رنا زكار
رنا زكار
باحثة سورية

نحو قوانين أفضل

الإثنين ١٢ سبتمبر ٢٠٢٢

  خاص لـ هات بوست: تعاني كثير من العائلات المهاجرة إلى السويد وألمانيا وكندا، من هاجس انتزاع أطفالها منها إن هم تعرضوا لسوء المعاملة من قبل الأهل، فاختلاف الثقافات يبدو أحياناً غير مفهوم من قبل قوانين الدول المضيفة، إذ فيما تتيح ثقافتنا التعامل مع أطفالنا باعتبارهم أملاك شخصية، لا تقبل قوانين حماية الطفل التعرض له بالضرب أو الإهانة أو سوء المعاملة، مما يؤدي أحياناً إلى تولي عائلة أخرى رعايته، وسط شعور الأهل الأصليين بالظلم والإجحاف رغم إنذارهم عدة مرات قبل تطبيق القانون، وهم لا يجدون غضاضة في العنف الأسري، فالأب في مجتمعاتنا يضرب الأم والأم بدورها تضرب الأبناء وهذا أمر عادي ومشروع، لا يرتبط بالحب والكره، وقد يضربون طفلهم لكنهم حتماً يحبونه ولا يريدون ابتعاده عنهم، سيما أنه سيذهب لترعاه عائلة "مسيحية" ستطعمه لحم الخنزير وتجعله يشرب الخمر، حتى لو كانت تلك العائلة مؤهلة لتربية الطفل ورعايته، ولطالما سمعنا وقرأنا في السنوات القليلة الماضية عن شكاوى وقضايا تتعلق بهذا الأمر، وتستهجن قسوة تلك المجتمعات "اللا إنسانية". أما في مجتمعاتنا "المثالية"، ففي حين تشكو شوارع بلداننا من أطفالها، وتستغيث بحثاً لهم عن ملاجىء تؤويهم، نسمع عن عائلة مسيحية مصرية حرمت من الأطفال، وجدت طفلاً ملقى أمام باب الكنيسة، أخذته وربته واعتنت به بكل حب لمدة أربع سنوات، ربما لم يكن تصرفها…

ببساطة

السبت ٢٧ أغسطس ٢٠٢٢

فيما ينشغل العالم بالحروب والأزمات المناخية والاقتصادية، مبتعداً عن تسليط الضوء على الحركات "الإسلامية" والتخويف منها، يطل علينا شاب صغير ولد بعد صدور "آيات شيطانية" والفتوى الخاصة بكاتبه، ليعيد تذكير من نسي أن هناك فزاعة قائمة باستمرار، مسلطة باسم الإسلام في وجه أي كان. ووفق ما نشرت الصحف، حقق الكتاب موضوع الجدل، في الأسبوع الماضي رقماَ قياسياً في مبيعاته عبر المواقع المختصة، حتى أن الموظفين الشباب الذين لم يسبق أن سمعوا عن سلمان رشدي وجدوا أن الموضوع مثير للتساؤلات وجدير بالاهتمام، أما الشاب فرغم أنه لم يحقق مبتغاه، لكنه غالباً سيلقى جزاءه سنين طويلة من السجن. ورغم أن القانون لا يحمي المغفلين، والجريمة تبقى جريمة طالما أن مرتكبها بالغ راشد بكامل قواه العقلية، لكنه لم يفعل سوى أن نفذ فتوى موجودة، وللأسف يمكن للمهتم أن يراجع كل ما ارتكب من جرائم باسم الإسلام في العقود الماضية ليجد أنها كلها استندت إلى فتاوى، بعضها وظف خدمة لمآرب سياسية، وبعضها الآخر نفذه أفراد اعتقدوا أنهم يجاهدون "في سبيل الله"، فألقوا بأنفسهم وبغيرهم إلى التهلكة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فإذا افترضنا أن أحداً أراد اليوم الاطلاع على حيثيات الموضوع، سيجد أن كتاباً ألفه أحدهم لم يرق لجموع المسلمين، سمعوا أن فيه إساءة لدينهم ولرسولهم، ولم يتكلفوا عناء قراءته، بغض النظر عن صحة…

