الجمعة ٢٦ يونيو ٢٠١٥
«أنفق بلالاً ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً»، حديث شريف. ساعدتني وسائل التواصل الاجتماعي على اكتشاف مبادرات رائعة ــ يقوم بها أشخاص يبتغون من خلالها رضا الله، وسعادة الناس ــ تبرز خلال أيام هذا الشهر الفضيل، وهأنذا أكتب بعضاً من هذه الأفكار الإنسانية الجميلة: - الفكرة الأولى: ثمّة أشخاص تتحوّل مطابخ بيوتهم إلى «مطابخ خيرية»، وفي كل مطبخ تتوزع المهام على أفراد العائلة: مجموعة تطبخ، وأخرى تُغَلّف، وثالثة توزع على الخيم الرمضانية (نحو 150 وجبة يومياً). وثَمّة من يفتح بيته، ليستضيف ما يقارب 300 صائم يومياً! أمّا عن الخيام التي تُنْصَب في مدن الدولة وقراها والمناطق النائية فحدّث ولا حرَج. وأمّا عن قصص إفطار الصائمين فلا تكاد تنتهي. - شخصٌ يترقب عودة الصيادين من البحر، ليجمع «صيد اليوم» ويووزعه على الفقراء. - موظفٌ مثَلُه مَثَلُ بقية الموظفين، لكنه يتواصل مع المراسلين، ويستقصي لمعرفة أصحاب الرواتب الضعيفة والمتعفّفين الذين يحسبهم الجاهلون أغنياء، فمن رآه محتاجاً خصص له مبلغاً ثابتاً (شهرياً) ليساعده على ملمات الزمن. - أشخاصٌ يقومون بعمل خيمة لإفطار الصائم في إحدى الدول العربية، منذ سبع سنين على التوالي، وعلى الرغم من تزايد الأعداد سنوياً إلا أنهم لاحظوا أنّ هناك فئة متعففة لا تأتي، فكان مشروع «المير الرمضاني» مقترناً بمبلغ نقدي يوزع على العشرات من أهل القرية. - زوجةٌ فاضلة…
الجمعة ١٩ يونيو ٢٠١٥
«يأتيكم رجال من قبل المشرق يتعلمون، فإذا جاؤوكم فاستوصوا بهم خيراً» حديث شريف كنت ومازلت أحلم بالسفر مع إحدى الجمعيات الإنسانية، للاطلاع على مشروعاتهم والالتقاء بمن تمت إعالتهم من ذوي الحاجة والفاقة ليخرجوهم من ظلمات الفقر إلى نور العلم والحياة الكريمة بعد توفيق من الله؛ لأكتب قصصهم وتجاربهم. ولكن قدر الله أن ألتقي بأحدهم هنا في الشارقة لنروي قصته، بعد أن أرشدني إليه صديقي أبوحسن «حسن خليل» فله مني كل الشكر. تيجاني شاب من السنغال، يبلغ من العمر 29 عاماً، بدأ حياته من المسجد في حفظ القرآن برعاية والده الذي لم يبقَ معه إلا قليلاً بعد أن سافر إلى ساحل العاج ليكون إماماً لمسجد هناك. حرص الوالد على إدخال ابنه المدرسة النظامية عندما بلغ السن القانونية، وكان عند حسن ظن والديه، حيث أنهى دراسته بتفوق وامتياز. وعند انتقاله إلى المرحلة الإعدادية التحق بالمعهد الإسلامي العالي بمدينة لوقا، بعد نجاحه في اختبار القبول. أكمل تيجاني المرحلتين الإعدادية والثانوية في المعهد نفسه وكان دائماً في المركز الأول، ولهذا بعد أن تخرّج في الثانوية العامة رشّحه مدرّسوه ليكون مدرساً، فعمل معهم سنة واحدة، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة في حياته. حدث ذلك في عام 2008 حين قرر تيجاني التقدم بطلب لدراسة الفقه وأصوله في جامعة الشارقة، ونظراً لتفوقه حصل على القبول مباشرة، ولكن…
