المرأة ….مجدداَ

آراء

خاص لـ هات بوست: 

هل سمعتم بعبيد المنزل وعبيد الحقل؟

ميّز مالكوم إكس الثائر بين هذين النوعين من العبيد، الإثنان مملوكان للسيد، الأول مرفّه بالمقارنة مع الثاني، يعيش في بيت السيد ويسهر على راحته ويأكل ممتناً من فتات مائدته، لا يطمح لما هو أكثر من ذلك، ولا يرى بنفسه ما يستحق الأفضل، وتراه يدافع بكل ما أوتي من قوة عن ذاك الوضع ويسوق التبريرات والأدلة التي تساعده في المحافظة على هدوء حظيرته. بينما يكابد الثاني في العمل ولا يكاد يحصل قوت يومه وينام في العراء لكنه يحلم بحريته ويسعى إليها.

رغم أن العبودية ألغيت في العالم، إلا أن هذا المثال يبدو منطبقاً على كل من عانى ظلماً ما عبر العصور، هناك دائماً سيد وعبد منزل وعبد حقل.

وإذا كانت فكرتيّ تحرير العبيد وتحرر المرأة مرتبطتان نوعاً ما، كمعيار على مدى تقدم الإنسانية، فإن معظم النساء في مجتمعاتنا ما زلن برأيي ضمن عبيد المنزل.

وإذ يحمل الرجل جزءاً كبيراً من المسؤولية عما آلت إليه حال المرأة، إلا أنها باتت مقتنعة بعبوديتها مستمرأة لوضعها، تدافع عن السيد المبجل وحقوقه وتجد نفسها في مرتبة أدنى من أن تقارن به، ولا تكتفي بذلك، بل كأي عبد منزل، تحارب كل من تتجرأ وتخرج نحو الحرية، وفي يدها إرث كبير من أعراف قرون مضت، وضعتها مجتمعات ذكورية وأضفت عليها لمسة دينية بحيث يصبح الخروج عنها كفراً وانتهاكاً للمقدس، وضمن هذا المجال شكّل لها الموروث الديني منبعاً لا ينضب، فأحاديث جمة وفتاوى لا حدود لها، وممارسات غير مقبولة، وتشريعات واجتهادات، تصب كلها في المنحى ذاته، والنتيجة هي اضطهاد للمرأة.ورغم كل المظاهر التي توحي أن المرأة العربية قد حققت خطوات متقدمة في مجال الحصول على حقوقها، إلا أن الواقع الفعلي مختلف، والمشكلة في عقلية الأغلبية من النساء، إذ تقتنع نسبة كبيرة منهن بأن مكانها البيت كأي قطعة أثاث، يرعاها أبوها ريثما تنتقل لبيت زوجها، لتتم رعايتها من قبل رجل آخر، مقابل أن تؤمن له وسائل الراحة في المأكل والمشرب والجنس والأولاد، له القوامة وعليها الطاعة، باعتبارها كائناً أقل بموجب الخلق، هو الذكر وهي الأنثى، وليس الذكر كالأنثى، مع أن المشبه به يفضل المشبه، لكن لا حياة لمن تنادي.

ولا يكاد يخلو يوم من أخبار قتل رجل لزوجته أو طليقته أو ابنته أو أخته، وسط تواطىء من مجتمعات تغض النظر وفي أحسن الأحوال تبدي تعاطفاً خجولاً، وضمن تشريعات تلف وتدور لإيجاد عذر مخفف للمجرم، لكون النظرة العامة تعتبر أن الأنثى لا بد مخطئة وهي من اضطرته لما فعل.

للأسف فإن الفقه الموروث استمد حيثياته من الأعراف السائدة في ظروف زمانية ومكانية محددة، وليست من بين مشاكل واضعيه الاهتمام بمن سيأتي بعدهم بعشرات القرون ولا يجتهد لعصره.

رب سؤال يطرحه الكثيرون هنا: أليس الإسلام من أعطى الأنثى نصف حصة الذكر من الميراث؟ أليس الإسلام من سمح بتعدد الزوجات؟ أليس الإسلام من سمح بضرب الزوجة الناشز؟ أليس الإسلام من جعل شهادة إمرأتين مقابل شهادة رجل؟

إذا شئنا بعضاً من الإنصاف علينا الانتباه إلى أن الرسالة المحمدية قد جاءت بقفزة عما كان قبلها من رسالات تعاليمها شديدة الظلم للمرأة من حيث الاعتراف بها ككيان مستقل، ومن حيث التعامل معها في الإرث والشهادة وغيره، وباعتبارها الرسالة الخاتم فقد جاءت حدودية لا حدية، بمعنى أن جميع تشريعاتها تتحرك ضمن حدين أدنى وأعلى، يتركان المجال واسعاً جداً ليقبل كل تدرجات التحضر، بدءاً من كون المرأة ليست مهتمة بحفظ بنود عقد على الطريق إلى تطور أوضاعها لتكون قاض وكاتب بالعدل، مروراً بذكر السيدة مريم العذراء وتكريمها بذاتها، وذكر ملكة سبأ بكل ما تستحقه من ثناء على قدراتها، مروراً أيضاً بخطاب موجه للجنسين معاً في الثواب والعقاب، وكما أن هناك إمرأة ناشز هنالك في كتاب الله رجل ناشز يجب معالجة وضعه. وبإمكان القوانين وضع ما يتفق مع تطور المجتمعات دون أن تدعي الخروج عن شرع الله وتجاوز حدوده إذا ما أعطت الأنثى حصة مساوية لأخيها، فأخوها لم يعد موكلاً بها ولا يتولى شؤونها إلا فيما ندر، وقد يكون هو نفسه لم يسبق له أن عرف الله إلا عند توزيع الإرث.

أما القول بأن الإسلام كرّم المرأة فيجب أن يقترن برفض كل ما يسيء لها ابتداءَ من “ناقصات عقل ودين”، إلى الفهم الخاطىء لمعنى الضرب، إلى الشرائط المصورة لبعض “رجال الدين” وهم يتهكمون على النساء ويصفوهن بعبارات غير لائقة.

لتعلمي يا عبدة المنزل أن الإسلام ساوى بين الذكر والأنثى، والعلم لم يثبت تفوقه عليها بأي مجال، واقتناعك بغير ذلك إجحاف بحق الله (حاشاه) فلا تقبلي عبوديتك بدعوى أن الله أراد ذلك {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (الكهف 49)، والرجل شريك لا سيد ولا عدو، كلانا محتاج للآخر ضمن علاقات متوازنة قائمة على الاحترام والمودة والرحمة.

أصبح الموضوع مكرراً، لكن يبدو أننا بحاجة لشيء من التذكير {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات 55).