سمير عطا الله
سمير عطا الله
كاتب لبناني

خواتم باكية

الثلاثاء ٠٨ مارس ٢٠١٦

ليس هناك من اسم لامع في المسرح الكوميدي المصري إلا وكان خلفه سمير خفاجي، منتجًا أو مخرجًا. من عادل إمام إلى شريهان، أو أي اسم آخر يخطر لك. لذا، سوف يخطر لك أيضًا أن مثل هذا الرجل صنع ثروة طائلة ما دام الأجر الذي يتقاضاه أي من نجومه يفوق الأرقام الستة. لكن خفاجي الذي يتحدث بمرارة في مقابلاته الصحافية، يشكو من العقوق، ومن القلّة، ومن الشلل النصفي الذي هدّه. ويتذمر من أن أحدًا من نجوم مداره السابق لا يسأل عنه، فيما عدا شريهان. لا أعرف ماذا يحدث ولماذا يصل كبار أهل الفن إلى هذه النهايات البالغة الصعوبة. فقد كانت أمينة رزق، على مدى عقود، «النجمة الكبرى»، لكن سنواتها الأخيرة كانت فقرًا وبؤسًا. و«شرير» الشاشة توفيق الدقن (أحد اكتشافات خفاجي) مات بائسًا رغم سنوات النجاح الطويلة. وشكا كثيرون مثله أوضاعهم إلى نقابة الفنانين. وفي لبنان غاب في السنوات الماضية عدد من الفنانين والفنانات في حالات محزنة بلا حدود. طبعًا، يُفترض أن لا أحد في نجاح سمير خفاجي المالي، أو لا أحد يمكن أن يفهم كيف أن نجمة مثل سعاد حسني تصل إلى ما وصلت إليه في سنوات لندن التي انتهت بخاتمة مأساوية وغموض أليم. هناك حالات لم نعرف عنها. وهناك في المقابل الفنانون المتهمون بـ«الحرص الشديد» مثل أم كلثوم وعبد الوهاب…

بحر البيان

الخميس ٠٣ مارس ٢٠١٦

قال فيه طه حسين إنه لا يغترف من بحر فحسب، بل هو يتدفق مثل بحر. وقال فيه محمود زكي باشا إنه يشبه ماكينة الخياطة «سنجر» لشدة غزارته وقدرته على «التطريز» والتنوع والكتابة في شتى المواضيع والمسائل والقضايا. وعندما طلب إليه رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق محمد كرد علي أن يجمع مقالاته في مجلدات، كتب إليه معتذرًا: «فإني في أوروبا منذ اثنتي عشرة سنة، وفي الشهر الواحد من هذه المدة كنت أحرر لا أقلّ من عشر مقالات في الشهر، ففي السنة 120 مقالة، ففي الاثنتي عشرة سنة 1440 مقالة، فإن جعلت كل مقالة 3 صفحات من قطع هذا المكتوب، فهذا فوق أربعة آلاف صفحة (...). كلا، هذا لن أقدر على طبعه، وهذا كله ذهب في الجرائد الطائرة». كان الأمير شكيب أرسلان أوائل القرن الماضي أحد رموز عصر النهضة، والوحيد الذي عُرف بلقب «أمير البيان»، كاتبًا وخطيبًا ومفكرًا وداعية سياسي من مناضلي الحركة الاستقلالية. عُرف بلقب آخر هو «كاتب الشرق الكبير». وكانت نضالاته ومعارفه وصداقاته مع كبار أهل النهضة أكبر بكثير من حجم بلده لبنان، الذي لم يكن قد استقل بعد. وقد حارب بريطانيا وفرنسا. فحاول الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة التقرب منه. ومن أصدقائه أحمد شوقي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمود سامي البارودي، ومحمد رشيد رضا. ولعل ثمة شبهًا بين سيرته وسيرة…

