السبت ١٧ سبتمبر ٢٠١٦
مثلما هناك نظريات ومفاهيم لما بعد الحداثة وما بعد الكولونيالية، هناك مفهوم «ما بعد الحقيقة». هذا المفهوم كان عنوان غلاف «ذي إيكونوميست» البريطانية الأسبوع الماضي. بعيداً من البحث في فلسفة الحقيقة والكذب كقيمتين إنسانيتين. ركزت المجلة على الكذب السياسي السائد وتصريحات المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب وتأكيده أن منافسته هيلاري كلينتون وباراك أوباما أسسا «داعش». وعلى اتهام روسيا باغتيال مسؤول بولندي تحطمت طائرته. وادعاء زعماء أتراك أن «سي آي إي» كانت وراء الانقلاب الأخير. ونجاح الحملة التي قادها سياسيون بريطانيون في إقناع الأكثرية بأن البقاء في كنف الاتحاد الأوروبي يشكل خطراً كبيراً ويتيح لعشرات الآلاف من «قطعان» المهاجرين اجتياح البلاد. وإذا كانت أمثلة «ذي إيكونوميست» اقتصرت على بعض من كذب السياسيين في الديموقراطيات الغربية، فلدينا في العالم العربي الكثير منها، على المستويين الداخلي والخارجي. وقد دفعنا ثمن ذلك ملايين القتلى والجرحى والنازحين واللاجئين، مرة باسم المُقدس ومرات باسم الحرية والاستقلال والحفاظ على الهوية أو البحث عنها وسط الدمار. باسم الكذب المقدس تأسست دولة إسرائيل، بناء على وعد توراتي لليهود بأرض الميعاد. هذه الحقيقة «المقدسة» أسفرت عن تشريد شعب من أرضه، وعن حروب متواصلة منذ عشرات السنين. ولدينا أيضاً الكذب الصريح تبريراً لاحتلال العراق، وقد دانت لجنة تشيلكوت البريطانية رئيس الوزراء السابق توني بلير بالكذب وتضليل البرلمان والرأي العام، لكن…
السبت ١٩ مارس ٢٠١٦
«عاصفة على الشرق الأوسط الكبير» عنوان كتاب للديبلوماسي الفرنسي السابق ميشال رامبو. يغوص الكاتب في تحليل عميق للعلاقة بين الغرب والعرب وبقية «العالم الثالث»، من وجهة نظر نادراً ما نقرأها لدى المثقفين الأوروبيين أو الأميركيين. لا يتوانى عن اتهام السياسيين وصناع الرأي العام بالتزوير. ليس لأنهم خاضعون لسلطات مستبدة، ولا لأنهم غير مطلعين على ما يدور من أحداث في العالم، أو تُحجب عنهم المعلومات، بل لأنهم يمارسون رقابة ذاتية نابعة من عمق الثقافة السائدة التي تعود جذورها إلى مئات السنين. هذه الثقافة تجلت سياسياً حروباً استعمارية متتالية استمرت قروناً. وأصبحت المفاهيم التي أفرزتها جزءاً مهماً من اللاوعي الجمعي، تنظر إلى الآخرين نظرة تعال واحتقار. يكتب رامبو: «لا شيء يبعث على الضحك أكثر من عبارات قفزت إلى القاموس السياسي خلال العشرين سنة الماضية، منها: محور الشر ومحور الخير، المجتمع الدولي، الدول المارقة، من دون أن ننسى ديموقراطياتنا الكبرى، وحماة حقوق الإنسان، هؤلاء يقصفون الآخرين لمواجهة الدول الشمولية والأقل نمواً التي تهدد السلم، وأمن الولايات المتحدة، إذن تهدد العالم كله، علينا إبادة هذه الدول، فالثوار ممثلو الشعوب الشرعيون يطالبون بقصف بلدانهم بالقنابل... لقد عادت لغة الاستعمار بأشكال خفية لتكرس التفرقة بين النخبة المسيحية الأوروبية وبقية الإنسانية، مستخرجة من الأدراج هراء التفرقة العنصرية أو أسياد العرق الآري في مواجهة الدون...». هكذا يعاد التركيز…
