الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠١٤
هل أصبحت «داعش» الأساس الذي تُبنى عليه سياسات المجتمع الدولي إزاء تعقيدات أزمات الشرق الأوسط، وهنا أتعمد استخدام كلمتي «أزمات» و«تعقيدات» بصيغة الجمع. أنا لست ممن يجدون الأعذار لـ«داعش» ومن سار على نهجها، ولا من أولئك الذين يجهدون في البحث عن مبررات أو أسباب تخفيفية لجرائمها، إذ لا عذر لمن يرى القتل - والقتل وحده - وسيلة لممارسة السلطة والتعامل مع الناس. ولا أحسب أنه يجوز لنا في القرن الـ21، في خضم ثورة المعلوماتية والتواصل، السماح لجماعات ظلامية وظالمة باحتكار الإسلام، بعدما كان الدارسون في جنديسابور وبغداد وفاس وقرطبة في طليعة مَن مدّنوا البشرية وأسهموا في حضاراتها الإنسانية وتقدمها في مجال العلوم والفلك والطب والفلسفة والترجمة وغيرها. لا... لا أعذار لـ«داعش» ولا لغيرها من الزُّمَر التي قررت، من دون أن تشاور المسلمين، تشويه سمعة دينهم، وتدمير حيواتهم ومستقبل أجيالهم، فتخوض حربا متخلفة عديمة التكافؤ مع مجتمع دولي قادر في أي لحظة على إفنائها... لا يمنعه من ذلك سوى تحفّظ كتلتين هما: أولا، الجماعات التقدمية والليبرالية التي ترفض، من منطلقات مبدئية، استخدام العنف حتى مع مستخدميه. وثانيا، التيارات العنصرية المتطرفة التي ترى أن البيئات التي نَمَت فيها مثلُ هذه الحركات المتطرفة المتخلفة تستحقها، لأنها - حسب زعمها - إنما هي بيئتها الحاضنة، ومن ثم يجب أن تدفع من استقرارها ثمن احتضانها…
الأربعاء ٢٣ يوليو ٢٠١٤
من الحَسَنات القليلة التي تُذكَر للسياسة اللبنانية، لدى مقارنتها مع الحالات المتعدّدة في الأقطار العربية المجاورة، أنها مكشوفة وواضحة. بل إن اللبنانيين اعتادوا الاقتناع بوجود مؤامرة حتى حيث لا تكون هناك مؤامرة أو من يتآمرون... وكان لافتا في الآونة الأخيرة، بعد زحف «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) على غرب العراق وشماله، واحتلالها الموصل وتهجيرها مسيحييها في أعقاب إعلانها «الخلافة»، تداعيات المشهد على لبنان. في الأساس، لبنان وجد نفسه بالرغم منه، وقد زُجّ زجّا في خضم الحرب الأهلية السورية التي أرادها نظام بشار الأسد خدمة لمشروعه الصغير التابع لمشروع أكبر وأخطر. وبما أن المشروع الأكبر يقوم على مبدأ الإمرة.. ولا مجال فيه للتردّد والاعتراض - هذا إذا وجد من لديه البصيرة الكفيلة بالتشجيع على التردد والاعتراض - انخرط طرف لبناني أساسي في الحرب السورية. وجاء هذا الانخراط العلني، كما نتذكر جيدا، تحت طيف متغيّر من التبريرات. كان التبرير الأول «الدفاع عن القرى التي يسكنها لبنانيون» عبر خط الحدود الشمالية والشمالية الشرقية داخل الأراضي السورية في محافظة حمص، ثم بعد إنجاز المهمة، ظهر التبرير الثاني... وكان الدفاع عن «المزارات الشيعية المقدسة»، ومعها اتسع نطاق التدخل، ليشمل بلدات في محافظتي حلب وإدلب، ثم تبلورت هذه الحرب «المقدسة» لتغدو حربا دفاعية استباقية ضرورية من منطلق التصدي للجماعات «التكفيرية» التي تهدّد لبنان (!)... وامتد…
الأربعاء ١٦ يوليو ٢٠١٤
