السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٢
أنا أؤمن بأن الثروات التي تتدفق من المجتمع يجب أن تعود في جزء كبير منها إليه ليستفيد منها، كما أن المجتمع مسؤول وبنسبة كبيرة عما حققه الأثرياء من إيرادات، هذا ما قاله وارن بافيت ثاني أغنى أغنياء العالم، الذي يلي بيل غيتس مباشرة، وهو اليوم واحد من 14 ثرياً قاموا بتقليد بيل غيتس، فتبرعوا بنصف ثرواتهم لمؤسسات العمل الإنساني الخيري، كنا نودُّ أن نسمع مثل هذه العبارات الخالية من المزايدات التي تستشعر حجم المسؤولية الاجتماعية من مجموعة أثريائنا في السعودية الذين احتلوا المركز الأول، إذ أشارت إحدى الشركات الاستشارية في سنغافورة إلى أن السعوديين تصدروا قائمة الأثرياء على مستوى الشرق الأوسط بعدد ١٢٦٥ بليونيراً بحيازتهم 230 بليون دولار. ولك أن تتخيل أن لدينا كل هذا العدد من الأثرياء والثروات، في نفس الوقت الذي تشاهد فيه تزايد عدد الفقراء والمرضى النفسيين، الذين أصبحت تلحظ وجودهم في الطرقات، بسبب غياب الأسرة والمشافي. تتساءل أيضاً كيف يعالج ما يزيد على الألف بليونير حكة الضمير المزعجة كلما شاهدوا فقيرة تخرج في «يوتيوب»، وتقول إنها لم تذق وجبة طعام طيبة، هي وسبعة من بناتها المطلقات مع أبنائهن المهجورين، وإن كل هؤلاء لم تحظ واحدة منهن بشهادة، ولا فرصة تدريب تعينها على عمل، وإن كل ما تعودْنَ عليه هو أن يعشْنَ على الصدقات المتقطعة التي قد…
الأربعاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٢
في المقهى في دبي، حيث أجلس في الصباح، لأكتب، التقي أناساً كثراً، يتغير بعضهم، ويتكرر آخرون، تدور بيننا بعض الأحاديث القصيرة التي يحركها الفضول وتمنح الألفة للمكان المشترك. قابلتُ أناساً وسمعتُ أحاديثَ عابرةً تكاد من عفويتها تكون هي الحديث الأصدق في حياة الإنسان، لأنه يظن أنه حين يتحدث مع عابرين فهو كمن يتحدث إلى نفسه، واحدة من الذين التقيتهم كانت سيدة في الـ60 تعكس هيئتها رقياً وتحضراً ظاهرين، سألتني وأنا أبتسم لها: «من أين أنت؟» قلت لها: من السعودية، فشهقت وقالت: «لقد عملت في السعودية في مدينة جدة، فقد درست في إحدى الجامعات هناك، وعملت في أحد المستشفيات، وأنجبتُ ابنيَّ هناك. الناس هناك رائِعون. أكثر ما كان يأسرني في بلادكم الأمن والأمانة. كان البائع يضع قطعة قماش على بضاعته ويمضي للصلاة، وكنا ننسى فنترك أبواب بيوتنا مفتوحة أحياناً فلا يتعرض لها أحد، وكنتُ أتجول بهيئتي هكذا من دون عباءة ولا خمار فلا يضايقني أحد، كلٌّ يعبِّر عن شخصيته بسلوكه وحسن تأدبه مع الآخرين. مرةً قمتُ بزراعة شجرة أمام منزلي فقلَّدني خمسة من الجيران، فصار شارعنا أشبه بحديقة. من السهل أن تزرع شيئاً جميلاً فيقلِّدك الآخرون»، سألتها: متى كان ذلك؟ فقالت: «كان ذلك عام 1979»، ثم زادت: «لقد كانت تلك الفترة هي أجمل الفترات في حياتي، وفي حياة أبنائي الذين كبروا…
