الأحد ١٧ فبراير ٢٠١٩
«آيدكس»، هو شبيه بالعرس الصناعي الذي تفرح به العاصمة كل عامين، وهو ملتقى للإبداع، وعندما نصفه بالعرس، فلأننا نفهم المعرض برعايته وحضوره ومكوناته وضيوفه والمشاركين فيه بما هو أكبر من سوق سلاح، إنه ملتقى للإبداع العسكري، والحوار السياسي، والوقوف على ما يقدمه عدد من كبريات الشركات والمؤسسات العالمية والمحلية والعربية، وما تتطلبه حاجتنا وحاجة المنطقة من وسائل دفاعية، كما أننا نفهم «آيدكس» كرسالة من الإمارات إلى العالم، بأننا نحب السلام، ونسعى إليه، ونحرص على توفير مقوماته، وكان توقيع معاهدة الأخوة الإنسانية، وحضور التحاور الديني بين المسيحية والإسلام بزيارة قداسة البابا وشيخ الأزهر، دليلاً على نبذ الإرهاب بأنواعه، وخلق روح التسامح بين الشعوب، وهي رسالة يشاركنا في صنعها العديد من الأصدقاء والأشقاء، فيأتون بلادنا ليلمسوا حجم التقدم والازدهار في ربوعها، ولنخوض معاً حوار الثقافات والمساهمات في النهوض الإنساني والنهوض الحضاري، قبل رفع السلاح أو التهديد به شأن غير المتعقلين ولا الحكماء، وشأن الساعين نحو وهم السيطرة والتوسع على حساب خرائط جيرانهم الجغرافية. يعد معرض آيدكس الذي أصبح عنواناً جميلاً للإمارات، وحدثاً تقليدياً تستضيفه العاصمة أبوظبي كل سنتين، من أهم المعارض التي تستقطب أرباب صناعة التسليح وإمداد الجيوش، بحيث أصبح مدرجاً على خرائط المعارض المتميزة في العالم، وهذا تطلب جهداً في بدايته غير عادي، ودعماً غير مسبوق، ورهاناً على النجاح كان وراءه…
الخميس ٠١ مارس ٢٠١٨
- «هناك ماكينة بجانب أحد المولات» لا نعرف ما هي، هل تبيع تذاكر النقل العام أم تدفع فيها فواتير الماء والكهرباء أم مختصة بضريبة القيمة المُضافة؟ المهم نحن وإخواننا المواطنون الكرام، والمقيمون الأعزاء نمر عليها مرور الكرام، ولا تستوقفنا، والذين ركبوها يعرفون جازمين، ويراهنون على قليل استعمالها، وبعد فترة تهمل، وتظل تصليها الشمس. جاء فوج سياحي، وأعتقد أنه ألماني، وأول شيء عملوه راحوا لتلك الماكينة وشغلوها، تقول جايين متعنين، وبقوا محتارين كيف أنها لا تستجيب، وسألوا الناس، وجل الناس كانوا يريدون منهم معرفة ما هي طبيعة تلك الماكينة الماثلة أمامهم منذ زمن، كنت ماراً بالصدفة، فرأيت في عيون الألمان بريقاً يوحي بأنني أعرف كيفية عمل تلك الماكينة، فمررت سريعاً كالبرق من أمامهم، رافعاً حواجبي بصيغة النفي. - «ما في فائدة، راعي الطبع ما ييوز عن طبعه، الحين كانت لدى الناس مهلة ثلاثة أشهر لدفع المخالفات المرورية المخفضة، وظل الناس يتلكؤون، ويسوفون، ويؤجلون دفع مخالفة اليوم إلى الغد، مثل أغراض وحاجيات العيد يشترونها في آخر ليلة، وكأنها ستنتهي صلاحيتها، فيعملون تلك الربكة في الأسواق، والزحمة في الشوارع، وهذا ما شاهدناه في آخر يوم لمهلة تسديد المخالفات المخفضة، كانت إدارات المرور تنغش من الناس، ولا صلاة يوم عيد العود». - «ودي أشوف فلبينية الصبح، مب رأسها رطب، تقول صفاصيف وسبوحهن الذي على…
