عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

المتطرفون كيف نقاومهم؟

الخميس ١٢ مايو ٢٠١٦

من السهل على الناس وعلى المجتمعات في لحظات الشحن العاطفي والتوتر أن تقع في شر التطرف، باعتبار أن الناس يظنون أن المبالغة نوع من تأكيد الإيمان بالفكرة، فيصرخون ويتصايحون ويحملون السلاح - أياً كان نوع السلاح - هم يعتقدون أن ذلك دليل أكيد على صدق إيمانهم، المصيبة أن المبالغة أو المغالاة لا تُعبّر بالضرورة عن صدق الإيمان، لكنها تدلل حتماً على استعداد صاحبها للانسياق وراء عاطفته ومبالغاته للوقوع في المحظور، والمحظور المقصود هنا هو التطرف والمجاهرة بإرهاب الآخرين وتهديد أمنهم تحت ذريعة الدفاع عما نحبه ونقدسه! ليس هناك من بلاء أشد على المجتمعات من التطرف، وهذا ما نراه ونعايشه اليوم، الملاحظ دائماً أن التطرف كالخلية السرطانية ينتشر بسرعة وينقسم إلى ما هو أخطر على جسد المجتمعات والدول، لاحظوا كيف بدأ التطرف بما يعرف بتنظيم (القاعدة) بعد حرب أفغانستان بكل ما صاحبها من مبالغات وأكاذيب لا حدود لها، واليوم أين وصل العالم؟ كم نوعاً من التطرف نعاني؟ تطرف على أساس العرق، والدين والمذهب والانتماء الطائفي، تطرف سياسي وديني وفكري والحبل على الجرار، يعني لايزال في جيب التطرف ما يخرجه للعالم ما لم يقف هذا العالم كجسد واحد ضده! كيف نستطيع الوقوف في وجه التطرف؟ ابتداء هل من الممكن أن ننجح في مقاومته أو الوقوف في وجهه؟ نعم، لكن قبل أن يتحول…

أنسنة الإعلام لمواجهة حيونة الإرهاب

الأربعاء ١١ مايو ٢٠١٦

تبدو بعض القضايا أكثر تعقيداً مما نتصور، بحيث لا يمكن تمريرها بقليل من التشاؤم وكثير من التفاؤل والأمل، خصوصاً حين تكون هذه القضايا متمددة في الجغرافيا ومتشابكة في بنية العلاقات والمصالح، كقضية الإرهاب والتطرف مثلاً، وعلاقة ذلك بالإعلام، فحين نضع الإذاعة والصحيفة والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت في وجه الجماعات المتطرفة، ونقول إننا نريد ونطمح ونتمنى أن نواجه شراسة وقوة الإرهاب بالإعلام كقوة ناعمة ذات تأثير حاسم، ماذا نكون قد فعلنا في هذه الحالة؟ أعتقد أننا نكون كمن وضع الحصان أمام العربة ليس أكثر، بمعنى أن الإعلام لن يفعل شيئاً مؤثراً، بينما سيتمادى الإرهاب في شراسته أكثر! طرح منتدى الإعلام العربي في جلسته الرئيسة، صباح أمس، إشكالية في منتهى الخطورة يعاني منها الجميع (الإنسانية في مواجهة الإرهاب)، كيف يمكننا أنسنة الإعلام؟ كيف يمكن أن نواجه بالإعلام أو عن طريق الإعلام، تحديات التطرف والإرهاب بكل ما يفرزانه من سلوكيات مدمرة، هل يبدو ذلك ممكناً؟ بعد أن تمكن الإرهاب من أن يفرض حالة من النفوذ والاهتمام الكبير في وسائل الإعلام بكل ما ينتجه من خطاب وفعل تدميري، لقد أصبحت وسائل الإعلام العربية والعالمية لفترة من الزمن، واحدة من أدوات ترويج سيكولوجية الخوف والرعب التي لطالما أراد المتطرفون فرضها على الجميع! صحيح أن هناك خبراً يجب تغطيته مباشرة، لكنّ هناك أموراً أخرى…

