السبت ٢٤ فبراير ٢٠١٨
استخدام الدين في السياسة ليس بالأمر الجديد، إذ منذ أن عرف الإنسان «الدين» بمعناه العام، عرف أيضاً كيف يوظفه ويستخدمه من أجل الدفع بمصالحه الذاتية! والإسلام ليس استثناءً، فقد وظفته كل من الإمبراطورية البريطانية، من أجل تحقيق مصالحها، من خلال إعلان «الجهاد» في الحرب العالمية الأولى، لحشد مشاعر المسلمين، وبخاصة في الهند، للالتحاق بجيشها ورفده برجال مقاتلين، كما فعلت الإمبراطورية الألمانية بالضبط منذ فيلهلم الثاني، حتى أدولف هتلر! أيضاً لحشد الأنصار ضد العدو، وتمكين المصالح الألمانية! حسن البنا استمد فكرة تنظيمه الحلقي، من التنظيم الحديدي النخبوي، الذي أسسه هتلر تحت اسم «إس إس»، ولم يكن ذلك التنظيم إلا مرتكزاً على فكرة مسيحية قديمة، بناء «مجتمع نخبوي له مهمات ربانية»! أي إقصاء غير المتماثل وتهميش المختلف. على مدى قرن تقريباً في عالم العرب، تجمعت ظروف سياسية مختلفة ممتزجة مع أوضاع اقتصادية اجتماعية سياسية، لتخرِج في النهاية شيئاً من الحركة الاجتماعية، سميت «الصحوة»، قليل من المتابعين انتقدوا تلك الفكرة وقتها، من بينهم، وربما يعجب البعض، الشيخ المرحوم محمد الغزالي، الذي نشرت له مجلة «العربي» مقالاً بهذا المعنى في الثمانينات من القرن الماضي، أما الدكتور أحمد أبو المجد، فقد ساهم أيضاً في نقد «الحركة» الواسعة، وبخاصة أطرافها «المغالية» في عدد من المقالات في المجلة نفسها، كانت بعنوان جامع «حوار لا مواجهة» نشرت في…
السبت ١٠ فبراير ٢٠١٨
بالعودة إلى المشروع الإيراني الذي ربما يرى البعض أنه عودة ثانوية في خضم التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة، والمنذرة بمخاطر كبرى، يرى كثيرون، وكاتب هذه السطور منهم، أن المشروع الإيراني هو من أهم العوامل المؤدية للاضطراب في منطقتنا، وسوف يتعاظم دوره في الأشهر المقبلة، لأنها أشهر الحسم، كما أنه يفتح على اضطرابات أكبر وأعمق في المستقبل المتوسط. بداية لا أقصد هنا بـ«المشروع الإيراني» شعوب إيران، كما بالتأكيد لا أقصد المذهبية الشيعية، ما أقصده هو «مشروع النظام الإيراني» الذي يبدو كلما زاد التحرك الداخلي الإيراني في مقاومته نوعاً وكيفاً، اعتقدت أن التمدد الخارجي ينقذ ما وصل إليه من سكة تنموية مسدودة، نتيجة ضيق اقتصادي وسياسي وقمع للحريات، ضاقت بهما الشعوب الإيرانية، وكُلما بدت السكة التنموية مسدودة، ضغط هذا المشروع في اتجاه التوسع في الجوار، تنفيساً عن ضغوط الداخل، وتحويلاً للأنظار إلى مكان آخر. ما إن تحررت المنطقة نسبياً من الدولة الداعشية، التي أفشت الفساد، وقتلت العباد، وهدّمت المدن، حتى أصبح المشروع الإيراني التوسعي أكثر وضوحاً وتوحشاً وشهية في الاستيلاء على مقدرات الدول المحيطة. العلامات البارزة للتوسع الإيراني هي الادعاء أنها (هزمت الدولة الداعشية)! ووجب أن تأخذ مقابل ذلك بقاء طويلاً في الجوار، وهو ادعاء تجافيه الحقيقة، فمن هزم الدولة الداعشية هو تحالف دولي واسع، إلا أن تغيب الوعي، يجعل من ذلك…