نصف هجوم ونصف تراجع

الخميس ٢٤ سبتمبر ٢٠١٥

استعاد فلاديمير بوتين ما فقده في ليبيا وأوكرانيا. تدخَّل عسكريًا في سوريا رافعًا على الدبابات صورة بشار الأسد، فتراجعت أميركا خطوة أخرى معلنة القبول بالأسد إلى حين، بعدما كانت تصر، منذ أربع سنوات، على ذهابه فورًا. لا شيء نهائيًا طبعًا. لا في الاندفاعات الروسية نحو استعادة مرتبة الشراكة الأولى، ولا في انحسارات أميركا التي تحوّلت في ربع القرن الماضي من دولة أولى مبتهجة بالانتصار في الحرب الباردة، إلى دولة تكاد تفقد الصفة التي لازمتها منذ الحرب العالمية الأولى. ما بين رعونات جورج دبليو بوش وانكفاءات باراك أوباما، أضاعت الولايات المتحدة الكفة الراجحة في ميزان القوى العالمية. وفي سوريا تراجعت أمام مواجهين، النظام و«داعش». ومضى زمن لم نعد نسمع فيه عن الحرب ضد «داعش»، أو أي انتصار عليها. وتبدو حرب العراق – أميركا لاقتلاع «الخلافة» من المدن الكبرى التي احتلتها، وكأنها تجري في الخفاء في مكان ما على شواطئ الأمازون، لا على شواطئ الفرات. وقد تردد أوباما في إعلان الحرب على «داعش» إلى أن فاجأ المستر جون كيري العالم بالقول: إنها حرب تستغرق 5 سنوات. ما هي هذه القوة القادرة على مواجهة التحالف الغربي نصف عقد؟ وها هو بوتين آتٍ أيضًا لمحاربتها. ومن دون أن يرتفع صوتها تدفعه الصين وتشجعه. ولديها شكوك بأن المتطرفين الصينيين هم وراء انفجار بانكوك «الجهادي». بالأمس…

اليرموك وأخواته

السبت ١٣ يونيو ٢٠١٥

ذكرت صحيفة «العربي الجديد» أن 1100 فلسطيني قتلوا في مخيم اليرموك منذ 2011 حتى الآن. هل هم أغلى من 230 ألف سوري قُتلوا في تلك الفترة؟ دعونا لا نزيد الكوارث مأساوية. هذا مثل القول: ما لنا ولآثار تدمر؟ الآن همّنا البشر لا الحجر. فالحجر هو تاريخ الأمم، والشاهد على تاريخ البشرية، وهو أحيانا، مصدر رزق الأحياء والفقراء والأمم. وعندما ذهبت مرة إلى تدمر، لم يأخذني فقط بهاء الحجر القائم في وجه الشمس منذ قرون، بل أُخذتُ أيضا بأنس أهل المدينة وبسطائها، والذين لا يزالون يعيشون من دخل الحجارة الرائعة، وكأنهم في أيام زنوبيا وقوافل روما. 1100 فلسطيني في مخيم لا فرق فيه بين الموت والحياة، رقم معيب. لأن قدر الفلسطينيين أن يُقتلوا في أرضهم، وليس في ضواحي دمشق، ولا في صبرا وشاتيلا. وما من فارق بين أن يُقتلوا دفعة واحدة، أو في التعذيب البطيء، والتجويع، والحصار غير الإنساني. ليس هذا حظ الفلسطينيين من «قلب العروبة النابض»، نظامًا، أو معارضة. فقد كان يقتضي أن يعامل المخيم، من قبل الفريقين، على أنه جزيرة، أو محميّة بشرية، لا يورطه أحد في الصراع، ولا يكبّده أحد هذه الأثمان المريعة في مواجهة لا علاقة له بها. كان هذا أشبه بإطلاق اسم فلسطين على أسوأ السجون سمعة في سوريا. مسكينة في كل مكان، «قضية العرب الأولى».…

