السعد المنهالي
السعد المنهالي
كاتبة إماراتية

الشكّ.. طريق الإيمان

آراء

في مقال جميل بعنوان «شبهات حول القراءة» تناول عددا من الشبهات التي تسكن عقولنا فتدفعنا بلا أي قصد لجعل فعل ممارسة القراءة في مرتبة متدنية من اهتماماتنا، سرد كاتبه سلطان الرميثي أربع شبهات حول أسباب عزوف الناس عامة عن الإقدام على القراءة. في رأيي أن جمال المقال ينطلق من كونه يغوص بعيدا في موضوع القراءة التي تشغل الجميع في هذه الفترة بسبب المبادرات التي أطلقتها القيادة السياسية على كل مستوياتها، وبدء انشغال المؤسسات الحكومية المعنية وغير المعنية في تنفيذ التوجهات. يذكر سلطان أن أولى تلك الشبهات هو غياب الشك عن العقل، هذا السبب بالذات أهم وأقوى أسباب عزوف المواطن العربي عن ممارسة الفعل الإنساني الأسمى، وقد يكون هذا الخيط الأول الذي يجب السير في طريقه لمن أراد دفع الناس نحو القراءة.

عندما نظر سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى القمر ومن ثم الشمس أثناء رحلته في بحثه عن الله، لم ينقذه من ضلالة أهله، إلا شكّه وعدم يقينه بما أمامه، ومن ثم بحثه عما يقنعه ويملأ كيانه بالطمأنينة. هكذا عرف إبراهيم الله، وهكذا عرف كل من توصل إلى حقيقة أو اكتشاف أو اختراع، هكذا تقدمت البشرية عندما شك الإنسان على مر العصور في جدوى وكينونة ما بين يديه، وقرر أن هذا ليس كل الشيء ولا كل شيء، وأن هناك ما لا يراه، وأن عليه البحث ليفهم وليكتشف ويخترع؛ هكذا بنيت الحضارات وتقدمت العلوم وأنجزت. من الشك ثم البحث. فرحلة اليقين تبدأ بالشك.. وتتحقق بالبحث، وهي ملكات لا أدوات تحققها إلا التأمل الطويل والقراءة.

الحقيقة أن القراءة ليست هدفا، وإنما أداة، تتحقق بها أهداف أخرى كثيرة لا حصر لها، ومنها الشعور بفهم الذات وتحديد هويتها وإدراك الحياة والقبض على سر الكون وتحقيق السكينة الداخلية، هذا بعض ما يمكن أن يتحقق من فعل القراءة. إن اعتبار الشك وكثرة السؤال وإشغال العقل فيما لا يعنيه من المنبوذات التي على العبد الصالح تجنبها كونها تثير شبهات حول إيمانه، تسبب فيما وصل له العقل العربي من حال، فلا أصبح ذاك العبد الصالح ولا هو ذاك العالم المنتج؛ علاقتنا بالله تحتاج إلى الشكّ والسؤال، وكلما تساءلنا حوله وتأملنا خلقه فينا وفيمن حولنا، وقرأنا عن ما لم نرَ من مخلوقاته وطباعهم وإبداعهم ازددنا إيمانا به.. بل وعشقا له.

المصدر: الاتحاد