سمير عطا الله
سمير عطا الله
كاتب لبناني

سجنوه في صنعاء.. وقصفوه في عدن

الأربعاء ٢٥ مارس ٢٠١٥

من العبث أن نقرأ، أو أن نتابع قراءة ما يحدث في اليمن، على أنه يحدث في اليمن. ومن دون حاجة إلى الدخول في الدراما وتكبير الأشياء، فإن ما نشهده هو درس جديد في العمل أو في النهج السياسي، أو في الأخلاق السياسية، ولو أن السياسة عادة لا قطرة فيها من الأخلاق. احتل الحوثيون صنعاء، ثم تعز، ثم الحُديدة، ثم ركبوا طائرات الدولة اليمنية ليقصفوا بها الرئيس، الذي سجنوه في العاصمة، وأجبروه على الفرار إلى العاصمة الثانية. يفعل الحوثيون ذلك أمام الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، وخصوصا أمام مجلس الأمن والأمم المتحدة. يريدون القول، بكل بساطة، إن هذا زمن جنكيزخان، ومن يُرد مواجهته فليس من أسلوب آخر سوى الثقافة الجنكيزية. ويريدون القول إن هذا هو المستوى السياسي في العالم العربي من الآن فصاعدا. براميل متفجرة في سوريا، و«حشد شعبي في العراق»، ومطاردة الرئاسة قصفا في اليمن. لم يبدأ هذا المستوى الأخلاقي من السياسة في اليمن طبعا. كانت له علامات ومدلولات كثيرة، ليس أقلها تصريح المستشار علي يونسي، وغيره من المستشارين والنواب والخبراء. وقد تميز تصريح يونسي بنفي متعدد الوجوه، يُثبت فقط أو يؤكد فقط النظرية العلمية القائلة «نفي النفي إثبات». لقد أتعبت طهران نفسها بغير ضرورة في التنصل من الكلام الذهبي الذي أدلى به سعادة المستشار. وبدل هذا المجهود النَفَوي، كان…

نعم.. ولا.. ولكن.. وإلا إذا

الثلاثاء ٢٤ مارس ٢٠١٥

تعلمت من حرب لبنان ألاّ أتابع اليوميات التي تضيّع الوقت. أناس يكررون كل يوم ما لا يعرفون، والذين يعرفون، لا نعرفهم ولا نعرف من هم. وكان المعلّقون اللبنانيون، كل يوم وبلا تعب، يطلعون قرّاءهم على مواقف ومخططات أميركا والاتحاد السوفياتي، وتفكير فرنسا وبريطانيا والصين. تابعت أخبار الاتفاق النووي الذائع الصيت من خلال العناوين. يوم تفاؤل، يوم لا. بالتساوي، ومثل لعبة زهرة الأقحوان: بتحبني؟ ما بتحبنيش. ولم أتوقف يوما عند التفاؤل، ولا عند التشاؤم، لأنه لو كان هناك حقيقة في هذا أو ذاك، لما تغيّر بين ساعة وأخرى. ولو كان الفريقان يكنّان أدنى احترام لبقية العالم، لأحجما عن معاملة الآخرين بهذا الازدراء، في مسألة بالغة الخطورة، في جوهرها وفي تفرعاتها وفي انعكاساتها على الوضع العالمي. يتساءل المرء: من نصدّق؟ الجانب الأميركي أم الجانب الإيراني؟ التفاؤل أم التشاؤم؟ والأكثر راحة هو ألا نصدّق كليهما، لأن كليهما لا يخاطبنا، بل يخاطب جمهوره، وكليهما يمهد الطريق لإعلان نهاية الخداع، فما هو شأننا في المسألة؟ إيران لا تكفّ عن هتافها «الموت لأميركا»، و«تتصور» كل يوم مع أميركا في شوارع جنيف. وفي جبهات العراق، تتبادلان صور الحشود المعادية للفريقين، وتقاتلان من خندق واحد. قيل لنا إن إيران تفاوض ست دول، فإذا بنا لا نرى سوى المستر كيري ووفده. وكل هذه الجلسات والنزهات من أجل الاتفاق على…

