الأربعاء ٢٢ فبراير ٢٠١٧
حسناً أن الوسط الثقافي الإماراتي احتفى، في أبوظبي، أمس الأول، بالذكرى الخامسة لرحيل الشاعر والباحث أحمد راشد ثاني. وتمنيتُ لو كان بوسعي أن أكون حاضراً هذا الحفل، لولا بعض التزاماتي هنا في البحرين. أحمد راشد بالنسبة لي، وبالنسبة لكل من عرفه، ليس مجرد صديق عابر نلتقيه على أحد منعطفات الحياة، وإنما هو، على حياته القصيرة، كان إنساناً ملهماً، في الشعر وفي الكتابة المسرحية، وفي البحث الثقافي. رجل مثل هذا جدير بالاحتفاء الدائم به. مثله لا يجب أن يُنسى أو يغيب. وأحسب أن أجيالاً من مثقفي الإمارات وبلدان الخليج الأخرى ستظل تتذكره وتعود إلى كتاباته، وهذا ما ألمسه شخصياً من اهتمام الجيل الجديد من أبناء وبنات الإمارات به وبتراثه الذي خلفه لنا وللمستقبل. في ظاهر الأمر، يبدو أن أحمد راشد ثاني عاش على الهامش، بمعنى أنه اختار لنفسه حياة بسيطة، متقشفة، بعيدة عن الأضواء، ولكن نظرة نافدة على إبداعه متعدد الأوجه ترينا أن أحمد كان في قلب الحياة، هو الذي ذهب أبعد مما ذهب الكثيرون سواه من أبناء جيله، لا في الشعر وحده، وإنما أيضاً في تقصي بذور وجذور التاريخ الثقافي الحديث في الإمارات. في هذا كشف أحمد عن أمر لا ينم عنه نمط الحياة الذي عاشه، حيث انكب على البحث المتأني، المثابر، المعمق في المادة التي اشتغل عليها، كما يفعل…
الخميس ٠١ سبتمبر ٢٠١٦
يرى الروائي المغربي الطاهر بن جلون أنه بكتابته بالفرنسية قادر على حيازة حريات حيال موضوعات معينة لا تسمح له اللغة العربية بتناولها، بل إن هذه الأخيرة تهول عليه ذلك التناول، فمن جهة ثمة تابوهات وتحريمات، ومن جهة أخرى هناك فهم خاص للياقة والاحتشام، أو بتعبيره: «من الصعب علينا التعامل بقسوة مع اللغة العربية». هذا الموضوع إشكالي، ليس لأننا لا نرى أن للكتاب العرب حقاً في أن يكتبوا بلغات أخرى، خاصة إذا ما وجدوا أنفسهم ضمن سياقات ثقافية ولغوية وحياتية تفرض عليهم هذا الاختيار، بل إن بعض ما كتب من أدب «عربي» باللغات الأجنبية على مقدار كبير من الأهمية من وجهة النظر النقدية، كما هي الحال مع الكثير من روايات أمين معلوف، وبعض روايات ابن جلون نفسه، لكن للأمر محاذير أخرى جدية. يأتي ذلك من حقيقة أن سبب بعض ما تناله أعمال هؤلاء الكتاب العرب بغير لغتهم الأم، سواء من قبل النقاد أو من الناشرين، لا يعني، بالضرورة، أن العمل الأدبي «العربي» المكتوب للأجانب بلغتهم هو أهم من الأعمال الأدبية النظيرة المكتوبة بالعربية، ولكن لأنها كتبت لجمهور عربي غير قارئ بصورة جيدة. وفي سوق متعثرة للنشر، وغياب الناشرين القادرين على التسويق للقيمة الإبداعية للأعمال المهمة، فإن هذه الأعمال لا تنال الاهتمام الكافي لا لدى القارئ ولا الناشر ولا حتى الناقد. واللافت…
الخميس ٢١ يوليو ٢٠١٦
أرأيتم كيف يكون حال مؤيدي فريق كرة قدم سدّد الفريق الخصم هدفاً فاصلاً في مرمى فريقهم في وقت حرج من المباراة؟ هكذا بدا مريدو أردوغان من المتأسلمين العرب في الساعات الأولى الفاصلة بين ليل الجمعة وصباح السبت، حين أعلن نجاح الانقلاب، فعبر تغريداتهم على «تويتر» كدنا نرى الدموع تنهمر على وجناتهم حزناً وكمداً. وتماماً كما يحدث مع مؤيدي فريق كرة القدم حين يسدد فريقهم «المغلوب» هدفاً في الدقيقة الأخيرة من المباراة يقلب النتيجة، تحول مزاج هؤلاء من الكمد إلى غبطة، حتى خلناهم يرقصون طرباً. على حق أولئك الذين لاحظوا أن الأتراك المؤيدين لأردوغان لم يرفعوا صوره حين استجابوا لندائه بالنزول في الشوارع لإفشال الانقلاب عليه، واكتفوا برفع العلم التركي، الذي هو رمز الدولة والوطن، فيما تحول العالم الافتراضي للمتأسلمين العرب إلى غابة صور لأردوغان، حتى أنهم أزالوا «بروتريهاتهم» الشخصية ووضعوا محلها صورة زعيمهم الذي كان على شفا حفرة من السقوط. من حق كل امرىء أن يكون متعاطفاً مع أي نهج أو سياسة، دون أن يفقد للحظة الانتماء الوطني والقومي، لبلده ولأمته، فنحن نفهم، مثلاً، أن قطاعات واسعة من الأتراك تناصر أردوغان لأنه يدغدغ لديهم الأحلام ب «بعث» المشروع العثماني الغابر، عازفاً على الوتر القومي التركي، والرجل، في هذا، يبدو متسقاً تماماً مع نفسه، فهو صاحب مشروع قومي خاص بأمته وببلده.…
الإثنين ٠٦ يوليو ٢٠١٥
في أي مدينة أوروبية عريقة بإمكانك أن تشرب فنجان قهوتك في مقهى جلس عليه أبطال روايات كبرى قرأتها، أو تتناول غداءك في مطعم من المطاعم التي مرّ عليها هؤلاء الأبطال. وبإمكانك أن تعثر في سانت بطرسبورج على أماكن دارت فيها أحداث روايات ديستوفسكي وتولستوي وغوغول وسواهم، لو زرتها لوجدت الكثير من التفاصيل التي وردت في الروايات باقية على ماهي عليه، فتنتابك الغبطة الآتية على الأغلب من الشعور بأنك تقيم، تلك اللحظة، في زمنين: ماضٍ وحاضر. ما يقال عن سانت بطرسبورج يمكن أن يقال عن باريس ولندن وبرلين، بل إن الناس ما زالت تعرف الزاوية التي كان جان بول سارتر يفضل الجلوس فيها في المقهى الذي يتناول فيه إفطاره، حيث يتحلق حوله المريدون. يحرص القائمون على تلك المدن أشد الحرص على العناية بتلك الأماكن وذاكرتها، ليس فقط لأن الأدباء أو الفنانين مروا فيها، وإنما ضمن استراتيجية شاملة للحفاظ على ذاكرة المكان، فالمقهى يظل مقهى، والمطعم كذلك، حاملاً الاسم نفسه الذي كان له منذ قرن أو قرنين. من عرف بيروت في أزمنة سابقة يذكر ولا شك تلك المقاهي الجميلة في شارع الحمرا التي كانت مقصد أدباء ومثقفي تلك المرحلة، التي شهدت سجالاتهم ونقاشاتهم وربما خصوماتهم أيضاً، لكن هذه المقاهي اختفت اليوم، ليس فقط لأن روادها رحلوا عن الدنيا أو تغربوا، ولم تعد…
الثلاثاء ١٤ أبريل ٢٠١٥
الكثيرون منا يعلمون بأمر الرسالتين اللتين وجدهما "برود" الصديق المقرب للكاتب الشهير كافكا بين أوراقه بعد موته، والتي طلب منه فيهما أن يحرق كل كتبه، ما جعل كُتَّاب سيرة الكاتب يطلقون على الرسالتين: "وصية كافكا" . أعطت هاتان الرسالتان شعوراً بأن كافكا لم يكن يأتمن على أسراره، سوى هذا الصديق، لذا بدا مفاجئاً حين تجرأت امرأة، وبعد مرور أربعة وثلاثين عاماً على وفاة كافكا، ببيع رسائله إليها، ما كان موضع دهشة القراء والمهتمين الذين كانت في أذهانهم صورة الرجل الميال للعزلة، والعازف بطبعه عن فكرة الزواج أو حتى الارتباط بامرأة . من سياق الرسائل يفهم أن المرأة التي أرسل إليها رسائله كانت سيدة أعمال، وقد توفيت عام ،1960 وقبل وفاتها بخمس سنوات باعت هذه الرسائل لناشر أعمال كافكا، ربما لأنها قدرت أهمية هذه الرسائل في تسليط الضوء على جوانب غامضة في حياة "حبيبها" المحيرة . سنفهم أن الصديق برود هو، بالذات، من كان جسر التعارف بين كافكا وفيلس بوير، وهذا هو اسمها، حيث التقاها ذات أمسية من أمسيات أغسطس/ آب 1912 في بيت برود . كان كافكا قد أحضر مسودة كتابه الأول: "تأملات" لمراجعتها مع صديقه، حيث صادف وجود المرأة التي لفتت انتباهه . أثناء الجلسة تجاذب معها أطراف الحديث، وعرف عن مشروعها لزيارة فلسطين خلال الشهور القادمة، وراقت له…
