الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤
بدأت قبل أيام تجربتي الثالثة في التدريس الأكاديمي، ورحتُ كالعادة أعرض على طلبتي مقطع فيديو مدّته بضع دقائق عن تجربة نجاح وقصة طموح، لأنني مؤمن بأن للتميز عراباً، وعرابه الطموح. الخميس الماضي كان المقطع عن العم سعيد، فمن هو العم سعيد يا ترى؟ العم سعيد مصري من الجيزة في العقد السادس من عمره، فاته قطار التعليم فكانت مهنته سائق تاكسي، لكنَّه تعرض لحادث سببَّ له إعاقة أجبرته على ترك العمل والمكوث في البيت، وما يصاحبه من شعور بالفراغ المدمّر، ثمّ أتته الفرصة ـ وهو جالس أمام بيته ـ إذْ اقترب منه مجموعة من الشباب يمثلون فريق صناع الحياة وعرضوا عليه فكرة «التعليم»، فقال لهم: « لِمَ لا؟ على بركة الله». تعرض «عمو سعيد» للسخرية، لكنها لم تثبّط همته، فقد عاهد نفسه أن يلغي كلمة «مستحيل» من قاموس حياته. يقول عمو سعيد: بعد تعلمي القراءة والكتابة اكتشفت أنني كنتُ أتعبّدُ الله بشكل خاطئ! ولولا «التعلم» لَمَا دخلتُ جامعة القاهرة لأول مرة في حياتي، وَلَمَا تهيّأتْ لي الأسباب لإلقاء محاضرة على طلبة السنة الثالثة ـ آداب. لو كان لدى كل مؤسسة موظف كبير في السن يمتلكُ طموحاً وعقلية متفتحة، مثل عمو سعيد لكان البدء في مشاريع التغيير سهلاً، ولكن فئة كبار السن صعبةُ المراس ومقاومةٌ للتغيير غالباً! جامعة هارفارد اقترحت ثلاثة أساليب…
الجمعة ١٩ سبتمبر ٢٠١٤
ما إنْ أنهى روبن شارما – الخبير في القيادة وتطوير الذات – محاضرته لإحدى كبرى شركات الاتصالات في أميركا حتى تقدمتْ نحوه امرأة، وهي تمسح دموعها، فتبادره بالقول: حضرت لك الكثير من الندوات، وقرأت كل كتبك، لأنك كنتَ ولاتزال تذكرني بوالدي! الذي توفي قبل أشهر! ثم أردفتْ قائلة: هل تصدق أن عدد الذين حضروا لتشييع جنازته فاق الـ5000 شخص، بل لقد ودّعه كل سكان مدينتنا بلوعة وحزن! فقال لها مستغرباً: هل كان والدك غنياً، أو سياسياً، أو كاتباً مشهوراً، أو ذا منصب كبير؟ هل كان من المشاهير؟ أجابتْ: لا، أبداً لم يكن من هؤلاء. والدي كان إنساناً عادياً، طبيعياً لا يملك مالاً وفيراً، ولا منصباً مرموقاً، لكنه كان يملكُ ابتسامة عريضة، وكان يحترم الإنسان، ويُعينُ المحتاج..! باختصار: كان أبي رجلاً صالحاً. في المرحلة الثانوية، توطّدت أواصر الصداقة بيني وبين شاب لطيف مهذب وعلى خلق، إنّه «أحمد الزارعي» صاحب الصوت الشجي الذي يتذكره جيداً أهل مسجد أسماء بالشارقة وفي رمضان خصوصاً، وأنا شخصيّاً لا أنساه ما حييت، فأوّل مناسك عمرة أدّيتها في حياتي كانت بصحبته، وأوّل سعي بين الصفا والمروة كان برفقته، كان يرتل الآية ـ بصوته الرخيم ـ وأنا أردد وراءه: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا...». منذ بضع…
الخميس ١١ سبتمبر ٢٠١٤
