عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

نجوم الإمارات على مواقع التواصل

الجمعة ٠٨ يوليو ٢٠١٦

لا شك في أن الثورة التقنية، التي أنتجت الكثير من وسائل الاتصال والتواصل الفائقة الحداثة والسرعة والتطور، قد شكّلت بين الناس حالة تجاذب حادة، وتبايناً في المواقف والتقييم، فهناك من ينظر إليها بتقدير عالٍ، ومن زاوية إيجابية بحتة، وهناك من يراها شراً بحتاً يتعوذ منه، ويرجو الله أن يزول سريعاً، كما هبطت على الناس بهذه السرعة المفاجئة وسيطرت على اهتماماتهم، وبلا شك فإنه يوجد دائماً ذلك الفريق الوسطي الذي يؤمن بأنه ليس هناك شر بحت ولا خير مطلق، وأن الإنسان مسيّر ومخيّر أيضاً، وله من العقل والبصر والبصيرة ما يؤهله للنظر والتفكر واختيار الصالح وترك الطالح، ما لم يكن صغيراً أو غير راشد ممن يجب نصحه وإرشاده. في وسائل التواصل الحديثة التي أتاحتها الثورة التكنولوجية ما عبر بنا إلى أعماق الزمن وأعماق المجتمع وأعماق البشر، فاكتشفنا وعرفنا في زمن قصير ما عجزنا عن معرفته في أزمنة طويلة، والأمر ينطبق على مواقع التواصل أو ما صار معروفاً في الإعلام الرقمي الجديد مثل: »تويتر« و»فيسبوك« و»إنستغرام« و»سناب شات«. ما يعرفه الجميع اليوم أن تطبيق »سناب شات« مثلاً أصبح التطبيق الأكثر شهرة وتداولاً بين الجميع، فقد أتاح لكثيرين وكثيرات أن يتصدروا المشهد الاجتماعي، ويلمعوا كنجوم مطلوبين وبعدد هائل من المعجبين، وكل في مجاله (نتحدث عن التجارب الجيدة والمتميزة)، فنجوم الـ»سناب شات« لا يقلون…

بائع الكتب في بلاد تحترق!

الخميس ٠٧ يوليو ٢٠١٦

الحديث عن رجل أنيق وشهم ومتعلم، يجيد التحدث باللغة الإنجليزية، ويبيع الكتب في كابول، يبدو غريباً بعض الشيء حينما يتعلق ببلد كأفغانستان، وبمدينة على شفا الانهيار والبؤس كـ(كابول)، حينما شاع اسم وحكم طالبان، والمآسي التي ارتكبها خريجو المدارس الدينية الذين أعادوا أفغانستان قروناً للوراء! الكاتبة النرويجية آسني سييرستاد عاشت مع بائع الكتب هذا في منزله ووسط عائلته الكبيرة عدة أشهر، كانت كفيلة بتأليف كتاب سجلت فيه الأحداث من دون أي ترتيب أو تصنع، كانت تكتب بتلقائية تامة عن نوعية هذه الحياة وتفاصيلها العابرة، لقد اكتسبت كتابتها هذه أهميتها من عاديّتها وتلقائيتها أولاً، ومن كونها رصداً واقعياً وحقيقياً لحياة عائلة متوسطة الحال تعيش ويلات حكم طالبان، بينما يبيع عائلها الكتب التي غالباً ما تتعرض للحرق والتمزيق والمصادرة بشكل دوري من قبل جنود أميين جهلة! تصف آسني سييرستاد حياة سلطان خان وهو يقاد للسجن من قبل جنود أميين جاؤوا لتفتيش مكتبته، وتطبيق القرار الصادر ضده باعتباره يبيع كتباً تحتوى صوراً لكائنات بها روح، وهو ما لا تبيحه طالبان، ناهيك عن الكتب التي تروج للفحشاء والمنكر والأفكار الكافرة! وعلى هذا الأساس مزقت كتب المكتبة واقتيد الرجل لوزارة (الفضيلة) ليتم التحقيق معه، وفي المساء أشعلت نار ضخمة ليتم إلقاء الكتب المضللة فيها، هكذا حكمت طالبان أفغانستان، كان كل ما يعنيهم شكل لباس الرجل ولباس…

