رنا زكار
رنا زكار
باحثة سورية

بين نقيضين

الأحد ٣٠ يوليو ٢٠٢٣

يتزامن شهر الهجرة مع تصاعد مشاكل الهجرات والمهاجرين والمهجرين حول العالم، وتتعالى صيحات الجميع، سكان وضيوف، نازحين ولاجئين، فيما يعاني العالم من مشاكل جمة في موارده ومناخه وسوء توزيع ثرواته، مما يفاقم من ظهور العنصرية، وإذ لا يمكن أن يكون للعنصرية وجه حق، فنحن نبحث عن تبريرات لعلنا نداري بها وجهها الفج. و"نحن" ربما تنطبق على كل الشعوب، أفراد وجماعات بدرجات متفاوتة. في ظل هذا كله، يبدو أننا كشعوب هذه المنطقة نعاني أكثر من غيرنا من مشاكل الهجرة لأسباب عديدة، وكمسلمين قد نعاني أيضاً من عنصرية في بلاد المهجر، ربما تأخذ شكل مظلومية حقيقية أو كاذبة، وكمسلمين لطالما اشتكى المهاجرون من تعامل الشعوب المضيفة معهم، أو أنهم يأولون أي تصرف مسيء على أنه ضد انتمائهم الديني. لكن هذا كله يترافق مع صورة نمطية طبعت في أذهان غير المسلمين عنا، ساهمت فيها عوامل عدة، إنما لا بد لنا من الاعتراف أننا مسؤولون بشكل أو بآخر عن جزء ليس بقليل منها، لا بل علينا الاعتراف أن كثير منا يحمل الصورة النمطية ذاتها. فإذا نظرنا حولنا في مجتمعاتنا، نجد أن أغلب المسلمين بالهوية آمنوا بما وصلهم من الموروث دونما تدقيق أو تمحيص، الشريحة الأوسع منهم هي فئة صامتة غير معنية بالصورة أصلاً، وفي طرفيها نقيضان: الأول يعتبر نفسه مسلم على الطريق الصحيح والثاني…

شر الحاسد لا عينه

السبت ٠٨ يوليو ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست:  هل وجدت نملاً في إحدى زوايا بيتك؟ هل تشاجرتِ سيدتي مع زوجك؟ هل رسب ابنك في الامتحان؟ هل تم رفضك بعد مقابلة عمل؟ كل هذه الأمور سببها الحسد، هنالك حسّاد كثيرون يتربصون بكم، لديهم عيون ذات قدرات خارقة، ساحقة ماحقة بإمكانها فعل المستحيل. لن تستغرب عزيزي القارىء، فأنت غالباً مقتنع بهذا الكلام، أو أنك لا تستبعد صحته، أو في أفضل الأحوال قد سمعته ممن حولك، فهذه ثقافة مجتمعاتنا، ونحن في بلاد الشام نستخدم مصطلح "العين تطرقك" لندعو به على أحد ما، على سبيل المزاح أحياناً كثيرة، والجد بعضها. أما إذا كنت مقتنعاً بالفعل فأول ما سيتبادر إلى ذهنك هو أن الحسد مذكور في القرآن ولا يمكن نكرانه. لكن التفكر والتدبر موجودان في كتاب الله أكثر من الحسد فهلا أعطيناهما المجال المناسب؟ فالتفكر والتدبر يوصلان إلى نتيجة مفادها أن العلم لم يثبت امتلاك العين لأشعة يمكنها أن تكسر العظم، ولا أن أحدهم يملك عقلاً فيه طاقة تبث موجات مغناطيسية أو كهرومغناطيسية أو غيرها تشبه موجات الراديو تستطيع أن تدب المشاكل في بيتك، أما القول بأن هناك قوى خارج إدراكنا ولا يمكننا رؤيتها فلماذا لا نسخرها لأفعال لصالحنا قبل إيذاء الآخرين؟ أم أنها تعمل باتجاه الشر فقط؟ وإن كانت قادرة إلى هذا الحد فلنستخدمها ضد الأشرار الذين ندعو…