هل تعلم ؟

الإثنين ٠٨ أغسطس ٢٠٢٢

هل تعلم أن معظمنا يقرأ كتاب الله دونما تدبر أو تفكر؟ وأن الإسلام في كتاب الله مختلف تماماً عما وجدنا عليه آباءنا وما تعلمناه في المدارس وحياتنا اليومية؟ وأن الإسلام هو الإيمان بالله الواحد واليوم الآخر والعمل الصالح {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ؟ وأنه الدين الذي جاء به كل الرسل ابتداءً من نوح حتى محمد عليهم السلام؟ وأن رسالة محمد (ص) أكملت الرسالات وختمتها وتوجهت للناس جميعاً في كل مكان حتى قيام الساعة؟ هل تعلم أن الصراط المستقيم هو بنود من الوصايا الأخلاقية التي لا يختلف عليها أي تشريع أو قانون؟ وأن المحرمات هي الوصايا إضافة لبضعة بنود أخرى لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة؟ هل تعلم أن الله تعالى صاحب الحق في التحريم وكل إضافة هي تقول على الله؟ وأن الكم الهائل من "الحرام" الذي تم تكبيلنا به عبر العصور ما هو إلا افتراء عليه سبحانه، إما اقتبس من الرسالات السابقة أو من أعراف مجتمعات أكل عليها الدهر وشرب؟ هل تعلم أننا جميعاً عباد الله في الدنيا، سواء المؤمنين به أم غيرهم، حيث العبادية لا تعني العبودية، فترك لنا حرية الطاعة والمعصية، ثم نصبح يوم القيامة عبيده، لا نملك من أمرنا شيئاً؟ وأن الإيمان بالله يعني الكفر بالطاغوت، ومن…

ما هو الإسلام؟

الثلاثاء ١٩ يوليو ٢٠٢٢

خاص لـ هات بوست:  في نقاش بسيط، سألتني ما هو الإسلام بنظرك؟ قلت سأجيبك وفق التنزيل الحكيم، كتاب الله الذي نزل على رسوله محمد (ص) فيه الإسلام هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح. قالت: لا أنت مخطئة، الإسلام هو النطق بالشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، وكل من لا يعترف بهذه الأركان مصيره جهنم وبئس المصير. قلت: الله جل وعلا هو القائل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 62). لا يمكن أن يخلق الله هذا الكون بعظمته ويسخر لنا الأرض وما عليها ثم يرمي بأربع أخماس الناس في جهنم وهو الرحمن الرحيم. قالت: هذه الآية منسوخة وفق ما تدرسونه في مناهجكم. قلت: كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والله تعالى لا يمكن أن يضع فيه ما ينقض بعضه بعضاً، والآيات التي نسخت هي ما جاء في رسالات سابقة تحوي أحكام، استبدلت بما هو خير منها. قالت: وماذا تقولين في {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران 85) ؟ قلت: نعم، هذا دليل على أن الإسلام هو دين معظم الناس، كل من آمن بالله وعمل…

اخرجي كالقفة وإلا ..

الأحد ٢٦ يونيو ٢٠٢٢

خاص لـ هات بوست: يحدث أن يقتل "معتوه" فتاة أو إمرأة معجب بها ورفضته، يمكن أن يحدث هذا في كل زمان ومكان، ويلقى عقابه ويستهجن فعله أو يزجى به في المصح المناسب ليتلقى علاجاً يؤهله للعيش ضمن المجتمع مرة أخرى، أو سجناً يمنعه أن يسبب الأذى لمحيطه، ولا يُطلب من المحيط أن يتوارى عن نظره. أما في مجتمعاتنا فالأمر يصبح مختلفاً، توجه أصابع الاتهام في حوادث كهذه للضحية، وتلام لأنها لم تعرف كيف تحمي نفسها، وفق مبدأ متعارف عليه للأسف، يعتمد على كونها حلوى ستستقطب الذباب. وإذ توجه الدعوات لمنع أحد الشيوخ من الظهور على المحطات على خلفية تصريحاته في هذا الموضوع، لا يبدو أن الأمر يتعلق به وحده، بل بجمهور عريض يؤيد ما جاد به الشيخ، يرى أن الفتاة الضحية هي السبب في قتلها لخروجها "سافرة"، وإن أرادت ألا تتعرض للذبح فلتخرج من بيتها مثل "القفة"، ولم نكن بحاجة لأن تدفع فتاة أخرى، محجبة هذه المرة، حياتها ثمناً لدحض هذه الأفكار. تكمن المشكلة التي نحن بصددها في العقلية التي لم تخرج عن رؤية المرأة متاعاً للسيد المبجل، عليها أن تبرمج حياتها وفقاً لأهوائه، فهي مكرسة لخدمته، إن كان هائجاً عليها أن تختبىء، وإن كان هادئاً عليها أن تسجد له وتقدم فروض الطاعة، والطامة الكبرى أن هذه الأفكار ترتدي لبوساً…

