الخميس ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤
كان من أهم أوجه الشبه بين الأنظمة «الاشتراكية» و«الديمقراطية» توافر الفرص لدى الاثنين. وكانت هذه المسألة خاصة موضع نقاش شهير بين الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف، ونائب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عام 1959 في موسكو، في جدل عرف باسم «حوار المطابخ»، لأنهما كانا يتباريان في جناح المطابخ من المعرض الدولي. كان الأداء متوازياً تقريباً، بين السوفياتي، الذي تطور من راع إلى زعيم البلاد، والأميركي الفقير الذي أصبح نائباً للرئيس (لاحقاً الرئيس). أعادت كامالا هاريس ذلك المشهد إلى الأذهان وهي تروي، تسبقها ضحكتها الرنانة، كيف عملت – فيما عملت – في مطعم ماكدونالد. وفي بلد هو أم الرأسمالية، انهالت التبرعات بالملايين خلال أيام على فتاة «الهامبرغر» السابقة، بدا وكأنها سوف تهزم أكبر تاجر عقارات في أميركا. فلنكرر: امرأة، سمراء، مهاجرة، فقيرة، ماكدونالد، ثم كاسحة الرؤوس والأحزاب. ماذا، ومن أنهت كامالا هاريس؟ إلى لحظة ترشحها، كانت معركة الرئاسة الضارية بين عجائز، وليس بين عجوزين فقط. وإذ اقتحمت ميدان السباق مثل فرس جامحة، حدث في واشنطن تماماً، ما حدث في موسكو من قبل: فليعلن المتقدمون في السن إخلاء المواقع للجيل التالي. هاريس، أشبه بميخائيل غورباتشوف، الذي جاء بعد سلسلة من رجال الهزيع الأخير. ذلك كان التقليد حتى لو لم يدم عهد الرئيس الجديد أكثر من عام، أو أقل. بعد بوتين، اعتاد الروس الجدد أن…
الأربعاء ٢١ أغسطس ٢٠٢٤
طوال عامين كان العالم يتابع صباحاً ومساءً وما بينهما، أخبار الحرب في أوكرانيا. وأصبحنا نلاحق أخبار مدن لا نعرف أين تقع، وأنهر لا نعرف أين تنبع ولا أين تصب. وذات يوم أفاق العالم المشار إليه، فسمع فلاديمير بوتين، الذي لا يطيق المزاح، يتحدث عن السلاح النووي. وتبعه وزيره الأول سيرغي لافروف، فرفع المسألة إلى حرب نووية. وفي الغرب كان السياسيون والمعلقون أكثر دقّة، فوضعوا الكرة الأرضية على حافة حرب عالمية ثالثة، ورفضوا إنزالها. ويبدو أن السبب (الرئيسي) أنهم اقتنعوا مع الفنان محمد صبحي، أن الأرض مسطحة، إن لم تكن كلها، فجلها كما قال البلغاء. تعودت أن آخذ كل شيء على محمل الجدّ، وخصوصاً أقوال محمد صبحي، لأنني مقدّر كل التقدير أعماله الخيرية. ومن أجل ذلك، فلتنسطح الأرض حتى تنقلب. المفروض أن الحرب مأساة، سواء في الدونباس أو فيما بقي من السودان، أو في غزة. لكن وحشية حرب غزة أزاحت أخبار أوكرانيا (ومعها السودان)، من الصحف والتلفزيونات، والإنترنت، بحيث خيّل إلينا أنها انتهت، وأن الجميع يستعد لأخذ مكانه حول طاولة سلام مستديرة، يدقق محمد صبحي في درجات استدارتها. حرب تمحو أخرى. فقدت حتى الفضول العابر في البحث عن أي خبر قادم من بلاد الأوكران، مع أن الحرب مستمرة هناك بحراً وجواً ومباني وقفاراً، وأطفالاً وآلاف الضحايا. طبعاً وحشيات غزة صغّرت حجم…
السبت ١٧ أغسطس ٢٠٢٤
بعد حرب 1948 البدائية، وحرب 1967 التي ربحتها إسرائيل دون أن تخوضها، وحرب 1973 التي ربح العرب نصفَها وخسروا نصفها، لم ينكشف لنا شيء من إسرائيل. ظلَّت قلعة عسكرية غامضة وأسطورية. بلد حرب الأيام الست، وموشيه دايان جنرال الحرب العالمية الثانية، وعلامته الفارقة: العين المفقودة التي تزيد الصورة بطولةً وغموضاً. ظلَّت إسرائيل وراء أسوارها الوهمية والحقيقية، دولة أوروبية متقدمة، تزرع الخضرة في الصحاري، وتطور طائرات «الفانتوم» لكي تبيعها للصين، وتتحكم في سياسات أميركا في الداخل والخارج، وتمارس في برلمانها وصحافتها حريةً لا يعرفها العرب. وصورة العرب وحقيقة بعضهم، كانت في المقابل معتقلات وأقبية وموتاً حتى من دون إفادة غياب. مرة واحدة انكشفت حقائق 70 عاماً. إنَّها تعذّب السجناء، وجنودها يعتدون عليهم. ورئيس وزرائها مطلوب أمام المحكمة الدولية. وفي واجهة رجالها كائن يدعى بن غفير يشغل منصب وزير الأمن، ويضحك مثل المخلوقات البحرية. مرة واحدة كشفت إسرائيل عمَّا فيها. ليس أمامنا، بل أمام الذين بقوا أحياء من ضحايا أوشفتز. كشفت عن عدد الأجنة الذين قتلوا في أرحام أمهاتهم. واتَّضح أيضاً عدد الكتّاب والسياسيين والأكاديميين اليهود الذين يخجلون من انتمائهم إلى دول تفتك بالأطفال مثل أفلام الرعب. خسرت إسرائيل حرب الوجه. تساقطت الأقنعة وقحة مثل ورق التعرية. من يقرأ صحيفة «هآرتس» المعارضة، سوف يعتقد أنَّها تصدر عن حركة «فتح»، عندما كانت في…