الجمعة ١٢ يونيو ٢٠١٥
«ما أكل أحدٌ طعاماً قطّ خيراً من أن يأكل من عمل يده». حديث شريف. قبل أن أروي قصة جمال لابد أن أقول: لقد التقيت به قبل 12 عاماً عندما زارني وأخي عبدالرحمن في بيتي خلال فترة دراستي للماجستير في مدينة بورتلاند الجميلة، والهدف من الحكاية أن يستفيد منها كل طالب مبتعث للدراسة في الخارج، وكل طالب على وشك مغادرتنا ليعود لنا بعد سنوات قليلة بإذن الله حاملاً شهادة يفتخر بها وأهله. وأعترف اليوم: لو عاد بي الزمان لفعلت كما فعل جمال! فماذا فعل؟ تخرج جمال في الثانوية العامة سنة 1986 بنسبة 89%، ورغب في السفر والدراسة في الخارج أُسْوةً بأقران له أكبر منه سناً عادوا بشهادات وتقلدوا مناصب وأصبحوا رفيعة، ولهذا سافر إلى سياتل التي تقع على الساحل الغربي من أميركا، ومن يغادر وطنه ليغترب لابد أن يتذكر بكل الخير من يستقبله في المطار أول مرة، وكشف لي جمال أن من استقبله كان أخي عبدالرحمن، فأقام أول أيامه مع طلبة من الإمارات ثم التحق بالجامعة وبدأ بدراسة اللغة حتى حصل على شهادة التوفل وشرع في دراسة الهندسة، إلا أنه بعد عام لم يجد شغفه في هذا التخصص، فقام بالتحويل لدراسة «إدارة الأعمال». جمال كان يحب «الاستقلالية»، لذلك خرج وسكن وحده، وتحت ضغط الغلاء في المدينة وضعف الراتب حينذاك (800 دولار…
الجمعة ٠٥ يونيو ٢٠١٥
«تكون الحياة سعيدة عندما تبدأ بالحب وتنتهي بالطموح»، بليز باسكال. من حسن حظ المرء أن يكون حوله أصدقاء يروونَ له قصص نجاح للآخرين، فعندما كتبتُ قصة عبدالرحمن شرف، الذي كان شرطياً فأصبح دكتوراً برتبة مقدم، لم أكنْ أعرفُ قصته إلا من خلال زميل آخر، علماً بأنه زميل لي وشريك في أكثر من فريق، ومَثَلُه مثَلُ بطل مقال اليوم، لذا شكراً د.عبدالرحمن المعيني وشكراً فهد السعدي. يقول سالم: تزوج والدي في عام 1968، ثم هاجر مع والدتي إلى قطر طلباً للرزق، وهناك وُلِدتُ، وسرعان ما حدث الانفصال بينهما، فعاد والدي إلى الإمارات، وبقيتُ في قطر مع والدتي التي تزوجت من جديد. بعد الانفصال عشتُ حياة صعبة، لكنني كنت متفوقاً، لا أتنازل عن المركز الأول، حتى حصلت على الشهادة الإعدادية، وبعدها تركتُ الدراسة، ليس لأنني مهمل أو كسول، بل لأنّ الظروف المادية والبيئة من حولي كانت محفزة لترك الدراسة والبدء في العمل «عندما أعود إلى الماضي أعتبر هذه اللحظة نقطة سوداء في حياتي»، وهكذا التحقت بالجيش القطري وأنا في عمر السادسة عشرة، وبدأ الإحساسُ بالغربة ينتابني ولمّا تمضِ هناك سنة ونصف السنة، فقررت الرجوع إلى وطني والعيش مع والدي في الإمارات، وهنا التحقتُ أيضاً بالقوات المسلحة برتبة جندي أول. حاولت خلال هذه الفترة أن أكمل دراستي، إلا أنني اصطدمت بأمرين، الأول: عدم…
السبت ٠٩ مايو ٢٠١٥