أحب سعد «الدراسات التجارية»، وأراد استكمال دراسته في بلده بجامعة الكويت، لكنه لم يحصل على المعدل المطلوب للقبول، فقرر الاتجاه جنوباً نحو بلده الثاني الإمارات، وبالتحديد جامعة الشارقة، حينها قال لأهله، وكان هذا في عام 2002: «سأذهب لعام واحد فقط وسأعود بعد الانتهاء من السنة التحضيرية»، ولم يكن يدري أن القدر قد كتب له أن يبقى هنا إلى هذا اليوم، درس في الإمارات، وعمل فيها، وتزوج منها، فمنْ لا يحب الإمارات؟! بدأ سعد دراسته في كلية الاتصال (علاقات عامة) ولم يكتفِ بالدراسة فقط، بل عمل على اكتساب مهارات حيوية واجتماعية. قال لي سعد: «كنت أريد أن أعود إلى الكويت ويدي اليمنى تحمل شهادة علمية، واليسرى تحمل مهارة مكتسبة»! طرق سعد، وهو في التاسعة عشرة من عمره، بابَ التجارة، وجد حاجة الطلبة إلى من يغسل ويكوي ملابسهم فقام بافتتاح مصبغة، ثمّ اضطر ــ بسبب بعض العوائق القانونية ــ إلى أن يقوم بالغسيل والكي والتوصيل بنفسه، وحينما ضاق عليه الوقت، بين عمل ودراسة، أقفل المشروع بعد سنة من افتتاحه! يدين سعد إلى «الغربة» بفضل اعتماده على نفسه، فمنذ وصوله إلى الإمارات انقلب حاله من الاعتماد الكلي على أهله إلى الاعتماد الكلي على نفسه! وهنا يقول: «بدأت أعي أهمية (الثقافة المالية) لدى الفرد، وأن المرء ليس بما يملك وإنما بكيفية إدارته لما يملك»!…
الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠١٤
كان لانس أرمسترونغ بطلاً عالمياً في رياضة الدراجات حين أخبره الأطباء، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، أنه مصاب بالسرطان «عافاكم الله». وقد راحَ المرض ينتشر في جسمه، فكان لابُدَّ من العلاج فوراً، وفي هذه الأثناء شعر «لانس» أنه محظوظ بالرعاية الطبية وبجودة العلاج، فلولاهما لما نجا من هذا المرض القاتل، وتبيَّن له ـ في الوقت نفسه ـ أنّ كثيراً من الناس لا يستطيعون الحصول على هذه العناية، فقرر عام 1996 إنشاء منظمته الخيرية LIVESTRONG.org التي تُعنى بمرضى السرطان، وخلال بضع سنوات وصلت التبرعات التي تلقتها المنظمة إلى 500 مليون دولار، استفاد منها 2.5 مليون مريض. قبل عام 2004 كانت التبرعات تصلهم «بالقطارة»، كما يقولون، إلا أن فكرةً واحدة بزغت لديهم رفعت دخلَ المنظمة بشكل قياسي، إنها «أساور المعصم الصفراء»، حيث بيع منها 87 مليون سوار!، ثمَّ أصبحت موضة حول العالم، ما دفع الكثير من المنظمات الإنسانية إلى تطبيقها. وفي أيامنا هذه برزت فكرة جديدة، لا يُعرف مُطلِقها، وهي «تحدي دلو الثلج»، حيث يهدف هذا التحدي إلى التعريف بمرض التصلب العضلي الجانبي. وعلى الرغم من الانتقادات التي وُجّهت إليها على أنها إسراف في الماء ولعب ومرح أكثر مما هي مشاركة إنسانية؛ إلاّ أننا شاهدنا مَنْ يشارك في هذه الحملة بذكاء من خلال القفز في حوض ماء بارد، كما فعل الحارس…
الجمعة ٢٩ أغسطس ٢٠١٤