الغش بين الفتوى والأخلاق

الثلاثاء ١٣ يونيو ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست: كنت أظن أن سورية هي الدولة الوحيدة التي تقطع فيها النت أثناء إمتحانات الشهادة الثانوية، في محاولة للحد من الغش عبر الهواتف النقالة والسماعات المخفية، فتعطل البلاد لساعات نتيجة لذلك، لكن يبدو أن أكثر من بلد عربي يعتمد الطريقة ذاتها، إذ تناقلت وسائل الإعلام أن الجزائر قررت معاقبة الطلاب الغشاشين بالسجن على اعتبار أن قطع النت يؤدي لتعطيل الأعمال، ولا أعلم إذا كانت الأردن ستتبع الطريق نفسه. لا يعتبر الغش في مجتمعاتنا أمراً مستهجناً، لا بل أنه قد يكون مدعاة تندر وإعجاب ب "الفلهوة"، وفي أفضل الأحوال قد يكون غير محبب، لكنه لا يرقى لدرجة الكره، فما بالكم بالتحريم؟ فالحرام في أعرافنا يختص غالباً بالمرأة وشؤونها، لبست، خرجت، تعطرت، توضأت مع طلاء الأظافر، نمصت، عملت، طلبت الطلاق، زنت، قائمة لا تنتهي، أما الشؤون الأخرى فمعظمها تتفاوت من حيث درجة الاستهجان، ولا بد أن تجد لها طريقاً لفتوى من هنا أو هناك. والمفارقة أن شعوباً لا ترفع يدها عن ساقها إلا بفتوى، تعيش تحت وطأتها بكل شؤون حياتها، مشغولة بالحرام والحلال، تتغنى بالفضيلة والتقى، تمتلأ مساجدها بالمصلين، لكنها تحتاج لقطع النت كي لا يغش الطلاب في الإمتحانات، فهؤلاء لم يعلمهم أهاليهم ولا مدرسوهم أن الغش حرام، سواء كان في الكيل والميزان أم بورقة الامتحان. الموضوع هنا ذو…

المرأة ….مجدداَ

الثلاثاء ٣٠ مايو ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست:  هل سمعتم بعبيد المنزل وعبيد الحقل؟ ميّز مالكوم إكس الثائر بين هذين النوعين من العبيد، الإثنان مملوكان للسيد، الأول مرفّه بالمقارنة مع الثاني، يعيش في بيت السيد ويسهر على راحته ويأكل ممتناً من فتات مائدته، لا يطمح لما هو أكثر من ذلك، ولا يرى بنفسه ما يستحق الأفضل، وتراه يدافع بكل ما أوتي من قوة عن ذاك الوضع ويسوق التبريرات والأدلة التي تساعده في المحافظة على هدوء حظيرته. بينما يكابد الثاني في العمل ولا يكاد يحصل قوت يومه وينام في العراء لكنه يحلم بحريته ويسعى إليها. رغم أن العبودية ألغيت في العالم، إلا أن هذا المثال يبدو منطبقاً على كل من عانى ظلماً ما عبر العصور، هناك دائماً سيد وعبد منزل وعبد حقل. وإذا كانت فكرتيّ تحرير العبيد وتحرر المرأة مرتبطتان نوعاً ما، كمعيار على مدى تقدم الإنسانية، فإن معظم النساء في مجتمعاتنا ما زلن برأيي ضمن عبيد المنزل. وإذ يحمل الرجل جزءاً كبيراً من المسؤولية عما آلت إليه حال المرأة، إلا أنها باتت مقتنعة بعبوديتها مستمرأة لوضعها، تدافع عن السيد المبجل وحقوقه وتجد نفسها في مرتبة أدنى من أن تقارن به، ولا تكتفي بذلك، بل كأي عبد منزل، تحارب كل من تتجرأ وتخرج نحو الحرية، وفي يدها إرث كبير من أعراف قرون مضت، وضعتها مجتمعات…