الحلقة الأضعف

الإثنين ٢٠ يونيو ٢٠٢٢

خاص لـ هات بوست:  فرضت طالبان النقاب على مقدمات البرامج التلفزيونية، ومنعتهم من الخروج كاشفات وجوههن، ولم يشكل هذا مفاجأة لأحد، فالأمر متوقع تماماً، لكن ثمة ما يدعو للتوقف عنده، قد لا يشكل مفاجأة أكثر منه خيبة أمل، هو حجم التأييد لهكذا أفعال ضمن مجتمعاتنا العربية، إذ يمكن قراءة التعليقات على الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي للمس آراء السادة المعلقين، حيث تم اعتبار الأمر نصراً للإسلام والمسلمين، و"عزاً" طالما طلبوه من الله تعالى لدينه. قد تتفهم وجود مناصرة لاضطهاد المرأة في مجتمعات مغلقة تعاني من التخلف بجميع أشكاله، إنما تحميل الإسلام أوزاراً كهذه آن له أن يتوقف، وآن للمرأة قبل الرجل معرفة أن الإسلام غير مسؤول عما تتعرض له، وإنما هي مجتمعات ذكورية تعاني من كل أنواع الاضطهاد، لتصب غضبها على الأضعف فيها، فتتلقى النساء الصفعة تلو الأخرى، دون أن تتجرأ على التمرد، إلا فيما ندر، لتعود وتصب هي الأخرى غضبها في أبنائها، منتجة جيلاً من المعنفين الذين سيمارسون مستقبلاً الاضطهاد على من أضعف منهم، في حلقة مفرغة لا نهاية لها. فإذا عدنا للإسلام كما جاء في التنزيل الحكيم، نجد أن الله تعالى اعتبر الحرية أساس الخلق، وهو سبحانه ميزنا عن الكائنات بنفخة الروح، من خلالها أصبحنا مسؤولين، نملك حرية الطاعة والمعصية، ليحاسبنا في اليوم الآخر، وإلا لما كان لحسابنا…

من هو الآخر؟

الأحد ٢٩ مايو ٢٠٢٢

خاص لـ هات بوست: خلقنا الله مختلفين، أمماً متعددة، لسنا على شكل واحد ولا لون واحد ولا عقيدة واحدة، وقال لنا تعارفوا واختلفوا وتدافعوا ثم ستعودون إلي وسأحاسبكم وفق أعمالكم، معيار حسابي هو التقوى، لن أضيع مثقال ذرة من خير أو شر، بل سأضاعف الحسنة وأغفر لكم خطاياكم، وأرحمكم، كل ما عليكم أن تؤمنوا بي وتعملوا صالحاً. فمن تقرب إلي بالصلاة والدعاء سأزيد له من مكافآتي، فتقربوا إلي واذكروني في "صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً"، وهذا كتابه حاضراً بين أيدينا يمكننا التأكد من قوله تعالى بدقة. لكن بنظرة سريعة إلى تصرفاتنا وردود أفعالنا، نجد أننا كأمة محمد (ص) التي حملت راية "الإسلام"، نأبى قبول الآخر، ونعتبر أننا الوحيدون على حق، وكل ما عدانا على ضلال، ابتداءَ من النقاش حول آراء بسيطة، وصولاً إلى من يستحق الجنة ومن يستحق النار، بعنصرية مخبأة تحت ستار شفاف، لا يلبث أن يزاح عند أول ريح، فتظهر الصورة الصحيحة العدائية تجاه كل ما هو مختلف. ربما للموضوع حيثيات كثيرة، منها أننا لسنا الوحيدين كذلك، ولم يبادرنا الآخر بالمحبة لنبادله مثلها، ومنها أننا ندور في حلقة مفرغة من التخلف والتقوقع، الأول يولد الثاني وهكذا. إنما ما يدعو للمعالجة هو صغر الدائرة التي نتقوقع فيها، فنحن جاهزون للهجوم على بعضنا البعض، وما يلبث…