«الحلم ليس ما تراه في منامك، إنما هو الذي لا يتركك تنام». الرئيس الهندي السابق أبوبكر عبدالكلام كنتُ أصغي ــ وأنا طفل ــ لحكايات الكبار وقصص رحلاتهم إلى الهند، وكنت أتمنى زيارتها، لكنها تأخرت سنوات. ولم تتحقق إلاّ منذ سنين قليلة، إذْ زرتُ «كيرالا» بداية وبعدها زرت «بنغلور»، وأذكر أني شاهدت لوحة في مطارها لم أشاهدها في مطار آخر، كانت تعهداً بأن تنتهي إجراءات دخول البلد وأتسلم حقيبتي وأكون خارج المطار في غضون 13 دقيقة فقط! وهذا ما حصل فعلاً. وعلى الرغم من حلاوة هاتين الزيارتين إلا أن زيارة بومباي الأخيرة ــ قبل أيام ــ كان لها طعم آخر. قبل أسابيع تناهى إليّ أن أقارب لي قرروا السفر إلى بومباي للمراجعة الطبية والتسوق، فاقترحتُ على الوالدة وأختي مريم أن نسافر معهم لإجراء فحوص طبية وزيارة «عيادة شروف للعيون» المشهورة، لاحظتُ التردد في وجهيهما، فما كان مني إلا أن حجزت تذاكر الفندق، أحياناً لا يُعالج التردد إلاّ بفرض الأمر الواقع! كنا أكثر من عائلة، بلغ عددنا 33 شخصاً، وكانت «اللمّة حلوة»، فهناك الجدات والأمهات والأبناء، ثلاثة أجيال اجتمعت في هذه الرحلة، ولن أنسى كرم الشعب الهندي المضياف، ففي زيارتنا لكيرالا أذكر أنهم طرقوا علينا باب الغرفة وقت السحور وفاجؤونا بسُفرة طويلة عليها ما لذّ وطاب من الطعام! التجار الهنود يعرفون جيداً…
الجمعة ٠٨ أغسطس ٢٠١٤
قبيل انطلاقة مونديال البرازيل بأيام التقيت ابن أخي (أحمد) عند باب الفيلا، وكنا ـ حينذاك ـ عائدَيْن من الدوام، فقال لي: عمي سعيد أنشئ مجموعة على الـ«واتساب» لمونديال كأس العالم فهل ترغب في الانضمام؟ قلت له: مشكورعندي مجموعتين. ودارت الأيام ليننتهى المونديال بغصة برازيلية ومرارة أرجنتينية وحلاوة ألمانية، لكن قصة «قروب أحمد» لم تنتهِ. يقول أحمد: «انضمَّ إلى القروب (المجموعة) عشرون عضواً، عرفتُ بعضاً منهم فقط، فأجرينا مسابقات للنتائج وأفضل لاعب، وخصّصنا للفائز جائزة، ومضت الأيام كالسحاب حتى انفض السامر وهدأت الأنفس». الجمعة الماضي خرج أحمد مع زملائه لمردف سيتي سنتر، ففوجئ بأن أعضاء المجموعة كلهم تجمعوا هناك بأسلوب احتفالي، حيث تم تكريمه بهدية جميلة. ويتابع أحمد: اكتشفت خلال الجلسة أنهم بعد انتهاء المونديال تجمعوا في قروب آخر دون علمي، أطلقوا عليه «تكريم مدير القروب»، ناقشوا فيه نوعية التكريم، وشكل الهدية، وتجميع المبلغ بالشراكة بينهم، ومكان التجمع، وغيره. بعد أن حكى لي أحمد هذه الحادثة، قلتُ له: هؤلاء الأصدقاء مثل الجواهر لن تجدهم بسهولة، فحافظ عليهم! علم جون وفرانسيس جاننج بأن ملكة بريطانيا ستزور مدينة مانشيستر يومَ زفافهما، فأتت الفكرة: لماذا لا نرسل إليها دعوة لحضور زفافنا، ومن دون سابق إخبار وجدوا موكب الملكة قد توقف أمام الكنيسة لتدخل وتحتفل معهما. أما الممثل المبدع جوني ديب فكان في موقع تصوير…