الجمعة ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧
هي صباحات جاء بها السفر، وفرضت طقوسها عليّ، أتذكرها، وأتذكر تفاصيل كل صباح، بمذاقه، ورائحته، وبقايا الندى على شبابيكه، وما يمكن أن يشاغب به القلب والرأس، هي صباحات إحدى عشرة مدينة، رأيت فيها ما يرى النائم أحد عشر كوكباً: - صباح القاهرة.. والنسمة الباردة المباغتة على غير العادة، صباح كان وجهه ندياً، يتراءى لك في مشهد الفجر الضبابي تعب إنسان أصيل، غابشاً نحو الرزق الحلال، وما يثقل كتفيه من أحمال الحياة، وتلك النظرة الحالمة بتغيير شيء ما! - صباح الإسكندرية.. وشقاوة الموجة الفتية، والبنت القطة الشقية، صباح يمكن أن يجعل من مدن البحر المتوسط خواتم في يديك، صباح العافية الجميلة التي يمكن أن يرسلها لك هذا الأزرق لتدفئ بها رئتيك! - صباح تونس.. يوم تسللت الشمس مخاتلة حابية من نافذة نسيت أن تغلق ستارتها، لتستقر أشعتها على وجهك ومخدتك وتشاطرك التقلب، رافضة إلا أن تغتنم صبح المدينة، توقظك وتذكّرك بحيوية الصبح ورائحة الفل وطعم الشاي بالنعناع والصنوبر والقهوة المصبوبة بالزهر! - صباح بنزرت.. حين تلتقي سواعد الجبل بخاصرة البحر، مرددين أغنية تجبر البحّار أن يطوي أشرعته، وساري الجبل أن يعود بخيله وجلبته، صباح بنزرت صباح من عطر وسفر ومطر! - صباح الدار البيضاء.. وإفطار الحاجة سعدّية، وضحكة الرضا التي تخرج من القلب: «وليدي.. يا وليدي»، صباح لم يكن ينقصه إلا…
السبت ١٥ أبريل ٢٠١٧
هي عبارة أنين ووجع من هذا الجهاز الذي لا نقدر على أن نستغني عنه، بعد ما جعل العالم في أيدينا أو جيوبنا، واستولى على كافة حواسنا، وأصبحنا تابعين له، مؤتمرين بأمره، حتى أغنانا عن الصديق وقت الضيق، ولم يعد الإنسان بحاجة لمساعدة صديق، هو جاهز إن نسيت أمراً أو أردت أن تتذكر شيئاً، مسعف للذاكرة، يكفي أنه يصغّر العالم ويقربه، ويجعل المعلومة سهلة، والخدمة جاهزة، بدءاً من النشرة الجوية وتوقعاتها والاحتياطات اللازمة من مظلات، ومعاطف صوفية، وتجنيبك الازدحام، وتوصيلك للمطعم الصغير المنزوي في شارع قصي في نيويورك مثلاً، تقدر أن تحرس، وتراقب، وتشغل مدفأة بيتك الخشبي في مرتفعات الألب، تؤمن سيارتك من السرقات، ومحاولات الخدش بمسامير ومفاتيح من حاقدين لا يعرفونك، لكنهم تغيظهم سيارتك، هذا الجهاز جاهز وبالمرصاد بالصوت والصورة، مسألة الوقوف في طابور ومراجعة محاسب البنك، وإبراز بطاقة الهوية، والإجراءات المعطلة تستطيع أن تختصرها في دقائق، وأنت تحتسي قهوتك، من تحويلات وسحوبات وإجراءات مصرفية في أي بلد تكون، والله أسمح لي أنا خارج البلاد، «أترياني لين أرجع»، ما عادت تمشي، إذا كان «المستادي» فهيماً، فسيسألك عن جهازك، ويكفي، فيه برامج تدل عليك، وعن وجودك في أي بقعة في العالم، لا تستطيع أن تتهرب أو «تهلّ» على ربعك: أنا في ربوع جبال النمسا أو غشتاد، وأنت رابظ عدال «الكوار» و«زمزمية…
