عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

دفاعاً عن الحرية والدين

الجمعة ٠٧ يوليو ٢٠١٧

إزاء الحرية التي ظلت حلماً في عالمنا، والحريات التي يتلاعب بها الحمقى من مدعي الدين وتجار السياسة، تصبح المطالبة بقوانين رادعة لكل هذا العبث والمتاجرة بعقول الناس أمراً لا بد منه، فليس هناك فرق بين الرصاصة التي تغتال الجسد والرصاصة التي تغتال الحرية، حرية التفكير! لقد كتب ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: «أن الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة»، ولو قُدّر له أن يعيش في أيامنا هذه لكتب أن الإنسان كائن عدواني، الحرب أساس بقائه وحيويته مع الأسف! وأن هذا التقدم التقني زاد من عدوانيته وتوحشه! وأن استراتيجيات ومظاهر توظيف الدين كمطية لبلوغ أهداف السيطرة والتوسع تكشف بجلاء عن حقيقة ومدى هذا التوحش، ومن المؤسف أن يسمى خدام هذه الاستراتيجيات رجال دين وعلماء، والدين منهم براء! إن للعلماء والفقهاء والمفكرين حق احترام الاعتراف بفضلهم وعلمهم، لا احترام التسليم بعصمتهم، وبالتالي المشي وراء دعوات بعضهم التخريبية، هناك فرق كبير بين الاثنين. مسألة التسليم بالرأي المعصوم الذي لا يناقش ولا يراجع تتعارض أولاً مع المنطق، وتتعارض ثانياً مع قواعد التفكير الحر والمنهج العلمي، وتتعارض قبل هذا وذاك مع أصول الدين الذي لم يمنح العصمة إلا لأنبياء الله ورسله فيما يبلغّونه عن الله من وحي، لذلك فالتقديس الذي سقط فيه ملايين من المسلمين عبر عصور - مع الأسف - حيال آراء ورموز وأسماء كثيرة، قادهم…

هل نحن أحرار فعلاً؟

السبت ٠١ يوليو ٢٠١٧

طرحت السنوات القليلة الماضية على الأجيال الشابة العديد من الأسئلة الوجودية الكبرى حول الدين والحرية والعلاقة بالخالق وبالوطن وبالعائلة، وحول الحدود الفاصلة بين الأنانية المطلقة والأنانية المقنّنة والتفكير في حقوق الآخرين، إن سؤالاً من نوع: ما المشكلة في أن يكون الإنسان أنانياً في حياته، يقوم بعمل كل ما يحبه ويحقق له السعادة حتى في ظل رفض المجتمع لذلك؟ لماذا عليه إذا اختار سعادته الفردية، أن يحمل همّ رضا الآخرين، المجتمع أو العائلة أو الأصحاب أو... إنه سؤال كبير له علاقة بالمرحلة العمرية القلقة التي يمر بها الشباب وبطبيعة التقلبات السياسية الكبرى التي تعصف بالعالم، وإن شخصاً في الخامسة والعشرين من عمره من الطبيعي أن يطرح سؤالاً بهذه الجدية، خاصة إذا كان على درجة من الثقافة والوعي المتقدم! أليست السعادة غاية وهدفاً كبيراً لكل حركة وبحث وجهود الإنسان على الأرض منذ فجر الخليقة؟ هذا السؤال طرحته عليّ شابة في مقتل العمر ملحة عليّ في طلب الإجابة! الأنانية التي قد تحقق السعادة للبعض، مع أن الأنانية ليست أمراً سيئاً على الدوام، فهي غريزة إنسانية دفعت البشرية على مر الزمن للحفاظ على نفسها وللتطور، كما ولدت مذاهب وفلسفات دافعت عن هذا المبدأ، فالأنانية ركيزة أساسية لمذهب الحرية وحقوق الإنسان والنزعة الفردية في الحضارة الغربية. وعلينا ألا ننفّر الناس من شعورهم بتقدير سعادتهم وإعلاء…

ابتلاءات التكنولوجيا!!