أسرتنا متماسكة

الإثنين ٠٩ مايو ٢٠١٦

الحملة الوطنية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، صباح أمس، تحت شعار «أسرتنا متماسكة»، تصب في صلب الاستراتيجية الوطنية التي أُعلنت سابقاً، والتي تهدف إلى جعل الإمارات دولة متقدمة ومنافسة على مستوى التقنيات والخدمات الحكومية وجودة الحياة، هذه الحملة تكمل ذلك التوجه. فنحن لا يمكننا أن نوفر كل تلك الخدمات، ونسعى لوضع قاعدة لصناعة منافسة، ثم نفكر في غزو الفضاء، ونبني الصحاري، ونقيم أفضل المطارات، ونمتلك أهم شركات الطيران والموانئ وغير ذلك، دون أن نكون قد أسسنا وانتبهنا واعتنينا بالركيزة الأولى للمجتمع: الأسرة بجميع أفرادها. إن كل هذا الذي نسعى لتوفيره وتقويته ودعمه لن يكون له أي قيمة ما لم تستفد منه وتقوِّه وتحافظ عليه وتطوره أسر إماراتية قوية متماسكة. لهذا، فإن الحملة التي أطلقها مجلس الوزراء، من أجل تثقيف وتوعية الجميع بأهمية التلاحم الأسري، تأكيد قوي لدور الأسرة في الحفاظ على الهوية والعادات والتقاليد والوجود الكامل للمجتمع في كل تفاصيله ومظاهره. إن الآليات والتوجيهات والتوجهات المختلفة التي ستعمل على تحقيق التماسك لا شك تتغير وتتطور مع الزمن وتبدل الأحوال وعاصفة التحولات التي تعبرها المنطقة ويعبرها العالم، هذه التحولات والتأثيرات تصيب أول ما تصيب الأسرة في علاقاتها وفي تكوينها وأخلاقيات أبنائها، الأسرة هي المحطة الأولى التي إذا تم ضربها توقفت كل خطوط الحياة السليمة في المجتمع، وإذا تم…

قضايا شائكة

السبت ٠٧ مايو ٢٠١٦

علينا أن نعترف بوجود درجة عالية من الاختلافات في وجهات النظر وفي المواقف بين الناس، يبدو الأمر طبيعياً لأن البشر مختلفون أولاً، ولأن الزاوية التي تنظر منها أنت للأمر تختلف عن زاوية الآخرين، لكن يبقى هناك جذر أو مكان يتفقون حوله بالتأكيد، وإن لم يحدث ففي الأمر متسع كبير لقبول الاختلافات والتناقضات اعترافاً بأن البشر خلقهم الله مختلفين وسيبقون مختلفين. إن الناس حين يختلفون فهم يقرون بقاعدة كونية تأسس عليها خلق الإنسان منذ الأزل، لكن علينا أن نعترف أن الاختلافات لا تكون حول الكليات المتعارف والمتفق عليها عادة، ولكن حول الإجراءات والتفاصيل، فنحن لا نختلف حول ضرورة العدالة ودورها أو حول القيم والقانون وأهميتهما.. إلخ، ربما نختلف حول الأساليب والطرق، لكننا لا نختلف حول القيمة العليا للقانون أو الأخلاق. في النشر والثقافة هناك الكثير من القضايا الشائكة والملتبسة في بلداننا العربية، كالموقف من نشر وتداول الأدب الإباحي مثلاً، أو تداول كل ما يتعلق بعرض الأفلام واللوحات والصور اللاأخلاقية؟ فمن الذي يحدد أو يقرر فيما إذا كان ذلك مسموحاً أو غير مسموح؟ أخلاقياً أو غير أخلاقي؟ في المجتمعات العربية يكون الدين مرجعاً، وكذلك القوانين وأخلاقيات المجتمع والقيم المتبعة والأعراف المتداولة والذوق العام والذائقة الأخلاقية للمجموع، لأن المجتمعات منذ تدرجت في تطورها بنت لنفسها أنساقاً اجتماعية وسياسية واقتصادية، كما أحاطت نفسها بمعايير…

