الخميس ٠٢ أكتوبر ٢٠١٤
كالعادة.. سوف تأتيكم عبارة "عيد بأية حال عدت" في عشرات المقالات عبر الصحف العربية، ولعل الكتاب معهم حق في جزئية الألم العربي الكبير الموجع.. وما من شيء يعبر عن مكنوناتهم مثل صدر البيت الشهير لأبي الطيب المتنبي، فالذهنية العربية بصورة عامة لا تتقبل الفرح وقت الحزن، وما يغمر العرب بصورة عامة هو شعور الألم لما يمر بهم إخوتهم في البلدان المضطربة، وهو ذروة التلاحم مع من تربطهم معهم روابط الأخوة والدم واللغة والدين.. من يحزن معذور فالقتل المجاني والدمار والخراب والتشريد والتهجير.. كلها أمور تجلب الحزن. ومن يريد الفرح معذور أيضا، فلا ذنب للأطفال في ما فعله الطغاة، ولا ذنب لهم في أن "تنظيم داعش" ظهر ليحول المشهد إلى كارثة. ولأن هذا الزمن في غير أماكن الهلاك حافل بما يشبع رغبات الأطفال، فقد عقد صغاري في مغتربهم اجتماعا طارئا لمجلس بيتنا وأقروا برنامج عيد الأضحى الذي يطلّ علينا، وخشية "ربيع عربي" مفاجئ لم يكن علينا نحن الكبار إلا إزاحة "الحزن" والخضوع لبرنامجهم بديموقراطية لا مثيل لها، لأن حدوث تمرّد ضد النظام القائم في البيت قد يؤدي إلى كارثة تنتهي بحالة شبه "داعشية"، وكذلك لأن الديموقراطية تقول إن العيد للأطفال ويفترض أن يعيشوا خلاله أوقات فرحهم كما يحبون. أما نحن الكبار فمهمتنا تختصر بـ"الحزن" ومعايدة الأهل والأحبة وفي تلبية ما يريد…
الخميس ٢٥ سبتمبر ٢٠١٤
عادت مدينة الرقة السورية إلى الأضواء خلال فترة الاحتلال "الداعشي"، وتخطى الأمر ذلك لتصبح أحداثها خبرا عالميا خلال اليومين الماضيين، بعد قصف مواقع تنظيم "داعش" فيها من قبل القوات المتحالفة ضده. وعلى الرغم مما عانته المدينة من إهمال طوال العقود الماضية، إلا أنها لم تكن هامشية عبر تاريخها، وقد يكون لوقوعها على ضفة نهر الفرات دور كبير في تاريخها الضخم، ففيها اكتشف أقدم مسكن بناه الإنسان في تل مريبط، ويعود إلى الألف العاشر قبل الميلاد، وفيها ازدهرت مملكة توتول مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وقد ظهرت معالمها في تل البيعة قبل نحو ثلاثين عاما. أما الرقة الأحدث فقد أنشئت قبل الميلاد بقرنين ونصف القرن، وعرفت باسمها الحالي مع الفتوحات الإسلامية في العام 639 م، ومعنى الرقة في اللغة: "كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء أيام المد ثم ينضب"، ومن أهم الأحداث التاريخية التي عرفتها الرقة معركة "صفين" التي وقعت قربها. ازدهرت الرقة مجددا منذ العام 772م، حين أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ببناء عاصمة صيفية للخلافة بجانبها، فكان أن أنشئت الرافقة على شكل حدوة حصان، بشكل يقارب المخطط الهندسي والنمط المعماري لمدينة بغداد، ثم تداخلت الرافقة بالرقة لتصبحا مدينة واحدة. ولعل الشهرة الأكبر نالتها المدينة أثناء فترة حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي اتخذها عاصمة للدولة بين…