الجمعة ٣٠ يونيو ٢٠١٧

إشكالياتنا مع تكنولوجيا الاتصال متشعبة وكثيرة، تخص الحكومات والمنظمات العملاقة والشخصيات العامة والمشاهير، كما تخص الناس العاديين جداً أمثالنا، بمعنى أن هناك مؤسسات عالمية ونجوم مال ورياضة واقتصاد قد أعلنوا في أكثر من مكان في العالم أن حساباتهم الرسمية قد تعرضت للقرصنة وأن معلومات سرية قد تم الاطلاع أو السطو عليها، وهذا يدخل ضمن ما يسمى بالحروب الرقمية وتحديات التكنولوجيا، ما يجعل التقنية أداة مخيفة في حقيقتها بالقدر الذي تبدو فيه في غاية المنفعة والفائدة للبشرية، ذلك أن الإنسان -على ما يبدو- منذ عرف الاختراعات وهو يخترع الشيء ونقيضه في الوقت نفسه! أما بالنسبة للناس العاديين فقد شكلت لهم وسائل الاتصال تحدياً نفسياً واجتماعياً كبيراً، حيث وضعتهم أمام المشكلة الأولى والأكبر: التعامل مع حرية تدفق الأخبار والصور ومنظومات القيم المتناقضة في ظل استحالة الرقابة والمنع والحجب ووو..إلخ! المشكلة الثانية القدرة على استيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات مع صعوبة فرزها والتأكد من صحتها ودقتها، ما فرض علينا جميعاً، وعلى واضعي التشريعات بطبيعة الحال، مواجهة أزمات أخلاقية مرتبطة بذلك، خاصة حين يكون هناك اعتداء على حقوق وخصوصيات الأفراد؛ كالشائعات، الأخبار الكاذبة، المعلومات المفبركة، الحسابات المزيفة، السب والقذف، وارتكاب جرائم أخلاقية بحق الأطفال والمراهقين وغير ذلك. المشكلة الثالثة لها علاقة بالفهم الخاطئ لمفهوم الحرية الشخصية الذي يتجاوز المعايير الإنسانية أحياناً، فنجد أنفسنا…

الهروب إلى الحياة

الأحد ١٨ يونيو ٢٠١٧

أتأمل هذه الحروب التي تخاض في مناطق متفرقة من العالم، وتحديداً العالم الثالث، الفقير، المتآكل من داخله بالفقر والجهل والفتن والعداوات، والمفترس من خارجه بالأطماع والمؤامرات، حرب هنا ونزاع هناك، حرب شرسة مخيفة تدور رحاها في سوريا مزقت الوطن وشردت الناس وجعلت البلد الأقدم والأكثر حضارة مجرد ثوب ممزق، مهترئ، معلق على جغرافية العالم في وجه الأعاصير تتلاعب به دون نهاية محسومة، وحرب في العراق لم تبق ولم تذر، وحرب في اليمن وأخرى في ليبيا، وأخرى في أفغانستان وكمبوديا، وحرب مفتوحة على الإرهاب في كل بقاع الأرض. «النصر الوحيد في أي حرب يا ساشا هو أن تبقى حياً بعدها»؛ يقال إن اليائسين أو الذين لا يستطيعون التأقلم مع الحياة غالباً ما يعيشون حالة حنين للماضي، وقد يتحول إلى حالة ملازمة أحياناً كثيرة إذا لم يوفر الحاضر بديلاً أفضل، والحقيقة أن القضية ليست يأساً أو مرضاً، لكن يحدث أحياناً أن تتحول الحياة إلى مجرّد إمكانية هشّة مقابل عبثية الموت في الحروب، في هذه الحالة يحمي الإنسان وجوده بالتحصن بمعنى أو بحالة قوية يعرفها هذا الإنسان جيداً، وهل هناك حالة نعرفها أكثر من الحياة التي عشناها فعلاً؟ يناجي الجندي في ميدان المعركة ذلك الزمن الجميل الذي خلّفه وراءه، مقابل هذا الزمن الحاضر القاسي الذي يعيشه بكل حواسه كل لحظة، يتذكر البيت الهادئ…

