب مؤثر لسيدة أميركية تنتمي لإحدى المنظمات المسيحية في الولايات المتحدة، تقول هذه السيدة إن هناك أحد رؤساء الكنائس في أميركا قد دعا لحملة أطلق عليها اليوم الوطني لحرق القرآن، وهي دعوة مقيتة لا أساس…

كيف يمكننا أن نتفق؟!

الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠١٧

في مقابلة أجرتها الأميركية المتألقة أوبرا وينفري مع الملكة الأردنية رانيا العبد الله، وجهت إليها هذا السؤال: «كيف ينظر العرب إلينا نحن الأميركيين؟»، أجابت رانيا العبد الله بلباقة وسعة أفق سياسي كانا واضحين في كل حوارها: «هناك سوء فهم وعدم ثقة بين الناس في الشرق والغرب، العرب لا يثقون بمواقف أميركا، ويعتقدون أنها لا تقف إلى جانبهم، والغرب يرى في العرب متطرفين وإرهابيين يسعون للقضاء عليهم وعلى حضارتهم، كلا الطرفين يفتقد الفهم العميق للآخر، لدوافعه وطريقة تفكيره ونظرته إلى مجمل الظرف المعقّد في الشرق الأوسط! المشكلة أن التربية والرسائل الإعلامية اليومية التي يتلقاها الناس في الشرق والغرب معاً لا تعمل على تجسير الهوة بينهما، ولا تساعد على إيجاد أرضية تفاهم إنساني، لأن السياسة قد وظفت كل الأدوات: الإعلام، التعليم، المناهج، الفن.. لمصلحة غاياتها وغايات أصحاب المصالح الكبرى فيها، إن الذين يتخذون القرارات ليسوا هم أولئك البسطاء من الناس، إنهم البرلمانيون والسياسيون الكبار والمستشارون الذين تدعمهم شركات ضخمة وأصحاب المصالح ورؤوس الأموال، ولذلك فإن الفكرة السيئة ستظل تدور في الدائرة نفسها». حين سألتها: «ما أكثر الأفكار السائدة التي تتمنين تصحيحها؟»، قالت الملكة رانيا: «على الغرب أن يصحح هذه الفكرة الخاطئة، نحن كعرب لسنا جميعاً متطرفين ولسنا إرهابيين، هذه الفكرة هي ما يجب أن يتم الاشتغال عليه جيداً، والحقيقة أن المهمة تقع…

وداعاً.. بو عليوي!

الإثنين ١٤ أغسطس ٢٠١٧

لم نرتبط نحن أهل الخليج بفنان خليجي كما فعلنا مع عبد الحسين عبد الرضا، كنا ولا زلنا نسميه (بو عليوي) الدور الذي ارتبط به مع الفنان الراحل (عبد العزيز النمش الشهير بشخصية أم عليوي) بو عليوي يكاد يكون الفنان الوحيد الذي لم يختلف عليه أحد في كل الخليج ومن قبل كل الأجيال، بما امتلكه الراحل من قدرة فائقة على تجسير المسافات بينه وبين كل القلوب الذي تتابعه في كل أعماله المسرحية والتلفزيونية، لقد ولد ليكون فناناً محبوباً وقادراً على امتلاك القلوب وكاريزما الممثل الحقيقي! يكاد بو عليوي أيضاً أن يكون الوحيد من بين الممثلين العرب الذين لم نسمع منهم أو عنهم أو حولهم أي جدالات وخلافات وقصص تملأ الصحف والمجلات الفنية، كبقية الفنانين الذين اعتبروا الشائعات والفضائح والحروب فيما بينهم طريقهم الشرعي نحو الشهرة، هذا الرجل عاش فناناً مخلصاً لفنه، ومات بمنتهى الهدوء، حتى في أقسى لحظات ألمه كان يضحكنا، حتى حين كانت تخنقه العبرة كان يغني ويقطع نقطة الألم القصوى بابتسامة حين يقول (بس خنقتني العبرة)، نحن جميعاً خنقتنا العبرة حين جاءنا خبر نعيه، وكأننا فوجئنا بـ(حسينوه) الولد الشقي جداً صاحب المقالب وقد كبر ومرض وصار طريح الفراش، ثم دخل غيبوبة الوداع الأخيرة، لقد فاجأنا ذلك فعلاً.. رحمك الله يا بو عليوي، كم قضينا معك لحظات لا تنسى أبداً!…

عندما تحضر الكراهية!

