السبت ١٩ أكتوبر ٢٠١٣
كنت أريد الكتابة عن الـ 700 ألف سعودي الذين قصدوا البحرين ودبي لقضاء عطلة عيد الحج، أو عن الـ3 ملايين سعودي الذين أصبحوا مواطنين رقميين، وهم أناس أصبحوا في معترض ما يضخه العالم من تقنيات وأخبار، وعالم يصبح صغيراً بين يديك، لكنني كالعادة أصبحت أيضاً تحت سيطرة هذه التقنية التي صارت تدور أخبارها وتستفزنا، فلا ننجو من الدوران معها في الدائرة نفسها، تستفزني استفزك نستفز العالم، وقد وصلتني طرفة «واتساب» تقول إن كلمات دخلت التاريخ هي: «من أنتم؟ فهمتكم. لا تستفزني»، أما قصة هذه الكلمة «لا تستفزني»، فقد قيلت بلهجة أهل القصيم المحببة بحذف الياء من آخرها «لا تستفزن» في حادثة وقعت لسيدة في متجر، وقام أحد المواطنين بتسجيلها من خلال كاميرا هاتفه، ووضعها على «يوتيوب»، ثم نشرها في «تويتر»، ثم تلقفتها البرامج الإخبارية على التلفزيون. السيدة ظهرت في التصوير وهي تتجادل مع رجل «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، ويقف بجواره جندي خصص لمرافقته كي يلتزم الناس بإرشاداته الدينية ويذعنون له، لكن كل هذا لم ينجح مع السيدة التي صاحت في وجه رجل الهيئة «لا تستفزني»! السيدة كانت تلبس عباءة سوداء تغطي جسدها من كتفها وحتى أخمص قدميها، وتشدّ على وجهها لثاماً أسود فلا يظهر منها سوى عينيها، وهي كما ظهر في التسجيل تتبضع من محل تجاري ثياب العيد…
الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠١٣
خرج رئيس الهيئات والأمر بالمعروف في برنامج «الثامنة» غاضباً إثر مقتل شابين سعوديين نتيجة مطاردتهما من سيارة رجال الهيئة في أحد شوارع الرياض. الرئيس لم يكن غاضباً لمقتل الشابين، بل بسبب مهاجمة جهازه من وسائل الإعلام وانتقاد الرأي العام الهادر ضده عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الرئيس لم يشعر في مداخلة تلفزيونية مفتوحة أنه مضطر طالما امتلك هذه الفرصة أن يقدم للرأي العام توضيحاً لملابسات ما حدث، ولم يُجب عن سبب المطاردة ولا إن كان رجاله قدموا بلاغاً بشبهة ضد الشابين قبل المطاردة، المهم عنده «لماذا تهاجموننا وتنكرون جهودنا في إنكار المنكر»، ناسياً أن من أكبر المنكرات بل المحرمات قتل النفس التي حرم الله، وإن كان قد قال في زيارة لأهل القتيلين: «إننا نرفض هذا التجاوز»، إذاً لما يزعل حين يرفضه الناس؟ رئيس الهيئات تباهى بإنجازات الهيئة وعلى رأسها - بحسب قوله - مطاردة السحرة وتجارة البشر. سحرة، وتجارة بشر، أين نحن في أدغال أفريقيا يا معالي الرئيس؟ حسناً ومن أي صنف كان الشابان المقتولان، ساحرين خرجا من فيلم «هاري بوتر»؟ أم تاجرَي بشر؟ أم تاجرَي مخدرات؟ قال الرئيس مدافعاً إن جهازه «مثل أي جهاز حكومي يرتكب أخطاء»، طيب طالما هو جهاز حكومي فَلِمَ يغضبه أن ينتقد الإعلام والناس خطأ قتل شابين من دون ذنب؟ وهل يرضيه أن يصدر أحد شيوخ…
