الأربعاء ٣٠ يونيو ٢٠٢١
قد يبدو أن لا مفر من الكتابة عن فيروس كورونا الذي ما زال يسيطر على كل مفاصل العالم للعام الثاني على التوالي، ولكنني قررت أن أسير/أكتب عكس التيار، بل وأجعل من فيروس كورونا ملهماً لي لكتابة هذا المقال. المرض هو اعتلال الصحة نتيجة ضعف أو خلل في وظائف وأجهزة الجسم، ولكن هناك أمراضاً مجتمعية تفتك بالمجتمع والشعوب لا تقل خطورة وتاثيراً عن تلك الأمراض الصحية التي تُصيب أعضاء وأجهزة جسم الإنسان. كثيرة وخطيرة هي الفيروسات المجتمعية التي تُعاني منها المجتمعات والشعوب والأمم، وهي ممارسات وسلوكيات سلبية ومرضية تُهدد أمن واستقرار وتنمية تلك المجتمعات والشعوب والأمم، وسأذكر هنا عشرة من تلك الفيروسات المجتمعية بشكل سريع ومختصر: الأول: وهو "فيروس الأنانية" الذي أصبح عنوان النزعة الأبرز لأغلب البشر في هذا العصر الذي تضخمت فيه الأنا بشكل مخيف. الثاني: وهو "فيروس الشكوى" الذي يُتقنه بامتياز السلبيون والمتشائمون الذين يضخمون كل شيء ويتذمرون من كل شيء. الثالث: وهو "فيروس التصنيف" الذي يحمل رايته سدنة الفرز والتقييم لأفكار وآراء وقناعات ومعتقدات الآخرين. الرابع: وهو "فيروس الإشاعة" الذي تحوّل إلى خبر وترند لحظي يُستخدم من قبل الأفراد والمنصات والمؤسسات والأجندات، وهو فيروس بغيض قد يُشعل فتنة أو يُدمر مجتمعا. الخامس: وهو "فيروس التنمر" الذي يُعدّ واحداً من أخطر الأمراض المجتمعية التي تتسبب في تشويه وتحطيم شخصية…
الأربعاء ١٦ يونيو ٢٠٢١
تُقاس الأمم والشعوب بما تُقدمه للبشرية من إنجازات وإبداعات على كافة الصعد والمستويات، وبما تملكه من رموز وأيقونات ساهمت في تقدمها وتطورها في كل القطاعات والمجالات. والرموز والأيقونات في كل وطن، هم الثروة الحقيقية التي تستحق الإعجاب والفخر، فضلاً عن التقدير والتكريم. والأسماء والشخصيات في كل وطن، هم النهر المتدفق الذي ينساب بكل ألق وجمال. والنماذج والمُثل العليا في كل وطن، هم الواجهة الباذخة التي تطل بها الأمم على كل العالم. وتُعدّ صناعة الرمز والنموذج، واحدة من أهم الصناعات الإنسانية التي تحتاجها الأمم والشعوب لأنها ستتحوّل إلى مصادر للإلهام والتميز، بل وإلى قوى ناعمة كبرى لممارسة التأثير والتوجيه. وقد استثمرت الأمم والشعوب المتقدمة والنامية، قديماً وحديثاً، كنوزها البشرية ورموزها الملهمة، بشكل أضاف لها الكثير من المكاسب والشهرة، والأمثلة والبراهين على قيمة وتأثير الرموز والأيقونات كثيرة وكبيرة ولا يمكن حصرها، وسأكتب مثالاً واحداً فقط: غابرييل غارسيا ماركيز "1927-2014" الروائي والكاتب الكولمبي الشهير والحائز على جائزة نوبل للأدب في عام 1982 وصاحب التحفة الروائية الخالدة "مئة عام من العزلة" والحاصل على أعلى الأوسمة والألقاب والجوائز من الكثير من دول العالم، استطاع هذا الرمز الملهم أن يحمل وطنه "كولمبيا" في كتاباته ولقاءاته وزياراته، بحيث لا تُذكر كولمبيا إلا ويُذكر ماركيز والعكس صحيح، وهنا تكمن قيمة ومكانة وتأثير وشهرة الرموز والأيقونات والمُثل العليا -الحقيقية…
الأربعاء ١٩ مايو ٢٠٢١