السبت ١٢ مارس ٢٠١٦
يتساءل مثقفون أتراك، وهم يتابعون قمع الحريات في بلادهم: إلى أين يقودنا أردوغان؟ ويتساءل مثقفون عرب، بعد محاولات أردوغان العودة إلى عصر الاستبداد العثماني: أين أصبح النموذج التركي الذي أثبت أن الإسلام لا يتناقض مع الديموقراطية، ودعوا إلى تمثله في بلادنا؟ هذه الأسئلة عن مسيرة الرئيس التركي وحزب "العدالة والتنمية"، أساسها في الدرجة الأولى انفتاح أنقرة على محيطها، خلال سنوات ما قبل "الربيع العربي"، عندما طرح الحزب ومنظّره أحمد داود أوغلو، نظرية انفتاح البحار الأربعة بدلاً من أحادية التوجه إلى أوروبا، أي الانفتاح على الدول المشاطئة للمتوسط وبحر قزوين والبحر الأسود والمحيط، من دون التخلي عن الغرب. النظرية مبنية على أسس تاريخية معروفة، فقد كانت هذه البحار مفتوحة على بعضها في عهود الإمبراطوريات التي أنتجت حضارات عظيمة ما زلنا نلمس تأثيرها في السياسة والأدب والعلوم حتى يومنا الحاضر. وتطورت سياسات الدول التي كانت في كنف هذه الإمبراطوريات من أنظمة الرق والعبودية والاستبداد إلى ديموقراطيات مزدهرة. استبشر مؤيدو هذه النظرية خيراً عندما وضع أردوغان حداً لتدخل الجيش في السياسة، وأسس مع أكثر من دولة عربية مجالس عليا تخطط لاستثمار هذا الانفتاح (تبين في ما بعد أنها كانت واجهة للهيمنة). وعندما راح ينتقد السياسة الإسرائيلية ويطالب بالعدالة للفلسطينيين. لكن ما إن أطل "الربيع العربي" حتى اندثرت كل هذه الأحلام. بدل الانفتاح على…
السبت ٠٥ مارس ٢٠١٦
هزمت هيلاري كلينتون منافسها الديموقراطي بيرني ساندرز بسهولة. فقد بدا الرجل القادم من خارج «الإستابلشمانت» غريباً في طروحاته. هاجم نظام اللوبيات و»وول ستريت» والمؤسسات التي اعتادت أن توصل الرؤساء الأميركيين إلى البيت الأبيض. بدت أفكاره غريبة عن المجتمع الأميركي كأنه قادم من أميركا الجنوبية، أو من ثورات العالم الثالث. في حين التزمت السيدة كل المعايير التي يتبعها المرشحون للرئاسة، من الإشادة بممولي حملتها وتأكيد المحافظة على مصالحهم وتعزيز نفوذهم في الإدارة، وتجنيد جماعات الضغط، خصوصاً «إيباك» إلى التغني بإسرائيل وديموقراطيتها، وتكرار تعهد كل الرؤساء السابقين الاستمرار في دعمها سياسياً وعسكرياً في مواجهة الفلسطينيين والعرب، ونبذ كل من ينتقدها، أميركياً كان أو غير أميركي. حتى أن بعضهم (بايدن على سبيل المثال) يجاهر بصهيونيته ويزاود على جابوتنسكي في حق اليهود بـ»أرض الميعاد»، وحق واشنطن في رعاية هذه العودة، ويستخدم المسؤولون الأميركيون هذه الأسطورة لتحقيق مصالحهم الخاصة والعامة. وأكثر ما يلفت في حملة كلينتون الانتخابية تدخل صديقها المتمول اليهودي حاييم سابان الذي ذكّر بتاريخها المؤيد لإسرائيل، واستعادت الصحف الإسرائيلية هذه المواقف لتشاركها حملتها وتذكرت حملتها الرئاسية عام 2008 عندما سئلت عما ستفعله إذا وصلت إلى البيت الأبيض وهاجمت إيران إسرائيل بسلاح نووي فقالت: «سأمحو إيران عن وجه الأرض». طبعاً لا إيران هاجمت إسرائيل ولا هي وصلت إلى الرئاسة، لكن المهم المبالغة في حب…
