السعد المنهالي
السعد المنهالي
كاتبة إماراتية

مجتمعات قوية

الأحد ٢١ أكتوبر ٢٠١٨

في تسعينيات القرن الماضي ومع ارتفاع أعداد المهاجرين الصوماليين إلى بعض الدول الأوروبية، لجأت الحكومة الهولندية إلى إلزام القادمين الجدد ببرامج تأهيل خاصة لتسهيل اندماجهم في المجتمع المحلي. أذكر جيداً ما قرأته من تقارير مختلفة في تلك الفترة عن صدمة الكثير من الصوماليات عندما أخبرهم مرشدو التأهيل الاجتماعي في تلك البرامج بأن ضرب الزوجات يُعد من جرائم العنف الأسري التي يجب أن يُبلّغ عنها فوراً! فقد اعتقدت النسوة ولسنوات طويلة وعبر أجيال متتابعة، أن ذلك السلوك أمر طبيعي وحق كامل للزوج! وكيف لا؟!.. ألم تنشأ كل فتاة في منزل رأت فيه جدها يضرب جدتها ووالدها يضرب والدتها، فهل يحق لها أن تستهجن ضرب زوجها لها!  في تحقيق آخر حول أحوال الأرامل حول العالم كنت قد اطلعت عليه في مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» منذ عامين، فوجئت ببعض الممارسات المتوارثة والراسخة من قبيل سلب مال وسكن الزوجة المتوفى عنها زوجها بل وتوريثها غصباً لأحد أقاربه! المثير أكثر أنه عند مواجهة أصحاب هذه العادات حول جورها وقسوتها، كانت ردودهم من قبيل: «حقاً.. لم نكن نعرف ذلك». بالفعل فهؤلاء القوم لا يعرفون، والحقيقة أنهم ليسوا وحدهم الذين لا يعرفون أن في بعض عاداتهم وما توارثوه واعتقدوه لسنوات طويلة ما هو غير إنساني، وأن في بعض تقاليدهم سلوكيات تعد من أسوأ ما تعاطاه البشر على الأرض!…

الشكّ.. طريق الإيمان

الإثنين ٠٤ يونيو ٢٠١٨

في مقال جميل بعنوان «شبهات حول القراءة» تناول عددا من الشبهات التي تسكن عقولنا فتدفعنا بلا أي قصد لجعل فعل ممارسة القراءة في مرتبة متدنية من اهتماماتنا، سرد كاتبه سلطان الرميثي أربع شبهات حول أسباب عزوف الناس عامة عن الإقدام على القراءة. في رأيي أن جمال المقال ينطلق من كونه يغوص بعيدا في موضوع القراءة التي تشغل الجميع في هذه الفترة بسبب المبادرات التي أطلقتها القيادة السياسية على كل مستوياتها، وبدء انشغال المؤسسات الحكومية المعنية وغير المعنية في تنفيذ التوجهات. يذكر سلطان أن أولى تلك الشبهات هو غياب الشك عن العقل، هذا السبب بالذات أهم وأقوى أسباب عزوف المواطن العربي عن ممارسة الفعل الإنساني الأسمى، وقد يكون هذا الخيط الأول الذي يجب السير في طريقه لمن أراد دفع الناس نحو القراءة. عندما نظر سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى القمر ومن ثم الشمس أثناء رحلته في بحثه عن الله، لم ينقذه من ضلالة أهله، إلا شكّه وعدم يقينه بما أمامه، ومن ثم بحثه عما يقنعه ويملأ كيانه بالطمأنينة. هكذا عرف إبراهيم الله، وهكذا عرف كل من توصل إلى حقيقة أو اكتشاف أو اختراع، هكذا تقدمت البشرية عندما شك الإنسان على مر العصور في جدوى وكينونة ما بين يديه، وقرر أن هذا ليس كل الشيء ولا كل شيء، وأن هناك ما لا…

تاج القوانين

الأحد ٠٦ نوفمبر ٢٠١٦

‏تماما.. هذا ما يجب: قانون القراءة الوطني. كان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينتهي عام القراءة هكذا.. وكأنه عام احتفالي عادي تستضيف فيه المؤسسات بعض الكُّتاب والمؤلفين لكي يتحدثوا عن تجاربهم أمام الموظفين لحثهم على القراءة والانتفاع بها! كان لا يمكن أن يكون عام القراءة مجرد فرصة، لتُقيم فيه الدوائر المحلية بعض المعارض الصغيرة للكتب والمجلات التي تحصل عليها «مجاناً» من دور نشر وطنية وكتاب إماراتيين يحضرون توقيع كتبهم، ويلتقطون صوراً مع المسؤولين فيها، تصلح لتكون عناوين لأخبار المؤسسات التي ستنشرها في كل الصحف كمعيار لتجاوبهم مع التوجيهات السامية الخاصة بعام القراءة!، كان لا يمكن أن ينتهي الأمر هكذا بكل سطحية!، كان لا يمكن لمبادرة بهذا التسامي والجمال أن تنتهي وكأنها شيئاً لم يكن بسبب بعض الجهات التي بها متشدقين ودعائيين من الذين لا علاقة لهم بالقراءة، لأنه ببساطة لا يصح إلا الصحيح، ولأن صدق النوايا لا يُخلف إلا أجمل الأعمال. ولأننا قبل كل شيء نستظل تحت حكومة - بحمدالله - على رأسها قادة لهم نظرتهم الثاقبة التي يضعون فيها مستقبل إنسان هذا المكان قبل كل شيء، كان «القانون الوطني للقراءة»، الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، ليضع للجميع أُطرا تشريعية وبرامج تنفيذية ومسؤوليات محددة لترسيخ قيمة القراءة في دولة…

بداية العُمر!

الأحد ١٦ أكتوبر ٢٠١٦

«اليوم تماماً.. هو بداية ما بقي لي من حياتي». جميلة هذه الجملة ولها أبعاد عميقة لكل من ينطق بها ويمنح نفسه وقتاً ليتأمل مغزاها، ويستشعر الطاقة العظيمة التي تبثها. الجميع يبحث عن البدايات الجديدة، أول العام.. الشهر.. أول الأسبوع، عتبة جديدة.. صداقة جديدة.. حب جديد. نبحث عن البدايات الجديدة لأنها تَعد بالفرح والأمل بأنها ستكون أجمل ولا تشبه ما فات بكل ما كان فيه.. مهما كان. ورغم أن كل يوم هو بداية لما بقي من حياتنا، فإننا لا نعي ذلك ونظل باحثين عن بدايات أخرى «مادية» جاهزة أو بدايات مرتبطة بغيرها لتسعدنا وتغيّر حياتنا نحو الأفضل! بالنسبة إليّ اليوم فعلياً هو بداية ما بقي لي من حياتي، وكعادتي في ذكرى ميلادي أنشغل كثيراً بالجديد الذي حدث في شخصيتي في زحمة ما مضى، وبما أريد أن أحمله معي في عامي الجديد، وما يجب أن أتركه يمضي بسلام بعيداً في سلة الذكريات. يُطلق على هذه العملية «الوعي باللحظة»، ورغم بساطة العبارة، فإنها من أصعب التحديات التي يواجهها الإنسان العاقل. يحدث ذلك بقرار عندما تقف في مكانك فتنظر بامتنان إلى الماضي دون انشغال به، وتتطلع إلى المستقبل بفرح دون مطالب لحوحة. يحدث ذلك عندما تنشغل بكيانك في اللحظة التي تعيشها لأنها الحقيقة الوحيدة التي تملكها الآن، ولأنه اليقين الذي تملك قراره وخيارك الذي…