السبت ٠٣ فبراير ٢٠١٨
على مدى ثلاثة أيام، آخر الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني) التأم عدد كبير من المهتمين والدارسين العرب والأجانب ذوي القامات الفكرية المتميزة، نساءً ورجالاً، في رحاب مكتبة الإسكندرية، تلبية لدعوة مديرها العام الدكتور مصطفى الفقي، وهو من أعلام الثقافة المصرية المعاصرة، لتدارس موضوع حيوي يشغل بال كثيرين هو «الفن والأدب في مواجهة التطرف». وفي مثل هذا المحفل تتعدد الآراء وتختلف وجهات النظر، كل يحاول وضع تصور لمفهوم التطرف (التعصب) وأسبابه. ولأن الحضور من مدارس مختلفة، وعلى سوية مختلفة من التجارب والمواقف والخلفيات، فمن الطبيعي أن تتعدد زوايا الرؤية والاجتهاد. عناوين الجلسات تراوحت بين الثقافة والتقدم في العالم العربي، مروراً بالنقد الأدبي والفني، وصولاً إلى الإعلام والمسرح والسينما، وكذلك الوعي القانوني، وأخيراً دور المؤسسات الثقافية، من بين عناوين أخرى. واضح بالطبع مساحة التفكير وفضاؤه التي سارت عليه الندوة. سردت ذلك لأنقل للقارئ (نبض مسرح الأحداث) في تلك الأيام الثلاثة المائلة إلى البرد على شاطئ البحر الأبيض، التي تم الحديث والنقاش فيها حول تلك الظاهرة، وهو كما يتضح مسرح واسع متعدد المداخل. ما سوف يلي هو انطباعاتي الخاصة حول مجمل ما دار في ذلك اللقاء الفكري المهم، ناقلاً ليس فقط الانطباع، ولكن مدلياً أيضاً برأيي في مجمل النقاش الذي دار. قلت من الطبيعي أن تتعدد مداخل فهم ظاهرة التطرف (التعصب) وتفسيرها، وهي…
السبت ٢٧ يناير ٢٠١٨
كثيراً ما يردد الساسة والمنظمات السياسية وبعض القوى الأهلية نداء لطلب المساعدة من «المجتمع الدولي»، وليس أكثر مرواغة والتباساً وغموضاً في العلاقات الدولية السياسية اليوم من هذا المفهوم، فأين هو المجتمع الدولي؟ هو إرادة تتحقق عندما تتسق مصالح دول كبيرة بعضها مع بعض، وغالباً على حساب دول ومجتمعات أصغر، غير ذاك فلا يوجد مجتمع دولي. أما أن يفترض أن هناك «مجتمعاً دولياً» عقلانياً ينحاز إلى الحق والعدل والمبادئ الإنسانية، فذلك غير محقق إلا في عقول الحالمين أو السذج. سبع سنوات حتى الآن والنظام السوري وحلفاؤه الدوليون والإقليميون يعيثون قتلاً وترويعاً للآمنين المدنيين في بلدات ومدن وقرى سوريا، ولا يوجد شيء اسمه «المجتمع الدولي» يردع ذلك القتل الجماعي المنظم، وتستخدم في الإبادة الغازات السامة، من دوما إلى الغوطة الشرقية إلى خان شيخون إلى غيرها من المدن السورية، والمجتمع الدولي على أكثر تقدير «متصدع» حول تلك الحقيقة. العالم منذ الحرب العالمية الأولى أدان استخدام الغازات السامة في الحروب، مروراً بالغازات التي استخدمها النظام الألماني النازي ضد مواطنيه، والتي أحدثت تداعيات كبرى في العالم، ولا تزال تتفاعل نتائجها حتى اليوم، مع كل ذلك فإن استخدام الغازات السامة في سوريا «مسألة فيها نظر» وموضوع يستحق التأني! أما استيلاء ميليشيات ممولة ومسلحة من إيران على مقدرات الدولة اليمنية، والضرب عرض الحائط بكل ما توافق عليه…