السبت ١٢ أغسطس ٢٠١٧

كنت في اجتماع رسمي مع اثنين من موظفي شركة تقدم خدمات عبر بطاقات الائتمان، كان الشابان لطيفين بما يكفي لأي شخصين مهمتهما إقناعك بمزايا البضاعة التي يقدمانها! حتى هنا فالأمر عادي جداً، ويحدث لجميعنا، وفي كل مكان، ففي بيئات التنافس على الزبائن، وفي حالة وجود عارضين كثر للبضاعة نفسها يتبارى هؤلاء في التودد وبيع الأوهام، ومحاولة تقديم الخدمة بأكثر الطرق أناقة، وطبعاً بوعود لا تحصى، القصة بدأت بعد أن انتهى وقت الحوار حول الخدمات المعروضة، فحين قدم لي الشابان بطاقتيهما التعريفيتين قرأت اسم أولهما. فبدا لي أنه حمّال معاني، اتضح أنه يجيد العربية فصار يشرح لي معنى اسمه، لكنني فاجأته حين ذكرت له أن أصل الاسم ليس عربياً ولا علاقة له بثقافته، وأنه ينتمي لثقافة هو وطائفته في صراع دائم معها، وأن حمله اسماً كهذا دليل قوي على بدايات تسامح، ربما يجعل الأمل يلوح ثانية في احتمالات تقارب وتعايش إنساني. كان حواراً عادياً جداً، خاصة أن الشابين بدا عليهما أنهما يمتلكان بعداً ثقافياً معقولاً حين تحدثا وإن بشكل عابر عن أنواع الطعام ومميزاته عبر الثقافات، المشكلة أن صاحب الاسم ابتسم وقال: إن جدته قد ذكرت له هذا الأمر حول وجود جذور للاسم في تراث مُغاير. فما كان مني إلا أن قلت له: عاجلاً أم آجلاً فإن علينا جميعاً أن نقتنع…

نظام الدوحة.. الوجه القبيح!

الأربعاء ٠٩ أغسطس ٢٠١٧

«تبقى الإمارات شامخة يعرف قدرها الصديق والشريك ولن تنالها إمارة أو قناة أو حزب، ويبقى محمد بن زايد أحد رموز تمكين العرب لاستقرارهم ومستقبلهم» هكذا غرد معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، على حسابه في «تويتر» مندداً بالهجوم الخسيس واللاأخلاقي الذي يشنه إعلام قطر وأجهزتها المختلفة وكتائبها الإلكترونية التي تقدح في رموزنا الوطنية التي لم تقصر يوماً في بذل الجهد ورسم الطريق الثابت لضمان وحدة الخليج والأمة العربية في وجه الطوفانات البغيضة التي تجتاحنا وتهددنا وتهدد مستقبل المنطقة، تحت شعارات زائفة وملغومة خدمة لأجندات حاقدة! كانت الإمارات ولا تزال وستظل بلداً كريماً عزيزاً مضيافاً، يستقبل شعوب الدنيا ويحفظ للبعيد قبل القريب حقوقه وحرياته، بلا استعلاء ولا استقواء ولا عنصرية، لا المال غير أهل الإمارات ولا النفوذ ولا الثروات، ثروات النفط في الإمارات وجهت منذ اليوم الأول لقيام الدولة لمشروع التنمية والتطور، فتم توظيفها لخدمة الإمارات وأهلها ورغدهم وتقدمهم وبناء مستقبل الأجيال، وعلى امتداد عقود طويلة راكمت الإمارات مشروعاً عملاقاً يتحدث العالم كله عنه بإعجاب وبمحبة وباندهاش، مشروع لم يهدر أهله أموالهم في دعم الإرهاب ومنظماته ورموزه بحجج تافهة، لم نهاجم أخاً ولم نساوم صديقاً، ولم نتآمر على جوار، كما فعل نظام قطر، وها هو اليوم وبعدما أفلس وخسر كل أوراقه يوجه بذاءاته لدولة يشهد العالم بخيرها ودورها في…