دفاعاً عن وطننا ومصالحنا

الثلاثاء ٠٦ يونيو ٢٠١٧

ستحتدم المعارك كما هي العادة على مواقع التواصل بين أبناء الأمة العربية، ستخرج أصوات صاخبة ومجلجلة تهاجم بكل قوتها خطوة قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، سيتحدث الكل وسيفتي مجهولو "تويتر" و"فيسبوك" في السياسة، كما أفتوا وخاضوا سابقاً في الدين والعلم والثقافة والأدب، ألم يعطهم الإعلام الحديث هذه الفرصة الذهبية ليصبح كل منهم صحفياً يلتقط الخبر من فم الحدث ويزجه مباشراً عبر صفحته على أنه خبر مباشر من أرض الحدث؟ إذاً سيتبارى الجميع في الدفاع أو الهجوم، كل من موقعه ووظيفته التي يشغلها على "فيسبوك" أو "تويتر"، وأيضاً كل حسب توجهاته وانتماءاته الفكرية والمذهبية واصطفافاته السياسة، وبالنسبة للبعض حسب ما دفع له وما قبض! القضية سياسية بحتة، لها جذور وتفاعلات وأسباب يطول شرحها، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين أحد إجراءات السياسة المتعارف عليها بين الدول، وهو إجراء يأتي كأحد أوجه تأزم العلاقات إلى أقصى حد بين دولتين أو أكثر، وحين تتخذ الدولة قراراً خطيراً كهذا تكون في الحقيقة قد استنفدت كل وسائل الدبلوماسية المعروفة كالمفاوضات والوساطات. ويكون قد تبين لها أن الخطر المترتب على بقاء العلاقات أكبر وأشد، فيكون هذا الإجراء سلوكاً ضاغطاً ورادعاً لمنع أو معاقبة طرف آخر بسبب سلوكيات وأفعال ثابتة ومستمرة من قبل دولة ضد أخرى، لا يجوز السكوت عنها كما لم تنفع كل الوسائل لردعها؛ وإذاً فكما…

«بذاءات قطر»

الإثنين ٠٥ يونيو ٢٠١٧

نتذكر جميعاً تلك الاستفزازات والبذاءات التي صدرت من قطر بحق الإمارات، بعد الإطاحة بالشيخ خليفة بن حمد آل ثاني منتصف تسعينيات القرن الماضي، لأنها استضافت الشيخ خليفة ورجاله بعد الانقلاب عليه، وطالت البذاءات جمهورية مصر، وقد كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حكيماً كعادته. وكما هو طبعه حين تواجه الأمة فتن تتسبب في شق الصف العربي، فحذر قطر من هذه السياسات الهوجاء وهذا التعدي بحق الأخوة، جاء ذلك في عنوان كبير تصدر يومها الصحف المحلية (الشيخ زايد يرد على البذاءات القطرية)! ومع ذلك، لم تتخل قطر عن منهجها الذي اعتقدت أنه وبما يتوافر لديها من أموال ضخمة، سيحولها إلى دولة عظمى في المنطقة، وذلك برعاية الإرهاب والإرهابيين، فآوتهم وأعطتهم الأمان وحقوق المواطنة، وجعلت لهم ماكينة إعلامية ضاربة لتكون منصة لهم يطلقون من خلالها أحقادهم وكذبهم، فكانت الجزيرة منبر كل إرهابي لا منبر له. اليوم تفاقم الخطر، وما يصدر عن قطر أكبر من أن يتم التساهل معه وتجاوزه بوساطة كويتية أو حتى بوسطاء دوليين، لقد تجاوزت تصريحات الأمير تميم كل الخطوط، وتم التعدي على قرارات واتفاقات وإجماع شهد عليه العالم في قمم الرياض الثلاث، اليوم تغرد قطر للأسف ليس خارج السرب الخليجي أو حتى العربي. فالخشية أن يصدر قرار أممي باعتبارها دولة مارقة أو إرهابية…