ماذا يعلِّب الفتى المبجَّل؟

الجمعة ٢٩ مايو ٢٠١٥

آخر أنباء السعادة من «الجمهورية الديمقراطية الاشتراكية» في بلاد الزعيم المبجل كيم جونغ - أون، الطافح فرحًا وحبورًا وضحكًا، أن عبقرية التصنيع توصَّلت إلى تعليب الأسلحة النووية في عبوات صغيرة، يمكنك - إذا شئت - أن تقدمها هدية في حفل عيد ميلاد. أنا شخصيًا، لن أصدق ذلك قبل أن أرى صورة الزعيم المبجّل، ضاحكًا، حليق الفودين، وهو يداعب قنبلة نووية ومن حوله الجنرالات يصفّقون. الزعيم المبجّل لا يتصور إلا إلى جانب مدفع، أو حاملاً رشاشًا. هواية. وبسبب الانصراف إلى التعليب النووي، لا تعرف كوريا الشمالية، إلى الآن، علب التونة والسردين والبولابيف. ترف استعماري، إمبريالي، رجعي، ذيلي، انحرافي، مضاد للثورة. جميلة، المصادفات العفوية. تقرأ لائحة الدول السبع الأكثر فسادًا في العالم، فتذهل للإنجاز: من ليست دولة منّا، فهي دولة صديقة، جمهورية، ديمقراطية، اشتراكية، حرّة. من ليس ليبيا، والسودان والصومال، فهو أفغانستان وفنزويلا وبلد الزعماء المبجّلين. لطالما شعرنا بالاعتزاز ونحن نسمع الرئيس السابق إميل لحود يهتف للصداقة الخالدة مع هوغو شافيز. النضال يقرّب البعيد ويبعد القريب، على قول الأغنية في وصف حال المحبين. ومحمود أحمدي نجاد كان ضيفًا دائمًا في فنزويلا، ينسق لتحرير العالم من الإمبريالية، أو بقاياها. يجمع بين هذه الدول الصديقة ألف رابط، ورابطين. لا إحصاء للبطالة، لا أرقام للنمو، لا موازنات، لا صحف، لا إنترنت، ولا تلفزيونات خارجية.. ولا…

على بعد ساعة من بغداد والغوطة

الثلاثاء ٢٦ مايو ٢٠١٥

احتلت «داعش»، على طريقتها، مدينة الرمادي وبهاء تدمر. وفي شرح ذلك، بلغتها، أنها أصبحت على بعد ساعة من بغداد، وأخرى من الغوطة. ومن الآن إلى أن «يدرس» باراك أوباما استراتيجيّته الجديدة، فإن خريطة المنطقة قد تغيرت ولم تعد فقط قيد التغيير. وكردستان التي كانت تُتهم بالإعداد للانفصال، أصبحت مأوى لمئات الآلاف من العراقيين، تسأل من يقف وراءها. ولا يزال أوباما يعيد النظر في استراتيجيته. وهناك جبهة، لا نعرف إذا كان قد لحظ وجودها، تمتد من جرود عرسال في لبنان إلى مرسى سفن «المساعدات الإنسانية» الإيرانية في جيبوتي. ما يجري على مدن سوريا ومدن العراق والآن في حملة الحوثيين على اليمن، هو حرب لا بد أن ثمة من يخوضها. حرب لها من يموِّلها ومن يخطط لها ومن يخوضها، والآن من يخسرها. وسوف تكون الكارثة في تقاسم الفوز. أي في أن تأخذ «داعش» الجزء الأكبر من سوريا والعراق، ويبقى الباقي بلا دولة أو جيش رابع أو فرقة رابعة. ويقتضي المنطق أن تتأمل إيران جيدًا نتائج حروبها وتسعى إلى حل سياسي قبل أن تحترق جميع أحلامها، ومعها ما تبقى قائمًا من سوريا والعراق. لقد تغيرت «وقائع الأرض» على نحو لم يعد يحتمل أي مكابرة. التلفزيونات لم تعد قادرة على تغطية المتغيرات الهائلة التي لها أسماء كانت في الماضي تعني شيئًا، وأصبحت تعني شيئًا…