الإثنين ٠٩ سبتمبر ٢٠١٣
كان شاباً على ما يبدو من صوته الذي ينطلق من الإذاعة، لكن الرسائل التي يقرأها وتحمل أسئلة موجهة إليه تبدأ بمخاطبته بـ «يا شيخ»؟ هو أيضاً يجيب عنها أيضاً بطريقة عصرية شبابية مختصرة. المحطة خليجية ولهجة الشيخ خليجية وكذلك نوع الأسئلة. السؤال الأول كان عن حكم فقهي حول المقارنة بين إثم شرب الدخان وحلق اللحية. أما السؤال الثاني، الذي لم يكن بينه وبين السؤال الأول أي فاصل أو تمهيد، فقد كان: «يا شيخ، حلمت أني أرى وجه زوجتي في الحلم جميلاً لكن فيه شقاً، فماذا يكون هذا الحلم»؟ فيرد الشيخ بمهارة تشبه مهارة لاعب الكرة الشهير ميسي في تسديد الأهداف: «هل طلبت منك زوجتك أخيراً أن تجري عملية تجميل»؟ ولا يجب أن ننتظر حتى نعرف من الزوج إن كان هذا صحيحاً أم لا، لأن الشيخ بدا واثقاً من تفسير الحلم. أما السؤال الثالث فقد كان من زوجة تسأل: «هل كثرة اللوم يطرد المحبة من قلب الزوج يا شيخ»؟ ثم جاء السؤال الرابع الذي قرأه الشيخ من رسالة: «يا شيخ، أنا اتفقت أنا وزوجتي أن أخرج مع أصدقائي مرة واحدة في الأسبوع، لكني أشعر مع هذا بأنها غير راضية، فما العمل»؟ هذا السؤال بالذات أغاظ الشيخ فقال له بلهجته الخليجية: «أنت من صجك»؟ أي، هل أنت صادق؟ يبدو أن الشيخ كان…
الجمعة ٢٦ يوليو ٢٠١٣
ما إن انفلتت «تغريدة» سعودية في فضاء «تويتر» تشتكي الحال بشعار اسمه «الراتب وحده لم يعد يكفي»، حتى تجاوبت معها آلاف التغريدات والمتابعات. الشكوى المستمرة من مواطنين ومواطنات بأن رواتبهم لا تكفي هي شكوى يختلط فيها سوء التقدير مع تضخم اقتصادي مفرط. تختلط فيه شكوى سيدة بأنها لم تستطع أن تدفع راتب عاملة منزلية، وشكوى رجل من أقساط سيارة جديدة بجانب رواتب تقل عن ٥٠٠ دولار. ومن يسمعنا نخلط بين شكوى الفقر وسوء التقدير يعجب، هل نحن مجتمع خليجي مرفّه؟ أم أننا نعيش بنية مختلة تجعل العاملة المنزلية ضرورة والسيارة ضرورة وكذلك الوجبات الدسمة وسكنى الفلل ضرورة؟ أم أننا نحاكي الآخرين فقط؟ صحيح أن لنا شكاوى اقتصادية لا شبيه لها، مثل شكوى عدم تمكننا من دفع راتب سائق، لأن النساء لا يستطعن الذهاب إلى أعمالهن ومدارسهن من دون سائق، لأنهن لا يجدن نقلاً عاماً، ولا يستطعن إيصال أنفسهن بقيادة سيارة أو الركوب مع نساء أخريات، لكن هذا النوع من الشكاوى المعقدة لا يعني أن التضخم اقتصادي لن يهدد بتوسّع الفقر ودخول شرائح جديدة في عداد الفقراء. فالوزارات والمؤسسات الحكومية لا تزال في حاجة إلى عاملين، لكنها صارت تتعاون مع شركات من خارج المؤسسة في توظيفهم من أجل خفض الكلفة، فتقوم هذه الشركات بتأمين موظفين سعوديين برواتب متدنية من دون بدلات…
الثلاثاء ٢٣ يوليو ٢٠١٣