«كل الناس أتصور النخل، لا تسوين شي مثل باقي الناس، إذا بتصورين النخلة صوريها وخلي اللي يشوفها ما ينساها».. كلمات فطرية قالتها شيخة بنت زعل حفظها الله لابنتها عفراء، قبل أن تقيم أول معرض فوتوغرافي لها في 2008، علمها هذا الموقف كيف «تتميز» عن البقية. عفراء ابنة المنطقة الغربية، وبحكم العادات والتقاليد وقلة المرافق الترفيهية، عاشت وترعرعت بين بيئتين لا ثالثة لهما (البيت والمدرسة)، فأحبت الحرف والكلمة والكتاب، تقول عفراء: المكتبة كانت «عرابي» الأول، منها استمددت المعرفة وطرق النجاح. تكمل عفراء: اكتشفت في مراحل حياتي شغفي بالصحافة والتصوير، حتى إنني راسلت مجلة «ماجد» في حينها لأكون لها «مراسلة صحافية» من منطقتي. كبر هذا الحب، وودَّت دراسته، لكنها وجدت صعوبة في ذلك بحكم عدم وجود هذا التخصص في «الغربية»، فدرست مجبرة «الموارد البشرية»، فهل مات الحلم عند عفراء؟ بالتأكيد لا! في 2011 عرضت فكرة «مركز الجواء الثقافي» (الجواء هو الاسم القديم لمدينة ليوا) على الأستاذ محمد المبارك، رحب في البداية وطلب مهلة ليفكر، المفاجأة – تقول عفراء – أنه أرسل لي «دراسة جدوى كاملة» عن المشروع، انتقلنا بعدها للخطوة التالية: تحدي «التمويل» فكان اللجوء إلى صندوق خليفة الذي رفض المشروع، بحجة أنه ثقافي وليس تجارياً، ولن يستطيع تمويل ذاته ولا الوفاء بسداد القرض! فهل مات الحلم عند عفراء؟ بالتأكيد لا! فكانت…
الجمعة ١٧ أبريل ٢٠١٥
«خير الناس أنفعهم للناس».. محمد صلى الله عليه وسلم. ■■ مليار ونصف المليار حول العالم يعيشون من دون كهرباء، ويدفعون أكثر من نصف مدخولهم الشهري لإنارة منازلهم. لهذا أطلق ليلك دياز مشروعه «Liter of Light» في عام 2011، مستهدفاً إنارة آلاف البيوت لمصلحة مليون إنسان في 54 دولة مع نهاية هذا العام، كل ذلك بواسطة علبة بيبسي كبيرة ومواد أولية بسيطة. ■■ سامي الغامدي شاب سعودي، بدأ قبل سنوات مشروعاً صغيراً بجهود فردية؛ لنقل ذوي الإعاقة مجاناً، اليوم حوّل سامي مشروعه الصغير إلى جمعية تطوعية سمّاها «إحساس للنقل التعاوني». ■■ أما مارك بوستوس، فيعتبر أشهر حلاق في نيويورك، ليس لأنه يصفف شعر المشاهير، بل لأنه خصص أيام إجازاته الأسبوعية للطواف في المدينة، وحلاقة شعر الفقراء والمشردين مجاناً! ■■ في فرنسا، قدم 63 عضواً في البرلمان مشروعَ قانون يجبر المتاجر على التبرع بالبضاعة، التي لم يتم بيعها بعد مرور فترة معينة قبل أن تتلف، خصوصاً الأطعمة، وقد تم تطبيق هذا القانون في بلجيكا، ونجح بشكل مذهل. ■■ الباكستانية بارفين سعيد تطعم فقراء مدينتها كراتشي يومياً، من خلال مطبخها المنزلي مقابل ثلاث روبيات فقط! وهو مبلغ زهيد لكنها تصر عليه، وعندما سئلت عن السبب؟ قالت: حتى أحفظ كرامتهم فلا يشعروا بضعف، ولا يستسلموا لفقر! ■■ تولاسي موندا، وُلِدَتْ لعائلة أمية لا تعرف…
الخميس ٢٦ مارس ٢٠١٥