إشكالية التخصص الجامعي

الإثنين ٠٤ يوليو ٢٠١٦

دار هذا الحوار بين أب وابنته التي للتو قد تخرجت من الثانوية بمعدل نجاح جيد يؤهلها لاختيار التخصصات المتداولة بين شباب هذه الأيام (إدارة الأعمال والمصارف والمحاسبة وتقنية المعلومات والعلاقات العامة...). الابنة: أريد الالتحاق بكلية... الوالد: لا لن تذهبي لهذه الكلية أريدك أن تلتحقي بكلية (....) فكل البنات يدرسن فيها. الابنة: لكنهم يطلبون معدل (آيلتس) مرتفعاً جداً! الوالد: إذن عليك بتقوية نفسك في اللغة الإنجليزية ثم انضمي للكلية. الابنة: لكنني أريد.... الوالد مقاطعا: انتهى الأمر! سينتهى الأمر عند الوالد وعند الوالدة وكل العائلة ربما، وقد تقبل البنت بما اختاره لها والدها برغم الإشكاليات التي ستواجهها مع نفسها، لذلك فالمشكلة ليست في الطريقة التي انتهى بها هذا الحوار، لكنها في الحوار نفسه، فهذا الجزء المقتطع من حوارات طويلة غالباً ما تثور بعد ظهور نتائج الثانوية، يكشف عن أزمة نضج وأزمة إعداد تربوي، وهذا يعني أن العديد من الطلاب يواجهون أزمة حقيقية في التخطيط لمستقبلهم دون أن نشعر بهم! إن هذه الحوارات تنتهي عادة إما بخضوع أحد الطرفين لإرادة الطرف الآخر، وإما برفض كلا الطرفين لخيارات بعضهما البعض، وإما بمزيد من الخلاف والصراخ والتشنج، وقد ينتهي الحوار لطريق مسدود يقود إلى نهاية ضبابية تؤدي إلى خلخلة حياة الابن أو البنت وتخبط مستقبلهما التعليمي، ثم العملي والوظيفي فيما بعد! من الأساس فإن قرار…

حين قررت دخول تويتر

السبت ٠٢ يوليو ٢٠١٦

تابعت تويتر منذ ظهوره الأول كمنصة تواصل اجتماعي حقيقية، خاصة بعد أن تحول للغة العربية، في تلك السنوات كان معظم المنضمين إليه يشكلون جماعات من المثقفين والمهتمين والمتابعين الذين لديهم بالفعل ما يقولونه، لا يعني ذلك أن لديهم خططاً لتغيير العالم، لكن يعني أنهم أناس جادون بدرجة واضحة، لم تظهر لديهم أية ميول نحو الصراعات أو التكفير والتخوين والوقاحة على الآخرين والجرأة المبالغ فيها. كان التويتريون الأوائل منهم من يكتب الشعر، ومن يكتب في السياسة، ومن يقدم سهرات أدبية مسائية جميلة، وهنا أعترف بأن أول إطلالتي في هذا الفضاء كانت متفائلة جداً عبر تكوين مجموعة قراءة بسيطة لعرض كتاب كل أسبوع، قبل أن يعلو صراخ من هنا، وشتائم من هناك، ويتحول تويتر في معظمه إلى ساحة احتراب وصراعات. لم يكن تويتر أو لم يترك ليكون موقع تواصل اجتماعي فقط، ولا أريد أن أذهب بعيداً لأقول بأنه لم يخترع ليكون كذلك، فهذا تفكير لا أحبذه، لأنه تفكير تدميري وهدام، لكن لنتفق بأن كل مواقع التواصل قد تم اختراقها من قبل أجهزة وجماعات وتنظيمات متباينة الأهداف، وأنه قد تم توظيفها واستغلالها لغايات مختلفة، والسيئ منها أكثر من الفعال والمفيد. الفارق بين الإعلام التقليدي وتويتر هو أن تويتر وأشباهه حمل صفة (الإعلام الاجتماعي) أو إعلام كل مواطن، وأصبح بإمكان كل إنسان على وجه…

