الثلاثاء ٢٣ يوليو ٢٠١٣
أهم ما يفعله الجهاديون المسلحون، على تعدد ساحاتهم الوطنية وكثرة تنظيماتهم، وعلى تفاوت قوتهم، أنهم يعززون الوقائع الصلبة والاتجاهات القابلة لأن تسود في المجتمعات التي ينشطون فيها. وهذا في معزل عن الرأي، سلباً أو إيجاباً، في هذه الوقائع وتلك الاتجاهات الكثيرة. لقد رأينا، في لبنان، عينة صغرى على ذلك في حالة الشيخ الصيداوي أحمد الأسير الذي أتاح لـ «حزب الله» مراكمة انتصار آخر وتثبيت واقع مفاده ترسيخ الهيمنة لسلاحه، وبالتالي تكريس «شرعيته» المفروضة بقوة الأمر الواقع. لا بل تمكن أحمد الأسير، بجميع قواه العقلية، من تمكين واقع زائف هو عادية التقاطع بين الشرعية الرسمية و «شرعية» حزب الله. لقد بات أمر كهذا يبدو عادياً لعدد أكبر من اللبنانيين! على نطاق أوسع وأهم، دفعت الحركات الجهادية المنتشرة في شمال سورية وشرقها، والتي أحجمت قوى الثورة عن مواجهتها، في اتجاهين يصعب التقليل من صلابتهما ومن تجذرهما. فأولاً، ومن خلال إقدامها على اغتيال قادة عسكريين وتهديد آخرين في «الجيش السوري الحر»، قوت نزوع الحرب الأهلية لابتلاع الثورة وتحجيمها. وثانياً، ومن خلال صدامها العسكري بالمسلحين الأكراد في «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي»، دفعت هذا النزوع إلى مرحلة متقدمة وُضع معها قيام دولة كردية في الشمال السوري على جدول أعمال المنطقة. وغني عن القول إن هاتين، أي الحرب الأهلية والدولة الكردية، وجهتان شعبيتان وموضوعيتان كائناً ما…
الثلاثاء ٠٢ يوليو ٢٠١٣
جاءت انتفاضة مصر الثانية تردّ على الذين قالوا إنّ ثورات «الربيع العربيّ» أتت بالإسلاميّين وثبّتتهم في مواقع السلطة، وكان الله يحبّ المحسنين. وبالطبع عجّت مثل هذه الأحكام بما لا يُحصى من أشكال الوعي التآمريّ، فضلاً عن المبالغات المحسوبة والمدروسة. فما يحصل في مصر يدلّ، في المقابل، إلى أنّ تلك الثورات فتحت الباب مشرعاً للحرّيّة التي جاءت بالإسلاميّين ثمّ مهّدت، هي نفسها، للانقضاض عليهم. هكذا، وبعد أطنان الكلام المكتوب عن «الإسلام والديموقراطيّة» ممّا لم يكن قابلاً للاختبار والقياس، يوفّر الظرف السياسيّ المحتدم تعريض هذه المعادلة، للمرّة الأولى، إلى اختبار فعليّ. والحال أنّ تجربة العام الذي قضاه محمّد مرسي في سدّة الرئاسة المصريّة جاء شهادة سلبيّة ومكثّفة في سلبيّتها على الفشل. فكيف وأنّ الإسلام السياسيّ الحاكم في تركيّا، وإن على سويّة أرقى كثيراً من السويّة المصريّة، يواجه أزمة كبرى في ممارسته السلطة، بينما الإسلام السياسيّ الحاكم في إيران، وعلى سويّة أشدّ انخفاضاً من السويّتين التركيّة والمصريّة، يستنجد بحسن روحاني الذي ربّما كان آخر أوراق التوت. هذا بذاته، ومن حيث المبدأ، تحوّل كبير سنعاينه على مدى حقبة مقبلة يُرجّح أن تطول. لكنْ بالعودة إلى مصر، تتقاطع المطالبة المبرّرة بتنحّي مرسي (أو تقصير ولايته) تمهيداً لانتخابات رئاسيّة جديدة مع معضلة كبرى تعاون على خلقها التاريخ السياسيّ والثقافيّ للبلد وحاكميّة الإخوان المسلمين بعد ثورة يناير.…