الصحيفة الخامسة

الجمعة ٠٨ مايو ٢٠١٥

هذا الصيف ذكرى مائتي عام على هزيمة نابليون في معركة واترلو، إحدى ضواحي، أو أحياء بروكسل. الكاتب العظيم ألكسندر دوماس يصف كيف شاهد الإمبراطور متوجهًا إلى المعركة في عربته، وكيف عاد منها شاحبًا ومنكسرًا. بمحض المصادفة، وقعتُ على شيء مختلف من أوراق نابليون: نصوص الأوامر التي كان يوجهها إلى ضباطه وجنوده. والذين منا كان قد رسخ لديه أن «البروباغندا» بدأت مع وزير هتلر جوزيف غوبلز، يجب أن يعودوا إلى مرحلة نابليون. من أجل معنويات جنوده ومعنويات الفرنسيين، كان الرجل يكذب. وكان يحجب الحقيقة، ولذلك، سلط الرقابة على الصحافة. وعندما فقدت الصحافة ثقة الناس، فقدت قراءها. وافتقرت. وأفلست. وبعدما كانت باريس تحتار بين 24 صحيفة كل يوم، انخفض العدد إلى أربع. وهو العدد نفسه الذي انخفضت إليه صحف دمشق وبغداد وليبيا الفاتح العظيم في الجماهيرية العظمى، بعد نزول «الثورات» بها. كان نابليون يخسر في مسارح القتال ويربح في الصحف الأربع. وكان جنوده ينسحبون مُدمين في الحرب، ويقرأون عن الانتصارات في الجرائد. فتوقفوا هم أيضا عن قراءتها. وما لبث بعضها أن افتقر وتوقف عن الصدور. وفي صحف سوريا، لا تزال الانتصارات تتالى، لأن الصحف الأربع تصدر من دمشق، وليس من حلب، أو إدلب. كذبت الصحف على نابليون بأوامر منه. ومن يقرأ تلك الأوامر يعرف من أين ترجمت خطب السياسيين العرب: يا جماهير…

كامب ديفيد.. حفيد أيزنهاور

الأربعاء ٠٦ مايو ٢٠١٥

في 14 مايو (أيار) يشهد كامب ديفيد ملتقى مفصليًا آخر في تاريخ العرب: الملك سلمان وأمراء الخليج يتدارسون الوضع في الجزيرة العربية مع باراك أوباما. أول قمة جماعية مع رئيس أميركي منذ تأسيس مجلس التعاون، وأول مرة تُطرح فيها قضية واحدة بين الفريقين: إيران. ما هو هذا المكان الذي صار اسمه جزءًا من مفرداتنا؟ معتزل في جبال ميريلاند، تربو مساحته على نصف مليون متر مربع، ويبعد 60 ميلاً عن البيت الأبيض. وكان فرانكلين روزفلت أول رئيس يستخدمه، وقد أطلق عليه اسم «شانغريلا»، وهو مكان متخيل مليء بالهدوء والسعادة. ففي عام 1942، ذروة الحرب العالمية، بحث عن معتزل سري حيث يستطيع النوم في ساعة متأخرة، وينصرف إلى العناية بمجموعة الطوابع التي يملكها، واستضافة بعض زعماء الدول الذين يستسيغ صحبتهم. كان ونستون تشرشل أول أولئك الزعماء عندما حل ضيفًا عام 1943 في قمة أعدت لهجوم النورماندي الكبير على قوات هتلر. وعندما تسربت الأنباء عن وجود شانغريلا، نصح رجال الأمن روزفلت بأن ينقل مقره إلى قادة غوانتانامو خوفًا من التعرض للقصف، غير أن رفض روزفلت كان قاطعًا: «كوبا بلد ملوث بالفوضويين والقتلة وإلى آخره، وأيضا بالمحتالين». عندما وصل دوايت أيزنهاور إلى الرئاسة أعاد تسمية المعتزل على اسم حفيده، ديفيد. استضاف هناك عام 1959 الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف في محادثات تهدف إلى خفض التوتر…