الكل يسعى للقبول.. لكن كيف؟

الجمعة ٠١ يوليو ٢٠١٦

في سبيل تعزيز الصورة الاجتماعية يفعل البعض كل ما في وسعه للحصول على ما يسمى بالقبول الاجتماعي، الذي يعني الحصول على ثقة المحيط وتقديره ومنح الشخص درجة ما من درجات الرضا والموافقة على دخوله الدائرة الاجتماعية التي يطمح لدخولها، كأن يحاول البعض التغلغل في وسط طبقة الأغنياء أو نجوم الفن أو الإعلاميين مثلاً. في سبيل ذلك يلجأ هذا الشخص لأساليب غريبة أو مبتكرة أو ملتوية أو لا أخلاقية أحياناً، خاصة إذا كان من أنصار (الغاية تبرر الوسيلة)، فقد يشتري أحدهم بطاقة دعوة أرسلت لفلان ليحضر هو بدلاً عنه، وقد يحضر مناسبة لم يدعَ لها بصحبة فلان مقحماً نفسه بطريقة تثير الاستغراب وترسم علامات التعجب، وقد تأتي إحداهن وقد ارتدت ثياباً غريبة باهظة الثمن فقط للفت الانتباه اعتقاداً منها أنها بذلك ستحظى بالقبول والاحتواء! إن ارتداء ثياب باهظة تعود لأشهر العلامات التجارية، مع كامل ملحقاتها من الحقائب والأحذية والساعات والزينة أصبحت واحدة من مقومات القبول الاجتماعي في أوساط الشباب وجيل اليوم من الفتيات، وكذلك في بعض الأوساط الإعلامية والفنية التي تؤهلها حالتها المظهرية ومبالغاتها التجميلية لكسب أضواء وعدسات الكاميرات وكسب أشياء أخرى تسعى لها، فكل يكسب ما يسعى إليه إذا اجتهد في مسعاه! وبحسب دراسة صدرت عن جامعة ماساشوستس الأميركية قام بها البروفيسور روبرت فيلدمان، فإن 60% من الناس يكذبون في…

إنها أسئلة منتصف العمر

الأربعاء ٢٩ يونيو ٢٠١٦

يقول الكاتب مارك توين «إن العمر هو حالة عقلية بحتة، إذا لم تكترث به، فلا يهم، ولن يهم أبداً»، فهل الأمر كذلك فعلاً؟. إذا كان بإمكان الإنسان أن يتعامل مع عمره بطريقة ذهنية صرفة، دون أن يفزع ذات يوم لمرأى التجاعيد حول عينيه، والبياض الذي غزا شعره، والوهن الذي تسلل إلى عظامه، والملل الذي صار ينتابه من كل شيء، فإذا كان العمر مسألة ذهنية لا علاقة لها بالواقع المادي، كما يقول الكاتب، فكيف يمكن إقناع ملايين الناس بهذه النتيجة المثلى، ليمرروا المعضلة الأزلية، معضلة التقدم في العمر، التي تشكل الهاجس الأول والأهم منذ الأزل، وفي كل زمان ومكان؟. معظم الناس يبدون سعداء ومبتهجين جداً وهم يحتفلون بأعياد ميلادهم في مرحلة الشباب، وتدريجياً، تبدأ الرغبة والبهجة تبهتان، كلما تقدموا في العمر، حتى يأتي اليوم الذي يقول فيه أحدهم لأصدقائه (لن أحتفل بعيد ميلادي مجدداً). لماذا؟، إنه لا يريد الاحتفال بهذه المناسبة، لسبب يبدو واضحاً جداً، وهو أنه لا يريد أن يتذكر عمره الحقيقي، ولا يريد لأحد أن يذكره به، لقد كبر بما فيه الكفاية، وهو يعرف ذلك، وليس سعيداً بهذه النتيجة (الحتمية)، لكنه لا يود لأحد أن يواجهه أو يذكره بها، لذلك تخترع النساء أعماراً غير حقيقية، لتستمر في الاحتفال بأعياد ميلادها! هنا، ربما تبدأ عند الإنسان - الرجال والنساء معاً…