السبت ٢٩ يونيو ٢٠١٣
ثمّة تعبير يداخل كلّ قول سياسيّ في لبنان. إنّه «هيبة الدولة». والتعبير هذا لم يحظ بالانتشار الذي حظي به لولا ضعف الدولة المزمن، ولولا التوق إلى الأمن والسلام الأهليّ اللذين لا ترعاهما إلاّ الدولة والقانون. لهذا رأينا الجميع، طوائف ومناطق، يحوّلونه واحداً من محفوظاتهم الأثيرة. حتّى أكثر الكارهين لقوّة الدول وأدوار الجيوش يمكن أن يتسامحوا مع هذا المطلب اللبنانيّ الشرعيّ جدّاً، لأنّ المقصود بـ «هيبة الدولة»، في هذه الحال، ليس إنزال الطغيان في الداخل ولا ممارسة العدوان في الخارج، بل الحدّ من صلف الطوائف ومن قدرتها على انتهاج الطغيان والعدوان. لكنّ التعلّق اللبنانيّ بـ «هيبة الدولة» كثيراً ما يقود أصحابه إلى الاستخفاف والاسترخاص. هكذا يصاب كثيرون منّا بالتخمة بعد لقمتين اثنتين بسبب الجوع المتأصّل فيتراءى لهم أنّ الشبع أدركهم. على هذا النحو يغدو قمع ظاهرة غبيّة وفولكلوريّة، وإن كانت شريرة، كظاهرة أحمد الأسير في صيدا، انتصاراً لـ «هيبة الدولة» إيّاها. وواقع كهذا يقول كم أنّ تلك «الهيبة» السهلة جدّاً صعبة جدّاً. برهان ذلك لا يقتصر على تصدّع المؤسّسات الرسميّة، أو شللها، واحدة بعد الأخرى، ولا تنمّ عنه قدرة أحد النوّاب على اتّهام رئيس الجمهوريّة بـ «الخيانة العظمى» لمجرّد أنّ الرئيس قرّر أن يكون رئيساً وأن يشكو إلى العالم حكومة البلد التي تقصف بلده وشعبه. فقبل هذا، وفوق هذا، تبقى «هيبة…
السبت ٢٢ يونيو ٢٠١٣
منذ سنوات مديدة نسبياً، يتحدّث بعض المراقبين والمحللين، العرب منهم وغير العرب، المسلمين وغير المسلمين، عن ضمور الإسلام السياسي أو انحساره. لكن هذا التناول ظلّ في غالبه أقرب إلى تأملات نظرية وتكهنات ثقافية لا يسندها الواقع كثيراً. لا بل كان كثير من تلك الأطروحات يهبّ في مواجهة الوقائع الصلبة والملموسة، حتى ليبدو أقرب إلى التمنيات التي يطلقها أصحابها لأسباب شتى. ذاك أن علامات قوة الإسلام السياسي كانت تتعاظم في غير بلد من بلدان العالم الإسلامي، كما يتعاظم معها الميل الشعبي والرسمي سواء بسواء إلى تديين الحياة العامة واستعارة القاموس والمعايير وسائر الاستخدامات الوثيقة الصلة بحركات الإسلام النضالي والحركي. لكنْ منذ وصول «حزب العدالة والتنمية»، مطلع هذا القرن، إلى السلطة في تركيا، أصبحت الأمور قابلة للقياس الفعلي. فهنا، لم نعد أمام آراء ووجهات نظر عن «الصلة بين الإسلام والديمقراطية» أو بين «الحداثة والأصالة». لقد بتنا، في المقابل، أمام تجربة ملموسة في الحاكمية كما في تسيير أمور الاقتصاد والسياسة والتعليم والصحة والمواصلات وسوى ذلك مما يعني المواطنين ويستدعي رأيهم فيه. والحق يقال إن التجربة التركية جاءت تحكم لمصلحة الإسلام السياسي، وذلك لأسباب كثيرة حكمتها طبيعة المرحلة تلك. ففضلاً عن تمسك «حزب العدالة والتنمية» باللعبة البرلمانية والنظام الديمقراطي، وعن استمرار السعي للاندماج بالمجموعة الأوروبية وإظهار التوقير لمؤسس الدولة كمال أتاتورك، ظلّ العنوان الأبرز…
الثلاثاء ١٨ يونيو ٢٠١٣