بغداد واليمن

السبت ١٤ مارس ٢٠١٥

بُعيد سقوط الشاه، خُيِّل إلى السذج من أمثالي، أن مرحلة جديدة سوف تبدأ بين إيران والعرب، قائمة على المصالحة بين الحضارات، كما حدث في سائر الأمم المتقدّمة، التي عزلت تاريخ الحروب والصدام والصراع والأزمان الإمبراطورية العاتية، لتبدأ زمنًا متحضرًا قائمًا على التحاور والتجاور والتعاون نحو حال بشرية أفضل لجميع الشعوب. هناك مقاربتان للتاريخ، واحدة قوامها التذكير الدائم بالحروب، وتمجيد الهزائم والانتصارات، وتعلية الثارات والانتقام، على قواعد التعايش. والمقاربة الأخرى هي استخلاص الدروس من القرون المتحجّرة التي علامتها الدائمة الدماء والخسائر والقهقرة. والثانية تتطلب قبل كل شيء، إلغاء عنصر الغطرسة وترك التراب يغطي ما هو تحت التراب. لذلك، كانت سمعة «عرش الطاووس الشاهنشاهي منفرة» في جميع القلوب. وعندما قامت الحرب العراقية - الإيرانية، شعرت بأسى داخلي من إحياء نغمات الفرس والعرب والقادسية. فقد كان ذلك يعني العودة قرونًا إلى الوراء في منطقة مكتظّة ببراكين الماضي والرماد غير القابل للانطفاء. آسفني فيما بعد أن أرى نبرة الازدراء التاريخي خارجة من طهران على نحو شديد الإهانة. والكلام الرسمي الذي ردده المسؤولون الإيرانيون في الأيام الماضية، قد يكون فيه شيء من صحة الماضي، لكن فيه الكثير من تحقير الحاضر وتظليم المستقبل. لم نكن في حاجة إلى تصريح مستشار الرئيس روحاني ليقول لنا إن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية الجديدة. رحم الله الدكتور طه حسين،…

الإعدام والإعلام

الأربعاء ١١ مارس ٢٠١٥

الصورة الأولى التي حرص تنظيم داعش على بثّها إلى العالم، كانت صورة «إعدام». والإعدام مصطلح قانوني يعني أنه قد سبقه محاكمة وإدانة وإثبات. لكنه استخدم هنا في قتل: أولا رهائن ضعفاء، وثانيا أبرياء، لا علاقة لهم بـ«داعش» أو بأعدائه، سوى صدفة المكان والزمان. «داعش» كان يعرف ذلك أكثر من سواه، لكنه كان في حاجة إلى مشهد.. إلى مدخل، وإلى إعلان. والمشهد، أو المدخل، أو الإعلان يحتاج إلى عنوان: الرعب! وميزة الرعب، أنه شامل، يجب أولا أن يتبلَّغه السكان كي يتعرفوا على عاقبة التمرد، وثانيًا الحلفاء، كيف يتعرفون إلى عاقبة الخيانة، وثالثًا الأعداء، كي يتعرفوا إلى طبيعة الحرب. القتل تحت اسم الإعدام هو أبلغ الأساليب، وهو أيضا أقدمها، ووجوهه الحديثة من تلفزيون وإنترنت ووسائل تواصل همجية، ما هي إلا تقاسيم على إيقاع بشري غرائزي، يتوسل الحد الأقصى من التوحش لكي يبلغ الحد الأقصى من الرعب. وليس بينها رادع أو تردد أو تأمل. الإعدام هو الجزء الأهم في عملية إخراجية طويلة: أولاً، تمجِّد نفسك ومن ثم تسخِّف عدوك.. أنت البطل وهو اللا شيء.. أنت يُهلل لك وهو يموت كالنعاج. ويجب أن تكون لك دومًا صفة فوقية تتجاوز البشر العاديين. الذين صنعوا صورة موسوليني وهتلر، كرروا دائمًا الصفات التي تجعلهما أهم من المسيح. وهما ليسا القائدين أو الزعيمين فحسب، وإنما هما من تتشرف…