هذا ما كان يحبّه زايد.. فلنتمسّك به

السبت ٢٥ يونيو ٢٠١٦

زايد كما كانت تقول جدتي، رحمه ورحمها الله، »اسم على مسمى، زايد وهو زايد فعلاً« يخرج اسمه حين نذكره مكللاً بالمحبة والوفاء والولاء، رحل زايد عن دنيانا ذات مساء فاجع، فبكى عليه الجميع، كما لم تبك أمة على قائدها، كان رحيلاً حارقاً، مؤلماً، وغير مصدق، حين جاءني خبر وفاته في التاسع عشر من شهر رمضان الموافق للثاني من نوفمبر لعام 2004، أحسست أن أبي توفي مرة أخرى، وبأنني سأدخل في حزن اليتم مجدداً، ومنذ ذلك اليوم لم يتوقف حزني عليه، ولم يذكر إلا ودمع القلب يسبقني للترحم عليه. نذكره اليوم وكل يوم، في قلوبنا كلنا، في الصور المعلقة، نسمع كلماته فكأنه يجلس بيننا، نرى ابتسامته فنتعلق به أكثر، ترن ضحكته فنتيقن أن الإمارات بخير، وفي أيدٍ أمينةٍ هي أيد حكامنا وقادتنا الأمينين على تركة زايد ومشروعه العظيم! ونحن نستلهم العبر والدروس من ذكراه وأمجاده وأفعاله وكلماته في ذكرى وفاته، فإننا لا نستعيد ذكرى عابرة أو عادية، إننا نستعرض حكاية تأسيس وطن وبناء أمة، نستعيد تاريخاً خطّه زايد على جدران كل العالم، حين قال للدنيا، وبأعلى ما لديه من همة وطموح وإيمان، هنا سنبني الإمارات، هنا سنبني وطناً نفاخر به العالم، وسيفخر به العالم، ويسعى إليه عما قريب، وطناً اسمه دولة الإمارات العربية المتحدة، من قلب الصحراء ولد، وللإنسانية والعروبة ينتسب…

الإمارات ليست نفطاً فقط!

الجمعة ٢٤ يونيو ٢٠١٦

الصدفة وحدها جعلت من العاصمة أثينا أول عاصمة أوروبية أسافر إليها عام 1983، هذه المدينة التي كانت مهد الحضارة الغربية ومنبت رأس الفكرة الديمقراطية والفلسفة والفلاسفة وأول عاصمة ثقافية لأوروبا، فيها من الآثار ما يضيق الوقت عن الاطلاع عليه وزيارته، بدءاً بقلعة الأكروبوليس الشهيرة وليس انتهاء بالمتاحف والمعابد وتماثيل الآلهة والفلاسفة والمفكرين، هذه الآثار هي البصمة الانثروبولوجية لأصالة المدن وعراقتها، وهذا سر الاهتمام بها والحفاظ عليها. وفي أثينا أيضاً سمعت للمرة الأولى بمصطلح «قائمة اليونسكو للتراث العالمي»، بعد ذلك شاهدت الكثير من الآثار التي أدرجت في هذه القائمة، عندما زرت مدينة نورنبيرغ الألمانية صيف 2009، وحين وقفت أمام قلعة الملك أحيرام في بعلبك اللبنانية، وعندما عبرت أمام سور اسطنبول وتسمرت قبالة بيت جولييت في فيرونا الإيطالية، ومنطقة القاهرة القديمة، ومعالم البتراء، ومدافن حفيت وأفلاج العين في الإمارات.. الخ، نحن في نهاية الأمر نسكن جغرافيا ممتدة مرت عليها أقوام وشعوب وحضارات، ورثناها عنهم لنكمل طريق الحضارة نحو تحقيق مبدأ عمارة الأرض وبنائها والارتباط بمقومات الحياة فيها وفق مبدأ الجهد والعمل والاتقان. لذلك فإن الذين يحاولون التقليل من الإرث الحضاري والعمق الانثروبولوجي لدولة الإمارات، معتبرين أنها دولة بلا جذور أوجدها النفط لا أكثر، تقدم لهم الاكتشافات والمواقع الأثرية المنتشرة على أرض الدولة الكثير من الدلائل الدامغة على أصالة الدولة وارتباطها بسياق الحضارات…