كيف سيتخلص العالم من هذا الخطاب؟

الأحد ٠٦ أغسطس ٢٠١٧

زرت جمهورية التشيك ثلاث مرات في أوقات مختلفة من السنة، أعجبتني براغ في الشتاء وعشقتها في الصيف أكثر رغم حرارتها وزحامها، مدينة تضج بالتاريخ والأمجاد وتختال كعروس حلوة تجر ذيل ثوب عظيم حاكه التاريخ وطرزته يد الأيام بالقلاع والقصور والمتاحف والطرقات الملكية، لكن براغ - هذه المدينة الجميلة الفاتنة فعلاً - كانت تخبئ وجهاً آخر لم أعرفه في المرات السابقة، كان وجهاً لم يترك في نفسي سوى الكثير من الأسئلة، محاولة أن أتجنب السقوط فيما هو أسوأ! لقد بدت العنصرية المقيتة واضحة تماماً في سلوكيات الكثير من سكان المدينة، العنصرية بكل ما ينتج عنها من تعبيرات الكراهية، ومحاولة الإيذاء اللفظي وأحياناً الجسدي، التجاهل، الإلغاء، الإقصاء، الإهانة المتعمدة وغيرها من الإشارات، هذه العنصرية التي صارت توجهاً فكرياً وسلوكياً تفشى بين سكان الأرض في السنوات الأخيرة بعد أحداث تفجير برجي التجارة في نيويورك 2001، كان من الصعب إخفاؤها! في المجر، وضعت مصورة صحفية ذات يوم قدمها لتعرقل لاجئاً سورياً كان يحمل طفله محاولاً الهرب من هراوات الشرطة، لكنها بعنصرية مقيتة وبشعور خالٍ من الإنسانية وضعت قدمها وأسقطته، يومها أسقطت تلك المصورة كل الحواجز التي كان يختبئ خلفها كثيرون من أبناء جنسها، وبعدها ظهرت أحزاب وتنظيمات متطرفة تشتغل على قاعدة العنصرية في العديد من دول أوروبا! أن يسير العالم قدماً نحو التقدم والتطور…

الاستعداد والقابلية!

الأربعاء ٢٦ يوليو ٢٠١٧

في كتابه «شروط النهضة» الصادر منتصف القرن الماضي، يذكر المفكر الجزائري مالك بن نبي حقيقة ساطعة حول ما يتركه الاستعمار من أثر في سكان المستعمرات، حين يمنحها استقلالها ويرحل، أو حين تفكر أمة في السيطرة على أمة أخرى، فيقول «لقد رحل الاستعمار عن بلاد العرب لكنه ترك في شعوبها القابلية للاستعمار»، والقابلية للاستعمار تعني ترك مقومات شديدة التأثير تستطيع أن تحافظ على وجود هيمنة ونفوذ ومصالح المستعمر أو المهيمن داخل تلك المجتمعات، كاللغة مثلاً، وبعض الشرائح الموالية له! هذا يجعل الشعوب على استعداد لقبول الاستعمار مجدداً إذا اجتاحهم ثانية، وهو لن يأتيهم كما كان يفعل في الماضي غازياً بجيوشه وأساطيله ودباباته، انتهى هذا الزمن، نحن اليوم نمثل آخر السلالات التي تشهد اللقطات الأخيرة ربما من حروب الطائرات والقنابل والبوارج. لن تتوقف الحروب ولن يترفع الإنسان عن شهوة القتل حتماً، لكن الأشكال والأدوات ستتغير، وستكون أكثر ملاءمة وفتكاً وأسرع كثيراً مما هي عليه الحال هذه الأيام. نحن مقبلون على حروب إلكترونية وجرثومية وكيميائية يبشرون اليوم بها على طريقتهم ويمهدون لها الطريق! المخيف هو ما تحدث عنه الفيلسوف «الاستعداد والقابلية» عند الأجيال الجديدة. لهذا كله، فكلما فتحت صفحة تريد تصفحها ولو بطريق الخطأ، وكلما دخلت متجراً للتطبيقات في أجهزتك الذكية لتحميل تطبيق ما، خرجت لك ألعاب خبيثة أبطالها نساء عاريات بآذان طويلة،…

نذهب بعيداً لنقترب من أنفسنا!

الأحد ٢٣ يوليو ٢٠١٧

سألتني صحفية عربية سؤالاً حول ما يمكن أن يستخلصه كاتب من تجواله على مدن العالم، وما هي الرسالة التي يمكنه أن يحملها لقرائه من عالمٍ تجول فيه على مدى سنوات طويلة إلى عالم يعيش فيه ويعايش تحولاته وإشكالاته؟ أحالني سؤالها إلى عشرات الأسفار والرحلات على مدى سنوات طويلة، وإلى الكثير من المواقف والمدن والبشر الذين التقيتهم خلال هذا التجوال العميق والممتد في الزمن والأمكنة والذاكرة، مواقف كثيرة ومشاهدات لا تحصى مررت بها كشفت لي حجم الأوهام التي ربما نكون قد نسجناها عن الآخرين، عن البلدان والأديان، الطوائف والتوجهات، أوهام حول فكرة الآخر عنا، وفكرتنا عنه، مساحات الاتفاق ونقاط الخلاف والاختلاف، والأرضيات الحقيقية المتوفرة بيننا بحيث يمكننا الالتقاء عليها والانطلاق منها نحو يوم آخر نريده أن يكون أكثر سلاماً. في الحقيقة يكشف لك التجوال والرحلات في البلاد والعباد حجم الجمال وعظمة الإنسان وإنجازه، كما يكشف حجم الضلالات التي تعشش في رأسك نتيجة قراءات لكتب وآراء مغلوطة مبنية على مجرد انطباعات أو مواقف أيديولوجية لكتابها، أو بسبب غسيل إعلامي يتعرض له الإنسان على مدار عمره، وربما بسبب الجهل أو الكسل عن تحري الدقة وتتبع المعلومة الموضوعية، فيصدق الإنسان كل ما يلقى إليه دون إعمال عقله! لقد ابتلي عالمنا العربي بنظريات وقناعات تأسست خلال قرون من الجهل وسيطرة التفسيرات المؤمنة بالمؤامرة وبضلال الآخر،…

ماذا تريد قطر؟!