خمس كلمات قد توضح الخط الفاصل بين النجاح والإخفاق، هي: «أنا لم يكن لدي الوقت». فرانكلين فيلد. الأسبوع الماضي استيقظتُ مبكراً لكيلا يؤخرني الازدحام المروري عن الوصول إلى المكان الذي انعقدت فيه «قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب»، وبعد استلامي بطاقتي الخاصة (الساعة الثامنة والنصف) وبمجرد دخولي القاعة المخصصة للقمة التقيتُ ــ لحسن حظي ــ بالدكتورة المتميزة عائشة بطي بن بشر، التي قامت مشكورة بشرح عن أجنحة وأنشطة القاعة المبتكرة، ثمَّ ودّعتها ويمّمْتُ شطر المسرح المخصص للافتتاح، فرأيتُ الكراسي خاوية إلا من أعداد بسيطة جداً، جلستُ، ثمَّ رحتُ أتصفح آخر الأخبار والرسائل من هاتفي، وفجأة سمعتُ صوتاً قادماً من المنصة، نظرتُ وإذا بمعالي الوزير محمد القرقاوي يفتتحُ القمة، ألقيتُ نظرةً سريعة على ساعتي وإذا عقاربها تشير إلى التاسعة تماماً، وجُلتُ بنظري في القاعة فإذا العدد لم يزد إلا قليلاً، فقلتُ في نفسي: هنا «احترام الوقت»! في إحدى جلسات «الدردشات» خرجَ علينا براندون ستانتون، ذلك المحاسب الذي طرد من عمله، بفكرة قفزتْ إلى ذهنه، هي: تصوير وجوه سكان مدينة نيويورك وكتابة قصصهم الملهمة في مدونة «Humans of New York» التي يتابعها يومياً 15 مليون شخص ــ أنا شخصياً أصبحت منهم ــ كل ذلك حدث خلال خمس سنوات فقط! الشاهد عندما استضافه الرائع بيمان العوضي في اليوم التالي في ورشة «كيف تنتقل بصفحتك…
الجمعة ٢٠ مارس ٢٠١٥
أخطر الأمراض هو أن تكون لا أحد لأيّ أحد «الأم تريزا». تعرفتُ إلى أحمد الأنصاري خلال دورة الحوكمة التي كان محاضراً فيها، ثم شرَعتُ بالتواصل معه على «الواتس أب». وعلى الرغم من قلة رسائله إلا أنها مميزة، لذلك أحرص دائماً على قراءتها، وكان آخر ما قرأتُ له هذه القصةَ الطريفة: «عائلة ميكال» عائلة عراقية ثرية جداً من سكان البصرة، نزلت في مدينة صُحار على مَتْن سفينة كبيرة، ثمّ علقتْ العائلة هناك ولم تتمكن من العودة بسبب الغبار والرياح والأمطار التي هطلت لثلاثة أشهر متتالية، فأدّى ذلك إلى نفاذ مؤنهم ونقودهم، فنزلوا ضيوفًا على «ابن دريد»، فأكرم مثواهم وأحسن إليهم، حتى إنه أحرق بعض مقتنيات منزله المصنوعة من الخشب؛ لتدفئة ضيوفه وطبخ الطعام لهم. وحينما هدأت العاصفة عادتْ عائلة ميكال إلى البصرة، بعد أن طلبت من ابن دريد اللّحاق بها إلى العراق، عسى أن يعلِّم أبناءها شيئاً من الشعر والأدب العربي، لبّى ابن دريد طلبهم، لكنّه فوجئ ببرودة الاستقبال، وفتور في التكريم على غير ما تَوقّع، ما أدى إلى شعوره بالإهانة والخذلان والضيق، فقرر العودة إلى مدينة صُحار، وبالفعل عاد إلى عُمَان بعد بضعة أشهر. وبنزوله في ميناء صحار وجد الفرحة والبهجة مرتسمة في وجوه المستقبلين له من أهله وأقاربه، وآنس في مظهرهم علامات الثراء، فسألهم: ما الأمر، وكيفَ تبدل الحال…
الجمعة ١٣ مارس ٢٠١٥