الخميس ١٨ سبتمبر ٢٠١٤
كلما تقدم الزمن كثر ظهور الجماعات المتسترة بعباءة الإسلام لغايات متنوعة كالتسلق السياسي أو النهب والسلب أو التسلط على الناس.. وغير ذلك. والملاحظ أن تلك الجماعات التي تسمي نفسها عادة بمسميات دينية تنشط دائما في أماكن الفوضى، فتحمل السلاح وتهيمن على الأماكن، وتمارس أفعالا تسيء إلى الإسلام وتنفر العالم منهم، كما شهدت أفغانستان من قبل، وتشهد سورية والعراق حاليا. وإن كان أمراء الحرب في أفغانستان قد اقتتلوا فيما بينهم بعد خروج المحتل السوفيتي، فإن الساحتين السورية ثم العراقية بصورة أقل، قد بدأت فيهما المعارك ـ بوجود الأنظمة ـ بين التنظيمات الإسلامية، سواء تلك التي تتبع تنظيم القاعدة أو المنشقة عنه أو الجماعات التي تكاثرت حتى لم يعد أحد يستطيع إحصاءها. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن تلك الحالة ليست محصورة بمذهب بعينه، فما تفعله الجماعات ذات الأسماء الدينية في لبنان واليمن والعراق وسورية ومصر من أحزاب مؤدلجة ومسلحة، لا يختلف بأي حال عن سواه من ناحية الهدف والأسلوب المطبق لبلوغه، مما يقود إلى أن الإسلام بات هو الوسيلة الوحيدة لدى هؤلاء؛ اعتقادا منهم بأن ذلك يسهل عليهم المهمة نظرا لقابلية الناس للانجراف وراء الدعوات الدينية بحكم تركيبة كثير من المجتمعات، غير أنهم لم يدركوا أن الحسابات قد تغيرت مع انتشار الوعي نتيجة الممارسات غير العقلانية لعناصر تلك الجماعات. في…
الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠١٤
لا يمكن للعبث الذي تمارسه جماعات الإسلام السياسي أو التنظيمات الإرهابية المتطرفة أن يستمر شأنه شأن أي خطأ، فالقاعدة العامة تقول إن الخطأ إلى زوال، ولا يصح سوى الصحيح في نهاية المطاف. ولكن متى؟ وكيف؟ وبعد ماذا؟ وما ضريبة وجود الخطأ إن طال زمنه؟ جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في النصف الأول من القرن العشرين حاولت استمالة الناس باسم الدين، لكن مقتل الجماعة كان في ممارسة العنف عبر الجناح المسلح فيها، وتسلمها لحكم مصر لم يكن في حقيقته لقناعة بها بقدر ما كان ردة فعل ضد الخيار الآخر الذي رجح الشعب كفة الإخوان عليه، غير أن التجربة الإخوانية الفاشلة في إدارة الدولة وما تبع ذلك من عنف وتخريب وإجرام أنهى حلم الإخوان في العودة إلى الحكم حتى الأبد، فاتباع سياسة "إما نحكم أو نخرب ونقتل" ليست مجدية.. وتحفر قبر صاحبها وتنهي طموحاته، ويضاف إلى ذلك أن الإخوان شوهوا الإسلام الذي يتحدثون باسمه. أما تنظيم "داعش" فهو حالة عرضية انتابت المنطقة، وقد عاث فساداً ولم يشبع، ويريد متابعة طريق العبث غير العقلاني والخارج عن نطاق الزمن والكينونة البشرية، وما يمارسه عناصره من ذبح وسلخ وقطع رؤوس وتعليقها في الساحات العامة ليس إلا إجراماً.. وبينما تنبه العرب مسبقا إلى خطر التنظيم وحذروا العالم منه بقي الغرب متفرجا إلى أن وصلت إليه جرائم…