على الرغم من مرور السنين وتعدّد التجارب نجح الفلسطينيون - في معظم الأوقات - في كسب تعاطف أشقائهم العرب وغالبية المجتمع الدولي... وذلك لأن قضيتهم عادلة والظلم اللاحق بهم منذ 1948 نادر المثال. الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني لا جدال فيه إلا إذا كان لدى المشكّك غايات خاصة، والشيء نفسه يُقال أيضا عن الظلم الذي لحق بالشعب اليهودي عبر القرون. والمؤسف أننا نشهد اليوم كيف ينزلق شعبان مظلومان كالفلسطينيين والإسرائيليين إلى صراع وجودي... بعدما خفتت أصوات الاعتدال والتعقل، وغلبت على الشارعين النزعة إلى الغلبة... بل الإلغاء. وهنا أزعم أنه إذا كانت النكسات المتلاحقة التي لحقت بالفلسطينيين قد توفِّر أعذارا ليأسهم من نزاهة مجتمع دولي لم يلمسوا منه إلا الانحياز المطلق لغريمهم، وسقوط رهانهم على أمة عربية واهنة مشتتة ها هي مهدّدة الآن بكارثة تفتيت لا تبقي ولا تذر، فما هي الأعذار التي تدفع الشعب الإسرائيلي للهروب من «الديمقراطية» إلى «العسكرة» بعد عدد من الانتصارات الحربية التي أتاحت لإسرائيل بعد حرب يونيو (حزيران) 1967 احتلال أراض تزيد مساحتها أضعافا عن مساحتها الأصلية؟ لقد قصّر الفلسطينيون في فهم طبيعة الحركة الصهيونية منذ بداية القرن العشرين. واستمرت الرهانات الخاسرة بعد تأسيس الدولة اليهودية. ولكن المسؤولية ما كانت مسؤولية الإنسان الفلسطيني وحده، فالعالم العربي كله عاش أيضا فورة «العروبة» من دون ينجح في تعريفها،…
الأربعاء ٠٩ يوليو ٢٠١٤
تبدو منطقتنا العربية أشبه بحقل يابس الزرع أقدم أحدهم على إضرام النار فيه قبل أن يتنبه إلى أن الرياح تهب باتجاهه... وأنها ما إن تبدأ بالتهام الهشيم ستلاحقه ألسنة لهبها. لماذا يبس الزرع؟ لأسباب عدة، منها الإهمال والتواكل ونقص الرعاية والعناية بالأجيال الصاعدة. لهذا فنحن، في السواد الأعظم من دولنا، ندفع ثمنًا باهظًا لضياع أجيال من شبابنا دفعهم الإحباط من الإخفاق المتنوع إلى اليأس والشعور بالتهميش... فغدوا لقمة سائغة لتجار التطرّف والانغلاق. ولم تعالج حكوماتنا الفساد بل تعايشت معه عبر عقود، وسوّغته تحت شتى التسميات. فوجد شبابنا أنفسهم في حالة مفاضلة بين «أهون الشرين»، إما تقبّل الخضوع لما هو موجود على علاته، وإما النفور من كل شيء إلى اللاشيء. أنظمة التعليم خذلته بعدما قرّرت التخلي عن فكرة التخطيط الواقعي الذي يوائم بين حاجات سوق العمل والإمكانات المطلوبة واللازمة للمؤسسات التعليمية والتأهيلية، فتدنّت قيمة الشهادة الجامعية، وتحوّلت إلى مجرد ورقة لاستجداء وظيفة، فكثر «الجامعيون» المصطفون اصطفافًا في طوابير التوظيف.. لوظائف غير موجودة على أرض الواقع، وهو ما يعني «البطالة المقنّعة». حال الأسرة تغيّرت أيضًا. فخسرت الأسرة، مثل الفرد، حالة التوازن بين الانفتاح على التغيير، والمحافظة على التقاليد والأصالة وأخلاقيات المهنة. وحتى اقتصاداتنا، ولا سيما في دولنا البعيدة عن الاكتفاء الذي توفره الثروة النفطية، كانت إما ارتجالية، وإما «آيديولوجية» التوجيه، وإما فاسدة…
الأربعاء ٢١ مايو ٢٠١٤
قرأت من دون أن أفاجأ نتيجة الانتخابات العراقية. وأزعم أن أحدا من المراقبين الحصيفين، فوجئ أيضا. المشروع الإقليمي واضح واللاعبون العراقيون يلعبون «على المكشوف»، وما عاد «هناك ستر مغطى». فالشيعي يصوّت للشيعي، والسنّي العربي يصوّت للسنّي العربي، والسنّي الكردي يصوّت للسنّي الكردي.. إلخ. وليس العراق «المحرّر»، من صدّام حسين أولا ومن الأميركيين ثانيا، حالة خاصة معزولة. سوريا أيضا سائرة بخطوات تدميرية واثقة نحو الفَرز السكاني، مع أن لنظامَي الأسدين الأب والابن «تقاليد ثابتة» في إسباغ الشكل «الديمقراطي» على أعتى أنواع الممارسات السياسية والأمنية. واليوم، على الرغم من القصف بالكيماوي وتهجير الملايين وقتل مئات الألوف وتغيير خرائط البلاد وديموغرافياته