السبت ٢٠ يناير ٢٠١٨
في تجمع كثيف من أهل الرأي من كل دول العالم تقريباً، قال السيد جاك شيراك، رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق، في خطاب له في مؤسسة اليونيسكو في باريس عام 2001، قال مختصراً المشهد الصراعي العالمي، إن القرن التاسع عشر شهد صراع القوميات والقرن العشرين شهد صراع الآيديولوجيات، وأما القرن الواحد والعشرون فسيكون قرناً يشهد صراع الثقافات. الأسبوع الماضي نظم المجلس الوطني للثقافة في الكويت ندوته السنوية حول «اقتصاديات الثقافة وأهميتها كقاطرة للتنمية» تناول المجتمعون فيها دور الثقافة بمعناها الأشمل في تطور أو تعويق المجتمعات، وقد تم طرح حزمة من الأفكار النيرة في نظري حول دور الثقافة في معظم مجالات الحياة الإنسانية، وأنها، أي الثقافة بمعناها العام، غير ملتفت إليها من معظم متخذي القرار في فضائنا العربي كما تستحق. فمعظم الصراعات التي نراها حولنا اليوم هي (صراع ثقافات من نوع ما)، وقد انتبه لفكرة الصراع الثقافي الممكن مفكرون عرب، حتى قبل صمويل هنتنغتون وكتابه ذائع الصيت «صراع الثقافات» أو فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ»، قبل ذاك انتبه للإشكالية مفكرون عرب منهم محمود أمين العالم، وأيضاً المهدي المنجرة وعبد الله العروي. لماذا ما نشهد اليوم هو صراع ثقافات أو صراع هويات؟ لأن أكثر الانفجارات الصراعية في عالمنا اليوم هولاً وتدميراً، هو ما ينتجه الصدام بين فكرتين ثقافيتين متناقضتين ومتضادتين، من حيث القيم والمشاعر…
السبت ١٣ يناير ٢٠١٨
هناك خطوات حثيثة تتخذ لهندسة اجتماعية جديدة في الخليج، مشروع تشترك فيه كل دول مجلس التعاون تقريباً بدرجات متفاوتة، يهدف إلى تحويل الاقتصاد ومعه المجتمع من ريعي إلى مجتمع منتج، دون نسيان رعاية من يستحق في المدى القصير والمتوسط. من مظاهر الهندسة الجديدة والخطوات الأولى رفع الدعم التدريجي عن أسعار السلع والخدمات المقدمة للمقيمين والمواطنين من جهة، مع فرض ضريبة القيمة المضافة، مع ضخ بعض المال في جيوب المواطنين من جهة أخرى، من أجل تخفيف أعباء المشروع المباشرة في المدى القصير على أصحاب الدخل المحدود، قلت ذلك هو المظهر، أما الهدف الأكبر في المدى المتوسط والبعيد، هو إعادة هيكلة الاقتصاد وبالتالي المجتمع من أجل تهيئته للظروف المستجدة، وتحميل الجميع أعباء الاقتصاد الجديد، والمساهمة فيه أيضاً. الافتراض الذي يفهمه المتابعون والنشطاء أن تلك السياسة جزئية، وليست كلية أي (سياسة رفع أسعار السلع والخدمات)، بمعنى أن هندسة المجتمع مثلها تقريباً مثل الهندسة الكيماوية، شمولية الطابع في تفاعلاتها، وليست أحادية الجانب، خذ مثلاً تركيب الأدوية، فكل دواء يحتوي على عناصر متعددة ومعروفة تدخل في تركيبته، وإن زاد عنصر منها على العناصر الأخرى، فسد الدواء، بل أصبح مضراً للناس. وهذا ينطبق على المجتمع، فهو مكون من مجموعة من العناصر (الاجتماعية/ السياسية/ الاقتصادية/ الثقافية) يتفاعل بعضها مع بعض، وإنْ أصيب أحد تلك العناصر بالخلل تعثر…