أشجار الدانوب

الجمعة ٢٧ فبراير ٢٠١٥

رسالة في البريد العزيز يوافق صاحبها على الرؤيا المشتركة حول أحداث النهار، لكنه يدعو، بطيبة ومحبة ومواساة، إلى الخروج من هذا الضغط النفسي. يقول: الأشجار المتساقطة تسد نهر الدانوب أحيانًا، لكنها تزاح وتستمر الملاحة وتصل السفن إلى موانئها. وفي دروبنا عوائق كثيرة لكن لا بد أن نصل ذات يوم. شكرًا. أنا لا أريد أن أزيد في نكد أحد. دائمًا أحاول البحث عن جمال، أو نُبل، في الماضي أو في الحاضر. لكن أحيانًا، أو دائمًا، تنهمر علينا الأمطار البركانية كالسيل، ولا أريد أن أبدو بعيدًا عن همومي وهموم أمتي وأهلي ورفاقي. دعني أقل لك إنني أتلقى معظم الأخبار العربية وكأنها آتية من لبنان، فإن لي في الأقطار أصدقاء تبعد بيننا الأوقات والمسافات، أما المشاعر فتزداد عمقًا. أتمنى أن تصدقني إذا قلت لك إنني أتابع أخبار الكويت والبحرين والمغرب ومصر كإنسان، وليس كصحافي. أقرأ الأخبار بفرح، أو تكدر، وليس من أجل مهنة صارت يومياتها بعيدة عني. أتطلع في الديار التي عرفتها وعشت فيها وعشت هناءها وازدهارها ونهوضها، ولا أستطيع أن أغض الطرف عما ينتابها. تأمَّلنا جيدًا: ليس خيارنا أن نكون أمة واحدة. لاحظ كيف تهد أخبار اليمن الجميع. لاحظ أنه ليس هناك عربي غير قلق من موريتانيا إلى عكا. أنا أكثر من قلق. أنا حزين. وأكثر ما يضني أنني لا أجد شيئا…

استعاروا دبابة سيادة الفريق

الجمعة ٢٠ فبراير ٢٠١٥

الحكم مدرسة وقواعد وفرائض. قبل أن تصله يجب أن تتعلم أن السلطة أعمال وتفاصيل صغيرة، تتحول في حاصلها إلى إرث كبير. وأول الفرائض ألا تبذر في كرامة الوطن، وكرامة المواطن، وكرامة الأرض. وأول القواعد أن العدل سيد الأحكام. توصل الإنسان إلى هذه الأصول من تجارب عمرها آلاف السنين. كان من شروط المُلك في بريطانيا أن يخوض حربا لكي يصبح ملكا، فصار من شروطه أن ينشر السلام في بلده وفي بلدان الآخرين. وكان من سمات السلطة في الصين أن يكون الفرد هو المليار بشري، يعملون بأفكاره ويقلدونه جميعا في زي واحد، ويذهبون إلى الموت إذا لم يحفظوا «الكتاب الأحمر» غيبا. ودفن آخر فرد، فتحوّلت الصين إلى أغنى دولة في العالم. استنكر زعيم الحوثيين أن تقدم السعودية ودول العالم على سحب سفاراتها من صنعاء. كيف تفعلون ذلك؟ هذه نتائج الوصول إلى القصر على دبابة من دون المرور بمدرسة الحكم. رجل يتعجب من ردة فعل طبيعية على ارتكابه، ويرى في عمله أمرا عاديا. يسجن الرئيس الشرعي ويخطف أركان الدولة، ويضع يده على الدولة ومالها ثم يتساءل: ماذا فعلنا؟ الذين وصلوا من قبله على دبابات، كان أول ما يفعلونه تعليق المشانق، ورمي الأبرياء في السجون، وإغلاق المدارس، واستبدال نشيد الفرد بالنشيد الوطني، وقطع العلاقات مع الدول الناجحة لإقامتها مع الدول الرثة الحال، وجعل البلد…