ما لا تقوله الصورة

الإثنين ٢٠ يونيو ٢٠١٦

عبر بريدي الإلكتروني ترسل لي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ما يشبه النشرة الدورية حول أوضاع اللاجئين، حكايات لا تكتبها الصحافة ولا توثقها الصور، لا لأنها غير عابرة أو لا تستحق التوقف، ولكن لأنها حكايات عميقة كبئر لا تقوى الصورة والخبر الطارئ على الإحاطة بها، إنها تفاصيل كثيفة، مؤلمة، ولا تخطر بالبال، مع أنها أول ما يجب أن يخطر ببالنا، لكننا اعتدنا على التعامل مع المآسي كصورة سريعة وخبر مكون من سطرين، والسطران عادة لا يمكنهما أن يقولا شيئاً ذا قيمة! إن هذا التعامل السطحي أو التعاطفي المؤقت مع أوضاع وكوارث اللاجئين يعود إلى نمطية النقل الإعلامي أولاً، وإلى رغبة الناس في المرور السريع عليها لأنهم لا يريدون التورط عاطفياً معها، هذا ما يمكن أن نسميه التغافل الانتقائي أو التجاهل الاختياري، واقعياً فإن تجاهلك للكارثة لا يلغيها ولا يخفيها ولا يحلها، أنت الذي تختفي من المشهد أو من مكان الحادث أو من منطقة المواجهة، بحثاً عن الشعور بالطمأنينة لا أكثر، وهذا ما يفعله كثيرون حين يختارون ألا يواجهوا مشاكلهم أو أن يهربوا منها، ذلك يمنحهم قناعة (ليس بالإمكان أفضل مما كان) وبأنهم قدموا ما أمكنهم تقديمه، أراحوا ضمائرهم وانصرفوا! في نشرة هذا الأسبوع حكاية العروس الشابة وسام التي لا تذكر الكثير عن الانفجار الذي حملها من فوق منزلها في…

الكتاب المزيفون!

الخميس ١٦ يونيو ٢٠١٦

يبدون مضحكين أولئك الأشخاص، الذين يستأجرون من يكتب لهم! لا تظنوا أنهم ساذجون أو جهلة أو أصحاب شهادات دراسية متدنية، أو أنهم فقراء مثلاً، كثير من هؤلاء الذين يشكلون ظلاً زائفاً للكتاب الحقيقيين ينتمون لطائفة حملة الشهادات العليا، وأصحاب المراكز الوظيفية المرموقة.. كما أن معظمهم من أصحاب الثروات، حتى وإن كانت صغيرة، لكنهم حتماً ليسوا من المحتاجين للمال، السؤال الذي يبحث له العديد من المهتمين عن إجابة هو: لماذا يلجأ شخص ما إلى شراء الكتابة؟ أو تقديم نفسه للمجتمع باعتباره كاتب مقالات لم يكتب منها أو فيها كلمة؟ قبل الإجابة عن السؤال، علينا أن نعترف بأن هذه الظاهرة موجودة في كل مكان، وهي ليست وليدة اليوم، ففي مختلف وجوه الإبداع (والكتابة تحديداً) وجد على الدوام من يكتب للحاجة ومن يبيع كتجارة، ومن يشتري، ويضع توقيعه في النهاية، ليبدو أنه الكاتب الفعلي مقابل القليل من المال. في الروايات مثلاً هناك أشخاص غير الكاتب يعيدون كتابة الرواية بأسلوب أجمل، وهناك من يضع لها حوارات أو نهاية، دون أن يظهروا في الصورة، هذه الحالة يشرعنها بعض الكتاب، وبعض الناشرين باعتبارها ضرورة. انعدام الموهبة الابداعية سبب لتفشي هذه الظاهرة، لكنه ليس الدافع لها، فما يدفع لظاهرة الكاتب المزيف هو البحث عن الوجاهة بالانتساب لفئة المثقفين، والإفادة مما تضفيه صفة الكاتب على صاحبها من احترام…