لنحطم أصنامنا

الخميس ١١ مايو ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست: طُبع في ذاكرتي مذ كنت صغيرة في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي، درس في كتاب القراءة، إذ يدخل عبد الله بن الزبير على أمه أسماء ويودعها ليقاتل أعدائه، وهو خائف إن قتلوه أن يمثلوا بجسده، فتقول له جملتها الشهيرة "إن الشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ"، يذهب ويُقتل ويُعلق جسده على جدار الكعبة، إلى أن تمر أسماء ذات يوم وتقول "أما آن لهذا الفارس أن يترجل". بغض النظر عن صحة التفاصيل، كغيري من أقراني تعاطفت في حينه مع الموضوع لدرجة كبيرة، ومما زاد في التعاطف كون أسماء بنت أبي بكر الصديق، صاحب رسول الله (ص) وهي من حملت الطعام لهما في طريق الهجرة، كما تعلمنا في دروس سابقة، لذلك من الطبيعي أن يتبادر إلى ذهن القارىء الصغير أن من قتل ابنها ومثَّل بجثته لا بد أنه من المشركين أعداء الإسلام، أو من الروم أو الفرس، ولا يمكن بأي حال أن يكون مسلماً، خاصة وأن مسلمي ذاك العصر هم مثال للورع والتقوى، وأهل "خير القرون". أفعال الحدث في الدرس بنيت للمجهول، ولن يقل لك أحد أن الطرفين مسلمان، القاتل والقتيل، تنازعا على السلطة بشكل أو بآخر، بدرجات متفاوتة من الأحقية والظلم والقسوة، وسيغفل الدرس أن الحجاج قد رمى الكعبة بالمنجنيق، وسيبقى الموضوع تحت التغطية ما لم تهتم شخصياً…

“زكاتكم”

الخميس ٢٧ أبريل ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست: كل عام وأنتم بخير، مضى رمضان، وجاء العيد ومضى. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وحسن الظن به سبحانه يقتضي أن نثق بقبوله وهو الغفور الرحيم ونحن خلقه الضعفاء، أو لنقل أبناؤه المشاكسون، نعود إليه فنلبي أوامره ونمتنع عن الطعام والشراب تقرباً منه، وندعوه متضرعين أن يغفر لنا زلاتنا وأخطاءنا، وهو العفو الكريم. ومن ينظر إلى أعداد القائمين العاكفين الركع السجود في ليلة القدر، وفي صلاة العيد، في أقاصي الأرض، ينبهر بهذا الورع والتقى، ويستغرب كيف للشرور أن تنتشر بيننا؟ من إذاً يهمل أبواه فلا يسأل عنهما؟ من يأكل مال أيتام أخيه؟ من يضرب ابنته؟ من يخون زوجته؟ من يعتدي؟ من يسرق؟ من يغتصب؟ من يشتكي على جاره؟ من يغش؟ من يرتشي؟ من يشهد زوراً؟ من يقتل؟ من يتقول على الله؟ من يستغل حاجة الناس فيقرضهم بالربا؟ هل ننهي صلواتنا وصيامنا ثم ننطلق وندع ضمائرنا تغرق في سباتها حتى موسم قادم؟ أم أن أؤلئك من شعروا بذنوبهم فجاؤوا إلى الله يطلبون المغفرة؟ أم هل نفهم ديننا بشكل مجتزأ؟ أو كما قيل: "خير هذا وشر ذاك فإذا الله قد غفر"؟ يبدو أن الشعائر بالنسبة لنا هي الحل، نفعل ما نريد ثم نعود آملين أن يتوب الله علينا، ونعيد الكرة أو نتغاضى قليلاً ونبحث عن فتوى تبرر أعمالنا.…