الإثنين ١٧ سبتمبر ٢٠١٢
مشاهد الغضب العارم والهجوم على السفارات الأميركية ومقتل السفير الأميركي في ليبيا (في مدينة بنغازي) مثلما كانا خبراً أولَ في محطاتنا العربية كانا هما نفسهما الخبر الأول في الصحافة الغربية، وقد ساعدتنا في تقصِّي حقيقة ما حدث أكثر مما فعله الهياج العربي، فقد راحت تبحث بدلاً عنا عن تفاصيل ما أثار هذا الغضب. فبماذا خرجت هذه التحقيقات؟ سأكتفي بشهادتين من عرض مئات الشهادات التي سُجلت، فمجلة من أهم المجلات السينمائية هي «هوليوود ريبورتر» تساءلتْ إن كانت المعلومات التي وفّرها باسيلي عن الفيلم حقيقية من الأساس؟ «فالفيلم شديد الرداءة في أسلوب التصوير والإضاءة، ويستخدم خدعاً سينمائية شديدة السذاجة، ومن المستحيل أن يكلف هذا الفيلم الضعيف 5 ملايين دولار، ثم إن كان هناك فيلم يكلِّف 5 ملايين دولار، فلا بد من أن يظهر اسمه في مواقع الأفلام المستقلة، والمواقع المهتمة بأخبار السينما، أو حتى تصاريح التصوير وغيرها من الأوراق الرسمية، فى حين أنه لا يوجد أثر على الإطلاق لأي فيلم يحمل اسم «براءة المسلمين». وراح متخصصون في السينما يدققون النظر في الدقائق الـ14 المتوافرة على «يوتيوب»، حيث النسخة الإنكليزية الأصلية يظهر فيها بوضوح تلاعب في الصوت، لينتهوا بالتحليل بأن المَشَاهد جرى عليها مونتاج لبضع دقائق، وتركيب صوت يحوي سباباً للرسول، لنشر المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة «يوتيوب»، ليبتلع المسلمون الطعمَ خارجين…
الأحد ١٦ سبتمبر ٢٠١٢
في صبيحة 11 سبتمبر، وفيما كان مبنيا التجارة العالمية يشتعلان بالدخان والفزع والموت، كان أول ما فعلته سيدة أميركية في شيكاغو أن هُرِعت إلى فتاة سعودية تقيم في الجوار تدق بابها، وتسألها: “هل أنت بخير؟ هل تقيمين عندنا حتى تهدأ الأمور؟”، هل تقر هذه السيدة التي تعاطفت مع الفتاة السعودية ما فعله “القاعدة” وتتعاطف معه حين حمت الفتاة، أم أنها كانت تعمل وفق قاعدة العدل الأخلاقية “ولا تزر وازرة وزر أخرى”؟ وحين وجهت تهمة إلى سعودي يدرس في أميركا وجدوا في قائمة اتصالاته اسماً لبن لادن، جمع له جيرانه الأميركيون مبلغاً من المال لتوكيل محامٍ يدافع عنه أمام القضاء، فيما تناوبت نساء مسيحيات في نيويورك على حراسة مسجد خشية حملة انتقام مسعورة. تُرى ماذا كانت تريد أن تقول هذه الممارسات إن لم تكن تدلل على ثقافة أناس استطاعوا أن يمارسوا أخلاقهم في عز الفجيعة والمصاب، وأن يروا الحقيقة الأخلاقية العادلة الواضحة التي تقول: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. أليست هذه هي عقيدتنا نحن؟ فلم تتجلى في مجتمع آخر فتصبح قواعد سلوكه أكثر عدلاً منا؟ ماذا لو برر أحد منهم أن انتهاك أمن فتاة سعودية صادف وجودها في أميركا هو انتقام ممن قتلوا ثلاثة آلاف إنسان منهم، وهل قتلها سيعيد الحق إلى أصحابه؟ أعرف أنها أمثلة تكاد تسقط في خانة البدهيات،…