الجوار والاستكبار

الجمعة ١٠ أبريل ٢٠١٥

قال الدكتور عبد الله بن زايد إن «إيران لم تترك لنا الأمل لإقامة علاقات نموذجية معها». هذا اختصار شديد ومؤلم لثلاثة عقود من التوتّر المعلن والمكتوم بين طهران والعالم العربي برمّته، وليس فقط جوارها المباشر. حاول العرب، أو أملوا، طوال الوقت، في إقامة علاقة حسنة أو سوية لمصلحة الفريقين. رأوا ماذا فعلت حربها مع العراق بالبلدين وأهلهما، وما تركت من آثار مادية ونفسية، وأملوا ببدء مرحلة خالية من القوة والعنف والنزاعات، لكنهم اكتشفوا أن إيران التي ترفع شعار «الموت لأميركا وإسرائيل»، تتجه نحو العالم العربي دون توقف، وتطلق على أحد شوارعها اسم قاتل رئيس عربي، وتحاول أن تحتكر القدس كصاحبة لها. وساعدها في ذلك انتصار المقاومة اللبنانية في الجنوب، فلم تعد حربها على الاحتلال الإسرائيلي، بل على «التخاذل» العربي. ولم تترك مشكلة داخلية إلا تدخلت فيها سرًا وعلنًا، من البحرين إلى تونس. ولم تبق دولة عربية إلاّ حاولت التفاهم مع إيران ومعرفة سبب السياسات العدائية. وكان الموفدون يعودون بأجوبة غامضة لا تعيش أكثر من فترة الزيارة. وتحول جميع العرب إلى متهمين في إعلام إيران الداخلي والخارجي. وعدنا إلى الدعوى النفعيّة المغطاة دومًا برداء فلسطين، وهي أنه من أجل تحريرها يجب أولاً إسقاط الدولة العربية، لأن الطريق إليها يمر في لبنان والكويت، وكل دولة يمكن وضع اليد عليها. حاولت جميع الدول…

سجنوه في صنعاء.. وقصفوه في عدن

الأربعاء ٢٥ مارس ٢٠١٥

من العبث أن نقرأ، أو أن نتابع قراءة ما يحدث في اليمن، على أنه يحدث في اليمن. ومن دون حاجة إلى الدخول في الدراما وتكبير الأشياء، فإن ما نشهده هو درس جديد في العمل أو في النهج السياسي، أو في الأخلاق السياسية، ولو أن السياسة عادة لا قطرة فيها من الأخلاق. احتل الحوثيون صنعاء، ثم تعز، ثم الحُديدة، ثم ركبوا طائرات الدولة اليمنية ليقصفوا بها الرئيس، الذي سجنوه في العاصمة، وأجبروه على الفرار إلى العاصمة الثانية. يفعل الحوثيون ذلك أمام الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، وخصوصا أمام مجلس الأمن والأمم المتحدة. يريدون القول، بكل بساطة، إن هذا زمن جنكيزخان، ومن يُرد مواجهته فليس من أسلوب آخر سوى الثقافة الجنكيزية. ويريدون القول إن هذا هو المستوى السياسي في العالم العربي من الآن فصاعدا. براميل متفجرة في سوريا، و«حشد شعبي في العراق»، ومطاردة الرئاسة قصفا في اليمن. لم يبدأ هذا المستوى الأخلاقي من السياسة في اليمن طبعا. كانت له علامات ومدلولات كثيرة، ليس أقلها تصريح المستشار علي يونسي، وغيره من المستشارين والنواب والخبراء. وقد تميز تصريح يونسي بنفي متعدد الوجوه، يُثبت فقط أو يؤكد فقط النظرية العلمية القائلة «نفي النفي إثبات». لقد أتعبت طهران نفسها بغير ضرورة في التنصل من الكلام الذهبي الذي أدلى به سعادة المستشار. وبدل هذا المجهود النَفَوي، كان…