“أم على قلوب أقفالها”

الأربعاء ٠٥ أبريل ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست:  وصلني شريط مصورعن شخص يبدو أنه أكاديمي غربي يتحدث فيه عن القرآن، هو كمسيحي اطلع عليه وخجل من نفسه لأنه تأخر بمعرفة ما يحتويه، وكيف لكتاب يعترف بالأنبياء جميعهم ويبجلهم ألا يطلّع عليه كل أهل الملل الأخرى من غير المسلمين. استوقفني كلامه، كم منا نحن "المسلمين" قرأ كتاب الله؟ كم منا قرأه وفكر بما يقرأ؟ كم منا قرأه وغيّر سلوكه وأحكامه بناء على ما جاء به هذا الكتاب؟ ربما قرأناه مئات المرات وحفظنا سور بكاملها، لكن هل انعكست تلك القراءة على حياتنا؟ نحن حفظنا أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من عباده، لكن لم نقرأ، أو قرأنا وتغاضينا، عن كون الإسلام هو الإيمان بالله واليوم الآخر واقتران هذا الإيمان بالعمل الصالح، وتغاضينا عن كون الاعتراف بالأنبياء الآخرين وما جاؤوا به هو من ضمن الإسلام، أو أننا اعترفنا بالأنبياء لكن كفرّنا أتباعهم وألقينا بهم في النار، وتعاملنا مع الناس على أننا الموكلون بالقبول أو عدمه، ونحن لم نضمن بعد قبولنا، معتبرين أن "الإسلام" بالولادة كاف لنكون مؤهلين للحكم على الآخرين. على أن غيرنا لم يكن أفضل منا، فكتاب الله يخبرنا كيف اعتبر كل من اليهود والمسيحيين أنهم فقط على صواب، لكننا يفترض أننا أصحاب الرسالة الخاتم، وعلينا ألا نقع بالمطب ذاته {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى…

على أبواب رمضان

الإثنين ٢٠ مارس ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست: رمضان قادم، أعاده الله عليكم بالخير واليمن والبركات. بحجته سنستهلك أكثر ونعمل أقل، وسنتابع المسلسلات وبرامج الطبخ، فنحن صائمون ونحتاج للتسلية والترفيه. بحجة رمضان سننام، لأننا صائمون ونحتاج للراحة، وربما نستيقظ قبل المغرب بقليل، فنحن لا يمكننا الامتناع عن القهوة أو التدخين. بحجة رمضان سنعبس في وجوه الآخرين، فنحن صائمون ويجب على خلق الله تحمل عواقب ذلك. وبحجته يجب على الأخرين مراعاتنا وعدم الأكل والشرب أمامنا لألا تتأثر مشاعرنا، فنحن صائمون. وبعد النوم والمسلسلات إن توفر لدينا بعض الوقت سنحرص على قراءة كتاب الله، وقد نحاول "ختمه" أي قراءته كاملاً بقراءة جزء يومياً. لكن إن توخينا الدقة نحن نتلو الكتاب، لا نقرأه، فالقراءة يصحبها تدبر وتفكر وفهم، بينما رسخ في أذهاننا منذ الصغر أن نتلو، فإن أردنا فهم معنى مفردة سنجد على الهامش شرح مفردات وضعه مفسرون مشكورين قبل مئات السنين، أما فهم معنى الآية كاملاً فهو ليس من ضمن قدراتنا، إنما يحتاج أن نسأل الشيخ أو الداعية فهو/ هي أفهم منا، من نحن لنفهمه؟ على أن من يحاول كسر القاعدة سيجد أن كتاب الله موجه للناس جميعاً، ورغم وجود آيات لا نستطيع فهمها، إلا أن قليل من التفكير المنطقي لا يضر. وإذا قرأنا الكتاب بتمعن وتدبر وجدنا أن الصوم علاقة شخصية بين الإنسان وربه، يفترض…