نعم هناك كتابة ضرورية

الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠١٦

اتصل بي قارئ كريم، صاحب خبرة عميقة في مجال عمله، إضافة إلى أنه يمتلك ذاكرة غنية، وهي ممتدة في الزمان والمكان والأشخاص، كان حديثه لطيفاً فيما يخص التعليق على مقال أمس، فهمت من خلال الحوار معه أن مضمون المقال حرضه باتجاه الاستمرار في الكتابة، وبما أن عنوانه كان «إلى الشباب الذين يريدون أن يكتبوا» فقد سأل بطريقة ظريفة: وماذا عن غير الشباب؟ هذا السؤال فتح أمامي نافذة أخرى فيما يخص الحديث في الكتابة وعن الكتابة، فنحن حين نفعل ما في وسعنا لنقل تجربتنا للشباب - وهذا حقهم على أية حال وخيارهم إن أرادوا الأخذ بها أو أعرضوا عنها - إنما نحاول أن نسلمهم بعض المفاتيح لا أكثر، الكتاب الكبار والعباقرة أمثال باراغاس يوسا وميلان كونديرا وغارسيا ماركيز وغيرهم ممن كتب في هذا الموضوع، كانوا يحاولون الشيء نفسه: تسليم مفاتيح الإبداع للشباب من أصحاب الرغبة والموهبة والرؤى الخلاقة المؤهلة لاستلام تلك المفاتيح ومواصلة الجهد لفتح المزيد من الأبواب! فيما يتعلق بالكتابة كموضوع، فإن هناك الكثير مما يمكن قوله، أما فيما يخص الأولويات والاهتمامات فهناك الكثير أيضاً، قلت في البداية إن القارئ الكريم يتمتع بذاكرة ممتدة وغنية بالتفاصيل والأحداث والتطورات، كما أنها ذاكرة تفصيلية دقيقة، فهو إذ يقص عليك أول رحلة قام بها إلى شيراز مثلاً، لا يكتفي بذكر الحدث وأسباب السفر…

من يعرف سر الكتابة؟

الإثنين ١٣ يونيو ٢٠١٦

حتى بعد هذا العمر من الكتابة والكتب، والقراء وآلاف المقالات، لا يزال هناك من يسأل: كيف تكتبون كل يوم؟ سؤال يبدو مغرياً وفاتحاً لشهية الكلام، وكثيرون ممن يطرحونه يريدون أن يعرفوا فعلاً من أين تأتي الكتابة أو كيف تتخلق الكتابة في عقل الكاتب، تماماً مثلما انتابنا ذلك الفضول المبهم حول وجودنا ونحن صغار، من أين أتينا وكيف جاء إخوتنا الصغار؟ إنه الفضول الملازم والقلق حول فكرة الخلق، وتمثل الفكرة في أشكالها العبقرية كالقصيدة واللوحة وكالرواية والقصة والمقال والكتابة الإبداعية بالمطلق! حين سئل عبقري الرواية اللاتينية غارسيا ماركيز: كيف تكتب الرواية؟ كتب كثيراً وطويلاً وأخرج كتاباً عنونه بـ(كيف تُكتب الرواية؟) لكنه لم يقل فيه شيئاً عن الطريقة الفضلى أو المثلى لكتابة رواية عبقرية كـ«الحب في زمن الكوليرا»، لقد تحدث عن الظروف التي قادته لكتابة هذه الرواية، وهي ظروف وأسباب وإن بدت عادية لنا أو بسيطة، إلا أنها لم تكن كذلك بالنسبة لرجل كانت مهمته في هذه الحياة كتابة الروايات، فقد جاء وعاش ليروي كما قال في آخر كتاب له قبل سقوطه في فوهة الزهايمر. لا يمكن لكاتب أن يشرح لأحد كيف يكتب، كيف تتخلق الرواية سطراً سطراً ومشهداً مشهداً، كيف يحرك أبطال عمله، لماذا سمّاهم بتلك الأسماء تحديداً، من أين خرجوا؟ من ذاكرته، من تلافيف الحي الذي يسكنه، من حكايات الجدات…