جريمة الصمت

الجمعة ٠٦ فبراير ٢٠١٥

كنت مراهنًا، بيني وبين نفسي، على أن معاذ الكساسبة لن يُقتل. اعتقدت أن تنظيم «داعش»، الخبير في فنون التلفزيون، يشاهد صور والده، يناشد الخاطفين إطلاق ولده. ثم زادت قناعتي عندما قبلت الحكومة الأردنية مبادلة الطيار الشاب بحاملة متفجرات حوّلت عرسًا إلى مجزرة من 56 قتيلا. خسرت الرهان، كالعادة، لأنني لا أعرف الدنيا بعد. طوّر «داعش» فن القتل وعرض على والد الكساسبة وأمه وإخوته وبلدته وبلده، صوره يحترق في قفص حديدي. هناك روايات عن حرق الناس أحياء، لكنّ فكرة الحرق في قفص حديدي ريادة داعشية. صور المآسي المرعبة المنتشرة على تلفزيونات العالم منذ سنوات، احتكار عربي. أعداد القتلى والسجناء والمصابين والمشردين والجائعين وسكان البراري، احتكار عربي. فن الوأد الذي سبق فن الحرق، عربي أيضًا. وهناك ما هو أقسى: ثمة مدينتان تهبان للتظاهر لأقل سبب، هما بيروت والقاهرة. وكانت عمان تمتلئ بعشرات الآلاف من المؤيدين لصدام حسين. ماذا حدث؟ لقد تبلّد الحس العربي. واعتاد الإنسان العربي على أن موته هو القاعدة، لا حياته. ولم يعتبر أحد أن معاذ الكساسبة ليس أردنيًا فقط، بل هو شاب عربي عسكري يؤدي واجبه في رد الظلم والقهر والإذلال من ضحايا هذا العصر العربي، الذي زالت عنه معالم البقاء وبقايا الأمل. لم يعد شيء قابل للاستنكار، وكل شيء متوقع. لا مفاجأة، ولا ذهول. قبل أن يحرق «داعش»…

ماذا يريد الحوثيون؟

الأربعاء ٢١ يناير ٢٠١٥

أكتفي من متابعة شؤون اليمن بقراءة السفير مصطفى أحمد النعمان. وقد تعرّفنا إلى اليمن من قبل من خلال «الأستاذ» أحمد النعمان، والده، الذي تألّق به هذا اللقب، قامة وأدبا ومعرفة وحضورا عاليا. ومن سوء الحظ أن تتعرّف إلى السياسة اليمنية من خلال أحمد النعمان، أو محسن العيني، أو محمد سعيد العطار، أو عبد الله الأشطل، أو عبد الكريم الإرياني، لأن السياسة اليمنية، ليست كذلك. ومنذ أن خرجت من عهدة الأساتذة إلى عهدة المشيرين، والانقلابات والثكنات توقف نمو اليمن في اتجاه قائمة الدول الصاعدة. ومن أجل تحقيق شرعيتها الهشة، عمدت الأنظمة العسكرية إلى ترسيخ نفوذ القبائل، ووسعت الفرقة فيما بينها، ولعبت على أوتار المحسوبية، كما فعل القذافي في ليبيا وهو يرفع شعار ثورة الفاتح. ومثله كان شعار ثورة 26 سبتمبر (أيلول): القائد وأبناؤه في الحكم، والناس لها الكتاب الأخضر. لا يغير شيئا من واقع اليمن في نصف قرن أنه لم يكن أسوأ أو أفضل من سواه. وفرة مواليد وطفرة بطالة. أجيال جديدة لا مدارس لها، وأجيال قديمة لا مستشفيات لها ولا دخل ولا تعويض ولا عزاء. لكن الثورة كانت بخير والحمد لله. والسيد القائد المشير يلقي الخطب دون إخلال في الموعد. والمشير (مارشال)، رتبة عسكرية تعطى في دول العالم لمن ينتصر على أعدائه. عندما وصل الربيع العربي إلى صنعاء لم يعرف…