الخميس ٢٨ أغسطس ٢٠١٤
قد تخلق الأزمة مبدعا، وقد تكشف أزمات عن طاقات كامنة لدى البعض، لم يجدوا فرصة لإظهارها؛ لانشغالهم في معترك الحياة وتأمين متطلباتها. مصطفى حميدي، مدرس اللغة الإنجليزية المتمكن من مادته، والمعروف بإخلاصه لمهنته في مدينته الرقة التي خرج منها ليستقر خارجها ريثما تنتهي الأزمة السورية، اكتشف ذاته الكتابية في لحظة حوار داخلي، فكان أن كتب في تجربته القصصية الأولى نصا سرديا يحتوي العمق والفكرة والرؤية. وإلى ذلك فلغته السردية السلسة تصل إلى المتلقي بهدوء، فلا تكاد تبدأ القراءة حتى تستمر إلى النهاية. لم يوظف في نصه ما ألفناه من مفردات استهلكت لدى الكثير من جماعة السرد، فاتسمت محاولته الأولى بالعفوية والبساطة، وامتلك أيضا حسن الختام، إذ أقفل نصه بطريقة السهل الممتنع. حميدي يؤكد أنه ليس كاتبا بل مجرب، وأرى ويرى كثير ممن اطلعوا على نصه أنه قادر على الاستمرار والتحليق في عالم السرد، ومع متابعة المحاولات، فإنه سوف يكتشف أدواته ويصنع مفرداته الخاصة وكذلك لغته، فالمحاولة التي قرأتها ليست في حقيقتها مجرد بداية، بل هي نتاج تجربة حياتية وثقافة مخزونة في الذاكرة من قراءاته باللغتين العربية والإنجليزية، وأذكر أنه كان يقرأ بشغف، ويهتم بحضور الأمسيات الأدبية أيام الدراسة في جامعة حلب، ولذلك فهو لا يكتب من فراغ، بل يرتكز على مكونات راسخة في ذهنه، ولعله إذ يجمع عصارة مخزونه، يستطيع…
الأربعاء ١٣ أغسطس ٢٠١٤
وها قد قررت أن أتحدث بعد خمسين يوماً من التصرف بروية ومحاولة إصلاح وترقيع ما ارتكبه الإسبان بحق عائلة مسالمة، ولكن دون جدوى. تشعر أنك تخاطب صخوراً صماء لا تحس، بل تعاملك بازدراء ودونيّة، ولذلك لن يكون الحديث إلا بداية قد تنتهي بكتاب يروي مأساة شعب زادت معاناته من نظامه ومن المرتزقة والإرهابيين الذين استباحوا دمه وأرضه، وأتى الإسبان وغيرهم ليكملوها باستباحة أمواله وهدرها عبثاً، ولم يتورعوا أن «يلهفوا على الماشي» جزءاً منها، وكل ذلك موثق بتجربة شخصية معهم. قبل أن أبدأ، ليت الإسبان يعلمون أني لم أقرر الذهاب إلى بلدهم حباً بهم بل حباً بولدي «بشر» لأن مدرب «التنس» نصحه بمعسكر صيفي تدريبي تنظمه أكاديمية في برشلونة، ووددت تلبية رغبة الطفل ودفعت مبلغاً بحوالة مصرفية تضع الأكاديمية اليوم الذرائع لعدم إعادته، لكن حتى طموحات الأطفال تتحطم حين تغيب إنسانية الإسبان. يقول أكبر مسؤولي سفارتهم في أبوظبي إن الأمر خارج نطاق صلاحياته أياً كان الشخص، وينفي مسؤول كبير في الخارجية أنهم أصدروا تعليمات بهذا الخصوص، والواقع يقول إن عبقرية الإسبان لم تتفتق فقط عن عدم منح تأشيرات السياحة أو الزيارة للسوريين بل زاد الأمر إلى تعمد إهانتهم، وحين تتقدم للحصول على التأشيرة لأفراد عائلتك مع العاملة المنزلية، فلا يخجل الإسبان من منحها للعاملة المنزلية ورفض منح التأشيرات لأفراد العائلة، ويدّعون…
الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠١٤
سبق أن كتبت هنا تلميحاً، واليوم لا ينفع التلميح، فالوضع بات أكثر من طاقة شعب على التحمل، فأن تصبح مشبوهاً لأن حرباً تدور في بلدك لمجرد أنك تحمل جنسيتها فتغدو منبوذا من العالم كله، وترفض الدول استقبالك أيا كنت ومهما كان وضعك الثقافي والإعلامي فتلك كارثة بحق شعب لم يرتكب ذنبا، ويدفع ثمن صراع على السلطة وطموحات قتلة ومرتزقة وجماعات إرهابية يتناهبون ويتبارون قتلا وتدميرا. مثال ذلك فهم الإسبان الثقافة من باب أعوج، فأي سوري لديهم هو مشروع لاجئ، ولأن بلادهم مشبعة بالعاطلين عن العمل واقتصادهم في حالة يرثى لها من التردي، فقد قرروا ألا يمنحوا تأشيرات للسوريين حتى وإن كانت سياحية، ولا يهمهم إن كان من يريد السياحة شخص لديه عدة مؤلفات وآلاف المقالات ومئات المحاضرات والأمسيات الأدبية، فجريمته لدى الإسبان أنه "سوري" وتلك صارت كما يبدو تتخطى التهمة لديهم إلى الوصمة وإلى الامتهان وعدم إبداء أي احترام. ما أكتبه ليس نقلا عن أحد، بل تجربة شخصية مسنودة بالوثائق مررت بها خلال الشهرين الماضيين، واستنفدت كل الطرق لإقناع الإسبان بأني شخص جيد، ومستقر في دول الخليج العربي طوال العقدين الماضيين، ووضعي مريح ماديا ووظيفيا ولا أحتاج أن أتشرد مع عائلتي في حكاية لجوء ومخاطرة بمستقبل الأطفال أو فقدان عملي وخلاف ذلك، ووصلت المساعي إلى السفير الإسباني في أبوظبي شخصيا،…
الخميس ٣١ يوليو ٢٠١٤
لا يختلف صاحبا عقل في ظلامية عناصر "داعش" أو همجيتهم، غير أن الإشكال الذي يدعو للبحث والتفكير هو في كيفية تكاثر "الداعشيين" وسهولة تجمعهم في أماكن متفق عليها.. ثم امتدادهم وانتشارهم في المدن وسيطرتهم عليها واحدة تلو أخرى.. تحدثت منذ فترة عبر السكايب مع صديق في مدينة الرقة السورية بداية احتلالها من قبل "داعش" فأخبرني أن عدد أفراده في الرقة ما بين 600 و700. ومع هجوم المجموعات الأخرى على "داعش" قبل شهور في حلب ودير الزور وريف إدلب.. حدث الهروب الكبير إلى الرقة، إذ نسي المهاجمون أو تناسوا قطع الطرق المؤدية إليها، ولذلك لم يتمكن من هاجموا "داعش" في الرقة من طرده آنذاك لمجيء الدعم – وإن كان على شكل هروب- من المحافظات والمدن الأخرى. والصديق ذاته حدثني بعدها قبل حوالي شهرين قائلاً إنهم صاروا أكثر من ثمانية آلاف وإنهم يتكاثرون بسرعة، فهم يأتون بكثافة من خارج الدولة حتى صارت المدينة وأريافها تعج بهم.. وتوقع وقتها أنهم سيكونون على أطراف دمشق بعد ثلاثة شهور كحد أقصى، وبالفعل هذا ما حدث خلال الأيام الماضية، مما يعني أن المسألة ليست مجرد عبث، فتنظيم "داعش" لديه نية توسعية أعد العدة وخطط لها وينفذ ذلك بصورة شبه دقيقة كما يبدو، وإن تعثرت إحدى المراحل لظرف ما فالواقع يقول إنه استطاع تخطي العثرات لبلوغ مراده.…