السبت ١٥ سبتمبر ٢٠١٢
فيلم يدّعي أنه يصور الرسول (محمد صلى الله عليه وسلم). فيلم رديء الصنعة فقير من كل حس، لم يوفر أية دناءة أخلاقية إلا واستخدمها، بل ان الممثلين الذين شاركوا في الفيلم غرر بهم فظنوا أن للفيلم عنواناً وقصة مختلفين. وحين واجه راديو «سوا» مخرجه وكاتبه في مقابلة إذاعية بهذا الأمر قال إن الممثلين لا ينتمون لنقابة مهنية تحفظ حقهم، وليس لهم حق الاعتراض بأني كذبت عليهم، وليس ذنبي أنهم يواجهون خطر الموت والملاحقة بعد كشف وجوههم أمام خصومهم الذين ثاروا على الفيلم، ويمكن أن يعرضهم هذا للموت أو المحاكمة، بينما هو مختبئ باسمه ومكان إقامته. مخرج الفيلم الذي وضع 14 دقيقة من فيلمه على «يوتيوب» وظهر في مقابلات صوتية حذرة نال فيلمه شهرة لا يحلم بها، لكنها شهرة سوداء لم تمنحه احتراماً حتى من غير المسلمين، فلا هو الذي صنع فيلماً يستحق المشاهدة ولا هو الذي احترم مقدسات الشعوب. الذي يشاهد دقيقتين فقط من الفيلم يعرف أنه فيلم لم يكلف ولا حتى 50 دولاراً، وكاتبه الذي يقول إنه باحث لم يبحث سوى عن مشاهد سفيهة لا يليق بها حتى مسلسل كوميدي، فكيف نجحت مثل هذه الحماقة في وضع نفسها في كفة ميزان في مقابل الإسلام ونبي المسلمين، وجعل كل هذه الجموع تثور من صنعاء إلى القاهرة إلى طرابلس تقتل وتنهب…
الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٢
كيف استطاعتْ هذه الجامعة الكبيرة أن توجد في عامين؟ تبدو من الخارج تحفةً معمارية، في صورة مدينة صغيرة، تتمدد على مساحة قدرها ثمانية ملايين متر مربع، لكنها من الداخل أكثر إدهاشاً وجمالاً، حين تدخلها تتمنى لو كانت مدننا كلها تمتلك هذه المواصفات، مترو، طرق مسفلتة، نظم حديثة، تقنية متقدمة، طاقم عمل كخلية نحل يدبُّ ليلاً ونهاراً، كفاءات وطنية، لا تكِلُّ ولا تمل، معاميلها الرغبات الكبرى، لجعلها في أفضل حال. تمددت جامعة الأميرة نورة من كليتيْن لعلوم الآداب والتربية، لتصبح كليات صيدلة وتمريض وطب وعلوم حديثة. الجامعة وُصِفت بأنها الذكية، لأنها تتوسل كل التقنيات الحديثة المبهرة والمدهشة من معامل حديثة وقاعات، فُصلت وفق أحدث التقنيات وبمواصفات عالمية، ومكتبة مركزية بستة طوابق بنظام تخزين إلكتروني للكتب، والمسابح والملاعب وقاعات مؤتمرات ومطاعم، وانتهاء بلعبة في النادي الرياضي لاختبار القوة في صورة تسلق جبل، وكأن الجامعة تريد أن تقول إنها وضعت كل أشكال قوتها من معرفة وصلابة وتحدٍّ في بطن هذه المدينة الجامعية. فهل مجرد 40 بليون ريال هي ما أنجز كل هذا، أم أنها الرغبة الحثيثة والصادقة التي تبناها ملك الإصلاح الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ورعتها الكفاءات الوطنية التي تترأسها اليوم دكتورة مثل هدى العميل مع مجموعة من الاستشاريات اللامعات؟ لكن هذه ليست كل الحكاية، فجامعة الأميرة نورة هي أول جامعة سباقة لاحتضان…