السبت ٢٣ ديسمبر ٢٠١٧
أمام المتابعين افتراضان لا أكثر حول مستقبل العراق السياسي؛ إما التعافي، وله شروطه، أو الدخول في أشكال أخرى وجديدة من الصراع تقضي على بقية «الوطن العراقي» كما عرف. طريق التعافي بدأت تظهر معالمها من خلال موقفين؛ الأول هو موقف المرجع الشيعي العراقي السيد على السيستاني الأسبوع الماضي، حين أعلن متحدث باسمه أنه على «الحشد الشعبي» أن يسلم سلاحه للدولة، انطلاقاً من أن لا سلاح خارج سلطة الدولة، والدولة بسلاحين تعني الفوضى، وقبله بأيام أعلن المجتهد الشيعي العراقي مقتدى الصدر حل الميليشيات التابعة له، وتسليم سلاحها إلى الدولة، الأمر الذي رحبت به الدولة العراقية من خلال تصريح رئيس الوزراء حيدر العبادي، الأمر الآخر في طريق التعافي التي تسير في هذا الاتجاه دعوة الكويت لمؤتمر المانحين من أجل إعمار المناطق المتضررة في العراق، الذي سوف يعقد في فبراير (شباط) المقبل 2018. إلا أن الأمور على الأرض تختلف عن الإعلانات من المراجع أو الدولة العراقية، أو حتى المجتمع الدولي، فهناك شروط للتعافي على الأرض العراقية لم تتحقق، لأنها أكثر تعقيداً من إعلان النوايا، فمن جهةٍ هناك صراع خلف الأبواب حول من يخلف السيد على السيستاني، وهو يبلغ من العمر اليوم سبعاً وثمانين عاماً (من مواليد 4 أغسطس/ آب 1930). النظام الإيراني لا يرى في السيستاني حليفاً، حيث إنه من مؤيدي ما يعرف بـ«الحوزة…
السبت ٠٢ ديسمبر ٢٠١٧
ماكينة ما يسمي نفسه «محور الممانعة» المكونة من عدة رؤوس، من طهران إلى «حزب الله» مروراً بدمشق، تعلن «الانتصار» في مهمتها التاريخية لمحازبيها وأنصارها، وتبيع تلك الفكرة على مناصريها الذين فقد كثير منهم أي منعة أو تحكيم عقل فيما يسمعونه، يعتقدون بما يُقال لهم دون تساؤل أو اعتراض، ماكينة الانتشار الإعلامي التي تقع على مجمل متلقين ضعيفي المناعة، تروج أن المشروع الإيراني قد ساد في المنطقة العربية وانتهى الأمر، وأن نظام الأسد باقٍ لن يغير، وأن إسرائيل ترتعد خوفاً من القادم إليها، ولم يبقَ إلا اجتياح الدول العربية الأخرى وتخريبها وإشاعة الفوضى فيها، كي يعلن الانتصار التاريخي، لمشروع الخميني الخرافي. بالفحص الأكثر قرباً إلى المنطق السليم، نرى أن حزب الممانعة، كما يسمي نفسه، بفروعه المختلفة، هو في خسران. دعونا ننظر إلى الأمر من زاوية ما يحدث على الأرض. الفكرة الرئيسية لتسمية ذلك المحور نفسه بـ«الممانعة» هو حرب ضد إسرائيل، والعالم يعرف أن إسرائيل هي التي تفرض أجندتها عليه اليوم، إن كان في لبنان، فإن فرع الممانعة هناك، أي «حزب الله»، يقف بعيداً عن الحدود الدولية، وتفصله مجموعة كتائب دولية قوامها خمسة عشر ألفاً من الرجال الدوليين مسوَّمين بقرارات دوليه قاطعة، أما في الجولان فإن الاتفاق الإسرائيلي الروسي أصبح معروفاً ومنشوراً على نطاق واسع، والذي يفرض أن لا تقترب أي قوات…