ظاهرة التطرف في الدراما التلفزيونية

الجمعة ٠٢ يونيو ٢٠١٧

لنعترف أولاً بأننا أتحنا للتطرف أن ينمو بيننا لفترة طويلة، وأن يسرح أصحابه ويمرحوا باسم الدين وتحت لافتة المحافظة على العقيدة والدفاع عن الإسلام وهداية الصغار والشباب والأخذ بيدهم إلى الطريق القويم، هكذا طرحت مؤسسات التطرف نفسها للناس في العديد من مجتمعاتنا العربية، وهذا تحديداً ما جعل الناس - معظم الناس - يثقون بها ويدعمونها. ويدفعون بأبنائهم وبناتهم إليها باعتبارها محاضن نظيفة ومأمونة ومؤتمنة. ففي تلك السنوات التي تعاظم فيها دور هذه المؤسسات، وهي سنوات الثمانينيات تقريباً، وقع بعض الشباب تحت تأثير المخدرات، كما سافر عدد منهم لدول شرق آسيا المعروفة بـ«سياحة الجنس»، وقد أنتج ذلك أمرين: أولاً: جعل الناس ترى في تلك المؤسسات منقذاً للشباب وصوناً لهم، ومن ناحية أخرى شكّل اعترافاً ببروز ما يسمى بفشل الأسرة في دورها التربوي، وبالتالي البحث عن بديل موازٍ ومأمون، للأسف فان هذا الفشل لم يعالج أو يتراجع بل استمر وازداد إلى أن وصل اليوم إلى أن معظم الأسر ما عادت قادرة على ضبط وتوجيه آليات التربية بالشكل المطلوب! لكن هل أنقذت تلك المؤسسات الدينية الشباب من الانحراف فعلاً؟ بالعودة إلى سجلات أقسام الشرطة وذاكرة الأسر فضحايا المخدرات والجرعات الزائدة كانوا يموتون بشكل شبه يومي تقريباً في تلك الفترة، ولم نعرف من كان يقف وراء تلك الظاهرة! وانتهى بعض الشباب كأعضاء في جماعات…

أرجوك.. كن لطيفاً وكفى!

الجمعة ١٩ مايو ٢٠١٧

تبدو هذه الحالة التي يعانيها كثير من الناس قاسية جداً، وليس شرطاً أن يكونوا من مشاهير السينما والغناء والكتابة، فقد يعانيها ناس عاديون، تحولوا في حياة أصدقائهم ومحيطهم إلى ما يشبه الرمز أو «البطل»!، وبالمناسبة، فهم لم يختاروا أن يكونوا أبطالاً، كما لم يستشرهم أحد في ذلك، الناس الذين حولهم، أصدقاؤهم، أهلهم، أبناؤهم..هم من ينظرون لهم كأناس فوق العادة، المشكلة تبدأ لاحقاً، حين ننتظر منهم ما ننتظره من شخص خارق قادر على حل كل المشاكل! يعتقد البعض أنه حين لا يقوم هذا الشخص بما تخيلوا أنه واجبه الذي عليه القيام به، فإنه يحق لهم أن ينصبوا له محكمة يكيلون له خلالها التهم، ثم ليس عليه سوى أن يتقبل أحكامهم الغبية! تلك هي ضريبة الإعجاب أو الحب من وجهة نظرهم، إنه ليس حباً، بل أنانية! في الحقيقة، هذا هو السائد في العلاقات غير المحايدة، والتي لا نضع لها حدوداً عقلانية، بسبب طبيعتنا العاطفية، ونمط تربيتنا، وتداخل الأدوار التي نقوم بها تجاه الآخرين، خطؤنا أحياناً أن نتبرع في القيام بأدوار ليست لنا، دون أن نتيقن من استحقاق الآخرين لما نقوم به أولاً، لذلك نصدم أو نفاجأ بردات فعل غير متوقعة! يصرخ الابن في وجه أمه إذا لم تتدبر له ثمن سيارة أسوة بزملائه، أليست أمه سوبرمان، تتدبر أي أمر، هكذا رآها طوال…

خسائر ومكاسب ست سنوات عجاف!