معاني النفوذ

السبت ٢٧ ديسمبر ٢٠١٤

قال السيد علي لاريجاني خلال جولته العربية الأخيرة، إن بلاده تتمتع بالنفوذ السياسي في خط يمتد من لبنان إلى اليمن مرورا بسوريا والعراق. وكان طبعا يهدف إلى الاعتزاز. ولم يكن في حاجة إلى إعلان هذه الحقيقة، فهي معروفة لمن يفتخر بها - ولمن يشكو منها على السواء. لكن، ثمة مشكلة بسيطة جدا في عقد الدول المسماة وهي أنها جميعا تعاني حالات شديدة الصعوبة من عدم الاستقرار. وبعضها يعاني الاهتراء والتفكك. والنفوذ الذي يتحدث عنه، لم يمنع أو يخفف أو يبطئ الحروب شبه الأهلية القائمة في هذه المناطق، التي فقدت أحيانا، جميع أسباب السيادة والحكم، وأصبحت في ظل دولة أخرى ونظام آخر. ما تزال إيران تتمسك بمعايير الثورة بعد نحو 4 عقود على قيامها. وكان يفترض أن تنتقل من الثورة إلى الدولة منذ 20 عاما على الأقل. وللدولة معايير ومقاييس مختلفة تماما، من دون التخلي عن المفاهيم والأغراض والأهداف الأولى. فالصين لم تتنازل عن الآيديولوجيا الشيوعية التي قامت عليها، لكنها أصبحت الاقتصاد الأول في العالم، وحققت أوسع نسبة كفاية في التاريخ. ولم يعد مليار صيني يرفعون في وجه العالم قصائد «الكتاب الأحمر»، بل نسبة النمو والتقدم ومعدلات الإنتاج وأعداد عشرات الملايين التي انتقلت من حياة الفقر، إلى حياة الحياة. ومن دلائل الإنجاز الصيني أن وحدتها النقدية أقوى من الدولار وليست بين…

العائدون

الإثنين ٠١ ديسمبر ٢٠١٤

غريبة خريطة «هذه» الطريق: إيران تسعى إلى العودة إلى الإمبراطورية الفارسية وأيام داريوس الكبير، وتركيا تسعى إلى العودة إلى أيام الإمبراطورية العثمانية والسلطان سليم والسلطان سليمان «القانوني». والمتطرفون يريدون العودة إلى العصر الحجري. والشعب العربي وحده خارج من بلدانه تاركا أرضه، لا يعرف أي قنابل يرد وأي خناجر يتقي، بعدما انتقلنا من عذر خناجر الصدور. لم نعد أكثر من موضوع على جدول أعمال. استقالت مفوضة اللاجئين في الأمم المتحدة، لأن المسألة أصبحت أكبر منها ومن الأمم: نصف الشعب السوري في حاجة إلى مأوى وطعام ومياه وكل شيء بشري مُتخيّل. والدكتور وليد المعلم، يُبشّر من موسكو، أنه «لا بدّ من وضع آلية للتفاوض». «آلية» لماذا؟ للتفاوض؟ على ماذا يا دكتور؟ السيدة أموس تقول إن نصف الشعب السوري في عراء الحياة والأرض. ونصف سوريا يقال إنه برلين 1945. وثلث سوريا في كنف الكهوف. ومعاليك تتحدث عن «آلية». وهذه الأسرة الدولية وصِيتُها المعروف تتحدث عن العودة إلى جنيف واحد. أي من الصفر. وفي هذا الباب تعبير بلاغي عبقري لعلي عبد الله صالح يوم كان يجلس على آلية التفاوض في اليمن: «تصفير العدّاد». وهو، كما ترى، مأخوذ من قيادة السيارات وليس قيادة الأمم. هذا أقصى ما يعدنا به الزعماء بعد 30 عاما من الحكم: تصفير العدّاد. أو أقصى ما يُبشّر به رئيس الدبلوماسية السورية…