السبت ١٨ نوفمبر ٢٠١٧
في الأسبوع الماضي أعلن في الكويت أسماء الفائزين بجوائز مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، هي من أعلى الجوائز العلمية التي تقدمها مؤسسة عربية، وعلى مدى سنوات طويلة قدمت هذه المؤسسة صفاً طويلاً من العلماء العرب المساهمين في إنتاج المعرفة الحديثة، كما أن جوائزها العلمية تخضع لسلسلة طويلة من الفحص والتمحيص، الذين فازوا بالجائزة المرموقة هذا العام كانوا ستة أساتذة من العرب، بينهم أربعة لبنانيين، واحد يعيش في لبنان، وآخر في فرنسا والآخران في الولايات المتحدة، تلك إشارة صغيرة لما يقوم به هذا البلد الصغير لبنان من مساهمة في العلوم والمعارف تفوق حجمه السكاني والجغرافي، وقد قدم سلسلة طويلة من النابهين الذين أسهموا في إثراء ثقافة أمتهم والعالم، فالعلم والثقافة في لبنان متأصل ونشاط المواطن اللبناني أين ما حل، هو نشاط ملحوظ ومساهم في تنمية الأوطان التي يحل بها، من جهة أخرى فإن كثيراً من السياسيين اللبنانيين تعبيراً عن انتمائهم إلى الوطن اللبناني، انتزعوا أنفسهم عند الاستقلال من الانتماء عبر الوطن اللبناني، بالانتماء إلى الوطن اللبناني في حالة توافق معروفة سميت الميثاق اللبناني، أي النأي عن الانتماء إلى خارج لبنان، للعودة إلى لبنان الوطن، وتوافقوا على أن تضمهم تلك الحدود كوطن نهائي ودائم، إذن الإنجاز العلمي من جهة، وتثبيت الوطن اللبناني من جهة أخرى، أصبح قاعدة ثابتة للبنان، ولن ترضى معه (اللبنانية…
السبت ١١ نوفمبر ٢٠١٧
في هذه المرحلة والمنعطف التاريخي المهم في تاريخ الخليج العربي، من الأوفق أن يكون لدينا مشروع خليجي واحد، قد يُختلف على تفاصيله الجانبية، وقد نتحاور حول بعض أولوياته، ولكن نحرص على أن يكون هذا الحوار داخلياً في إطار المشروع الواحد، لأنه ببساطة يواجه مشروعاً آخر هو المشروع الإيراني، الذي لا يدخر وسعاً في السنوات الأخيرة في التمدد في أحشاء الأمة العربية، ويتطلع إلى الصيد الثمين وهو إقليم الخليج، بما فيه من خيرات وموقع استراتيجي وقبلة دينية، هذا المشروع التوسعي لا يملك فائض قوة (مادية أو معنوية) تبرر تمدده، هو تصدير لأزمة داخلية عميقة، وأدواته هي استغلال السذاجة أو الشراهة لدى بعض العرب تحت غطاء مذهبي، المشروع استفز المنطقة حتى لم يعد هناك مساحة للتسامح معه، فقد تمدد في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولكن ظلت دائماً عينه على الخليج، لأنه الجائزة الكبرى بالنسبة له، ويرى هذا المشروع الإيراني التوسعي أن الصيد الأكبر في عرقلة المملكة العربية السعودية أو إشغالها عن محيطها الجغرافي، أو إغراء مكون أو آخر في هذا المحيط بالالتحاق به ولو سياسياً لاستخدامه كعب أخيل للنفاذ إلى الداخل الخليجي. وقتها تسهل السيطرة الكاملة على بقية مكونات الخليج التي سوف تسقط كأوراق الخريف، ولا استثناء لأحد. دون النظر إلى ذلك الهدف الاستراتيجي الخطر والاستعداد لمواجهته، فإن حسن النية…