من أحرق المصحف؟

الأحد ٠٥ مارس ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست: تعددت التحليلات والنبؤات، وتساءل المعنيون وغير المعنيين عن أسباب حدوث الزلزال المدمر، ووجد البعض أن تهاون المسلمين أمام حرق المصحف أثار غضب الله تعالى فكان ما كان، متناسين رحمته سبحانه ومتجاهلين كل الأسباب العلمية والجيولوجية لحدث كهذا. بعيداً عن الزلزال، اعتدنا في صغرنا على قيام أهلنا بحرق أوراق التقويم المعلق على الحائط بعد انتهاء العام، خشية أن تحتوي هذه الأوراق على آيات من كتاب الله، فلا تلقى في سلل المهملات، ضمن يقين تام أن ما يحرق مجرد أوراق، بينما كتاب الله محفوظ حتى قيام الساعة. إنما يستحق موضوع حرق المصحف قليلاً من الوقوف عنده، ففي فعل استفزازي مكرر، أقدم متطرف في السويد منذ مدة على إحراق نسخة من المصحف الشريف، واستدعى ذلك إدانة واسعة، فيما عزت بعض النقاشات الفعل ذاته لأسباب سياسية بحتة، تأخذ ردود الأفعال بعين الاعتبار، حيث أصبح معروفاً أن أفعالاً كهذه تثير مشاعر المسلمين وتغضبهم، فلا يختلف إثنان على قدسية المصحف بالنسبة لأي مسلم، ويمكننا فهم تأثره بهذا الفعل، طالما بقي رده في حدود الاستنكار والإدانة ولم يتعد إلى أعمال عنيفة. لكن ثمة ما يستدعي التساؤل هنا، هو أننا نقدس التنزيل الحكيم لكننا "حرقنا" فعلياً ما جاء به، وألقينا بتعاليمه عرض الحائط ولم نعمل بها، وإن كانت القاعدة الفقهية أن "السنة قاضية على…

القدر بين الرحمة والانتقام

السبت ١٨ فبراير ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست: يحدث أن يجرب السوريون أشكالاً مختلفة من الموت، مرضاً اختناقاً غرقاً برداً جوعاً قتلاً قصفاً سجناً تعذيباً، حتى تندرنا بأنه لم يعد ينقصنا سوى زلزالاً كي نجربه، وكان أن استجاب القدر. وكما يحدث في الحالات المشابهة، حين صحونا من هول الصدمة وجدنا أنفسنا أمام كارثة، تتكشف فصولها تباعاً يوماً بعد يوم، في تركيا وسوريا معاً، أسر بأكملها قضت نحبها، أمهات ثكالى، أبناء يبحثون بين الركام عن أشلاء آباءهم، والأنكى من ذلك كله أطفال يتامى دونما معيل، ومن نجا بات مشرداً بلا مسكن يأوي إليه، وغالباً هو لم يلبث أن وجد مأوى بعد سنوات اللجوء والنزوح والتشرد حتى فقده من جديد، إضافة للاحتياجات اليومية من طعام وشراب ولباس في ظل برد قارس. وما إن وقعت الواقعة حتى بدأت التحليلات، فرأى الغالبية العظمى من شيوخ "المسلمين" أن السبب هو كثرة الذنوب والمعاصي، مما أدى إلى غضب الله، ومن كان منهم أقل رأفة بالعباد وجد أنه ابتلاء من الله ليختبر صبر المؤمنين. ربما كان التسليم بأن الأمر من عند الله وهو قدّر وما شاء فعل، ربما كان مريحاً للبعض، أما أن يكون الأمر انتقاماً أو لمجرد الامتحان، فسؤال بديهي يطرح نفسه هنا، ماذا فعل أولئك الناس البائسين لكي ينالوا ما نالوه إذا فهمنا أنه جزاء لهم على أعمالهم؟ أي…