في الشكل والمضمون

الأربعاء ١١ مايو ٢٠٢٢

خاص لـ هات بوست:  مضى رمضان ومضى العيد، أعادهما الله باليمن والبركة على العالمين. كان من الملفت هذا العام الأعداد الهائلة لمقيمي الصلاة في العواصم العربية، والأجنبية أحياناً، صلوات التروايح وصلاة العيد، سيما بعد تراجع القيود التي فرضها الوباء في السنتين الماضيتين. تقبل الله طاعتنا وطاعتكم، وحسن الظن به جل جلاله يفترض أنه لا بد سيتقبل من عبد امتنع عن الطعام والشراب وترفع عن الشهوات وأتاه راجياً المغفرة. إلا أن رجاء القبول يعني أن هناك احتمال ألا يتقبل منا عز وجل، الرحيم الرؤوف بعباده، ربما لعلمه ما في أنفسنا{وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}، إذ ما نظهره قد يكون مختلفاً تماماً عما نضمره. ويبدو الأمر منطقياً حين نقرأ ونسمع ونرى كل يوم ما يحدث في مجتمعاتنا من سلوكيات لا تتفق مع كل ذاك التقى الذي يظهر في أداء الشعائر، رغم أنه لا يمكننا التعميم أن الأشخاص هم ذاتهم، إلا أن صور السيارات المتجمعة أمام أبواب المساجد، والمصلين الذين لم يتسع لهم المسجد فصلوا في الشارع، تعطي انطباعاً أن المجتمع عنوانه الفضيلة وألا بد لهذه الصلوات أن تنهى عن الفحشاء والمنكر بحد أدنى، بحيث تصبح الموبقات استثناء، وكل ما نراه في الأعمال التلفزيونية هو خيال في ذهن الكاتب لا انعكاس للواقع. رب سؤال يطرح نفسه هنا: ما هذا الفصام؟،…

“وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ”

الثلاثاء ١٩ أبريل ٢٠٢٢

  خاص لـ هات بوست: لفت نظري ما يقوله الراوي لفيلم وثائقي عن أميركا اللاتينية في القرن التاسع عشر، ضمن الحديث عن الظروف الاجتماعية، ما معناه أن سفر المرأة بمفردها في ذاك الزمان والمكان لم يكن مقبولاً، إلا إذا كانت المرأة سيئة السمعة، حيث وجود قطاع الطرق واللصوص يعد أمراً مألوفاً. ورغم اختلاف الأعراف بين مجتمع وآخر إلا أنها متشابهة نوعاً ما وتتبع للظروف المحيطة، وفيما أتاح تطور وسائل المواصلات والاتصالات، في عصرنا هذا، الكثير من السهولة في التنقل وحد كبير من الأمان، على الأقل بين المدن الرئيسية بشكل عام، باستطاعتنا تقدير ما كانت عليه الأحوال في القرن السابع الميلادي في شبه الجزيرة العربية، حيث يغدو من المحتم إصدار قانون "لا سفر للمرأة إلا مع محرم"، لدرء الأذى لا لثواب أو عقاب. وإذ تأخذ الأعراف شكل القوانين الرسمية أو الاجتماعية، فإنها تتبدل وفق اعتبارات متعددة، إذ غيّر انتشار وباء مميت الكثير من أعراف المجتمعات، ففرض قوانين وعادات جديدة، لعلها كانت أشد وضوحاً في المناسبات، السعيدة والحزينة على السواء، كذلك فإن الأعراف قبل الحروب ليست كما بعدها، وهكذا. وبنظرة خاطفة يمكننا ملاحظة المرونة التي تحلى بها الإسلام، مع اكتماله برسالة محمد (ص)، وما تميزت به تلك الرسالة من عالمية تضم تحت مظلتها الناس جميعاً، وخاتمية بحيث تصلح لمختلف الأزمان، اختصرها قوله…

رمضان كريم

السبت ٠٢ أبريل ٢٠٢٢

يشكل شهر رمضان بالنسبة لنا، نحن المسلمين المؤمنين، موسم له طابع خاص، يختلط فيه الاجتماعي مع الديني، حتى يطغى الأول على الثاني لدى معظمنا، ابتداءً من تبادل التهاني، إلى تبادل قوائم الطعام، إلى تبادل مواعيد المسلسلات، إلى تبادل الدعوات على الإفطار والسحور، ولا يمكننا نكران ما لهذا المهرجان من نكهة مميزة، تكاد تضاهي ما ننعم به من أطايب تصاحب هذا الشهر، حتى يخيل للمراقب أنه شهر الطعام لا شهر الصوم، ويفهم من ثم سر التحسر عليه عند وداعه. وفي خضم ضغط الأيام العادية، وما يعتريها من وباء تارة وحروب تارة أخرى، يصبح الترفيه مطلوباً لنبتعد قليلاً عن التوتر، لولا أن الكثيرين في بلداننا يعيشون تحت خط الفقر، ولا يكادون أن يحصلوا على قوت يومهم، والأهم من ذلك أن المناسبة ليس المقصود منها الترفيه والتسلية، وإنما على العكس تماماً، هي علاج روحي لكن عبر التقرب إلى الله من خلال الزهد وترويض النفس لتسمو على الغرائز وتسيطر عليها، ولذلك وعدنا عز وجل بالأجر والثواب على الإلتزام بها، بما تحمله من مشقة وعناء، وإلا لما جعل من الصيام عقوبة، فداء أو كفارة لمخالفات عدة. لكن ما حصل، ولا يمكنني التعميم هنا، إنما في أغلب الأحوال، أننا تربينا على اعتبار الصيام واجب، نؤديه كأي واجب اجتماعي، دون أن يؤدى الغرض منه، فيزيد الاستهلاك وكأننا…