الخميس ١٧ يوليو ٢٠١٤
ما نتج عن الغلو في التطرف بات واضحا للعيان لا يخفى على أحد.. والمحصلة هي مجموعات متطرفة تتبنى العنف لتحقق المكتسبات وتسيطر على البلاد حتى ولو بطشت بأهلها باسم الدين، وها هم عناصر "داعش" يؤكدون ذلك بأفعالهم في المناطق التي سيطروا عليها. إن كان التطرف مصيبة لدى حامله فإن الغلو فيه كارثة تؤدي إلى اشتعال المكان، ويبدو أن المحاولات التي بذلت من قبل العاقلين لتصحيح المسار الفكري للمتطرفين أثرت على عدد ممن قبض عليهم وتمت محاورتهم، غير أنها لم تصل إلى المتطرفين البعيدين، وبالتالي ظلوا جميعهم على ما يعتنقون من مبادئ لا يعرف أصحابها أسلوبا للحياة غير العنف والقتل والقمع، وعلى الرغم من ذلك فهم يقترحون أنفسهم وتنظيماتهم بديلا للأنظمة القائمة في الدول الإسلامية وحتى غير الإسلامية، ولديهم نزعة توسعية تستند على الهمجية وإرعاب من يجتاحون مناطقهم حتى يهابوهم، والأمثلة كثيرة عن مناطق احتلها "الداعشيون" وعاثوا فيها خرابا. قد يكون الحوار الفكري مجديا مع من يتقبل عقله الحوار أو من هو مستعد جزئيا لأن يتحاور أو من فيه بقية من بذرة خير، أما أولئك الذين وهبوا عقولهم لزعيم التنظيم فلا مجال لإقناعهم، لذلك يفقد الحوار معهم معناه لأنه في هذه الحال ليس سوى وسيلة لتمديد زمن استمرارهم، ويبقى الخيار الوحيد للتعامل معهم اجتثاثهم بشكل كامل من جذورهم والقضاء على كل…
الخميس ٠٣ يوليو ٢٠١٤
ما يصلح لزمن ما قد لا يصلح لزمن آخر، فالمتغيرات والظروف المكانية والدولية وغيرها تجعل محاولة العيش في القرن الحادي والعشرين بجلباب القرن الثاني الهجري ضربا من الخيال وربما الجنون. ما سبق ينطبق تماما على من كانوا ينادون بعودة دولة الخلافة في فترات سابقة، ولعل سباقا غير معلن كان يجري بينهم؛ ليحوز أحد التنظيمات الإسلامية الحركية أو المتشددة على قصب السبق بإعلان دولة الخلافة وتسمية خليفة المسلمين. أما وسيلتهم لبلوغ الهدف فهي استخدام العنف والقتل وسفك الدماء.. وهكذا جاء ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" ليكون أول تلك التنظيمات تلك معلنا نفسه دولة خلافة، وزعيمه خليفة للمسملين. هناك الكثير مما أعرفه ويعرفه غيري، من خلال أحاديث الأصدقاء والمقربين ممن يعانون ظلم وجبروت "الدواعش" في مدينة الرقة السورية، وغيرها من المدن التي مر بها أو احتلها هذا التنظيم، فأي دولة خلافة تلك التي يبيح خليفتها لأزلامه نهب الممتلكات والمحلات والبيوت والاستيلاء عليها، وكم من بيوت غادرها أصحابها أياما ليفاجؤوا لدى عودتهم أن "داعشيا" حطم الباب وأعلن ملكيته للبيت باسم الإسلام. في الرقة وغيرها من المدن التي يسيطر عليها مرتزقة "البغدادي" من شذاذ الآفاق القادمين من مختلف الجهات، يسرق عناصر "داعش" ويقطعون الطرق على الناس ويقتحمون البيوت ويعتدون على الحرمات، وقانون دولة الخلافة المزعومة الذي يعاقب الآخرين على شبهات…