ليس له موعد

الجمعة ٠٣ أكتوبر ٢٠١٤

روى أستاذ للعلوم السياسية في إحدى جامعات مصر أنه طرح على طلابه سؤالا واحدا: متى بدأ الخراب؟ ثم أعطاهم مهلة أسبوعا للإجابة، مشترطا أن يكون الجواب مقتصرا على تاريخ واحد وعنوان واحد، لا أكثر. شارك في الاستفتاء طلاب الكلية بجميع صفوفها. النسبة الكبرى كان جوابها أن الخراب بدأ عام 1967، بجميع أيامه وليس فقط في 5 يونيو (حزيران)، لأنه مجرد يوم تحمَّل تداعيات ما قبله وتدهور ما بعده. مجموعة أخرى أعطت عام 1948. فئة ثالثة ذكرت أن كل شيء بدأ مع الانقلاب العسكري الذي قام به العقيد حسني الزعيم في سوريا عام 1949. مجموعة غير قليلة ذكرت أن دائرة العنف بدأت مع انقلاب عبد الكريم قاسم على الملكية في العراق. الطلاب الليبيون في الكلية اتفقوا جميعا على 1 سبتمبر (أيلول) 1969 وانهيار الشعور بالوحدة والحرية. بعض المشاركين ذكروا احتلال العراق للكويت وتدمير الثقة العربية. جواب آخر قال الاحتلال الأميركي للعراق. على الرغم من الشرط الذي وضعه الأستاذ المحاضر، أصرّ عدد من الطلاب على إعطاء أكثر من إجابة واحدة. البعض قال إن الخراب بدأ مع قيام الوحدة المصرية - السورية بالطريقة التي قامت بها، ثم انهيارها بالطريقة التي انهارت بها. طلاب السنة الثالثة اتفقوا على إجابة واحدة هي أن كل شيء بدأ مع سقوط الديمقراطية وظهور الأنظمة العسكرية. مجموعة متفرقة قالت…

خريطة مؤسفة «جدا»

الأربعاء ٠١ أكتوبر ٢٠١٤

إذا أردنا المقارنة بين أحوال الناس في بلدان النظام العربي وفي البلدان التي لم يمرّ بها، سوف يقال إن سبب الفارق الرهيب هو النفط ودخل النفط. دعنا إذن من الدول النفطية. فلنأخذ مستوى المعيشة والدخل في الأردن. ولنأخذ مستوى الاقتصاد في لبنان، الذي لم يكف العرب يوما عن العمل على «إنقاذه» منذ 40 عاما. ولنأخذ سلطنة عمان. ودولة البحرين. أو إمارات مثل دبي وأبوظبي والشارقة وأم القيوين وعجمان ورأس الخيمة. حاول أن تقرأ الخريطة متوقفا عند دول النظام العربي وعند الدول التي لم تدَّعِ شيئا ولا أرادت أن تقلب أحدا أو أن تغير شيئا أو أن تحرر فلسطين من البحر إلى النهر. إن اثنتين من أقل الدول موارد طبيعية تتحملان العبء العربي الإنساني الأكبر. الأردن ولبنان. وما زال أبطال ومناضلو العرب يتهمون البلدين الصغيرين كل يوم بأنهما غير شرعيين. كيانان هزيلان. وخذ العراق وسوريا ومستوى المعيشة ومعدل النمو (طوال 50 عاما) وحال الناس وطمأنينتهم وعدد المتشددين فيهما. قارن بين أحوال الناس في ليبيا وهنائها وسكينتها والقانون والعدالة، وبين جماهيرية الأربعين عاما. وشكرا لأحاديث السيد أحمد قذاف الدم المتتابعة، لأنه أوضح لنا أن الطلاب الذين عُلِّقوا على مشانق الجامعة الليبية فعلوا ذلك بسبب خلافات في ما بينهم. ألا يكفي أنهم كانوا مجرد طلاب وأنهم شُنقوا كالمجرمين في حرم الجامعة، لكي يتعظ…