تصوّر أننا صرنا بصدد حقيقة «ارفع رأسك» هذه المرة، لكن ليس رأساً من باب الفخر بل من باب الواقع، فرؤوسنا كلها صارت مطأطأةً ذليلةً خانعةً، لكن أمام شاشة جهاز يتحكم فيك، ويسيطر عليك، كما يسيطر عقار كيماوي يمنحك في البداية متعة، لكنه مع الوقت، يوقعك في سيكولوجية الإدمان والتعود، وتصبح عاجزاً عن الفكاك منه أو العيش من دونه، ولو أن كاميرا تصوّر لقطةً علويةً لجموع الطلبة والطالبات، والشبان والشابات، والسادة والسيدات في الأسواق والمقاهي والبيوت، لوجدت رؤوساً تدفن نفسها في أجهزة صغيرة بيدها، أو تمسك الجهاز بيديها وتدق أزراره متباهية بأنها صارت تسرع أكثر من الآخرين، صار مشاهداً عادياً أن ترى فتاة تمشي وعينيها على الشاشة، تتحسس قدمها الطريق أو تدبُّ كما يدبُّ الأعمى على مقدمة سلم كهربائي، لا ترى ولا تدرك من يمرّ بقربها. جلستُ ذات مرة في مقهى، والشمس تكاد تغربُ، فجلستْ بجانبي سيدةٌ، وضع النادل قهوتها، بردت، وغابت الشمس، ومرّ النسيم، وهي لا تزال تدق على جهازها، وتخاطب آخر بعيداً، إنها غيبوبة جديدة، واحدة من الغيبوبات التي يسهل علينا الانزلاق فيها، فأسهل ما على الإنسان هو الانزلاق الذي لا يكلف شيئاً، بينما المقاومة تكلف الكثير، ولدينا مثلٌ يقول: «الموت مع الجماعة رحمة»، وبدلاً من أن تكون منعزلاً ووحيداً وشاذاً، فالأهون أن تكون اهتماماتك مثل كل الناس، وأن…
الثلاثاء ١٦ يوليو ٢٠١٣
ما إن دخل شهر رمضان الكريم حتى تسابقت بعض الدول التي تستضيف المسلمين كأقلية في التعبير عن مظاهر احترامها لهذه المناسبة الإسلامية وتهنئتهم، وفي بريطانيا أطلقت إحدى قنوات التلفزيون الحكومي الأذان، وأعلنت أنها ستلتزم بهذا الطقس طوال شهر رمضان. أما في كندا، فقد خفضت بعض المتاجر أسعارها إلى النصف، وكتبت فوق صناديق الفاكهة والخضروات عبارة «رمضان كريم»، لا شك أن كل مسلم يسعد، لكنه بالتأكيد يفكر كيف استطاعت هذه الثقافات أن تفسح لأقلية تعيش بينهم هامشاً يعبر عنهم من دون قلق؟ شهدت دخول شهر رمضان أكثر من مرة في دول عربية وإسلامية، ولم أسمع مرة أن الدوائر الإسلامية فيها تطلق تحذيراً أو تنبيهاً أو رجاءً يتعلق بأن على الأقلية غير المسلمة أن تراعي الأكثرية، بل على العكس، فالأقلية هي التي تحتاج إلى حماية حقوقها ومظاهر عيشها، لأنها أقلية، بينما حرصت بعض الجهات لدينا على التحذير من المجاهرة بالأكل من غير المسلمين، في السعودية يبلغ عدد غير السعوديين سبعة ملايين وافد، أغلبهم مسلمون، بل إن الأقلية غير المسلمة تتركز في المهن الضعيفة والبسيطة التي لا يُقبل عليها السكان المحليون، كأعمال البناء والنظافة وبعض المهن الشاقة. وعلى رغم هذا، فإننا بدلاً من التعاطف معهم في شهر الرحمة والغفران، نطلب منهم بأن يتعاطفوا معنا، وألا يتمتعوا بحق أكل ساندويتش في وقت الغداء أو…