مر يوم أمس هادئاً وخجولاً، يكاد لا يشعر به أحد، رغم أنه يحمل مناسبة عالمية رائعة ومهمة، ففي الثامن عشر من مايو من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمتاحف باعتباره "فرصة رائعة للمتخصصين بالمتاحف للتواصل مع الناس وتشجيعهم لزيارة المتاحف التي تُعتبر مؤسسات ثقافية وحضارية تُسهم في توعية وتطور المجتمع". في "5 مايو" من كل عام، تحتفل أكثر من 150 دولة حول العالم بهذه المناسبة الدولية التي ترمز للمتاحف، كما جعلته العديد من تلك الدول عطلة رسمية لحث وتشجيع الناس لزيارة المتاحف بمختلف أشكالها وأنواعها، لأنها ليست مجرد مخازن وأرفف للمقتنيات والمجسمات والأواني والصور والمشغولات، ولكن باعتبارها -أي تلك المتاحف- سجلاً شاهداً وحافظاً على عصور وحضارات وأمم، شاركت بصنع الحضارة البشرية. وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم العالمي للمتاحف في العام 1977 في العاصمة الروسية موسكو، وذلك بقرار من المجلس الدولي للمتاحف "ICOM" للتذكير الدائم بأهمية المتاحف كوسائط جاذبة ومغرية لتقوية الروابط الإنسانية، ولزيادة وعي الناس بدور المتاحف في تنمية وتطور المجتمعات والشعوب، وإثراء الثقافة المتخصصة بالمتاحف وربطها بالمناهج والأحداث والوقائع التاريخية. أما قصة المتاحف في المملكة، فهي طويلة وحافلة، وتستحق أن يكتب عنها الكثير، فقد مرّت بالعديد من التحولات والتطورات، وكانت النقلة النوعية الكبرى في مسيرة هذا القطاع المهم في العام الماضي 2020، حينما صنفتها وزارة الثقافة التي يقودها…
الأربعاء ٢٠ يناير ٢٠٢١
قبل عدة أيام، عادت «الحياة عن بعد» لمدارسنا الافتراضية، ليتحلّق طلابنا وطالباتنا حول أجهزتهم الذكية وحواسيبهم الإلكترونية لمتابعة دروسهم وواجباتهم، والتفاعل المباشر مع المعلمين الذين يشرحون «الدروس عن بعد»، وكل ذلك يتم بشكل رائع وسلس، تماماً كما لو كان الأمر يحدث بشكل طبيعي منذ سنوات، وليس مجرد سنة استثنائية بسب جائحة كورونا التي كانت السبب المباشر في حدوث أكبر انقطاع/انتظام في التعليم في العالم على مر التاريخ. لقد تسببت جائحة كورونا بإلحاق الضرر في قطاع التعليم في العالم بشكل غير مسبوق، فقد تضرر أكثر من مليار ونصف المليار طالب وطالبة في أكثر من 190 بلداً في كل القارات، وتم إغلاق تام للمدارس بنسبة تزيد على 94 ٪ على مستوى العالم، وثمة خوف شديد من أن يفقد أكثر من 23 مليون طفل وشاب فرصة الالتحاق بمدارسهم في العام المقبل نتيجة الآثار الاقتصادية لهذا الوباء الخطير. أما الكتابة عن مستقبل تعليمنا الوطني بعد جائحة كورونا التي ستكون مجرد ذكرى أليمة بعد مدة، فتحتاج للكثير من المقالات والدراسات، لكنني سألتقط عدة مكتسبات وتحولات في تعليمنا الوطني نتيجة اعتماد طريقة «التعليم عن بعد»: النجاح الكبير لأسلوب «التعليم عن بعد» في منظومتنا التعليمية في ظل جائحة كورونا، يجب أن يستمر حتى بعد زوالها، ولكن بضوابط وآليات وأوقات تُحددها وزارة التعليم، فالتعليم بهذا الأسلوب أثبت فاعليته…
الأربعاء ٠٦ يناير ٢٠٢١