الخميس ٢٦ يونيو ٢٠١٤
كم من الأعمال الأدبية سوف تؤرخ لمرحلة مرّة من تاريخ بعض الشعوب التي عانت وقاست صعوبة الحياة، فتشرّد من تشرّد وهُجّر من هُجّر، ومات الكثير تحت التعذيب أو في طريق اللجوء إلى دول وراء البحار وغيرها من معاناة لم يشهدها العالم من قبل. تمارس بعض الأنظمة القمعية أفعالها ويدفع المواطن الضريبة من سمعته وراحته وحركته وتنقلاته.. وحتى من احترامه أمام العالم.. هذا هو باختصار واقع المواطن السوري اليوم الذي صار منبوذا من مختلف الدول في جميع القارات.. مواطن اضطرته ظروف الحرب إلى مغادرة وطنه بحثا عن عيش آمن له ولأسرته، وكم من عزيز ذل، وكريم أهين، وغني فقد ممتلكاته ليقبل بعمل لم يعتد عليه لا لشيء سوى أن يسد جوع أطفاله. المنبوذون السوريون تخطوا حدود وطنهم، وانتشروا في الكرة الأرضية، ولم تعد الدول تقبل زيارتهم، وبلغ الأمر أن صار المقيمون في دول الخليج العربي وهم في وضع مالي ميسور لا يستطيعون استخراج تأشيرات سياحية إلى دول أوروبا.. فقط لأنهم سوريون. وأعرف مقيما في دولة خليجية تقدم للحصول على تأشيرة ليزور إسبانيا مع عائلته وبرفقتهم العاملة في رحلة سياحية لاستحالة زيارة وطنهم في هذه الظروف، فمنحت السفارة الإسبانية التأشيرة للعاملة وحرمت جميع أفراد الأسرة منها لأسباب واهية، مثل عدم التأكد من إمكانية العودة، أو عدم القناعة بسبب الزيارة.. مع العلم أن…
الخميس ١٩ يونيو ٢٠١٤
أحياناً يحمل التراث الفني للشعوب كثيراً من المتعة بتداخلاته مع القصص المجتمعية في فترات البساطة قبل تطور العصر إلى مرحلة لم يعد فيها الناس قادرين على صناعة تراث يتركونه للأجيال المقبلة. ولا تكاد توجد أغنية تراثية إلا ونلقى معها رواية حول نشوئها الأول، ويحار الباحث في واقعية تلك الروايات أو كونها محض خيال أنتجه العقل الجمعي وقتها. كمثال على ذلك، أغنية عراقية ما زالت تستعاد في كثير من السهرات والسمرات على المستوى العربي وليس العراقي وحده، ويعدها كثير من المدن من تراثها مثل حلب.. وما بين "فوق إلنا خل" أو "فوق النخل" ثمة حكايات تروى.. وهذا المطلع للأغنية الشهيرة التي انتشرت بصوت الفنان العراقي الراحل ناظم الغزالي، وأداها برقيّ الفنان السوري صباح فخري، فيه أكثر من قول. فهناك من استهجن جلوس الحبيبة فوق النخل ليغني حبيبها لها وهو واقف تحت، ورأى أن المطلع هو "فوق إلنا خل.. فوق فوق، يابا فوق إلنا خل فوق".. واستدل بقصة تفيد أن عاشقا يمر كل يوم ليحظى برؤية حبيبته وهو من ذوات العز والجاه، وتسكن قصرا منيعا يحيط به الحرس. وحين أثار الفتى ريبتهم سأله أحد الحراس عن سبب مروره اليومي من هذا الطريق، فأجابه "فوق إلنا خِل فوق....". ويرى بعضهم أن البلاغة هي عنصر رئيس في الفكرة، ففي البلاد التي تفخر بالنخل، يصفون…