الأحد ٣٠ يونيو ٢٠١٣
الزميل العزيز جمال خاشقجي كتب مقالة عنوانها «لا أريد أن أكون طائفياً لكنك لا تساعدني»، فرد عليه الزميل العزيز توفيق السيف «كن طائفياً لكن لا تضحي بوحدتك الوطنية»، وما هذا الحوار الذي طغى على صفحات الصحف إلا قشرة مما حمله الغليان المضطرم في أعماق المجتمع السياسي والاجتماعي الإسلامي. وما يحدث اليوم من تصادم يحمل شعاره المذهبي البغيض لو فحصته جيداً لما وجدته سوى تقاتل على السلطة. فإن كنت تستطيع أن تحمل فريقاً من الناس على أن يحارب معك من أجل المال والسلطة، فإنك تستطيع أن تحمل الغالبية للقتال معك إذا وعدتهم بالجنة. أما الأقلية التي ستدعو للعقلانية والتشبث بالوحدة الوطنية وبمفاهيم العصر الذي تعيشه كالدولة والمواطنة وحقوق الإنسان، فسيسهل تخوينها وتكفيرها، فقط لأنها لا تأتي معك حيث تشاء. لا أظن أن الزميل خاشقجي يعني ما قاله، أقصد أنه يحتاج من الطرف الآخر أن يساعده كي لا يكون طائفياً، كما أن الخلاف الذي أظهرته الجملة من هذا الطرف لم تتجاوز نصف الجملة، فهي جملة تقرّ حق الثورة والشعب السوري، لكنها ليست مع هذا النوع من المعارضة التي هي نفسها لا ترضى عن نفسها، لكن ليست هذه هي النقطة الأساسية، بل في كون المثقف ينقاد للآخر، وهو من يقرر أن يكون طائفياً أم لا، ولهذا فإن الزميل توفيق السيف يقول في رده:…
الأحد ٢٣ يونيو ٢٠١٣
لا يكتفي من يحارب الموسيقى بوضع عبارة «احذر.. توجد موسيقى في الداخل» على المواد الإعلامية التي يتبادلونها في مواقع التواصل الاجتماعي، أو أن يقوموا - جزاهم الله خيراً - بتعويض غياب الموسيقى بوضع أصوات خارجة من الحلق مثل «هم هم» أو «أم أم» مموسقة، حتى تُحدث في قلبك الأثر نفسه الذي تحدثه الموسيقى، فتجعلك تحزن أكثر أو تفرح أو تخاف. هذا كله ليس كافياً، فبمناسبة بدء العطلة الصيفية، وبسبب الحر وغياب الأنشطة الصيفية، قررت فرقة من الشبان المحتسبين أن يقوموا بنشاط صيفي، وهو القضاء على الموسيقى في مدينة جدة الأسبوع الماضي، فذهبوا لدهم مبنى جمعية الثقافة والفنون، ومثلما أنت متأكد أنك حين تذهب للخباز وتجد عنده خبزاً، فقد كان المحتسبون متأكدين - والحق معهم - أنهم حين يدهمون جمعية ثقافة وفنون فإنهم سيجدونها منغمسة في تقديم الموسيقى والفنون، إلا أن الجمعية فاجأتهم وخيّبت ظنهم وظننا معهم، فحين دخلوا عليها صارخين: «أوقفوا الموسيقى الحرام» اكتشفوا أن الفعالية التي تقيمها الجمعية هي معرض «فن تشكيلي صامت» على طريقة أفلام «تشارلي شابلن»، وهو فن في الأخير، لكنه قديم بعض الشيء. اكتشف المحتسبون أنهم تورطوا، ففتشوا عن سبب آخر - وعلى طريقة الثعلب الذي يصفع القرد في كل مرة يقابله في الغابة، سائلاً إياه: «لِمَ لا تلبس طاقية؟» - سأل المحتسبون: «أين الترخيص؟»، فردّ…