حب مدفوع الثمن

السبت ٣٠ أبريل ٢٠١٦

إذا كنت تعتقد أن الحب عالم من الورود والأحلام والشعر، فاعلم أنك لست مخطئاً لكنك بحاجة لأن تراجع قناعاتك جيداً، فللحب وجه آخر، وجه قد يكون على النقيض تماماً، هذا الوجه الذي لا يريد الكثيرون الاعتراف به، أو التعرف عليه ولو من باب الاحتياط والحذر على الأقل، وهو الوجه الذي يفاجئ أو يتفاجأ منه بعضنا حين يسمع قصة نصب واحتيال وغدر واستغلال تحت مظلة الحب وكأنه لم يكن يتوقعها فيظل غارقاً في تساؤل عبثي: أين الخلل في القصة؟ هل هي في الحب أم في العشاق؟ متناسين دورة الطبيعة الخالدة وأنه لا شيء في هذه الحياة مكتملاً إلى الأبد أو كاملاً بذاته إلا الله، فحتى القمر إذا بلغ تمامه واكتمل وصار رمزاً للبهاء والكمال سرعان ما يتناقص في اليوم التالي من الشهر! لا علاقة للحب كمفهوم أو كمعنى مجرد بتجربة الناس وما يخرجون به من استنتاجات، فالحب عاطفة أولاً ونمط حياة وسلوكيات متداخلة بين شخصين أو أكثر بحاجة إلى ذكاء، وفطنة وعقل وتجربة، الأمر لا علاقة له بتفاؤل وتشاؤم من يكتبون عن الحب وينسجون حوله الحكايات، ليس هؤلاء من يقول إن للحب وجهاً جميلاً ووردياً وشاعرياً أو وجهاً أسود، إنها قصص الحياة العملية والواقعية التي نعيشها ويعيشها أصدقاؤنا وكل من يحيط بنا، الحياة مليئة بالخير بنفس المقدار الذي تمتلئ به بالشر،…

ابن رشد في أبوظبي

الخميس ٢٨ أبريل ٢٠١٦

في كل عام يعتمد معرض أبوظبي للكتاب رمزاً معروفاً يكون شخصية المعرض المحورية التي تدور فعاليات ثقافية كبيرة ومهمة باسمه، العام الماضي احتفى المعرض برمز كبير بالنسبة إلينا كإماراتيين، وكذلك بالنسبة إلى العرب، كان شخصية المعرض أو ثيمته الرئيسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعلى هذا الوزن الكبير تكون ثيمات المعرض، هذا العام اختار المعرض الفيلسوف العربي الشهير ابن رشد، ليكون شخصيته الرئيسة، وخيراً فعل. أن نحتفي بابن رشد كشخصية محورية لمعرض كتاب دولي هذا يعني الكثير، وأول ما يعنيه أننا كعرب نستعيد وعينا بحضارتنا وبفواصل ومحطات ليست بسيطة ولم تمر مرور الكرام، كتلك اللحظة التاريخية التي تم فيها التنكر لفكر ابن رشد تماماً، وقيل إنهم حرقوا كتبه لمنع انتشار الفكر الذي وصفوه بالهرطقة ومعاداة الدين، تلك اللحظة الفارقة رسمت خطاً بيانياً هابطاً في مسيرة إنتاج وصناعة الحضارة، هكذا اختار أهل ذلك الزمان أو القائمون عليه أن يقتلوا أفكار ابن رشد، متناسين أو غافلين عن حقيقة كبرى، هي أن الأفكار لا تموت، إنها كبذرة حية رطبة سرعان ما تخضر وتنمو في أية أرض خصبة تقع فيها، وقد طارت أفكار ابن رشد وأينعت في أراضٍ وعقول كثيرة، حتى وصلت إلينا في منتهى مجدها وألقها! ليس غريباً أن نحتفي بالفكر والعلم والفلاسفة، المفارقة أن نحتفي برجل…

الذين أصابتهم حرفة الأدب!