السبت ٢٣ سبتمبر ٢٠١٧
ربما أكثر الكلمات والمفاهيم التي ترددت في السنوات الأخيرة هي كلمة أو مفهوم الإرهاب، وما زال البعض إما يقف أمام هذه الكلمة/ المفهوم حائراً ومشوشاً، أو مستفيداً من غموضها. قبل أشهر صدرت دراسة علمية من مركز الدراسات الدينية والجيو سياسية في المملكة المتحدة (بريطانيا) تحت عنوان «علامات في طريق القتال، ما تفصح عنه حياة مائة جهادي عن حركة عالمية» مع ملف شخصي مفصل لبعض القادة من «الجهاديين»، وترجمت هذه الدراسة إلى العربية من مركز مرصد التابع لمكتبة الإسكندرية ونشرت هذا العام، وهي دراسة تعرضت بعمق لمسيرة حياة وأفكار مائة شخصية من قيادات الإرهاب، من بن لادن إلى البغدادي، وتم اختيارهم بناء على مكانتهم في التنظيمات المختلفة، ووضعت الدراسة أمامنا بطريقة علمية واضحة تفاصيل هيكلية هذه الآيديولوجيا والرجال الذين حملوها، وجعلوا من عالم كامل يتكون أكثر من خمسين دولة، بعضها دول عظمى، تطارد هذا التنظيم أو التنظيمات المتفرعة منه، وتعجز في كثير من الأوقات عن استئصاله، حيث تشكل «حرب الإرهاب» معركة دولية اليوم تفيض بنتائجها على البشرية وتشل الاقتصاد الدولي وتثير التوترات بين دول كثيرة، وما زالت الحرب على الإرهاب هي الشغل الشاغل للدول والمنظمات العالمية. تتتبع الدراسة كيف اتخذ المقاتلون البارزون في هذه الحركات من شبه العسكريين والقادة الفكريين طريقهم ورحلتهم نحو «الجهاد الأعمى» المتسم بالعنف المطلق. بعض ما وصلت…
السبت ١٦ سبتمبر ٢٠١٧
في آخر شهر يوليو (تموز) الماضي أعلنت الحكومة البريطانية على كل وسائل الإعلام أنها بحلول عام 2040 لن تسمح بسير أي مركبة في شوارع المملكة المتحدة تستخدم البترول أو الديزل. تزامن هذا الإعلان بمثله في الجمهورية الفرنسية. بعدها بأسابيع في أوائل شهر سبتمبر (أيلول) الحالي أعلنت الصين من خلال وزير الصناعة، وهي صاحبة الإنتاج الضخم في صناعة السيارات؛ إذ يقدر إنتاجها للسيارات بثلث الإنتاج العالمي، أنها لن تسمح أيضاً بسير سيارات في المستقبل تستخدم الطاقة الأحفورية (البترول والديزل)، لذلك رصدت ستة عشر مليار دولار لإنتاج السيارة الخضراء بدءاً من عام 2019. اللافت أن عصر النفط بدأ العد العكسي، ولكن ظهر بترول آخر في العالم، هو «البترول الرقمي» أو صناعة الرقمنة، فالشركات العاملة في المجال الرقمي (جمع البيانات وتسويقها) تكسب اليوم أكثر مما تكسبه مجموع شركات النفط مجتمعة، وإذا كان التوزيع الجغرافي للنفط ومحدودية احتياطياته النسبية في العالم، من جملة العوامل التي أسهمت في رفع قيمته في بحر الزمن الماضي، فإن من طبيعة الأمور أن احتكار المجال الرقمي في العالم الذي يدر مليارات الدولارات ويسيطر على الأجندة العالمية، هو الذي سوف يسود ويقرر مستقبل البشرية، أي تقدم العلم الحديث واحتكار وسائله، هو قوة الشعوب ونقصه هو ضعفها، الفرق أن البترول يُبحث عنه، أما الثروة الجديدة فإننا جميعاً في هذا المعمورة نسهم،…