الخميس ٢٥ أغسطس ٢٠١٦
مرة.. صدم فلسطيني سيارة «لمبرغيني»، وأول كلمة سمعها الجمهور المحتشد منه بعد صرختهم الجماعية: اوووف.. خسارة، حرام! يا ويلك يا سواد ليلك.. شو عملت يا«أبوالعز»؟ الله يخزي الشيطان، ويهدئ هالمَرَه.. أنا أيدي بزناركم. خرج صاحبنا «أبو العز»، وهو يكاد يحلف بأغلظ الأيمان أنه لم ير السيارة، وكأن الشيطان ألقى بغشاوته على عينيه، وأنه ما معه حق بنزين السيارة، فكيف بتصليح هذه الطيارة الحمراء التي تهدر، والتي لا يعرف قيمتها الحقيقية، بس من هيئتها غالية جداً..جداً، وبعيدة عن شوارب «أبو العز»، كما قال، وإن له أكثر من خمس وثلاثين سنة في هالبلاد، ما تخالف حتى من رادار. فجأة تحول إلى مدافع عن النفس، وأنه يريد أن يخرج رأساً برأس، على أساس أن المواطن صاحب السيارة فلوسه كثيرة، وهو ما بده من هالبلد غير يربّي هالأولاد، انسحب «أبو العز» إلى الداخل، لائذاً بالمسكنة والدروشة، ولم يذكر المقاولات، وتعبه في هذه الشمس من أجل استثمار فلل في الزعاب، ونسي محل بيع قطع غيار السيارات غير الأصلية، ومشاركة ابنه البكر في محل لبيع الهواتف المستعملة، فجأة انكمش، لأنه لا يعرف ما قيمة ما اقترفت يداه، وغدت تلك السيارة التي يكرهها منذ زمن بعيد، لا يدري منذ متى، ويعدها من سيارات الأولاد الهاملين، والذين بالتأكيد لن ينفعوا والديهم في الحياة، وحظهم في المدرسة والتحصيل العلمي…
الجمعة ١٩ أغسطس ٢٠١٦
السفر إلى أفريقيا لا يأتي هكذا كالسفر إلى أوروبا أو آسيا، فهناك محاذير يجب مراعاتها، وتدابير عليك اتخاذها، ربما بسبب حال أفريقيا ودولها البعيدة عن النور والشمس الإعلامية، وربما لقرارات في النفس البشرية أن المجهول هو أسود دائماً، وربما لقلة الاستعدادات، وأهمية الخدمات، فنظرتنا لهم أنهم الأقرب منا للغاب، والأكثر خشونة في مواجهة أمور الحياة، ما يجعل سائحاً أوروبياً يشكو من كحة بسيطة، فيصبح مصاباً بربو دائم بعد رجوعه من غينيا بيساو أو سائحة أميركية عجوزاً عطست ثم فارقت الحياة في الغابون، وأخبار أن السود بهم داء السرقة، وحمل السلاح، واللجوء للعنف، أقلها أن يسرقك نشال أفريقي من الذين يمكن أن يصبحوا من عدائي المئة متر، بلا تدريب مستمر، فيقطع نَفَسك، ويغيب مع محفظتك، تلك الصورة الهوليودية عن زنوج أميركا، ولكن العالم يسحبها على الأصل الأفريقي. تجربة السفر إلى أفريقيا سبقها توصيات من الفريق المسافر معي، حيث طلبوا مني الابتعاد وعدم التدخل، ونسيان كلمتي المعتادة: «ما في مشكلة»! لا.. في أفريقيا في مشكلة ونص! ومسألة عدم الاكتراث التي يعتقدون أنها جزء من بوهيمية محببة أستمتع، وأتمتع بها، عليّ تركها في البلاد، فقالوا بصوت واحد: «أول شيء سنعمله «الشنتار»، ولو «حمّينا» بعده ثلاثة أيام، فهناك لا تدري من أين يطير لك الشر، والبعوضة هناك كبر السَنّور، وعلينا حمل صيدلية صغيرة متنقلة…