الأحد ٢٤ أبريل ٢٠١٦

إن إصرار الإنسان على امتهان حرفة ذات طبيعة مختلفة دليل على رغبته الأصيلة والمؤكدة في بلوغ هدف أو غاية من غايات الدنيا كالمال والشهرة ومصاحبة ذوي الجاه والسلطان، إلا حرفة الأدب، فهذه تسرق العمر والراحة والمتع الصغيرة منها والكبيرة، خاصة إذا استبد الأدب واستحوذت الكتابة على صاحبها، لذلك نرى معظم أهل الأدب الحقيقيين من بسطاء الناس وربما من فقرائهم أيضاً، ومن هنا كان يقال: فلان أدركته حرفة الأدب، وفلان هذا هو الأديب والشاعر، ويمكن أن ينضم إليهما الروائي والكاتب الصحفي الذي قد تدركه حرفة الأدب أيضاً!وأدركته حرفة الأدب أي: تسلطت عليه واستعبدته فصار يخدمها أكثر مما يخدم نفسه وحياته دون أن يتمكن من الفكاك منها، فهي حرفة لا يتقاعد صاحبها ولا يستقيل ولا يعتزل، وهنا نتحدث عن الأدباء من أصحاب المواقف والرؤى والأفكار الكبيرة!إن الأدباء الذين يمنحون الأدب كل وقتهم وجل اهتمامهم هم أولئك الذين يبرعون في حرفتهم، فيعكفون على تطويرها وتحسينها بالقراءة والبحث والتأمل والاستماع والسعي لطلب الاستزادة من المتقدمين والرواد، دون أن يتوقفوا عن بذل المزيد من الجهد والعمل، مع إدراكهم الكامل أنهم اختاروا المهنة الأصعب والأشرس! نعم الأشرس كما وصفها الأديب العالمي «ماريو برغاس يوسا»، عندما كتب في واحدة من رسائله إلى روائي شاب يقول له: «إن الأدب حين يتحكم في صاحبه يصير كتلك الدودة اللعينة التي…

من ذاكرة فريج «عيال بن ناصر»!

السبت ٢٣ أبريل ٢٠١٦

ستبقى مجتمعاتنا ممتدة ونابضة بالحياة طالما بقيت تحتفظ بذاكرتها طازجة وبعيدة عن العطب، ذاكرة المجتمع هي الذاكرة الجمعية لكل الأفراد، لعاداتهم المتقاطعة، لسلوكياتهم العامة لموسيقاهم وأغنياتهم العلنية، لألعابهم وطقوس أفراحهم وأحزانهم وأشكال ثيابهم ولهجتهم وكل ما يشكل الذاكرة الجماعية التي تحرص الأمم على التقاطها وحفظها حيثما وجدت. الذاكرة المعطوبة بداية الطريق نحو التلاشي، فعندما تظهر علامات الخرف على الإنسان ويبدأ في فقدان بعض الخيوط تبدأ مروياته ولائحة الأحداث والأسماء لديه بالتفكك والضعف، عندها يضع جميع من حوله أيديهم على قلوبهم انتظاراً لرحيله، ففقدان الذاكرة واحدة من علامات النهاية المؤكدة، وحتى لو لم يمت، فإن إصابته ببياض الذاكرة، أو بالذهن الخالي من أي تدوين وكأن صاحبه لم يرتكب فعل الحياة معناه أن هذا الشخص أو المجتمع لم يعد موجوداً بالفعل! الأفراد كالمجتمعات تماماً فطالما بقينا متنبهين لتسجيل ذاكرتنا الخاصة، ذاكرة آبائنا وأمهاتنا، ذاكرة أحيائنا وعلاقاتنا في تلك الأحياء، أشكال بيوتنا، أسماء العائلات والأسر التي سكنَّا بجوارهم أو جاورونا لبعض الوقت، الحرف التي وجدنا أهلنا يمارسونها، الرجال الذين لعبوا أدواراً مميزة في حياة تلك الأحياء، المسجد الأول والمدرسة الأولى والمشفى الأول، أول من اشترى سيارة وبنى مسجداً وو.. هذه ذاكرتنا الخاصة، ولكل منا ذاكرته الثرية الغنية التي لا تشبه غيرها لكنها يمكن أن تتقاطع مع غيرها، لأننا جميعاً ننتمي للجذر نفسه! لقد…