الثلاثاء ١٨ نوفمبر ٢٠١٤
بعيد انتخابه بقليل رئيساً للجمهورية الفرنسية تلقى فرانسوا ميتران دعوة من مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا في حينه، لزيارة لندن . هناك طلب ميتران اللقاء بعدد من مثقفي البلد، فرد عليه موظفو 10 داونينغ ستريت بأنهم ربما يجدون له كُتَّاباً أو مؤرخين أو فلاسفة أو باحثين، ولكن ليسوا مثقفين . كان هؤلاء الموظفون يعرفون أنهم يخاطبون رئيساً لبلد، للثقافة فيها موقع القلب، وأن ميتران بصفته زعيماً للحزب الاشتراكي، كان يعرف عما يتحدث حين طلب اللقاء مع المثقفين الإنجليز . الجنرال ديغول، رئيس فرنسا أيضاً، لم يكن اشتراكياً مثل ميتران، ولكن حين أصرّ وزير الداخلية في عهده على اعتقال جان بول سارتر لما اعتبره دوراً رئيسياً له في تحريض طلبة الجامعات في انتفاضة ،1968 ردّ عليه بشكل قاطع: فرنسا لا يمكن أن تعتقل فولتير . في العلاقة مع الثقافة والمثقفين فإن لفرنسا تراثها الخاص الذي لا يضاهيها فيه بلد أوروبي آخر . هناك كان عصر الأنوار، وهناك نشرت مقالة زولا: "إني اتهم" دفاعاً عن المتهم البريء دريفوس، وهناك أيضاً ولد وعاش وكتب فولتير الذي شبّه الجنرال ديغول سارتر به . ذلك الطراز من المثقفين لم يكونوا مجرد رجال معرفة وحسب، رغم أهمية الدور الذي اضطلعوا به في تطوير المعرفة، لكن أهمية دورهم تأتي أيضاً من حال النقاش التي أطلقوها في المجتمع…
الإثنين ٢٠ أكتوبر ٢٠١٤
"داعش" على بعد كيلومترات قليلة من بغداد، صنعاء في أيدي الحوثيين، طرابلس الغرب مستباحة من الميليشيات و"الزعران"، دمشق مطوقة من داخلها وخارجها بالآلة الحربية للنظام وبجحافل التكفيريين الآتين من كل أصقاع الدنيا . ولا أحد يعلم على أي عاصمة عربية سيأتي الدور . كيف يحدث أن تستباح عواصم عربية بهذه السهولة واليسر، فلا تقوى الجيوش المجيشة المتخمة بالعتاد الذي أنفقت المليارات على شرائه، على مواجهة الزحف الآتي إليها من الأطراف، ويهرع الجنود إلى بيوتهم تاركين أسلحتهم في الثكنات والمعسكرات يستولي عليها الزاحفون الذين إن كان لهم من مشروع، فليس سوى مشروع التدمير والردة الحضارية الشاملة نحو جاهلية لن تُبقي ولن تذر . من يصدق أن يكون هذا مآل الحواضر والمدن العربية العريقة التي صنعت الحداثة العربية، وكانت منطلق دعوات النهضة والتقدم وتحرير المرأة، ومراكز إشعاع الثقافة والتعليم والتفكير الحر، تصبح أسيرة لميليشيات وقوى مهووسة بالشبق الجنسي ومتعطشة للقتل والذبح وجزّ الرؤوس؟ كيف نصدق أن هذا يحدث في العواصم التي كانت، حتى عقود قليلة، تضيء بما هي عليه من نظافة وأناقة وتنسيق وذوق في شكل بنائها وفي تصميم شوارعها، والتي كانت مظهراً للحداثة وهي تمر بمخاضها العسير في مواجهة المحافظة والتزمت لأنها كانت تتكئ على قوة اجتماعية حقيقية صاعدة تغطي اهتماماتها ساحات واسعة من الاقتصاد والتعليم والثقافة والفن، وصولاً إلى الفكر…