الإثنين ١٠ سبتمبر ٢٠١٢
ليس لهذا الاسم علاقة بشركة طيران الإمارات في دبي، لكنه الاسم الجديد الذي منحته سيدة فيليبينية لمولودها الذي ولدته في طائرة تابعة لطيران الإمارات كانت تحلق بها على ارتفاع آلاف الأقدام، وقد ذكرني هذا الخبر بقصة مشابهة سمعتها عن رجل من البادية، حمل زوجته إلى المستشفى القريب من هجرتهم، فرزقه الله ببنت أسماها «دختورة» على اسم الدكتورة التي ولدت زوجته. وقد عاشت الطفلة باسم «دختورة»، لكنها لم تصبح أبداً دكتورة، بل ربما أنها لم «تفك» الخط أبداً، لكن المثل يقول: «الصيت ولا الغنى»، لهذا تتجمل الأسماء حين يفقر الحال، لكن ليست كل الأسماء التي يختارها الأهالي لأبنائهم تتجمل بالضرورة، فقد يحيلها البعض إلى تاريخ اجتماعي يعبّرون به عن معاشهم وثقافتهم وقيمهم، وقد شهدت المدارس التعليمية في مطلع التحديث صدمة بالأسماء، و فقرها للجمال جعل الناس تتساءل إن كان هذا الحال والأسماء مجانية، فما يكون حالها لو كانت «بفلوس»؟ فقد سمعنا قصصاً هي أقرب للطرف منها للحقائق، روتها بعض مديرات المدارس، وقمن بتوجيه طلبات إلى أولياء الأمور لتغيير أسماء طالبات عانين حرجاً بسبب أسمائهن. أذكر واحدة منهن كان اسمها «جرادة»، ولعل الأب الصحراوي الذي عرف يوماً الجراد مصدراً من مصادر الغذاء من الأهمية، بحيث جعله اسماً في تاريخ عائلته، وقد تكون الفتاة قد حملته ضمن حملات البِرّ التي يقوم بها الوالد…
الأحد ٠٩ سبتمبر ٢٠١٢
لا تستطيع أن تلوم شخصاً يطلق نكتة سخيفة لا تضحك لها، لكنك بالتأكيد تفهم لماذا يغضب سعودي يجيء ذكره في نكتة تصوره بأنه سخيف أو غبي. لكن نطاق الجنسيات توسع اليوم، فأدخل السوداني الذي اشتُهر بالكسل، والحوطي السعودي الذي تشنع عليه النكات بأنه قليل الفهم، وهو نفسه الصعيدي في النكات المصرية، والحمصي في النكات السورية، واليهودي في النكات الأوروبية. النكتة تختار الضحية من الضعفاء وقليلي الحيلة أو من الفئات التي تمثل العدد الأقل في المجتمع الذي يصنع النكتة، ويستسلم هؤلاء عادة لحملات التنكيت عليهم مع الوقت فلا يثورون في وجهك ولا ينتقمون، لكن المرأة تظل هي الضحية الأشهر في النكات والحكايات والأمثلة وحتى في الأحاديث الدينية الموضوعة والمنتحلة، فهي تفوق الشيطان في مكره والحية في تملُّصها والعقرب في قرصتها، وأما سبب تعاظم القوة عليها فلأن أغلب مَن يصنع النكات هم من الرجال، والمرأة بالنسبة إليهم من المستضعفين في الأرض حتى وقت قريب، لكن الواقع على ما يبدو قد تغير، إذ بدأت النساء في شنِّ حملات نكات مضادة، فحين راجت لدينا في السعودية نكات عن المرأة السعودية تصورها بـ”أم الركبة السوداء” شنت النساء حملة على الرجل عنوانها “أبو سروال وفانيلة” كناية عن قلة تأنقه وبهيميته ورعونته. لكن هذا لم يكن كافياً؛ فالتراث مشحون بحكايات وأمثلة، يصل بعضها إلى مأثور الكلام، تشنع…