تفاصيل يومية

الخميس ٢١ أبريل ٢٠١٦

نصحو كل صباح مذكرين أنفسنا بوعد قطعناه ليلة البارحة قبل أن نسلم أرواحنا وأجسادنا لقبضة النوم والأحلام: أن نكون مستبشرين وأكثر تفاؤلاً في اليوم التالي، كتلاميذ صغار نتلو طقوس التوبة أمام نظرات المعلمة وسطوة الوالدين بأن لا نكرر حماقاتنا المعتادة، من ثم نرتدي ثيابنا وأقنعتنا، نتلو دعاء الخروج ونغادر، في الطريق للعمل نفتش عن إذاعة ما بحثاً عن الأخبار والأغنيات وبرامج الطاقة الإيجابية، لماذا؟ هل ستزيدنا الأخبار تفاؤلاً؟ والأغنيات الساذجة؛ لماذا نصر على سماعها ثم نشتم من يغنيها؟ وبرامج الطاقة الإيجابية لا أدري لماذا تذكرني بكتب تعلم الإيطالية بدون معلم في عشرة أيام!! نكمل الطريق بينما لا يكف رأسنا عن إنتاج أفكاره وحواراته، وفي المساء نتناول عشاءً دسماً في وقت متأخر، بالرغم من أننا اجتهدنا أن نبدو مقنعين ونحن نحدث أصدقاءنا خلال النهار عن مضار العشاء المتأخر على الصحة، نحن ننسى كعادتنا.. ذلك أمر يحدث كل يوم! وكعادتنا التي ننساها كل يوم نعد أنفسنا أن نبدأ نظاماً غذائياً مطلع الأسبوع القادم، ونباشر المشي في ممشى الحديقة القريبة، بعد أن جربنا الانضمام لصالات الرياضة ولم نلتزم بها سوى عشرة أيام لكسلنا المزمن لا أكثر! وكعادتنا مساء نقلب محطات التلفزيون، نبحث عن أفلام رومانسية تتحدث عن العائلة والعشاق والأصدقاء، أفلام ناعمة ولطيفة، لا شيء من ذلك؛ معظم الأفلام المعروضة يتفنن مخرجوها في…

كيف سيطر علينا هذا الهوس؟

الإثنين ١٨ أبريل ٢٠١٦

ما الذي يجعل الناس في أي مجتمع صورة طبق الأصل عن بعضهم بعضاً؟ لا تقولوا هذه الظاهرة غير موجودة، أو إنكم لا تلاحظونها، فكل ما ومن حولنا يؤكد أن معظمنا يعمل ما في وسعه ليشبه الآخرين أو يقلدهم أو يسعى ليمتلك ما يملكون، وهو أمر يبدو غريباً جداً، لكن الأغرب حين يتجاوز الموضوع الثياب والسيارات وأشكال المنازل والأثاث إلى الملامح والتفاصيل الجسدية، فالكل يمتلك الأنف نفسه والحواجب والشفاه والرشاقة و...، إن أطباء التجميل وعمليات التجميل لم تتحول إلى هوس إلا لأن هناك مجتمعاً صارت أكبر مشاكله أن يسعى كل شخص ليكون مثل الآخرين.. المشكلة في هذا الهوس! الجمال ليس عيباً، والبحث عنه والسعي إليه ليس مشكلة على الإطلاق، المشكلة حين تبحث عن هذا الجمال لتكون مثل غيرك، لتشبهه حتى وإن لم يناسبك هذا الشكل الذي سعيت له، لماذا علينا أن نكون كنجمات ونجوم السينما، نحن أناس عاديون، لن نظهر في أفلام ولن نقف أمام الأضواء والكاميرات، لن نلعب أدوار الأميرات ولا الفتيان الذين يشكلون هوساً للفتيات، هؤلاء يعتاشون بتغيير أشكالهم وبعمليات التجميل، لا يعيشون حياة طبيعية كما نعيش، ولا حياة عادية كذلك، إنهم تحت الضغط ومطالب الأضواء دائماً، لذلك يقعون فريسة الاكتئاب والإدمان والأمراض والعلاقات غير المستقرة، لماذا علينا أن نسعى لهذا الخراب النفسي، بينما نحن نتمتع حقيقة بما لا…

سيكولوجية الجماهير!