الأربعاء ١٢ يوليو ٢٠١٧

من المغرب العربي إلى قرى الهند مروراً بمصر وبلاد الشام والإمارات والبحرين والسعودية وذهاباً إلى لندن، وربما دول ومدن أخرى ستكشفها الأيام المقبلة، هذا ليس استعراضاً ساذجاً للجغرافيا. ولكنه استعراض للمحطات التي رمت فيها قطر بحمولات دعم مختلفة ومتفاوتة وصولاً إلى هدف واحد وغاية واحدة: دعم الحركات الإرهابية لتحقيق أكبر قدر من الفوضى، فكانت اليد التي ارتدت قفاز الشيطان تحقيقاً لأهداف آثمة، الخراب والفوضى والدماء، زلزلة الجغرافيا، إضعاف الأنظمة، بعثرة الوحدة الوطنية للمجتمعات والدول، وإصابة الجيوش في مقتل! لماذا تمتلك مصر أقوى جيش عربي في المنطقة؟ إن هذه الحقيقة الساطعة لا تسعد البعض بطبيعة الحال، ممن يرون في قوة مصر حجر عثرة في مشروعهم التدميري الساعي إلى إضعاف العرب أكثر وتحقيق أجندات اقتصادية وسياسية مغايرة. فبعد أن حل الجيش المصري في المرتبة الأولى عربياً والعاشرة عالمياً وفق تصنيف موقع «Global Firepower» المتخصص في رصد قوة الجيوش، وبعد أن فشل تنفيذ مشروع الثورات العربية، وخرج "الإخوان" من المسرح السياسي بهزائم وسلسلة فضائح، كان لا بد من توجيه ضربات متلاحقة وقاصمة إلى الجيش المصري في سيناء تحديداً وقوات الأمن في سائر مصر! "حماس" التي تسندها قطر ضالعة في الهجمات على قوات الجيش المصري، وكذلك إرهابيو القاعدة القادمون من ليبيا، وفي مناطق أخرى يتكفل الحوثيون بأموال وأسلحة قطرية إيرانية بضرب حدود المملكة والتصدي…

ما لا يمكن التراجع عنه

السبت ٠٨ يوليو ٢٠١٧

هناك أمور كثيرة في حياتنا نملك أن نبدأها، نعطي قراراً بشأنها، قد يكون ذلك بشكل بالغ البساطة واللامبالاة أحياناً، وأحياناً بعد تردد واستشعار بالخطر أو بعدم الثقة، لكننا نقرر البدء ونبدأ فعلاً، نتخذ احتياطاتنا، نتدبر أمورنا، نفكر كثيراً، نسأل هنا وهناك، نعيد ترتيب الأحجار على رقعة الشطرنج، نحرك بيدقاً من هنا، ونخسر قلعة من هناك لكننا نمضى مع قرارنا حتى النهاية، لأننا مؤمنون بما نفعله، الإيمان قضية أساسية قبل اتخاذ أي قرار، إيماننا بحقنا يمنحنا قوة الاستمرار في السير وإكمال الطريق! أين ومتى يمكن أن نواجه مشكلة ما في مثل هذه القرارات؟ حين نعلم أننا يمكننا اتخاذ قرار البدء لكننا لا يمكن بأي حال أن نقرر إيقاف القرار أو التراجع عنه، تشبه هذه القرارات التي لا يمكن التراجع عنها بالزواج الكاثوليكي! فهذا الزواج بحسب هذا المذهب يجعل الطلاق أمراً يكاد يكون مستحيلاً! وينطبق ذلك على قرار كتابة نص معين يريد كاتبه أو يدعي كاتبه أنه يقول رأياً أو يمارس حريته في التعبير، يتخذ قراراً بإبداء رأي حول قضية مثارة، ينصحه المقربون ألا يفعل، لكنه يقرر ويكتب، فيقلب الدنيا رأساً على عقب، ويثير حساسيات الناس، ويتلقى الكثير من السباب والشتائم، ويصبح من غير الوارد أو الممكن محو ما قيل وما نشر من أذهان الناس الذين قرأوه، مع بقائه كوصمة في سجل…