الكتابة عن العام 2020 الذي رحل قبل أيام قليلة، كتابة ذات شؤون وشجون؛ لأنها معقدة ومثيرة، فما حدث خلال هذه السنة الاستثنائية من عمر العصر الحديث، لا يمكن تصديقه أو تخيله، فضلاً عن توقعه أو انتظاره. نعم، قد يكون فيروس كورونا المستجد هو العنوان الأبرز والأهم في روزنامة العام المنصرم، ولكن كان هناك الكثير من الأحداث والوقائع المهمة والكبرى التي تستحق الاهتمام والتركيز، ولكن كما يبدو فهي لم تصمد أمام جائحة كورونا التي تصدرت قائمة أخطر الأزمات والكوارث في تاريخ البشرية. الكثير من التفاصيل المهمة، بل والمفصلية على مستوى العالم التي حدثت خلال العام 2020، ولكنها توارت وتضاءلت أمام تسونامي (كوفيد-19)، كخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وقضية/ شعار جورج فلويد (لا يمكنني أن أتنفس)، وانفجار مرفأ بيروت، وحرائق أستراليا الهائلة، ونزاع ناغورني قره باخ في جنوب القوقاز، والاعتداءات المتطرفة في فرنسا والنمسا، والانتخابات الأميركية، وغيرها الكثير الكثير. ولكن، ماذا عن النجاحات والإنجازات التي حققتها المملكة العربية السعودية خلال العام 2020؟ الإجابة المباشرة عن هذا السؤال الكبير: كبيرة جداً. لقد استطاعت المملكة بفضل قيادتها الرشيدة وشعبها الوفي، أن تُحقق الكثير من الأحلام والطموحات، متخطية كل الصعوبات والتحديات، وبشيء من الاختصار، أضع أمامك عزيزي القارئ بعضاً من الإنجازات والنجاحات التي تحققت خلال العام 2020: لقد أبهرت المملكة كل دول العالم في…
الأربعاء ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٠
"إن هدفنا العام هو اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع. وعلى الرغم من أن جائحة كورونا قد دفعتنا إلى إعادة توجيه تركيزنا بشكل سريع للتصدي لآثارها، إلا أن المحاور الرئيسة التي وضعناها تحت هذا الهدف العام - وهي تمكين الإنسان، والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاقٍ جديدة - لا تزال أساسية لتجاوز هذا التحدي العالمي وتشكيل مستقبلٍ أفضل لشعوبنا.. وعلينا في المستقبل القريب أن نعالج مواطن الضعف التي ظهرت في هذه الأزمة، مع العمل على حماية الأرواح وسبل العيش". تلك مقتطفات من الكلمة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين في افتتاح قمة العشرين، وهي القمة العالمية الاستثنائية التي تُعدّ من أهم القمم في تاريخ مجموعة العشرين منذ إنشائها العام 1999 بسبب جائحة كورونا التي عصفت بالاقتصاد العالمي وراح ضحيتها حتى الآن أكثر من مليون إنسان في أزمة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، بل وفاقت تبعاتها وأضرارها الحرب العالمية الثانية "1939 - 1945". أعود للسؤال أعلاه: لماذا قمة العشرين في الرياض؟. ولعلّ الإجابة الواضحة والدقيقة عليه وبشكل مباشر ومختصر: لأن الرياض ليست أهم عاصمة عربية وإسلامية وحسب لما تملكه من ثقل ديني وسياسي وتاريخي واقتصادي، ولكنها أثبتت خلال كل تلك العقود بأنها واحدة من أهم عواصم صنع القرار العالمي. فمنذ توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراء -،…
الأربعاء ٢٢ أبريل ٢٠٢٠