فالج لا تعالج

السبت ٢١ يناير ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست: "وفد أممي يزور أفغانستان للبحث في حقوق النساء". هذا خبر نشرته إحدى الصحف، ربما يكون محط اهتمام النساء الأفغانيات اللاتي يبحثن عن ضوء في ظلام أيامهن، لكنه بالنسبة للقارىء المحايد مثلي لا يعني شيئاً، لا لأن التجارب تعلمنا ألا نعول على الوفود الأممية، إنما لأن الموضوع كما نقول في اللهجة الشامية "فالج لا تعالج". فالمسألة في جوهرها تتعدى قوانين طالبان ومن لف لفها، كما أن مشكلة النساء الإيرانيات تتعدى موضوع الحجاب، فقد تتغير الظروف وتتغير القوانين، لكن الأساس يبقى قائماً، يستطيع من يريد أن يستلهم منه ما يريد تحت راية "الإسلام"، ولنا في "داعش" مثال، لن أقول خير مثال، لأن في أمثالها لا يوجد خير، فهي لم تفعل إلا أن فتحت أمهات الكتب "الإسلامية" وطبقت ما جاء فيها، رغم كل الأصوات التي تعالت وما زالت على أنها مأجورة ولا تمثل الإسلام ولا تمت له بصلة، وطالبان أيضاً كذلك، منعت النساء من التعلم والعمل، وحرمتهن الخروج من دون محرم، وضيقت عليهن حياتهن. وكل هذا له إسناد في الكتب التي ما زالت معتمدة من قبل مؤسساتنا الدينية، فلماذا الاستنكار إذاً؟ رب قائلٍ أن هذا الكلام غير دقيق، النساء في بلادنا تنال حقوقها وتدرس وتعمل وتشارك الرجل مسؤولياته، ولا يمكننا التعميم بناءً على ثلة قليلة متطرفة، لكن هذا البعض…

شعوذة في رأس السنة

الأربعاء ٠٤ يناير ٢٠٢٣

خاص لـ هات بوست: انتهى عام وابتدأ آخر، تبادلنا التمنيات الطيبة وطلبنا من الله الخير، رجوناه تحقيق الأماني، فردية وجماعية، شملت الأهل والأصدقاء والجيران والبلاد، وبعضها امتد ليشمل العالم، وبعضها اقتصر على "المسلمين". في الآن ذاته، انتشرت التنبؤات واحتلت توقعات العرافين الشاشات ومواقع التواصل، ورغم أن الأمر مألوف في مثل هذا الوقت من السنة، لكن يبدو أن الغرقى الذين يبحثون عن القشة في ازدياد، يفتشون لعل البرج يبشرهم بمال وفير، أو فرج قريب، في ظل ظروف أقل ما يقال عنها أنها محبطة. أما نحن المسلمين، وإن كنا لسنا بدع من الناس، فإن أعجبتنا التوقعات قبلناها وغضضنا النظر، وإن لم تعجبنا قلنا "كذب المنجمون ولو صدقوا"، و"من أتى ساحراً فقد كفر". وفي أفضل الأحوال نعتمد الصيغ الجاهزة للأدعية الجماعية، ونتبادلها ونرددها معتمدين أن الله سيفعل ما نريد، فإن فعل ما يريد صدمنا وخابت آمالنا، وعدنا إلى البحث في ما قاله المنجمون. على أن الأمر أبسط من ذلك بكثير، فانتهاج الطريق نفسه لن يوصلنا إلى هدف مختلف، ونحن ورثنا تلاوة كتاب الله لا قراءته، ولو قرأناه كما يستحق لعرفنا ألا أحد يعلم الغيب، حتى الرسول لم يكن يعلمه، فما بالكم بمتنبىء يلقي بكل ما يمكن من احتمالات للأحداث، فإن حدث شيء مشابه صدقنا كل ما جاء به. ولو قرأنا كتاب الله لعرفنا…