الإثنين ١٥ أغسطس ٢٠١٦
لا أعرف من هو الإعلامي عربياً كان أو أجنبياً الذي سنّ هذا السؤال في المقابلات الإعلامية المقروءة والمنظورة والمسموعة، حتى أن أبسط مذيعة وأكثرهن سذاجة تعرف هذا السؤال التقليدي، ولا تعيره أي اهتمام، وعادة ما تسأله وهي تفكر في السؤال الذي يليه أو تسأله وهي تلعب بخصلة مقدمة شعرها، لكن سؤال الشعور سؤال مهم، وهو متغير، لا ثابت، حسب الظروف والأمكنة والأزمنة، فزمان حينما كان يسأل المواطن في فترة السبعينيات ما هو شعورك؟ يكون جوابه حاضراً: شعوري شعور أي مواطن ياه الجز، وحصل تعويض وحصل على بيت شعبي، وفي التسعينيات كان جوابه: شعوري شعور أي مواطن حصل على مزرعة، وقدر يسوّق محصوله، وتوفق بمرشد زراعي يتقي ربه، لكن اليوم شعور المواطن أكيد مختلف، وأكثر تعقيداً، وغابت البساطة كشعور تلقائي وعفوي يظهر على اللسان دونما أي تكلف، ومرات يخرج بحرج، والكثير من المواطنين كانوا يتلعثمون، ولا يريدون أن يفصحوا عن شعورهم، والنساء يكن مصحوبات بخفر واستحياء في ذكر شعورهن الذي يجب أن يكون حبيس الصدر، ولا يخرج للغُرب. شعور المواطن في الصيف يختلف عن شعوره في الشتاء، فالشتاء عادة يكون محصوراً في «غترة شال، وشاي ينزبيل» الصبح، أما الصيف فالشعور يتوزع، الذي يريد لندن، وجو لندن، والذي بعده في ضلاله القديم «بمبي نبغي، وفيها الملتقى مبيوح»، وإلا«هلو.. بيروت، من فضلك يا…
الأحد ١٤ أغسطس ٢٠١٦
هل رأيتم من مهزلات عصرنا الجديد، كيف يرمي بَعضُنَا المتأسلم المستدين المتحزبن جثث علمائنا ومفكرينا والمخالفين معنا في الرأي والفكر بحجر المعصية والكفر، ولو قدروا لأمروا بإحراق جثثهم على الطريقة الهمجية وليست الهندوسية التي تكن احتراماً مقدساً للجسد؟ هل رأيتم كيف أزبد«غنيم» وتشدق وأعلن على الطريقة «الإخوانية» تكفير العالم المسلم والعربي والمصري والأميركي الجنسية «زويل» وجواز لعنه، وعدم دفنه في مقابر المسلمين، وجاهر بفتوى عدم الصلاة عليه، ويزايد على الناس والدين أن ما تشدق وتفقه به هو من أصول الإسلام والقرآن والسنة المطهرة، وعلته في ذلك أنه ساعد«أهل الكفر والنفاق» وهم في عرف الإسلام «أهل كتاب» وتمكينهم في الغلبة على المسلمين، بعلمه ومعرفته؟ ومن يسمع أو يستمع لغنيم يقول إن المسلمين يتسابقون في علم الفضاء وغزو السماء، ولا يدرك أنهم يقاتلون بعضهم بعضاً على المذهب وعلى الخلاف والاختلاف، وأن «زويل» عابد صنم وحجر، وهو من أوصى بغسله بماء النيل، لإنه وطني مصري، وأن يدفن في أرض الكنانة، لأنه عربي، ما أشد فواجعنا في أمتنا التي خرج البعض من وسطيتها واعتدالها وسماحتها إلى تطرفها وجهلها وتوحشها، بين «زويل» و«غنيم» هو الفرق بين التفكير الحضاري المتقدم والعطاء الإنساني وبين الهمجية العصرية، وانغلاق الفكر والمنطق والعقل! ولا يستبعد أن يظهر مناد بيننا من يجيز حرق علم «زويل» وكتبه، ويعده من المهرطقين والزنادقة، ولو…