يبدو أن الحياة بأكملها قد توقفت عند عتبة كورونا، والأمر كذلك للكتابة، فقد توحدت كل الأفكار واختزلت كل المواضيع في هذه الجائحة البغيضة التي سببها هذا الفيروس التاجي المتناهي الصغر والذي لا يُرى بالعين المجردة ولكنه بطل هذا المسلسل الحزين والطويل الذي يُشاهده أكثر من سبعة مليارات ونصف المليار، هم تعداد العالم، كل العالم، بمعدل مشاهدة استثنائي ليس له مثيل على الإطلاق. هذا هو الجزء الثاني من سلسلة تتكون من أربعة مقالات تُناقش وتُلامس الأفكار والثقافات والعادات والسلوكيات التي آن لها تتغير أو تُصاغ من جديد لتُناسب وتُناغم الواقع الجديد الذي سيتشكل حتماً بعد وباء كورونا الذي غيّر وجه العالم، كل العالم. في المقال السابق، وهو الأول، كتبت عن "المشهد العالمي الجديد" الذي سيكون عليه العالم بعد هذا المنعطف التاريخي العظيم والذي سيؤسس لمصطلح "ما قبل وبعد كورونا". هذا المقال سيتحدث عن الواقع الوطني الذي سيتشكل بعد جائحة كورونا، وكيف ستكون صورة السعودية الجديدة. لا شك أن وطننا الرائع بقيادته الرشيدة وشعبه النبيل، سيكون أكثر صلابة وتجربة بعد القضاء على هذا الوباء، ولن تكون هذه الأزمة الكارثية مجرد ذكرى مؤلمة فحسب، ولكنها حتماً ستتصدر قائمة أخطر الأزمات الوطنية، بل والعالمية، ولكنها ستُشكل ثقافة جديدة ورؤية مختلفة لمسيرة هذا الوطن المتجدد أصلاً والذي صنع تحولاً وطنياً ضخماً ليمهد لرؤية/ قفزة سعودية…
الأربعاء ٠٦ نوفمبر ٢٠١٩
الاختلاف كثقافة ونهج وسلوك، مهما كان مصدره أو مستواه أو حدته، حالة متقدمة جداً من الرقي والوعي والمسؤولية عند المجتمعات والشعوب والأمم، خصوصاً تلك التي آمنت بحتمية وضرورة الاختلاف كثقافة حضارية وإنسانية تستحق أن تتأصل وتتجذر في فكر ومزاج وقناعة البشر. إن الإيمان بثقافة الاختلاف، خطوة واسعة باتجاه ترسيخ وتثبيت هذه الثقافة الإيجابية التي نحتاجها في كل تفاصيل حياتنا الصغيرة والكبيرة، ولكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك بكثير، وهنا سأحاول أن أطرح هذه الأسئلة الخمسة بصوتٍ عالٍ، لأنني أجدها أسئلة مهمة، بل وتُمثّل المداميك الإساسية لنجاح واستمرار ثقافة الاختلاف التي تُعدّ أحد أهم الركائز الكبرى للنهضة البشرية. السؤال الأول: لماذا نختلف؟. نحن نختلف لأننا نمارس حقنا الطبيعي في إبداء الرأي أو القناعة أو التصور الذي نحمله، حتى وإن كان لا ينسجم أو يتناغم أو يتشابه مع الآخرين. نختلف لأننا نحمل بصمات وجينات وقناعات مختلفة ومتنوعة ومتعددة. السؤال الثاني: كيف نختلف؟. حينما نؤمن بحقيقة الاختلافات والتمايزات بين مختلف البشر، وحينما نمنح الآخر حقه الطبيعي في التعبير عن آرائه وقناعاته، من دون أن نُمارس الشخصنة أو البذاءة، فإننا نعرف جيداً كيف نختلف. السؤال الثالث: متى نختلف؟. وهنا لابد أن نختار الزمان والمكان والظرف من أجل أن نُمارس ثقافة الاختلاف بشكل يضمن نجاحها، فما نختلف حوله في حالة ما، قد يكون مقبولاً، ولكنه…
الأربعاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٩