الجمعة ٠٧ أبريل ٢٠١٧

في كل يوم يجلس فيه المواطنون العرب قبالة أجهزة التلفاز في غرف المعيشة أو في المقاهي أو النوادي ليتابعوا نشرات الأخبار - وهم يصرون على متابعتها يومياً لأسباب مختلفة تحتاج لمقال منفصل ومفصل - يظنون حسبما أتصور أن شيئاً ما، معجزة ما، ربما حدثت في غفلة منهم وأنها قد تغير شيئاً من معادلة الحرب والدم والتدمير في المنطقة العربية. فإذا بمذيع أو مذيعة الأخبار المتأنقين والمبالغين في استخدام أدوات الزينة والمكياج، يخيبون ظن هؤلاء البسطاء ويعيدون تلاوة الأخبار نفسها، لا شيء يختلف سوى عدد القتلى ربما، ثم لا يهم بعد ذلك، أَقُتِلَ هؤلاء بالقنابل أم بالكيماوي، بسلاح داعش أم ببراميل النظام، بالنيران الصديقة أم بنيران الجيش الوطني أم بنيران داعش وغير داعش، تلك باتت تفاصيل تافهة في كتاب الموت اليومي! هذا ما جناه الوطن العربي والمواطنون العرب في بلاد كثيرة صدقوا شعارات الثورة التي انطلقت منذ ست سنوات، واجتاحت الأخضر واليابس، غيرت الجغرافيا، ومنظومة الأخلاق، وسيكلوجية الإنسان العربي، ولم تدع حجراً على حجر في مدن شيدت بنيان حضارتها منذ آلاف السنين، هذه هي نتيجة ما سمي مرة بالثورات العربية ومرة بالربيع العربي ومرة بثورات الكرامة وهكذا.بينما لا تمتلك كل حركات الفوضى التي حدثت أي شكل أو نتيجة أو مسار حقيقي يجعلها جديرة بلقب ثورات، هذا مع احترامنا لكل الدماء التي…

الحياة بمنطق آخر!

الأربعاء ٢٢ فبراير ٢٠١٧

قالت صديقتي إنني أدمنت التنقل كل خمس أو ست سنوات من بيت لآخر، أشعر بأن نداء خفياً يناديني لأذهب إلى هناك، إلى مكان مختلف، وشوارع مختلفة وجيران مختلفين، أصادق التغيير والمختلف، ولا أجعل الذكريات والأمكنة تسيطر علي أكثر مما ينبغي، أو تتحكم في مسار حياتي، قالت أيضاً إن بقية أفراد عائلتها عارضوها في ذلك واختلفوا معها، لأنهم يحبون الارتباط بمكان سكن محدد، ابنتها قالت لها: أتمنى أن أنام في غرفة النوم نفسها لخمس سنوات متتالية، هي مبتهجة بهذا، وتجده أمراً صحياً ورائعاً، سألتني بتلقائية، هل هذا السلوك جيد؟، قلت لها الأمر لا علاقة له بالسيئ والجيد، ولكنها طبائع الناس وتركيباتهم النفسية، وفي هذا يختلفون في ما يحبون، وكيف ينظرون للعالم والحياة والأمكنة! قلت لها إن الناس - وهذه قناعة خاصة - ينقسمون في نظرتهم ومنطق تعاملهم مع كل أمورهم إلى نوعين: نوع يفكر بمنطق الأشجار، ونوع يفكر بمنطق الطيور، وهنا لا يمكننا أن نقول أيهما أفضل، أو أيهما أسوأ، لكنها طبيعتنا وتنشئتنا وثقافتنا وطريقة تقييمنا وإدراكنا لأنفسنا ولكل ما حولنا، هي التي تتحكم فينا، وفي أن نكون أشجاراً نحب البقاء في نفس التربة ونفس المكان، نمد جذورنا في عمق المكان، ونموت إذا اجتثثنا منه، أو نكون طيوراً تكره القيود والأقفاص، وتفضل الحرية والانطلاق، مع ذلك، فهناك من ينظر الوفاء للمكان…

وكأنه لم ينجح أحد!