الأربعاء ٢٧ يوليو ٢٠١٦
يا لصباحات الرماد، والحزن الدفين، صباح لا يشكو إلا من رتابة الوقت، وسماكة الملل، وتلك الأخبار التي تزلزل القدم، صباح سيهزك بخبر وفاة مخرج جميل، وإنسان نبيل، «محمد خان»، واحد ممن قلبوا السينما المصرية، وجعلوها تنتبه لحالها، وتتفطن لمآلها، وأن الفن شيء مختلف عن هز البطون المشحمة، والكلام السوقي، وأن الحياة كَيف، ودخان أزرق، ونكات سائرة، «محمد خان» أيقظ السينما المصرية على واقعها المتردي، ونظرتها لواقع الحياة بنهايات سعيدة آخر الفيلم، ليرتاح جمهور «الترسو»، وينفس الفلاح عن ضيقه، ويجرب فصاحته، حين قدم أول أفلامه بعد تخرجه في «مدرسة لندن للفنون السينمائية»، «ضربة شمس» عام 1973 بطولة نور الشريف ونورا، اعتقدت أنه فيلم مقتبس أو مسروق على عادة السينما المصرية بعيداً عن ذكر القصة الأصلية، واسم الفيلم الأجنبي، وحتى ذاك الشقي الذي ابتكر المشاهد و«السيناريو» وسطوا على جهده، فقد رأينا أفلاماً أجنبية مستنسخة، إلا أسماء الأبطال فهي متغيرة، والتقنية الاحترافية غائبة، من ذاك الفيلم بدأت أنظر إليه، ومع آخرين مثل: «عاطف الطيب» و«يوسف شاهين» و«خيري بشارة» على أنهم يمكن أن يفعلوا شيئاً باتجاه السينما العالمية. بين أول فيلم وحتى آخر فيلم لـ«محمد خان» «قبل زحمة الصيف» قدم 24 فيلماً، كتب 21 فيلماً منها، أسرته الفنية تتكون من الزوجة الكاتبة «وسام سليمان» التي كتبت سيناريو فيلمي «بنات وسط البلد» و«في شقة مصر…
الثلاثاء ١٩ يوليو ٢٠١٦
مرة كنت محاطاً بكوكبة من الأساتذة والدكاترة الجهابذة على خشبة مسرح جامعة عريقة، في محاضرة تخصصية من التي تجلب النعاس، ولو كنت قبل قليل «صاحياً» من النوم، «وغرّيت نفسك طاسة قهوة كحلاء»، تحلق المحاضرون، واضعين على أرنبة أنوفهم تلك النظارات الصغيرة تأهباً. وتحفزاً للانقضاض على أي رأي مخالف، وواضعين نصب أعينهم أهمية الموضوع المطروق، تنحنحوا، و«كحّوا» جميعاً قبل مواجهة الميكروفون، وبدأ كل واحد يدلو بدلوه في أمور تخص نظرية النقد، وفنون الأدب، وتلك المصطلحات التي تشبه أسماء الأسبرين التجارية، وفي غمرة حديثهم المندفع، تصفحت الوجوه المقطبة دونما أي سبب، غير كبر العمر، وتلك الجدية التي يجبرك عليها الالتزام الأكاديمي، وقلت في نفسي لو أن هؤلاء العلّامة، الفهّامة تعطلت في بيت أحدهم حنفية المطبخ، ترى كيف سيسعى جاهداً لإصلاحها، ربما توقف مليّاً بادئ ذي بدء عند مصطلح الخراب أو مفهوم العطل، وربما استغرق في التفكير جلياً لبحث أنجع السبل، لحل المعضلة، وبأقل الخسائر الممكنة، وربما صال وجال، واستهلك الليل والنهار، لفك الحنفية ووضع الجلدة، وجعل المياه تعود لمجاريها، وهو أمر في غاية البساطة، لو طلب «البايب فيتر» - وهذا مصطلح غير أدبي، وأجنبي، يقف له شعر جلده، والذي لن تأخذ في يده عشر دقائق، وبمئة درهم، لكنه فضل أن لا يخرج ذاك النوط الأحمر، ولا يستدعي من كان بها خبيراً، وإذا…