الجمعة ٢٥ يوليو ٢٠١٤
كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته. وعن أبي عثمان النهدي، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة. وعن أنس، رضي الله عنه، كان أحب الرياحين إليه، صلى الله عليه وسلم، الفاغية، وهو: زهر الحناء. أتابع الأستاذة عائشة بن حويرب المهيري من خلال حسابها (etr_i) على موقع إنستغرام، فوجدتُ أنها لا تهوى العطور فقط، وإنما هي خبيرة فيها، ودارسة لها (درسَتها في فرنسا)، ذات مرة وضعت تدوينة جذبتني وأثارت فضولي، لأنها تتكلم عن خبرة وعلم ومعرفة، تقول عائشة: الروائح تؤثر في عقولنا وأمزجتنا وأجسامنا، ولرائحة العطور دور مهم في معالجة حالات الاكتئاب والأرق وحتى الكسل. ففي اليابان استخدمت العطور بشكل علمي، فشركة شيميزو، وهي أكبر مؤسسة هندسية وإنشائية صنعتْ منظمة بيئية لنشر الروائح العطرية عن طريق استخدام الكمبيوتر، وأخذت تبثها عبر أنابيب تكييف الهواء في أجواء مصانعها ومكاتبها. وفي اعتقاد اليابانيين أن الرائحة الزكية تقوي قدرات الشخص الذي يستنشقها، وتخفف توتره. وفي إحدى التجارب أيضاً تم رصد أحوال 13 شخصاً من العمال رصداً دقيقاً لمدة ثماني ساعات يومياً خلال شهر، فثبتَ أنه عند تعطير جوّ المكتب بأريج زهر الخزامى يقل عدد الأخطاء بنسبة 21%، وعند تعطير الجو برائحة الياسمين تقل الأخطاء…
الجمعة ٠٤ يوليو ٢٠١٤
صديقي عبدالرحمن المطوع روى قصة عجيبة حدثت له، يقول: «اتصلت امرأة ـ بالجمعية الخيرية التي أعمل فيها ـ مستفسرةً عمّا إذا والدتها تكفل يتيماً؟ فاعتذرت عن تلبية طلبها حرصاً على سرية المعلومات، لكنها ردّتْ بأنّ والدتها توفّيَتْ منذ مدة وأنّ الإجابة عن استفسارها ضروري، وبعد التأكد من صحة كلامها بحثنا في مركز المعلومات فوجدنا أنّ للأم كفالة يتيم ـ حقّاً ـ وقد توقفت عن دفعها منذ وفاتها قبل ستة أشهر». من هنا تبدأ الحكاية، حيث أشارت المرأة إلى أنّ حلماً راودها في منامها، دفعها إلى البحث والاستقصاء، فقد رأتْ أمها معرِضةً عنها، حزينةً وبجانبها طفل يبكي، فتعوذت من الشيطان في المرة الأولى، إلا أن هذا الحلم تكرر، وبعد الرؤيا الثالثة استفسرت، فقيل لها: ابحثي في الجمعيات فربّما تكون والدتك كفلت يتيماً، وهذا ما وجدته لديكم بعد السؤال في أكثر من جمعية خيرية. يقول عبدالرحمن: بعد أن أرشدتها للذهاب إلى فرع للجمعية قريب من منزلها لتجديد الكفالة، وبمجرد مشاهدتها لصورة اليتيم انخرطت في بكاء شديد، فقد كان هو ذلك الطفل الذي رأته في المنام! قبل سنوات عندما انضممت إلى كلية الشرطة سنَّ زميلٌ لنا سنة حسنة، إذ كان يأتي باستمارات أيتام ويقوم بتوزيعها مع نزول أول راتب لكل دفعة جديدة، بهذه الطريقة تمت كفالة العشرات من الأيتام! ذكّرني ـ منذ أيام…
الجمعة ٢٧ يونيو ٢٠١٤