يصرّ النظام، المولع لفظا بـ«العلمانية»، على التأكيد للعالم أجمع أنه ليس فقط معاديا للطائفية، بل هو شغوف بالانتخابات والديمقراطية، حتى أنه إذا لم يتوافر مرشح للمعارضة.. اصطنع النظام مرشحا بل مرشحين. ولكي لا يبقى لبنان وحيدا، وهو الذي قال حافظ الأسد عن شعبه وعنه «شعب واحد في بلدين»، ها هم اللبنانيون موعودون باستحقاق انتخابات رئاسية.. مع أنهم آخر من يُستشار بشأنها، بصرف النظر عما إذا كانوا يدركون هذه الحقيقة المرّة أم لا. أما الفارق الوحيد بين حالة لبنان وحالتي العراق وسوريا فهو أن لبنان بلد أقرّ ميثاقه الوطني ودستوره صراحة بتقاسم السلطات على أساس طائفي – ديني/ مذهبي، وبالتالي، «قونَن» لبنان الطائفية…
الأربعاء ٠٥ مارس ٢٠١٤
تعلّمنا من الغرب عبارة «رقصة التانغو تحتاج لراقصَيْن». وحسب علمي يجيد الرئيس باراك أوباما رقص التانغو.. التي تقوم على تناسق الخطى والتفاهم التلقائي مع الشريك، ولكن كما يظهر في أوكرانيا – نلاحظ إما أن الرئيس الأميركي أخفق في إقناع «شريكه» الروسي فلاديمير بوتين في دخول حلبة الرقص.. أو أن بوتين يفضل «الجودو». مشهد الارتباك الأميركي، واستطرادا الغربي، إذا ما نحينا الكلام التهديدي الأجوف جانبا، يذكرني بالعجز الروسي المطبق عندما حاول إنقاذ الرئيس العراقي السابق صدام حسين من الضربة الأميركية القاصمة ضد حكمه في فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2003. يومذاك، خلال السنوات القليلة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، كان الروس يدركون أنهم في وضع اللاعب «الأضعف»، ولذا حاولوا في بدايات رئاسة بوتين – ما غيره – إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا نفوذهم الإقليمي فأرسلوا «مستعربهم» يفغيني بريماكوف لإفهام الرئيس العراقي أن الأيام تبدلت والعالم تغير، فما عاد هناك نيكيتا خروتشوف ونيكولاي بولغانين لإنذار أنطوني إيدن وغي موليه بالانسحاب من سيناء وبورسعيد عام 1956، ولا ليونيد بريجنيف واليكساي كوسيغين لاستخدام «الفيتو» لإنقاذ حلفاء موسكو المصريين والسوريين وإعادة بناء جيوشهم بعد هزيمة 5 يونيو (حزيران) 1967. «موسكو بوتين عام 2003» كانت هشة سياسيا واقتصاديا تستجدي نيات الغرب الحسنة. وكانت تتفهم بكثير من الواقعية أن عليها أولا التعافي من هزيمتها الاستراتيجية في «حرب…
الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠١٣
جاء على رأس تقرير إخباري قصير في إحدى كبريات الصحف اللبنانية عنوان هو حرفيا: «من يسعى لتوريط حزب الله بمواجهة مع إسرائيل؟».. السؤال يوحي بأن حزب الله بات يعد مواجهة إسرائيل «ورطة»، مع أنها كانت المسوغ المبدئي الوحيد لاحتفاظه بسلاحه دون سائر أفرقاء الصراع اللبناني بين 1975 و1990. يومذاك تخلى هؤلاء الأفرقاء عن سلاحهم مع أنهم كانوا يعدونه سلاح دفاع عن النفس والوجود في حرب بدت لفترة طويلة «حرب إلغاء» مصيرية. تخلوا عن السلاح لأنهم رأوا أن غاية بناء الوطن أسمى من آليات هدمه. وحصل التفاهم على الأولويات في الطائف، وكان على رأسها الوفاق الوطني، وبناء الدولة والمؤسسات، وصب الجهود باتجاه الإعمار وتعويض لبنان ما فاته عبر 15 سنة من التدمير والتهجير. طبعا كان هناك، في جنوب لبنان، احتلال إسرائيلي. وأقر اللبنانيون، جميعا، بهذا الواقع فارتضوا باحتفاظ «المقاومة» بسلاح «يقاوم» ذلك الاحتلال. بل أحبوا - في حينه - ذلك السلاح وأحبوا «المقاومة». وهكذا تعايش، جنبا إلى جنب، الساعون إلى بناء الدولة والساعون إلى تحرير الأرض. وتصور الجميع، إلى حين، أن الأهداف مشتركة والرؤية واحدة. ولكن مع الأسف، سرعان ما أخذ اللبنانيون وغير اللبنانيين يكتشفون حقائق كانت تمر بالبال حينا.. ثم توارى أو تتوارى. اكتشفوا أن بعض رعاة «اتفاق الطائف» ما كانوا يريدون تطبيقه إلا وفق مفاهيمهم ومصالحهم، تماما كحالهم عندما…