الأحد ١٧ يوليو ٢٠١٦
نفسية العالم تغيرت، وفجأة اجتاحت الإنسان عقلية الغاب، والولع برؤية الدم، وفزع الطرائد، حيث لا يمكن تبرير «جريمة نيس» إلا بأنها خارج الوعي والإدراك ولذهاب العقل، ورجوع الإنسان بعد أن تخلى عن حذائه الجلدي الأنيق، وذهب باتجاه دغل الغابات حافي القدم، يجرح أديم الأرض بأظافره شبيهة المخلب والحافر. المجنون لا يقدم على جرف جثث طرية لأطفال عظامهم ما زالت هشّة، وما زالت أرجلهم تلبط ببراءة النظافة والطهر في عرباتهم التي تقود خطى أمهاتهم على ذلك الرصيف البحري، والجنون لا يعرف التوقيت، واختيار المناسبة، ومتى يمكن للضربة أن تؤلم إلى حد الوجع الإنساني، وغيبوبة الكآبة، والجنون لا يمكن إلا أن يعد الموت لعبة يتسلى بها، ويجد لذة غواية الشر، كانت «جريمة نيس» واحدة من بشاعة الإنسان حين يتحول بعقله نحو جنون الدم ومعانقة الشيطان. أحيانا يمكن أن نبرر للقاتل أنه تحت تأثير مخدر أو تأثير ضغط نص مقدس أو تحت تأثير غوايات الجنة واستعجالها، لكن يصعب علينا أن نبرر للمخطط الذي كان يتخيل المشهد قبل وأثناء وبعد حدوثه، وكان يمنّي نفسه على الدوام بالظفر بتلك اللذة المحرمة. ولأن فرنسا كشجرة مثمرة، لذا كثر رميها بالحجر بين الحين والحين، فهي ما إن تستفيق من هزة حتى تتلوها هزة أعنف وأنكى وأشد، والضحايا مختلطون في الدم ومختلفون في الدين والمعتقد والثقافة، ومتفقون على…
الأربعاء ١٣ يوليو ٢٠١٦
لو نحسب ما بعد الساعات السبع للدوام المقبول والمعقول، والذي يمكن أن تكون فيه الإنتاجية عالية، والإنجاز واضحاً للموظف، خاصة بالنسبة للأمهات العاملات، فإننا سنجد التراخي، ومردوداً سيئاً على النفس، الساعات الباقية والملزمة فيها الأم الموظفة بالدوام حسب ما أوصى به خبراء استراتيجيا فن الإدارة الجديدة، لو حسبناه برقم إنتاجي، ومردود مالي فسنظهر خالي اليدين، ولو قسنا «الساعات المعطلة» في حياة الأمهات العاملات، ومدى خسارتها في أعمال ثانوية، وغير ذات جدوى، في حين هي أحوج بها، وبيتها أحوج بها وأولادها أحوج بها والمجتمع أحوج بها، هذه «الساعات الضائعة» لو نحولها لفائدة المجتمع ونصفه، لكانت ذات قيمة للجميع، فربما كانت هذه «الساعات المهدورة» والمقتطعة من حساب الأمهات العاملات لو وظفناها في سبيل أولادهن الرضع أو أولادهن الطلاب أو خدمة أسرهن، لكانت أنفع، لكن مع إصرار خبراء الاستراتيجيا والذين يريدون أن يقارنوا المرأة والأم الإماراتية العاملة بالمرأة الألمانية التي يمكنها أن تقود أي شاحنة على الطرقات العامة، نقول إن الألمانية لن تتعب كثيراً إذا اشتكت إحدى خالاتها أو يمكنها أن تترك كل شيء في يدها لأن عمتها راقدة في المستشفى أو يمكنها أن تتحمل صابرة وساكتة قساوة بعض الأزواج وتعنتهم وعدم إنفاقهم على أسرهم كما ينفقون على ملذاتهم، هناك خصوصيات للناس وللمجتمعات، ومن يريد أن يضع دراسة عن مجتمع، وكيف يعيش أفراده،…