على أبواب رمضان

آراء

خاص لـ هات بوست:

رمضان قادم، أعاده الله عليكم بالخير واليمن والبركات.

بحجته سنستهلك أكثر ونعمل أقل، وسنتابع المسلسلات وبرامج الطبخ، فنحن صائمون ونحتاج للتسلية والترفيه.

بحجة رمضان سننام، لأننا صائمون ونحتاج للراحة، وربما نستيقظ قبل المغرب بقليل، فنحن لا يمكننا الامتناع عن القهوة أو التدخين.

بحجة رمضان سنعبس في وجوه الآخرين، فنحن صائمون ويجب على خلق الله تحمل عواقب ذلك.

وبحجته يجب على الأخرين مراعاتنا وعدم الأكل والشرب أمامنا لألا تتأثر مشاعرنا، فنحن صائمون.

وبعد النوم والمسلسلات إن توفر لدينا بعض الوقت سنحرص على قراءة كتاب الله، وقد نحاول “ختمه” أي قراءته كاملاً بقراءة جزء يومياً.

لكن إن توخينا الدقة نحن نتلو الكتاب، لا نقرأه، فالقراءة يصحبها تدبر وتفكر وفهم، بينما رسخ في أذهاننا منذ الصغر أن نتلو، فإن أردنا فهم معنى مفردة سنجد على الهامش شرح مفردات وضعه مفسرون مشكورين قبل مئات السنين، أما فهم معنى الآية كاملاً فهو ليس من ضمن قدراتنا، إنما يحتاج أن نسأل الشيخ أو الداعية فهو/ هي أفهم منا، من نحن لنفهمه؟

على أن من يحاول كسر القاعدة سيجد أن كتاب الله موجه للناس جميعاً، ورغم وجود آيات لا نستطيع فهمها، إلا أن قليل من التفكير المنطقي لا يضر.

وإذا قرأنا الكتاب بتمعن وتدبر وجدنا أن الصوم علاقة شخصية بين الإنسان وربه، يفترض أن نقبل عليها بطواعية لا من قبيل العادات، ونحاول تأديتها بكل إخلاص، فالشهر هو للتقرب إلى الله، وتفعيل أسمائه الحسنى لعلنا نتقي، فنرتقي على طريق الإنسانية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة 183)، ليس الهدف منه الجوع أو العطش، بل التحكم بشهواتنا لساعات مع ما يصاحب ذلك من أخلاق حميدة، فنزكي أنفسنا عند الله بالرحمة والرأفة والصدق والعطاء وجبر القلوب واللطف مع الناس.

والله تعالى يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر وأوضح لنا أن الصيام خير من الفدية، والفدية هي بدل، وليست كفارة عن ذنب، ولم يهددنا ويتوعدنا إن لم نصم بل وعدنا بالأجر والثواب على كل ما نقوم به في مجال طاعته سبحانه والتقرب إليه، وهو جل وعلا سيعاقبنا عند خروجنا عن الصراط المستقيم الذي أناره لنا، وإن كان علينا الالتزام به منهجاً مؤسساً لأنفسنا طيلة حياتنا في هذه الدنيا، يصبح من الأهمية بمكان المحافظة عليه أثناء صومنا، فلا شرك بالله ولا عقوق للوالدين ولا فاحشة ولا غش ولا كذب ولا شهادة زور ولا نقض للعهد ولا تقول على الله.

لن أخفف من وطأة الصوم، ولو أنه لا يحمل مشقة لما جعله الله كفارة لذنوب في حالات معينة، كالقتل غير العمد أو نقض اليمين، ولما جاء العيد بعد شهر رمضان، لكن ما قصدته أن المكافآت التي نطلبها في الدنيا لقاء صومنا تبدد المغزى منه، ويذكرني ذلك بأجر عمل إضافي كنا نتقاضاه مقابل العمل أثناء الوظيفة في القطاع العام، حيث اقتضى العرف المتبع حينها أن يكون الأجر العادي لمجرد الحضور فقط.

في الوقت عينه ورغم رواج نظام الصيام المتقطع ومدى جدواه وفوائده على الصحة وتخفيف الوزن، وربط ذلك بالفائدة التي يمنحنا إياها صيام رمضان، إلا أننا كمؤمنين يفترض أننا لسنا بحاجة لمبررات لصومنا، فهو شعيرة تمثل ركن من أركان إيماننا برسولنا محمد (ص)، وسنؤديها بغض النظر عن مدى فوائدها، فإن كان منها ضرر على صحة بعضنا فالله قد أعفى المرضى.

وفي غمرة موسم الطعام هذا، ونحن نعد الأطايب مكافأة لأنفسنا على الانقطاع عن الأكل ساعات معدودة، ليتنا نتذكر الفقراء، وما أكثرهم هذه الأيام، حبذا لو فكرنا أن هناك من أصبحت حياته كلها رمضان، دونما موائد عند المساء، فهل بإمكاننا تقاسم طعامنا أو ثمنه مع من لا يملك قوت أولاده، ليكون لصومنا معنى؟

أتمنى لكم رمضان مبارك، نصومه بكل جوارحنا إيماناً واحتساباً نتقرب فيه إلى الله كما ينبغي له ولنا ونشكره على فضله فيما آتانا.