الجمعة ١٣ يناير ٢٠١٧

نعم، نتائج امتحانات الطلاب التي أعلنها الدكتور علي النعيمي منذ عدة أيام على الهواء مباشرة، كانت صادمة وإن لم تكن جديدة، فكثيرون في حقل التعليم يعلمون أن أوضاع ومستويات الطلاب آخذة في التدهور لأسباب مختلفة، الدكتور النعيمي قال الحقيقة بوضوح: 15 % نسبة النجاح، أي أن 85 % من مجموع الطلاب راسبون! هذا يذكر بأمرين: الأول بتلك النتائج التي كنا نسمعها تذاع في نتائج امتحانات الثانوية العامة في منتصف الثمانينيات، المدرسة الفلانية »لم ينجح أحد«، والفرق أن عدد التلاميذ في تلك المدرسة النائية غالباً ما لا يتجاوز أربعة أو خمسة طلاب في معظم الأحيان، وهي نتيجة قد تبدو مقبولة ومبررة قياساً بتلك الأيام البعيدة، لكنها غير مقبولة أبداً، بعد كل هذا التطور الذي أصاب جميع بنى المجتمع ومجالاته في دولة الإمارات، وبعد كل ما نراه ونلمسه من اهتمام القيادة ورعايتها لبرامج وخطط وتوجهات مؤسسة التعليم الأولى في المجتمع: وزارة التربية والتعليم. الأمر الثاني الذي تحيلنا إليه هذه النتيجة هو ذلك التقرير الذي صدر في الثمانينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الأميركية، إبان عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان، ذلك التقرير الشهير الموسوم بـ»أمة في خطر«، وقد جاء التقرير نتيجة عمل لجنة شكلها مكتب الرئيس مباشرة وتضم خبراء ومعلمين وطلاباً وأولياء أمور وعلماء تربية وسلوك وغيرهم، جابت مدارس الولايات المتحدة وأجرت…

خلايا الإرهاب النائمة!

الخميس ٠٥ يناير ٢٠١٧

التعليقات التي تجرأ أصحابها وجاهروا بكتابتها على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقاً على حادثة القتل المرعبة التي ارتكبها أحد المجرمين المصابين بانفصام حاد في شخصيتهم وذهنهم الإنساني، تشير وبشكل لا يقبل النقاش إلى وجود أمثال هذا المجرم فيما بيننا، إنهم الخلايا النائمة للإرهاب الحقيقي، فمن يشمت في الضحية ويبرر فعلة القتل، ومن يضع نفسه مكان الخالق فيحلل القتل باعتباره قضاء عادلاً لمجموعة من مرتادي الملاهي الليلية. ومن لا يتناول القاتل بكلمة، لكنه يصب كل حقده وأمراض نفسه على أبرياء لا ذنب لهم، فهذا ليس مجرد شخص متطرف دينياً أو متزمت، إن أمثال هؤلاء في الحقيقة ليسوا سوى خمائر جاهزة لقتلة لا مانع لديهم أن يحملوا الرشاش نفسه ويدخلوا أي مسجد وأي كنيسة أو ملهى أو مطعم أو مقهى، ليفرغوا الرصاص في صدور أشخاص أبرياء لم يرتكبوا شيئاً سوى مسعاهم الإنساني البسيط والمشروع للبحث عن البهجة بصحبة أحبتهم وذويهم! إن ذلك الذي كتب تعليقاً على خبر اقتحام ملهى اسطنبول يقول فيه «هذا جزاء الله العادل لمن ترك إقامة شعائر الإسلام وذهب ليقلد الكفار»، ومن كتب «كيف يسمح الآباء لبناتهم أن يرتدن أماكن الفسق»، ومن كتب غير ذلك وأكثر من ذلك، ألا يستحي من نفسه؟ ألا يخجل من إنسانيته؟ ألم يفكر لدقيقة واحدة في هذا الدين العظيم الذي ينتمي إليه، والذي يحرم قتل…