نعم.. ولا.. ولكن.. وإلا إذا

الثلاثاء ٢٤ مارس ٢٠١٥

تعلمت من حرب لبنان ألاّ أتابع اليوميات التي تضيّع الوقت. أناس يكررون كل يوم ما لا يعرفون، والذين يعرفون، لا نعرفهم ولا نعرف من هم. وكان المعلّقون اللبنانيون، كل يوم وبلا تعب، يطلعون قرّاءهم على مواقف ومخططات أميركا والاتحاد السوفياتي، وتفكير فرنسا وبريطانيا والصين. تابعت أخبار الاتفاق النووي الذائع الصيت من خلال العناوين. يوم تفاؤل، يوم لا. بالتساوي، ومثل لعبة زهرة الأقحوان: بتحبني؟ ما بتحبنيش. ولم أتوقف يوما عند التفاؤل، ولا عند التشاؤم، لأنه لو كان هناك حقيقة في هذا أو ذاك، لما تغيّر بين ساعة وأخرى. ولو كان الفريقان يكنّان أدنى احترام لبقية العالم، لأحجما عن معاملة الآخرين بهذا الازدراء، في مسألة بالغة الخطورة، في جوهرها وفي تفرعاتها وفي انعكاساتها على الوضع العالمي. يتساءل المرء: من نصدّق؟ الجانب الأميركي أم الجانب الإيراني؟ التفاؤل أم التشاؤم؟ والأكثر راحة هو ألا نصدّق كليهما، لأن كليهما لا يخاطبنا، بل يخاطب جمهوره، وكليهما يمهد الطريق لإعلان نهاية الخداع، فما هو شأننا في المسألة؟ إيران لا تكفّ عن هتافها «الموت لأميركا»، و«تتصور» كل يوم مع أميركا في شوارع جنيف. وفي جبهات العراق، تتبادلان صور الحشود المعادية للفريقين، وتقاتلان من خندق واحد. قيل لنا إن إيران تفاوض ست دول، فإذا بنا لا نرى سوى المستر كيري ووفده. وكل هذه الجلسات والنزهات من أجل الاتفاق على…

بغداد واليمن

السبت ١٤ مارس ٢٠١٥

بُعيد سقوط الشاه، خُيِّل إلى السذج من أمثالي، أن مرحلة جديدة سوف تبدأ بين إيران والعرب، قائمة على المصالحة بين الحضارات، كما حدث في سائر الأمم المتقدّمة، التي عزلت تاريخ الحروب والصدام والصراع والأزمان الإمبراطورية العاتية، لتبدأ زمنًا متحضرًا قائمًا على التحاور والتجاور والتعاون نحو حال بشرية أفضل لجميع الشعوب. هناك مقاربتان للتاريخ، واحدة قوامها التذكير الدائم بالحروب، وتمجيد الهزائم والانتصارات، وتعلية الثارات والانتقام، على قواعد التعايش. والمقاربة الأخرى هي استخلاص الدروس من القرون المتحجّرة التي علامتها الدائمة الدماء والخسائر والقهقرة. والثانية تتطلب قبل كل شيء، إلغاء عنصر الغطرسة وترك التراب يغطي ما هو تحت التراب. لذلك، كانت سمعة «عرش الطاووس الشاهنشاهي منفرة» في جميع القلوب. وعندما قامت الحرب العراقية - الإيرانية، شعرت بأسى داخلي من إحياء نغمات الفرس والعرب والقادسية. فقد كان ذلك يعني العودة قرونًا إلى الوراء في منطقة مكتظّة ببراكين الماضي والرماد غير القابل للانطفاء. آسفني فيما بعد أن أرى نبرة الازدراء التاريخي خارجة من طهران على نحو شديد الإهانة. والكلام الرسمي الذي ردده المسؤولون الإيرانيون في الأيام الماضية، قد يكون فيه شيء من صحة الماضي، لكن فيه الكثير من تحقير الحاضر وتظليم المستقبل. لم نكن في حاجة إلى تصريح مستشار الرئيس روحاني ليقول لنا إن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية الجديدة. رحم الله الدكتور طه حسين،…