السبت ٢٠ فبراير ٢٠١٦
شكل الأكراد، منذ بداية الحرب في سورية، وقبلها، الهم الأساسي لأردوغان، فحاول احتواءهم في الداخل. فاوض عبد الله أوجلان في سجنه، وتوصل معه إلى اتفاق على وقف الأعمال الحربية في الأناضول، وانسحاب المقاتلين إلى جبال قنديل في العراق، تمهيداً للبحث في مطالبهم ووضع حد للحروب المستمرة بين الطرفين منذ ثمانينات القرن الماضي، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف. هذا في الداخل التركي، أما في الخارج فخطط لإقامة «منطقة آمنة» داخل الأراضي السورية بعمق ثمانين كيلومتراً، طالباً تعاون الحلف الأطلسي والأمم المتحدة. منطقة يجمع فيها النازحين العرب ليشكلوا درعاً تمنع الأكراد السوريين من السيطرة على الحدود، آخذاً في الاعتبار ما يشكله ذلك من خطر على بلاده، فضلاً عن أن النازحين، على ما كان يأمل، سيشكلون حاضنة للمسلحين الذين يقاتلون النظام السوري، فتكون المنطقة غطاء شرعياً لهم بحجة أنهم يدافعون عن مخيمات النزوح. لكن ما حدث كان عكس ما خطط له أردوغان تماماً. في الداخل انهارت الهدنة مع «العمال الكردستاني»، وعادت الحرب إلى الأناضول، واستأنفت المقاتلات قصف معسكرات الحزب في العراق. وانقطع الاتصال بين الحكومة وأوجلان، ولم يوافق الأطلسي على «المنطقة الآمنة»، أما الأمم المتحدة فلم تتحرك في هذا الاتجاه. لم يبق أمام الرئيس سوى إرسال قواته إلى داخل سورية. لكنه لم يقدم على هذه الخطوة الجيش رفض لأن دخوله يعني اصطدامه بالأكراد،…
السبت ١٢ أكتوبر ٢٠١٣
تحاول الولايات المتحدة، منذ انطلاق «الربيع العربي» وقبل أن يصبح مأساة، استيعاب التحولات التي أفرزها ويفرزها، خصوصاً أن الذين أطاحهم كانوا حلفاءها منذ عشرات السنين، وكانت تعول عليهم في حماية مصالحها، ومواجهة أعدائها وخصومها. الرئيس حسني مبارك، على سبيل المثال، حافظ على «حياد» مصر في الصراع الذي كان عربياً إسرائيلياً طوال فترة حكمه المديدة. في هذه المرحلة شهد العالم العربي احتلال إسرائيل لبنان وانسحابها منه عام 2000، ثم احتلال العراق عام 2003، والحرب على لبنان أيضاً عام 2006، وحروباً صغيرة وانتفاضات، واغتيال الرئيس ياسر عرفات. وقعت مصر المحيدة عن الصراع في غيبوبة، منذ اتفاقات كامب ديفيد فالحرب التي خاضتها عام 1973 كانت آخر الحروب، على ما أعلن السادات يومها. لم يعد عمقها الأفريقي مهماً. حدثت فيه تحولات خطرة على أمنها الوطني، بدءاً من الصومال إلى ليبيا والسودان، فضلاً عن إثيوبيا ومالي ونيجيريا، وباقي دول حوض النيل. مارست سياسة الانكفاء على الذات، من دون أن يكون لديها هذا الترف، خصوصاً أن النهر العظيم شريان حياتها مهدد بالخطر. أما عمقها في بلاد الشام فتتنازعه قوى دولية وأخرى إقليمية، تعبث بجغرافيته وبمكوناته السكانية، وتخوض فيه حروباً، وترسم مخططات لتجزئته، من دون أن يكون للقاهرة أي دور أو كلمة في ما يجري. أي أن أرض الكنانة أصبحت محاصرة من عمقها الأفريقي والشامي. ولإسرائيل كلمة…
السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠١٣
أشاعت لقاءات الرئيس حسن روحاني نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن خطاب أوباما، أجواء من التفاؤل في الأوساط السياسية والديبلوماسية المعنية بمسائل الشرق الأوسط، وانتقادات وصلت إلى حد اتهام الرئيس الأميركي بالضعف أطلقها بعض حلفائه. فهل تغيرت إيران أم الغرب تغير؟ صحيح أن للرئيس الإيراني، أي رئيس، رأيه وتأثيره في السياسة الخارجية لبلاده، لكنه يبقى جهة تنفذ خطط المرشد وتوجهاته. والاستنتاج المنطقي يؤكد أن خامنئي ليس بعيداً عن الحراك الديبلوماسي الذي يقوده روحاني. وأن التغيير بدأ في أعلى هرم السلطة في طهران، له أسبابه المختلفة عما يشاع عن تحول إيران إلى الاعتدال، وكأن هذا التحول حصل من دون مقدمات، أو كأن الرئيس الجديد انتقل ببلاده فجأة من «محور الشر» إلى «محور الخير»، مستلهماً الغيب في رسم سياساته. الواقع أن إيران التي خاضت الحرب في بلاد الشام بكل قواها أدركت أن تراجع الولايات المتحدة وحلفائها عن الهجوم العسكري على سورية شكل نقطة تحول في سياسة هذا المحور، أوضحه أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حين شدد على الحلول السياسية، بالتعاون مع روسيا ومجلس الأمن، وأشار إلى إمكان تسوية قضية الملف النووي الإيراني، من دون اللجوء إلى القوة. وإلى وضع حد للحروب في سورية من خلال الحوار مع…
الأحد ٢٧ يناير ٢٠١٣
صادر «الإخوان المسلمون» الثورة المصرية. وصلوا إلى السلطة ليبدأ اختبارهم. لم يغيروا شيئاً في سياسة الحكم الذي حلوا مكانه. عجزوا عن تلبية المطالب الشعبية. عجزهم لم يكن نتيجة عدم خبرتهم، على ما قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بل كان نتيجة طبيعية لمسيرتهم التاريخية ولرؤيتهم إلى الاقتصاد والاجتماع والسياسة، فهم محافظون وقفوا ضد أي محاولة للإصلاح. ولم تكن الشركات المالية التي أسسوها باسم الدين سوى أدوات لنهب الفقراء وصغار الملاكين، تشهد على تلك الفضائح التي رافقت هذه الشركات في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته. رفع المتظاهرون في القاهرة شعار «خيرت الشاطر = جمال مبارك»، الأول يوهم الناس بأن سلوكه «شرعي» سيعيدهم إلى جنتهم التاريخية المفقودة، فيما الثاني يوهمهم بأنه سيدخلهم جنة الدول الرأسمالية المتقدمة. وكلاهما يعمل على إفقارهم، باعتماد الرأسمالية المتوحشة، على أن الشاطر يتصدق عليهم. والصدقة والإحسان جزء أساسي من أيديولوجية «الإخوان» التبسيطية للاقتصاد. بواسطتها، وبخطابهم الديني يعتقدون أنهم يحلون مشكلة الفقر. كتب سمير أمين مقارناً حكم «الإخوان المسلمين» في مصر بالنموذج الباكستاني، حيث «يوجد برلمان بغالبية إسلاموية ومن ورائه مؤسسة عسكرية إسلامية هي الأخرى» لكن فشل النموذج كان، وما زال، مثالاً لفشل دول العالم الثالث، منذ انفصال إسلام آباد عن الهند في أربعينات القرن الماضي. وقارنه بنموذج حكم الإسلاميين في الصومال التي أصبحت عشرات الدويلات، ثم بالسودان، حيث أدت…