السبت ١٥ يونيو ٢٠١٣
من جماليات مدينة مثل دبي أنها لا تتركك لانطباعات شخصية وأنت تبني حولها حكماً، فهي تزوّدك دائماً بالأرقام كي تقطع عليك حبل الشك بأنك وقعت في انجذاب عاطفي قد يصفه مَن حولَك بأنه محاباة أو تكسّب، هذا ما لمسته وأنا أقف في كل مرة مع إنجاز إماراتي ينحاز للإنسان وللمعرفة. ففي تجربة مثل «مترو دبي» على سبيل المثال، وهي أول تجربة في النقل الحديث تدخل المنطقة العربية، تقدَّم لك أرقامٌ بأن عدد ركاب مترو دبي وصل في ثلاثة أشهر فقط من العام الحالي إلى ما يزيد على 33 مليون راكب، مكذبة تلك الحيل الذهنية المحبطة التي حذرت من أن المترو لا ينجح في بيئة خليجية مرفهة. لديّ أمثلة كثيرة، لكني سأدعها لآخذ بأرقام مذهلة قدّمها الشيخ محمد بن راشد في سيرة إنجاز اقتضتها منافسة دولة الإمارات لاستضافة معرض إكسبو 2020، ولو فازت به لأصبحت مؤهلة لاستضافة 25 مليون إنسان خلال ستة أشهر في دبي، واستضافة أبرز ما وصل إليه العقل البشري في ما أنجز وما يمكن أن ينجز في مجالات عدة، ليس مثل النقل والطاقة والماء. في هذه السيرة جاء أن «الناتج الإجمالي لدولة الإمارات تضاعف أكثر من 190 مرة خلال 40 عاماً فقط، وأنهم انتقلوا من دولة لا تمتلك أي جامعة إلى دولة تضم أكثر من 70 جامعة، ومن…
الأربعاء ١٢ يونيو ٢٠١٣
توفي حفيد فنان كويتي من المذهب الشيعي أثناء تصويره مسـلسـلاً تلفزيونـياً فانقطع عن التصوير، فذهب زميله السعودي يقدم له العزاء في الكويت في مبنى «حسينية» بُنيتْ عام 1905 (أي ما يزيد على 100 عام). نُشرت صـورة الفـنان الـسـعودي في «تـويتر» مربـوطة بـهـاشتـاق طـويل يـشهِّر به ويـصـفه بالـخـيانة، لا بل وما هو أعظم، فبحسب قول أحد المهاجمين: «كيف يقتل نظام طائفي أطفال القصير، بينما أنت تقدم العزاء في أبناء هذه الطائفة الذين منهم القتلة؟!». يمكن القول بأن أصحاب هذا النهج الغوغائي قد لا يمثلون نسبة كبيرة، لكن نسبة غير هينة، كشفت عن روح عنصرية بغيضة تضع آلامها فوق آلام الجميع، وتحركها شهوة الانتقام العمياء من دون رحمة أو تسامح ومن دون عدل أيضاً، فهي ترى أن المسؤول عن هذه الآلام كل من ينتسب إلى مذهب الطاغية، وهكذا نُسبت جرائم وأفعال إلى أناس لا علاقة لهم بما يجري على أرض القتال في سورية، لمجرد أنهم يشتركون معهم في المذهب، ولتذهب وحدتنا وأمننا الوطني والخليجي، وينقسم المجتمع إلى جماعات، من هم جماعتنا ومنا وفينا حتى لو كانوا وراء البحار، وجماعة ليست منا حتى ولو قاسمونا الأرض والمعاش والمصالح. ظننت في البدء أنهم خفافيش ظلام في «تويتر»، مقنّعون يحلو لهم اللهو بالهجوم والسباب والتكفير والتنفير، لأنهم يعرفون أنهم بـعيـدون عن المـلاحـقة والمـسـاءلة، لكني عرفت…
السبت ٠٨ يونيو ٢٠١٣