«الجنة على الأرض خيارٌ نحن نَصنعُه، وليس مكاناً نبحثُ عنه» د. ويين داير تعودتُ ـ كلَّ صباح ـ أن أرسل رسائل «لا تتعدى كلماتها أصابع اليد الواحدة» إلى أصدقائي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر – واتساب)، لأنني على يقين بأنها تُطَرّز يومنا بالمودة وتشحنه بالإيجابية. وكانت إحدى رسائلي عن «عبدالله الناهسي» رجل الأمن «السكيورتي» في جامعة الملك سعود الذي بطموحه أصبح «دكتوراً» فيها. فأتاني ردٌّ من أحد زملائي بأن بيننا مَنْ يشبه الناهسي. فدعونا نعش قصته؟! منذ صغره كان عبدالرحمن متميزاً في دراسته، وكان يعشق الإذاعة ما ساعده على إتقان فن الخطابة بين الناس، إلا أن ظروف حياته الصعبة أجبرته ـ بعد التخرج من الثانوية العامة سنة 1988 - على الانخراط في السلك العسكري «شرطياً»، وقدر الله أن يعمل سائقاً لأعضاء هيئة التدريس في أكاديمية شرطة دبي. يقول الشرطي عبدالرحمن: في إجازات أعضاء هيئة التدريس وسفرهم لبلدانهم كانوا يعطونني مفاتيح شققهم لمتابعة أمور الصيانة فيها، وكنت آخذ معي طفلي، ليستمتعَ بالسباحة في مسبح العمارة بينما أقومُ (أنا) بمتابعة العمال، وذات يوم قال لي ابني: لماذا هم لديهم مسبح وليس لدينا مثلهم؟! تألم عبدالرحمن.. وكانت البارقة الأولى! أما البارقة أو الشرارة الثانية فكان مطلقها د. مفيد شهاب (أستاذ القانون الدولي ووزير التعليم العالي السابق في مصر)، الذي كان يزور أكاديمية…
السبت ٠٧ مارس ٢٠١٥
«يظن كثير من رجال الإدارة أن العلاقات الإنسانية فصل في كتاب تنظيم العمل، وهم مخطئون في هذا، فالعلاقات الإنسانية هي كل الكتاب». بيلفر شتاين بدأ كريك ماكوين كتابه «Essentialism»، الذي يُعَدُّ من الكتب الأكثر مبيعاً على قائمة «نيويورك تايمز» بهذه القصة: كان من أمنياته أن يجد وظيفة مرموقة في شركة كبرى، فتحقق ما حلم به بأن تم تعيينه في إحدى شركات وادي السيليكون المشهورة، ولأن الفرصة جاءته على طبق من ذهب، فقد حرص منذ البداية على أن يترك «انطباعاً حسناً» أمام الجميع، وكانت وسيلته أن يقول «نعم» لكل طلب وأمر! لكنه اكتشف بعد فترة من الزمن أنه «غير سعيد»، وأن حياته أصبحت مملوءة بالضغوط التي لا تنتهي، وأن مهامه الوظيفية المنجزة أصبحت تقل يوماً بعد يوم، وبكفاءة أقل، حتى جاءت الطامة بأن الشركة عرضت عليه «تقاعداً مبكراً»! هنا فقط توقف واستدرك خطأ الماضي، وقرر أن يقول «لا» لكل أمر غير مهم، لدرجة أنه أصبح لا يحضر الكثير من الاجتماعات، وكان عذره أن لديه مهام أكثر أهمية، بل إنه طلب من زملائه عدم التواصل معه وهو خارج أوقات العمل، فماذا كانت النتيجة؟ أصبح أكثر تنظيماً، بدأ يعيش حياته الطبيعية مع أسرته، وراح يمارس الكثير من هواياته، والمفاجأة السارّة كانت حصوله على أفضل تقييم وظيفي! وهذه «داون ريزنبرج» تتساءل: هل تستطيع أن…
الخميس ٢٦ فبراير ٢٠١٥