السبت ٠٨ سبتمبر ٢٠١٢
أن يُشنع على برنامج الابتعاث بأنه طريق الشباب إلى الخمر والمخدرات، وأن جامعة الأميرة نورة مرتع للاختلاط غير المحمود، مما يثير الغضب والاستقالات، فلم يبق سوى أن تسمعوا غداً أن المواطن قد وجد لحم خنزير مختلطاً مع اللحم الحلال في السوبرماركت. هذه الدعاوى هي دعاوى المرجفين الذين يستمدون تألقهم ونجاحهم من العبث بطمأنينة الناس وإرهابهم بأن السقوف ستهبط فوق رؤوسهم، وأن عاقبة الأمور ستحيق بهم إن سكتوا على ما يحدث بين ظهرانيهم، وليس من بين هذا التيار من يخرج علينا ليشرح لنا كيف يتوسط الدعاة بزينتهم وبهرجتهم النساء الشابات في المحافل العلمية وفي المنتديات النسائية والاستقبالات، بينما يقلب الدنيا خبر أستاذ في كلية العلوم الصحية يدرس طالبات علوم التمريض وجهاً لوجه، لقاء بين أستاذ وطالباته في مكان عام وفي وضح النهار وفي مؤسسة علمية تتمدد على آلاف الكيلومترات وترفع لوحة جامعة ترصده العيون والحراس والحارسات، هذه الشائعة التي كذبتها مسؤولة في الجامعة وقالت بما معناه: «لم نبدأ الدراسة بعد فمتى حدث هذا؟ اصبروا علينا ليش مستعجلين». يبدو أن المرجفين الذين وضعوا جامعة نورة في القائمة بعد جامعة كاوست ثم برنامج الابتعاث، سمعوا صافرة الانطلاق مبكراً هذا العام، فأطلقوا شائعة وحتى لو صحت فإنها مهزلة المهازل أن تجد لها حطباً يشعل فضيحة عنوانها: «دخل أستاذ على طالبات التمريض» وشارك فيها جمهور…
الأربعاء ٠٥ سبتمبر ٢٠١٢
أعلن بعض القضاة رفضهم قرار مجلس الشورى، الذي يقتضي أن تلتزم المرأة -خلال 15 سنة قادمة- باستصدار بطاقة مدنية تشير إلى هويتها القانونية في تعاملها مع مؤسسات الدولة التي تقتضيها المصلحة. وبحجة عدم جواز النظر في وجه المرأة أو وضع صورتها على البطاقة، يحرمون المرأة من حقها باحتسابها «مواطناً مستقلاًّ» يشمله التعداد، وتمتعها بهوية قانونية تحفظ بها حقوقها وتمنع سرقة أموالها وتزوير هويتها. كنت أظن أن قضاتنا سيساهمون بعلمهم الشرعي في التقليل من حدة الصراع بين المجتمع وبين مشروع تحديث الدولة وتنمية المجتمع، بشرط عدم تعارض هذه المشروعات مع الدين، مما يفتح أمام الناس مسارات واسعة للحفاظ على مصالحهم بدلاً من وقوفهم مع البسطاء من الناس والمتعنتين الذين يقلقهم أن يتركوا ما ألفوه، ويزيدون توجسهم من كل خطوة تغيير مهما كان هدفها. فهؤلاء القضاة يعرفون أكثر مني الموقف الفقهي الذي ورد في النووي عن القاضي عياض قوله: «إن المعاملة بالبيع والشراء مما يُستثنى في غض البصر عن وجه المرأة»، وقال ابن قدامة في المغني «قال أحمد: لا يشهد على امرأة، إلا أن يكون قد عرفها بعينها، وإنْ عامل امرأةً في بيع أو إجارة، فله النّظر إلى وجهها، ليَعلمها بعينها، فيرجع عليها بالدّرْك»، فإن كان هذا الموقف جائزاً بين متعاملين في تجارة بين امرأة ورجل، فهو أولى أمام قضاة يحكمون بين…