الأربعاء ١٤ أغسطس ٢٠١٣
عرف اللبنانيون منذ القدم بحب المغامرة وركوب الأمواج ورمي أنفسهم في ديار الاغتراب البعيدة، بحثا عن النجاح. معظم المغتربين اللبنانيين الأوائل كانوا يجهلون الجغرافيا والتاريخ.. وكذلك اللغات الأجنبية، ومع ذلك ما وقف الجهل يوما حائلا دون إدراكهم غاياتهم، إلا أن جهلهم في الجغرافيا والتاريخ هذه الأيام يرتّب عليهم تبعات خطيرة، ويضعهم مع بلدهم على فوهة بركان. خلال الأسبوع الماضي، أقدمت مجموعة مسلحة مجهولة - معلومة على خطف قبطان طائرة مدنية تركي ومعاونه، بعدما اعترض أفراد المجموعة السيارة التي كانت تقل الطيار ومعاونه على مقربة من مطار بيروت الدولي. بالمناسبة، يحمل المطار اسم رفيق الحريري، لكنه يقبع على تخوم الضاحية الجنوبية التي تضم مربع حزب الله الأمني في العاصمة اللبنانية. وكان الخلاف على موضوع «أمن المطار» ومحيطه يومذاك قد فجّر أحداث 2008 المسلحة، التي أكدت انتقال حزب الله من مقاومة إسرائيل.. إلى قوة احتلال مسلحة للبنان تمارس حماية السلاح بالسلاح. وبعد إنجاز عملية الخطف على الطريق المؤدي إلى المطار، أعلنت الحاجة حياة عوالي، التي توصف بالناطقة باسم أهالي المخطوفين اللبنانيين في أعزاز (شمال سوريا)، أن «أي مواطن تركي في الضاحية الجنوبية، وفي مدينة بيروت، هو هدف لأهالي المخطوفين، وذلك ردا على فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وذلك ليكون كل شيء واضحا وصحيحا». وتابعت: «... كل مواطن تركي في لبنان يتحمّل…
الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠١٣
ثمة ارتباك بالغ في صفوف متابعي الشأن المصري خلال هذه الأيام الصعبة؛ إذ ليس سهلا على الليبرالي المزمن، الذي يمجد الديمقراطية بلا قيد أو شرط، أن يجد نفسه متضامنا مع قوى دينية يقوم التزامها السياسي على السمع والطاعة. وقد يتردد كثيرون ممن يجدون في «العسكر» أسوأ ظاهرة حكم على امتداد العالم الثالث، في تأييد إقدام «العسكر» على إزاحة رئيس منتخب عبر انتخابات حرة. غير أن هذا الوضع المأساوي الذي انزلقت إليه مصر بعد سنة من انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسا، وسنتين من إطاحة حكم حسني مبارك ومشروعه «التوريثي»، يحتاج إلى شيء من الواقعية.. والكثير الكثير من الصراحة. فالديمقراطية، من حيث هي ممارسة سياسية، تأتي بأشكال عدة في حقول تجارب مختلفة، وليست إطلاقا وصفة سحرية تنفع في كل مكان وكل زمان بالشكل نفسه والمضمون ذاته. ثمة «ديمقراطيات» عدة في المجتمعات التي تمارسها أو تزعم ممارستها، فالديمقراطية السويسرية - مثلا - تختلف عن الديمقراطية اليابانية، والديمقراطية الأميركية تختلف عن الديمقراطية الألمانية. وما شاهدناه قبل سنة في مصر خلال المعركة الانتخابية بين الدكتور مرسي ومنافسه الفريق أحمد شفيق تجربة مغايرة للتجارب الديمقراطية التي يمارسها الفرنسيون. أصلا، ثمة مبدأ بسيط جدا مضمونه أن «لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين». وعبر التاريخ رأينا نماذج لأنظمة حكم تسلطية ألغت تداول السلطة في أعقاب وصولها إلى الحكم عبر…