قليل من الرحمة

الأربعاء ١٦ مارس ٢٠٢٢

خاص لـ هات بوست: نفخ الله من روحه في البشر ليصبح آدم الإنسان، فميزه جل جلاله عن غيره من المخلوقات بروحه، بما تحمله هذه الروح من صفات جمعتها تلك النفخة، وكلما أراد هذا الكائن تفعيل الإنسانية في داخله عليه التحلي بصفات من أسماء الله الحسنى. وفي التنزيل الحكيم وردت مفردة "رحيم" مائة وخمسة عشر مرة، كإسم صفة لله جل وعلا، لا يسبقها من حيث عدد مرات التكرار سوى "عليم"، أما مفردة "رحمة" فقد وردت خمس وسبعين مرة، وجعل الله من رسالة محمد (ص) رحمة للعالمين، وذم أصحاب القلوب القاسية، وتوعدهم بالويل، بينما كتب على نفسه "الرحمة" فرجحها على العذاب، ووعد أن تتسع رحمته لكل شيء، ومن ثم تصبح الرحمة من أهم القيم المفترض تعزيزها في الأنفس، لمن يهمه الأمر. ولعلنا، نحن "المسلمين" رحماء كأفراد، لا نختلف عن غيرنا من الأمم، أما كمجتمعات فتحل القسوة مكان الرحمة، فيغدو الطغيان الاجتماعي جاهزاً ليكون سيفاً مسلطاً لا يقل إيلاماً عن غيره من أنواع الطغيان، خاصة بكونه يتداخل مع ذاك العقائدي، حيث تمددت الأعراف لتصبح ضمن المحرمات، والقصص المتوارثة أحيطت بها هالة من القدسية، يصعب كسرها، ومن ثم الويل كل الويل لمن تسوّل له نفسه الجرأة على قوانين المجتمع، أو حتى الاعتراض على أي من مسلماته. ورغم أن القصص القرآني كان حاضراً دائماً في…

بما كسبت أيديكم

الخميس ١٠ فبراير ٢٠٢٢

خاص لـ هات بوست:  {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً}، يركض للتضرع إلى الله عند أي خطر يحدق به، يلهج لسانه بالدعاء أمام أي طامة توشك أن تصيبه، وسرعان ما يبدأ بالتذمر حينما لا يجد استجابة، أو لدى شعوره بعجز يحيط ظروف عيشه وعيش من حوله، وتتنوع حينئذ ردود الأفعال، بين مؤمن يتقبل "الابتلاء"، ومشكك يهمس "أين الله"؟ في خلطة غريبة عجيبة نافعة على ما يبدو في رمي المشاكل نحو العلي القدير، وتحميله جزء من المسؤولية أو كلها، فيصبح جل وعلا مسؤولاً عن كل ما يصيبنا، ويرتاح ضمير المصاب خاضعاً لمشيئة الله، ويرتاح ضمير من ساهم في إصابته في الآن ذاته، وبالتالي لا حساب ولا عقاب، وإن كان لا بد، فالحساب مرجىء إلى الآخرة، ثواباً أو عذاباً. وإن كان الله تعالى غني عن العالمين، ليس بحاجة لشهادة براءة من أحد، إلا أن العالمين بحاجة لتحمل وزر أعمالهم وعثراتهم، كي لا يقعوا فيها المرة تلو المرة، وآن الأوان لنقتنع بأن زمان المعجزات انتهى، وأن الله أعطى الإنسان العقل ليفكر ويتعلم، وأرسل له الأنبياء والمرسلين في فترة الحضانة كي يعينه على رؤية طريق الحق، وحين تأهل تركه ليضع قوانينه وتشريعاته مستنيراً بخطوط عريضة زوده بها، وقوانين كونية يفترض أنه استطاع معرفتها والإلمام فيها، وقوانين تاريخ استطاع التعلم منها. فقوانين الكون مثلاً تقول أن الجاذبية…