الأحد ١٧ أبريل ٢٠١٦

«حشد العقلاء أمر معقد للغاية، أما حشد القطيع فلا يحتاج سوى راعٍ وكلب»، هذه العبارة منسوبة إلى وليم شكسبير، والمعنى نراه ونعيشه بشكل يومي وفي كل مكان، بدءاً بالسياسة وانتهاء بلعبة كرة القدم، القطيع يستنفر ويتجمع في لمح البصر، لأنه يتحرك بمثيرات الشهوة والغريزة، فعلى رائحة الدم تتجمع قطعان الذئاب مثلاً وأسراب النسور والعقبان وكل الحيوانات المتوحشة، وبمنطق ذهنية الجماعة التي تجرح سريعاً حين يخص الأمر وجودها وحقوقها أو نرجسيتها القومية، يندفع الناس للدخول في المظاهرات ومعارك الشوارع، لكن لن يكون هناك شخص عاقل أبداً، فالعقلاء ينفرون من كل ما يلغي الإرادة ويقود للغوغائية! لا يتحرك العقلاء بـ«سيكولوجية الجماهير»، كما يطلق عليها جوستاف لوبون في كتابه المعروف بالاسم نفسه، لأنهم في أكثر الظروف التباساً يظلون محتفظين بشخصياتهم الواعية، بحيث يصعب تزييف وعيهم أو توجيههم، بينما في حالة الجمهور تتلاشى الشخصية الواعية للفرد، وتصبح شخصيته اللاواعية في حالة من الهياج، ويخضع الجميع لقوة التحريض وتصيبهم عدوى انفلات العواطف، بحيث تلغى شخصية الفرد المستقل، ويصبح عبارة عن إنسان آلي يتحرك بقوة الهستيريا الجماعية كما يقول «لوبون». يعي العقلاء أنه حين تضج الجماهير بشكل مفاجئ وتبدأ في إصدار أحكام غير مدروسة وغير متزنة أو عشوائية نتيجة حدث ما (كما هي الحال مع قضية الجزيرتين المصريتين هذه الأيام)، فالخطاب المسيطر خطاب عاطفي بامتياز وذاهب…

المدن.. حكايات من حب وحذر

الخميس ١٤ أبريل ٢٠١٦

كثيرون كتبوا حول زياراتهم لمدن وبلاد مروا بها، وعواصم عشقوها وخطفت قلوبهم منذ الزيارة الأولى. وهناك ما يختلف من شخص إلى آخر، ويحلو لي أن أشاكس صديقتي التي تعشق باريس إلى درجة لا تصدق. أعرف أن هؤلاء الفرانكفونيين ينظرون إلى باريس باعتبارها مركز العالم، وإلى برج إيفل باعتباره الأيقونة التي لن تتكرر، حتى إن صديقتي تحرص في كل مرة تزور فيها باريس على السكن في الفندق نفسه، لسبب وحيد هو أن نوافذه الواسعة تطل مباشرة على البرج العتيد، ما يفتح الخيال والعين واسعين لتلقي ومضات أنواره التي ليست سوى شيء بسيط من أنوار باريس، مدينة النور والثقافة والمثقفين. في كل مرة نتحدث فيها عن باريس أذكرها بأنني لم أحب باريس حين زرتها ذات صيف لاهب، ولم أتمنّ تكرار زيارتها يوماً، باريس رائعة بلا شك كما يصفونها وأكثر، لكن للناس فيما يعشقون ولا يعشقون مذاهب! هناك حالة جديدة في العلاقة بالمدن، اكتشفتها أثناء زيارتي الخاطفة للعاصمة الأذرية ( باكو). إنها حالة العلاقة الحذرة بعض الشيء، ربما بسبب الاقتراب من ثقافة جديدة تماماً، لذا أجدني أسير في أزقتها دون أن ألامس جلدها، أمر بالمغنين الذين يعزفون على جيتاراتهم، ويغنون بحماس ظاهر فلا تتسرب الموسيقى إلى داخلي. أتناول الطعام فأتذكر طعاماً آخر، أسكن أفضل فنادقهم فتبدأ المقارنات! لم أشتر تلك التذكارات التي اعتدت…