أبصرت عائشة النور بين عائلة رياضية «شطرنجية»، كان والدها يدير هذه اللعبة، فلعبها جميع إخوتها، وكان أميزهم البطل سالم عبدالرحمن، حتى عائشة لعبتها فترة من الزمن، وما لبثت أن أقلعتْ عنها؛ لأن شغفها كان في مكان آخر. عشقت عائشة «الرسم»، فكانت سعادتها تكمن في شراء دفتر للرسم لتملأه برسوماتها الجميلة. عند بداية كل عام دراسي كانت تذهب مع والدها إلى المكتبة لشراء القرطاسية، وبمجرد دخولها يتعلق ناظراها بأرفف الدفاتر، لترى جمال الرسومات التي تزينها، ولسانُ حالها يقول: لماذا لا تكون رسوماتي على هذه الدفاتر؟ ثم تنتقل نحو الرف الذي توجد عليه الدفاتر التي لا تحتوي على أية رسومات؛ فتشتري بعضها، وعندما تعود إلى البيت، تدخل غرفتها، وتأخذ دفترها الخاص بالرسم، ثم تبدأ بعملية القطع واللصق على الدفتر الجديد، وتتأمله بكل زهو وفخر، وهنا ينتابها شعور بأنها قد حققتْ جزءاً من الحلم! كبرت عائشة، وكبُرَ مصروفها الشهري من والدها، لكنها كانت تستقطع النسبة الكبرى منه لشراء الدفاتر، حيث تدخل محالها المشهورة ولا تخرج حتى تمتع عينيها بجمالها وتشتري ما يناسب ميزانيتها. حلم عائشة الصغيرة بدأ يكبر؛ فكانت تقول: في يوم ما سأقوم بتأسيس شركة Hallmark عربية! عند هذه المحطة توقفت عائشة عن التنظير، وشرَعت في العمل لتحقيق حلمها، وهكذا.. فمن البيت انطلقت تصمم وترسم وتبدع، وبعدها تطبع وتبيع عن طريق «بلاك…
الخميس ١٢ يونيو ٢٠١٤
«فتى الكهول: له قلبٌ عَقُول، ولسانٌ سؤول» ــ ابن عباس عادت فاطمة من المدرسة ذات يوم وقد أثقلها همّ كتابة موضوع تعبير عن «الدفاع المدني»، أخذت قسطاً من الراحة، ثم رجعت تفكر من أين تبدأ، إلاّ أن كل المحاولات باءت بالفشل! فما كان منها إلا أن ذهبت إلى والدها وقالت له: بابا «حسين»، عندي واجب مدرسي بكتابة موضوع عن الدفاع المدني، حاولتُ يمنةً ويُسرة لكنني لم أستطع كتابة سطر واحد. أخذ الوالد يتصفح الكتاب فوجد بالفعل المعلومات التي في الدرس سطحية جداً، ووجد صورة مركبة الدفاع المدني تخالف ما هو واقع في الدولة من لون وشكل! فما كان منه إلا أن قام بمبادرة عمليّة، بأن طلب منها أن تتجهز وخرج معها إلى أقرب مركز للدفاع المدني، وهناك شرح للعاملين في المركز قصته مع ابنته، فما وجدَا منهم إلا الترحاب، ثم أخذوهما في جولة شاملة داخل المركز من بداية تلقي البلاغ حتى وصول الفريق بعد إطفاء الحريق، بل شاركوهما في عملية إطفاء وهمية! النتيجة: كتبت فاطمة في ذلك اليوم صفحتين عن «الدفاع المدني» فحصلت على الدرجة النهائية، كما حازت إعجاب مدرّستها. القصة لم تنتهِ، بل لعلها البداية، وذلك، لأن الوالد يعمل في وزارة الداخلية، ولأن فاطمة لها «قلب عقول، ولسان سؤول»، (ربي يحفظ ويبارك)، جاءت الفكرة بعد تساؤلات عدة: لماذا لا…
الجمعة ٣٠ مايو ٢٠١٤