نقطة واحدة مهمّة، بل مهمّة جدّاً، أسفر عنها انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران: إنّها الإعلان عن رغبات الإيرانيّين الفعليّة وعن معارضتهم، لا سياسة أحمدي نجاد وحدها، بل سياسة المرشد علي خامنئي أساساً. وقد كان صعباً تزوير الانتخابات فيما ذاكرة التزوير الانتخابيّ في 2009، وما استجرّه من «ثورة خضراء»، لا تزال شديدة الوطأة على نفوس الإيرانيّين. لكنّ الانتخابات في إيران، وكما نعلم جيّداً، تتعرّض لتزوير مسبق يمثّله دور «مجلس صيانة الدستور»، وهو قناة تصفية المرشّحين الأبرز. وقد بات معروفاً في الانتخابات الأخيرة أنّ ثمانية مرشّحين فحسب هم الذين سُمح لهم بالترشّح (انسحب منهم اثنان) من أصل 600! فإذا أضفنا هذه الحقيقة إلى انتخاب روحاني بنصف أصوات المصوّتين، تبيّن، أكثر فأكثر، كم أنّ الإرادة الشعبيّة لا تقيم حيث تقيم إرادة المرشد. بيد أنّ الحكم في إيران، وفي معزل عن موجة التهليل السقيم لـ «الديموقراطيّة الإيرانيّة»، ليس حكم الإرادة الشعبيّة، بل هو حكم المرشد وأداته «مجلس صيانة الدستور». وهذا ما يرسم سقوفاً منخفضة لما يمكن أن ينجزه روحاني، كما يستدعي تجارب سابقة تقاس عليها قدرة رئيس الجمهوريّة على التغيير. فقد زُوّر في 2009 ضدّ اثنين من مرشّحي الرئاسة يومذاك، مير حسين موسويّ ومهدي كرّوبي، وهما كانا من الأعمدة التأسيسيّة للنظام الإسلاميّ القائم. كذلك حيل، عشيّة الانتخابات الأخيرة، دون ترشّح…
الأحد ١٦ يونيو ٢٠١٣
إذا استخدمنا مصطلحات «الربيع العربي»، أمكن القول إن تركيا أنجزت مهمة «الحرية» في 2002، مع وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة. مذاك وهي تخوض معركة الانتقال المديد والمعقد إلى «الديموقراطية». وما الانتفاضة التي تشهدها اليوم بقيادة الطبقة الوسطى المدينية وشبانها، سوى محاولة شجاعة لتقصير ذاك الانتقال وتصويبه، ذاك أن الحزب الإسلامي الحاكم، الذي قاد عملية إزاحة العسكر، أبدى قصوراً ملحوظاً في ما خص التحول الديموقراطي، بسلطانية زعيمه أردوغان وعجزه عن الفصل بين العام والخاص كما بين الديموقراطي والأكثري. ولما استقر حزب العدالة والتنمية طويلاً في السلطة، بات تناقضه مع الانتقال إلى الديموقراطية عبئاً مضاعفاً على الانتقال المذكور. في المقابل، كانت الثورة الإيرانية في 1979 أدلجةً وتمتيناً للاستبداد العادي الذي سبق أن مارسه الشاه البهلوي. وفي ما خص مسألة المواطنة والمجتمع السياسي وحقوق النساء وحرية الاعتقاد والإبداع والإصلاحات الزراعية، وسّعت سلطة الخميني المسافة التي كانت تفصل إيران عن الحرية، وتالياً عن الديموقراطية. في هذا المعنى، هبت الريح الإيرانية على العالم العربي حاملةً فيها الكثير من الوحل، فالوعي الطائفي والملي وجد له صحوة جديدة في صحوتها، والانزياح من الاجتماعي إلى الديني قفز قفزة بعيدة إلى الأمام. وبدورنا استقبلنا، في العالم العربي، ذاك الوحل بكثير من الترحاب، سيما وأن الصراع مع الغرب وإسرائيل بات يتولى، في طهران، تلك المهمة الرجعية التي نُجيدها نحن…