قبل عدة أيام، وتحديداً في الخامس من أكتوبر، مر اليوم العالمي للمعلم بعيداً عن كل مظاهر الرمزية الحقيقية لهذه المناسبة العالمية التي تنتظرها بلهفة وفخر كل الأمم والشعوب والمجتمعات التي تُدرك جيداً قيمة ومكانة وتأثير المعلم الذي يُعدّ "الصانع الأول" للحضارة البشرية عبر الأجيال الكثيرة التي تتخرج من تحت يديه. ففي الخامس من أكتوبر من كل عام، يحتفل/يحتفي العالم، كل العالم بالمعلم باعتباره أحد أعظم صنّاع التقدم والتطور البشري ممثلاً بصناعة الإنسان نفسه وهي الوظيفة الكبرى للمعلم. ويُعتبر الخامس من أكتوبر من كل عام، فرصة رائعة لكل الأمم والمجتمعات الذكية لإحياء هذه الذكرى العالمية المهمة التي بدأت فعلياً في عام 1994 بتوصية من منظمة اليونسكو ومنظمة العمل الدولية لجعل الخامس من أكتوبر من كل عام مناسبة دولية رسمية لحشد كل الحكومات والجهود والطاقات لدعم ومساندة وتكريم المعلم. وفي هذا العام 2019، سيكون الشعار العالمي بمناسبة اليوم العالمي للمعلم الذي تُطلقه منظمة اليونسكو هو "المعلمون الشباب: مستقبل مهنة التعليم"، وسوف يُصب الاهتمام على المواهب الشابة من المعلمين والمعلمات باعتبارهم الدماء الجديدة التي تُضخ في شرايين التعليم لتنبض الأمم بكل ألوان التقدم والتطور والازدهار. والمعلمون في هذا الوطن العزيز، والذين يزيد عددهم عن 600 ألف معلم ومعلمة، لا يبحثون عن عبارات المدح والثناء والتبجيل، وهم على كل حال يستحقونها وأكثر، ولكنهم يُريدون…
الأحد ١٩ أغسطس ٢٠١٨
تُقاس المجتمعات والشعوب والأمم، بما تملك من ثروات وقدرات وإمكانات، بشرية ومادية، وبما تحمل من قيم وعادات وثقافات، إيجابية وسلبية، فتلك هي «السلة الحقيقية» التي يُمكن إخضاعها لمعايير ومقاييس التقدم والتطور والازدهار لتلك المجتمعات والشعوب والأمم.. والكتابة عن تلك الحزمة الكبيرة من الثروات والثقافات التي تتشكل منها المكونات البشرية، يتطلب قدراً من الشفافية والموضوعية والواقعية، فضلاً عن المساحة والفضاء والقناعة، ولكن قبل كل ذلك، مجموعة كبيرة من المعلومات والحقائق والدراسات، وهذا الأمر لا يتوفر عادة في مقال محدود كهذا، يُحاول أن يُقارب/ يُلامس بعض الثقافات العربية التي تسببت وما زالت في تراجع/ غياب العالم العربي عن ممارسة دوره الريادي والتنويري والنهضوي الذي يتناسب مع حجمه المعرفي والثقافي والتاريخي وثقله الحضاري والسياسي والاقتصادي، الأمر الذي كلّفه عدم المشاركة في صنع المشهد الكوني الذي تشكّل منذ عقود. كثيرة هي الثقافات العربية التي تسببت وما زالت في تعطيل «المشروع النهضوي العربي»، هذا في حالة وجوده أصلاً، هذا المشروع/ الحلم الكبير الذي لم يخرج بعد من شرنقة البدايات/ المراجعات التي لا تكاد تنتهي كل تلك القرون. ولكن، ما تلك الثقافات العربية التي لا تستحق الوجود وآن لها أن تُغادر المشهد العربي للأبد؟، إليك عزيزي القارئ، خمساً منها، على عجل وباختصار: الأولى: «ثقافة الموت» التي تكره الحياة، وهي ثقافة عربية بامتياز، تدعو لموت الحياة ولحياة…
الأحد ١٥ يناير ٢٠١٧