«يلوم الناس ظروفهم على ما هم فيه من حال، لكنني لا أؤمن بالظروف، فالناجحون في هذه الدنيا أناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها، وحينما لم يجدوها صنعوها بأنفسهم». برنارد شو عودتْ «أمي فاطمة» نفسَها على زيارة الأرحام القريبين من بيتها «من سرَّهُ أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه»، فكان نصيبُ ابنة خالتِها (والدتي شيخة) من زياراتها ثلاث مرات أسبوعياً. وفي كل زيارة، وبمجرد جلوسها على كرسيها المعتاد في المجلس، تطلب صحف اليوم، لتبدأ في قراءتها على مسامع أمهاتنا من الأقارب، ولطالما سمعتها تقرأ الأخبار والأشعار (شعر حمد بوشهاب وعلي بن ارحمه وربيع بن ياقوت وغيرهم). ولدتْ «أمي فاطمة» بنت إبراهيم بن عفضان في أربعينات القرن الماضي، وهي الثالثة في الترتيب بعد الوالد سعيد والوالدة آمنة. ومثل غيرها من البنات، وتعلمت القرآن الكريم عند «المطوّعة»، إلا أنها وثلة من البنات واصلن تعليمهن النظامي في مدرسة رابعة العدوية بالشارقة إلى الإعدادية. تقول «أمي فاطمة» إنها كانت تعشق العلم والمعرفة، حتى إنها بدأت وهي في سن مبكرة بمراسلة الأصدقاء والإذاعات في الوطن العربي، وكانت هوايتها جمع الطوابع، ومن الطرائف التي ذكرتها، أنّ طابعاً إسرائيلياً وصلها ذات يوم، فأحرقته فوراً! وبما أن الظروف كانت صعبة في تلك الأيام، ولأنها كانت تعيل ابنيها أحمد ونسيم، وبنصيحة من صديقتها، تقدمتْ للعمل…
الجمعة ٢٠ فبراير ٢٠١٥
اعتدت في فترة دراستي بمانشستر الذهاب إلى «كوستا كافيه» القريب من منزلي، حيث كنت اسميه حضانة، لأنه مع أول كل صباح توجد فيه أمهات مع أبنائهن الرضع يتجاذبن أطراف الحديث. كنت دائماً أختار الطاولة المطلة على الشارع مراقباً المارة في ذهابهم وإيابهم ومستمتعاً بزخات المطر التي لا تتوقف عن هذه المدينة. ولأن المقهى على زاوية وتقاطع وإشارة مرور، فكانت تتوقف عنده السيارات والباصات التي غالباً ما كان يعلن عليها عن أفلام جديدة قادمة كانت هدفاً لمشاهدتها في إجازة نهاية الأسبوع. في ذلك المقهى لي ذكريات جميلة، هناك قرأت رواية «The Rain Maker»، التي أهداني إياها صديقي محمد، وفي ذات يوم من أيام الآحاد ذهبت مع عائلتي لتناول الإفطار فيه كما كنا نفعل صباح كل أحد، وفي الطابق العلوي كانت ثمة طاولة بجانبها محوّل كهرباء، كنت وزوجتي نجلس هناك لنبدأ ماراثون الدراسة بعد أن يذهب أطفالنا إلى المدرسة. ذكريات جميلة بحق كانت هناك. ولكن في يوم الجمعة الموافق 16-2-2012 وفي اليوم التالي لتجاوزي مناقشة الدكتوراه بنجاح ولله الحمد، ذهبنا (أنا وصديقي) بعد صلاة الجمعة لنشرب الإسبريسو في المقهى نفسه ولأستعيد ذكريات الماضي الجميل، في مساء هذا اليوم بالتحديد وصلني نبأ وفاة والدي عليه رحمة الله. الشاهد.. على الرغم من سلسلة ذكريات رائعة عشتها في هذا المكان بالتحديد، إلا أن الذكرى المؤلمة…