ذهبت ميرة ـ ذات يوم ـ مع أخيها عبدالله إلى منتزه خليفة، وهناك شاهَدَتْ فتىً يافعاً لا يتجاوز العشرين، يشارك في لعبة التسلق وبجانبه أم وابنتها، جرى حوار قصير قال فيه الفتى للأم: مثل هذه الألعاب تساعدني على تقوية عضلاتي، فترد الأم بلا مبالاة، وأنهت الحوار سريعاً! تأثرت ميرة بالموقف، فناجَتْ نفسها: ما حدث اليوم لهذا الفتى سيحدث غداً مع عبدالله، لأنهما يحملان المتلازمة نفسها، وكانت هذه نقطة البداية والتغيير. في 25-4-2010 ولد عبدالله، لكنّ قدومه أحدثَ صدمة غير متوقعة، إذ وُلِد مصحوباً بمتلازمة داون، ولأن عبدالله وُلِد في أسرة راقية، تحولتْ هذه الصدمة إلى نعمة، فصار البيت أشبه بخلية نحل، الوالدان يبحثان عن مراكز مختصة داخل الدولة، ومريم وميرة تبحثان في الإنترنت، تقول مريم: كان المحتوى العربي للأسف ضعيفاً جداً، أمّا المصادر الغربية فكانت ثرية، لهذا جاء قرار الأسرة بالسفر إلى ألمانيا. أُجرِيَتْ له جلسات المساج الخاصة، وحصص النطق المبرمجة، مع رعاية طبيب مختص كان يفاجأ بالتطور الإيجابي مع كل زيارة. وهناك اطّلعتْ الأسرة على تجارب أُسَر ألمانية مع أطفال لها مولودين بمتلازمة داون. ثمّ قصدتْ ميرة مركزَ المستقبل المختص بأطفال متلازمة داون، فعرضتْ عليه مشروع تخرجها، وقامت بعمل ورشة رسم لأطفال المركز، وأطلقتْ حملتها «لا تخذلني»، وحوّلت الرسوم إلى تصاميم وطبعتها على منتجات بِيْعَتْ في معرض صغير بأحد…
الخميس ١٥ مايو ٢٠١٤
فورَ الانتهاء من الدراسة، وربما قبلها بقليل، نبدأ بتقديم طلبات التوظيف، فنزور المعارض، ونستخدم الشبكة الإلكترونية، بل نذهب أحياناً إلى مقار العمل، لعل وعسى أن نجد الفرصة التي تُمهد لمرحلة جديدة من حياتنا، فمنّا من يوفقه الله سريعاً، ومنّا من ينتظر سنوات. أقول: هي حياة جديدة؛ نقتحمها بكل حماس، متعطشين مستشرفين، فمنتعشين مغتبطين مع تسلم الراتب الأول (جرت العادة، عندنا في العائلة، أن يتمّ توزيع جزء من أول راتب على كبار السن). تمضي الأسابيع والشهور والسنون، فيصيرُ العملُ روتينياً، ونختلط بزملاء العمل، فنجد منهم الصادق الأمين، والملتوي المتلون، وغير ذلك، ثمّ ينقلب ذلك الحماس إلى ملل! الدكتورة هايدي هالفرسون كتبت مقالاً لافتاً على الموقع الإلكتروني لجامعة هارفارد، بعنوان «كيف تشجع نفسك على العمل عندما لا تحبه؟»، تحدثت فيه عن حالة الملل هذه، ونتائجها السلبية من شعور بالضغط النفسي، وضعف في النتائج. الدكتورة هايدي نسفت قاعدة تحفيزية مهمة، وهي «حتى تبدع لابد أن تعشق عملك!»، وهذا هو الذي جذبني إلى هذا المقال. تقول هايدي: نعم أوَدُّ أن أُنهيَ مشروعي بنجاح، والحماس مطلوب، لكنْ دون استلزام الحبّ لهذا العمل! استندت الدكتورة في نظريتها إلى كلامٍ للخبير الإداري أوليفر بوركمان، الذي يرى أن الإصرار على حب عملنا قبل أن نقوم بالتغيير هو وهم كبير رسخ في عقلنا الباطن من حيث لا ندري! انطلاقاً…