مازال السؤال الكبير يُطرق مسامع المشهد الثقافي العربي منذ عقود وحتى الآن: من المسؤول عن تدهور "منظومة الذائقة العربية"، الثقافية والفكرية والحضارية والفنية والاجتماعية؟ والإجابة عن هذا السؤال الملتبس، تحمل الكثير من الهموم والشجون والتعقيدات، فضلاً عن الإجابات المعروفة والمباشرة والجاهزة. في مساحة محدودة كهذا المقال، أجدني مضطراً لممارسة الاختزال والاختصار والتركيز، لذا سأكتب عن صورتين ذهنيتين/ نمطيتين تم تكريسهما وتقديمهما كإجابة لذلك السؤال، بل وعلى الكثير من الأسئلة المعقّدة الأخرى التي تحتاج لدراسات متخصصة وتحليلات متعمّقة، لا مجرّد انطباعات متعجلة أو إسقاطات جاهزة. الصورة النمطية الأولى، هي للمواطن العربي البسيط الذي حُمّل أسباب ذلك التدهور الثقافي والأخلاقي والحضاري في العالم العربي، لأنه -أي المواطن العربي- لا يبحث عن "المحتوى" الجيد من الأفكار والرؤى والآداب والثقافات والفنون. وهذه التهمة المستمرة لهذا المواطن العربي البسيط، محاولة خبيثة للالتفاف حول حقيقة ذلك التدهور في منظومة الذائقة العربية. المواطن العربي، وهو القارئ والمشاهد والمتابع والمتفاعل والمتأثر بكل ما يُنتج، ينجذب للأسلوب العصري الجذّاب واللغة الديناميكية المتطورة، ويكره الطرق والأساليب والأنماط الرتيبة والمتخشبة والمملة، لذا فهو يُقبل بسعادة وكثافة على البرامج والأعمال الثقافية والفنية والإعلامية الجادة والرصينة التي تُخاطب عقله وتستفز مشاعره، ولكن حينما تُعرض بأسلوب عصري وبإيقاع سريع. المواطن العربي البسيط، مازال يستمع لأيقونات الغناء العربي، رغم طغيان النشاز والإسفاف والتلوث السمعي الذي…
الأحد ٠٧ يونيو ٢٠١٥
يبدو أن المحن والفتن والأزمات، هي من توحد بوصلة المجتمعات والشعوب والأمم، تلك حقيقة راسخة منذ بدايات الحياة المدنية التي أنشأت المدن وشيّدت المباني وسنّت القوانين، بعد قرون طويلة جداً من العيش في الفوضى والاحتماء بظل القبيلة والخضوع لسلطة الغاب. نعم، الأحداث والمواقف والتداعيات، هي من تؤسس لثقافات وسلوكيات وتوجهات جديدة، لم تكن تخطر على فكر ومزاج وقناعة المجتمعات والشعوب والأمم التي قد تواجه مشكلة أو معضلة خطيرة تُهدد أمنها واستقرارها وتنميتها، كظاهرة الإرهاب مثلاً. الإرهاب، هو المفردة الأكثر بشاعة وخطورة وتعقيداً، في قاموس الكوارث البشرية. الإرهاب، هو طاعون العصر، وطوفان الحقد والكراهية، وخنجر الغدر والتوحش. لقد مررنا بتجربة مريرة مع الإرهاب، ونجحنا في القضاء عليه، ولكنه كالحرباء يتلون ويتحول ويتغير، ليعاود ممارسة هوايته القبيحة ويطل برائحته النتنة، كلما سنحت له الفرصة أو وجد تراخيا هنا أو ضعفا هناك. والمتتبع لتاريخ هذه الظاهرة الخطيرة، قديماً وحديثاً، يصل لقناعة تامة، وهي أن الأحداث الإرهابية بمختلف أشكالها ومستوياتها ودرجاتها، ما هي إلا نتاج سلسلة طويلة ومتراكمة من الأسباب والسلوكيات والتداعيات السلبية تشكلت ونمت وسيطرت على المجتمع. نعم، مواجهة الإرهاب تتطلب قدراً كبيراً من التعامل بحزم وردع وقوة، وبكل الوسائل والطرق والأساليب المتاحة، لأنه يُمثل خطراً كبيراً على بنية الجسد الوطني، ويُهدد أمنه وسلامته واستقراره وتنميته. نعم، الإرهاب لابد أن يواجه بكل ذلك…