الثلاثاء ٠٤ سبتمبر ٢٠١٢
في موسكو ثارت حكاية تشبه حكاية فتاة المناكير التي حدثت في الرياض منذ أشهر، مع الفارق الثقافي والسياسي، لكنها هي نفس الحكاية التي يستعين فيها النظام بثقافة مؤدلجة لقمع أفراده، فلا يعترض الشعب ولا ينتصر لحق الفرد، لأن المساس بثقافة المجتمع التي يختلط فيها الديني والاجتماعي مع السياسي خط أحمر، وليس للفرد حق أن يجرب فيه أو يخطئ ولا أن يختلف، ولو حاول فهو محكوم بالخطأ مهما كان عمره وفداحة ما فعل. وحين تعاقبه المؤسسة السياسية وتحكم عليه بالسجن أو القتل فإن الرأي العام يتخلى عنه أو ينقسم حوله مما يضعف درجة التعاطف معه، فالمؤسسة هنا أهم من الفرد والثقافة فوق الجميع، مما يسمح بإطلاق روح الانتقام بحسب درجات عنفها وانفلاتها، لكن الشيء الوحيد الغائب هو بالتأكيد الرحمة والتسامح وثقافة حقوق الإنسان. فرقة بوسي رايوت مجموعة فتيات في موسكو غنين ورقصن في أبرز كنيسة في موسكو، ودعون إلى التضرع بأن يسقط بوتين، فوجهت لهن تهمة المس بالنظام العام، وحكم عليهن بالسجن سنتين مع الأشغال الشاقة، ولم يتعاطف معهن الرأي العام، فقد أدخل الحكم الرعب في نفوس الناس وانشغلوا بفساد الفتيات بدرجة أكبر من فساد الموظفين العموميين الذين يحميهم نظام بوتين، لكن الإعلام فتح أضواءه وجعل منها قضية رأي دولية. هناك أيضا حكاية اقتحام طالبين حفلة في منطقة نائية في جنوب…
الإثنين ٠٣ سبتمبر ٢٠١٢
يبدو أن إيران التي دعت ١٠٠ دولة إلى مؤتمر عدم الانحياز كي تفضح مؤامرات الغرب، وعدم تسامحه مع نشاطها النووي لم تنجح إلا في فضح نفسها، فقد أثبتت أنها أول المنحازين حين قدمت على الهواء مباشرة فضيحة تستحق عنوان (ضائع في الترجمة)، وهو الاسم نفسه الذي يحمله عنوان فيلم أميركي، وأول شبه بينه وبين مؤتمر عدم الانحياز أنه ممل وطويل، لكن متابعته حتى النهاية أمر ضروري كي تفهمه. القناة الإيرانيــــة الأولـــى هي القناة الوحيدة التي ظهر فيها المترجم الخائن وهـــو يترجم اسم سورية إلى البحرين، مع أن الأسماء لا تترجم عادة إلا في خطــــاب للرئيس المصري محمد مرسي، حين أعلن عن تضامنه مع الثورة السورية، ووصف النظام السوري بأنه نظام فاقد للشرعية. النظام الإيراني لم يهـــن عليــــه أن يزعــــج حليفته فجعلت لاسم سورية اسماً آخر هو البحرين، ولو كان الوفـد السوري يتابع الترجمة لما قام من مقعده كي تصح الترجمة، وإلا ما الذي سيغضبه لو كان السيد مرسي قال البحرين وليس سورية؟ بين فيلم ضائع في الترجمة ومؤتمر عدم الانحياز شبه كبير، ففيهما تبرز، ومن باب الصدفة العجيبة، حقائق جوهرية عدة يتجاهلها البشر، الأولى تقول إن العلاقة بين طرفين تكون أحياناً محكومة بالفشل، لكن واحداً منهما يصر على الاختباء وراء جدار عزلته رافضاً الاستماع والفهم، الحقيقة الثانية تقول إن طرفاً…