دعتنــــي قريبتي حيــــن زرت الرياض إلى عشاء عائلي في مطعم فرنســي فتح حديثاً، وحين أقول عائلي فإنني أقصد الإناث طبعاً. المطعم يقع في شارع التحلية، حيث تصطف عشرات المطاعم والمقاهي والمحال التجارية التي تعني بيع سلع للشباب، وهم أكثر الجمهور استهلاكاً وصرفاً للنقود، احتجنا نصف ساعة كي نصل إلى الشارع، وساعة أخرى كي نصل إلى المطعم نفسه من شدة زحام السيارات، ومراهقين وشبان معظمهم لا ينشد غير الفرجة والتسكع، تركنا السائق وذهب كي يحضر زوج قريبتي من المطار، لكن قريبتي المتوترة طوال الطريق والتي كانت تحثنا على الإسراع حتى لا تقاطعنا صلاة العشاء زفرت قائلة: «ألم أقل لكم، ها قد أغلقت أبواب المطعم بسبب الصلاة». وقفنا في شارع ممتلئ بشبان يزعقون في حضور كل امرأة وقد تلفعت من رأسها حتى أخمص قدميها، ويطلقون أحياناً تعليقات ساخرة أو أغاني من نوافذ سياراتهم المفتوحة، دققنا باب المطعم كي يفتح لكنه لم يجب، درنا للباب الخلفي للمطعم ودققنا بابه، لكن الموظف لم يجب حتى مرت نصف ساعة وفتح، وقفت أمام النادل الفرنسي أسأله: «لماذا تركتنا خارج المطعم ننتظر كل هذا الوقت ولم تفتح؟»، فقال لي: «إنه قانونكم سيدتي، هذا ليس قانوني أنا». قلت: «كنت أدخلتنا ولا تقدم لنا خدمة»، قال: «لا أستطيع». نسيت القصة واستمتعت بعشائي. بعد يومين طلبت من قريبـــتي أن نذهب…
الأربعاء ٠٥ يونيو ٢٠١٣
تستطيع أن تشاهد فيلماً سينمائياً مثل «ذا كارتيه كيد»، بل يدلك عليه إعلان كبير ملون على صفحة كاملة في صحيفة «الحياة»، يدعوك للتمتع بمشاهدته، ومن دون أن تدفع قرشاً واحداً، لكن ليس في دُور العرض السينمائية الممنوعة في بلادنا، بل وأنت جالس على المقعد في منزلك، على قناة «إم بي سي 2 السعودية»! هل تريد مهرجان سينما سعودياً؟ حتى هذا ممكن، فما عليك إلا أن تدير قناة «روتانا خليجية» لتحظى بمشاهدة أفلام شباب سعودية وتستمع إلى تعليقات لجنة نقاد سعوديين. هذا غير القنوات الهائلة والمتخصصة في الأفلام، بعضها تحت الطلب مدفوع الثمن، وبعضها مجاني. وإن كنتَ تقول: إن عدم وجود دُور عرض سينما في السعودية كفيل بانعدام أي حركة سينمائية سعودية فأنت مخطئ، فهناك عشرة أفلام أخرجها ونفذها وصورها ومثلها سعوديون شاركت العام الماضي في مهرجان السينما الخليجي في دبي، وكل عام تشارك بأعداد تفوق هذه العدد، لكن، من المفارقات أن مهرجان دبي السينمائي الخليجي الماضي اختار فيلماً سعودياً، كي يفتتح به المهرجان، لأن هذا الفيلم حصل على ثلاث جوائز في مهرجان السينما الدولي في دبي لعام 2012. والمفارقة الأشد سخريةً أن مخرجته امرأة سعودية هي المبدعة هيفاء المنصور! كيف يحدث هذا في بلاد تمنع صالات العرض السينمائية؟! وكيف تنمو حركة في ظل هذا المنع والحجب؟! هناك قانون يقول إنك…