الإثنين ٢٩ يوليو ٢٠٢٤
عام 1975 بدأت الحرب الأهلية في لبنان. اكتشفنا فوراً أن الرصاص والمدافع أرحم الأشياء في الحروب، وأن الوحش الكاسر أرحب من الطباع الدنيئة. جلست أفكر في أبعد موطئ هجرة عن لبنان، واكتشفت أن ذلك ليس كافياً؛ فقد سبقني مواطنيَّ الأعزاء إلى بلاد الإسكيمو، وأشهرهم محمد خباز، الذي صار في «يللو نايف» بيتر بيكر، وعاش حياته وضيوفه على أكل السمك القطبي، غير أنه لا بد أن عرف نوعاً غير بحري من الطعام، عندما كرمته الدولة الكندية، وكرّمت سنوات صموده في بلاد الليالي البيضاء والجليد الأبدي، وعينته عضواً في مجلس الشيوخ، فانتقل السيناتور بيتر بيكر، محمد خباز سابقاً، إلى العاصمة أوتاوا، تاركاً العصر الجليدي لأهله ودببه العملاقة والسمك. كنت كئيباً وخائباً بلبنان، وتدهورت حالتي النفسية، ولم أعد أريد شيئاً سوى السفر. لكن ليس إلى أي مكان، بل إلى مكان ليس فيه لبنانيون. ومن أين نأتي لك يا مولود بلاد الأرز، ببلد لم يصله مواطنوك؟ وأنت لك أبناء خال في ميشيغان، وأبناء عمومة في البرازيل، وخالة ذات جمال ملكي في بوينس آيرس، كما تدل الصورة التي تحتفظ بها أمي، صبية لحقت «بنصيبها» إلى الجهة المقابلة للقطب الذي وصله المستر بيكر، لاحقاً السيناتور بيتر. لم أفكر في الأرجنتين. صحيح أنها على حافة الأرض، لكنها مليئة باللبنانيين. والآن أنا بحاجة إلى شيء من مصحّ، مكان…
الخميس ٢٥ يوليو ٢٠٢٤
ينتقي مرشحو الرئاسة الأميركية نائبيهم غالباً من المجهولين وفاقدي الأهمية لكي تبقى صورة الرئيس هي الطاغية في البلاد. أحدث هذه الأمثلة، كانت السيدة كامالا هاريس، التي لم تكن معروفة إلا عند أصدقائها المباشرين. لكن عندما يتدخل القدر تنقلب الأشياء تماماً، كما حدث عند اغتيال جون كيندي، وأصر نائبه ليندون جونسون على أن يقسم اليمين على الطائرة التي تحمل جثمانه وفستان أرملته لا يزال مبللاً بدمائه. القدر قد يتدخل مرة أخرى، ويجد الحزب الديمقراطي نفسه في مأزقين: الوقت الضيق، والمرشحة الضعيفة. بينما اختار المرشح الجمهوري نائبه وكأنه يبني سلالة جديدة تستمر من بعد بكل مواصفاته الشخصية والسياسية. ترحل أميركا برمّتها مع ترمب نحو اليمين. وما من أحد قادر على التكهن إلى أين يمكن أن يصل الرجل. ومقابل التخوف من تطرفه، هناك احتمالات شديدة أن يكون قادراً على تحقيق انفراج عالمي مع روسيا. وخلال رئاسته كان على وشك أن يلتقي كيم جون أون، مطيّر الصواريخ الشهرية، لكن الذي عرقل اللقاء كان الزعيم الكوري. لا يمكن إغلاق باب المفاجآت. قد تحدث معجزة ولا يكتسح ترمب الحقل الذي تركه بايدن مبعثراً. ولكن الصورة الواضحة الآن هي أن الجمهوريين في مهرجان، واليمين في أنحاء العالم، يستعد للانضمام إلى ماذا؟ الاتفاق النووي الذي مزقه ترمب أصبحت نتائجه على الأبواب. ووزير خارجية أميركا يعلن أن القنبلة الإيرانية…
الإثنين ٢٢ يوليو ٢٠٢٤
يحمل الدكتور غسان سلامة سيرة أكاديمية نادرة في العالم العربي، وخبرة دولية حافلة، يضاف إليهما منصبه وزيراً للثقافة في لبنان، يوم كانت مهمته الأهم إعداد مؤتمر القمة العربي الذي حمل مبادرة المملكة العربية السعودية لقيام الدولة الفلسطينية. ودرّس سلامة العلوم السياسية طوال ثلث قرن في الجامعة الأميركية (بيروت)، والجامعة اليسوعية، وفي معهد العلوم السياسية في باريس، حيث كان أشهر تلامذته شاب يدعى إيمانويل ماكرون. وعمل مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة في العراق وليبيا وغيرهما. منذ أسابيع صدر للدكتور سلامة كتابه الثالث عن «وضع العالم» كما رآه وعايشه، دبلوماسياً وأستاذاً، بعنوان «إغواء المريخ». ولا يترك بقعة نزاع من بقاع الأرض من دون أن يتناولها بجهده البحثي الصعب. يتهيأ لي أن غسان سلامة هو توأم أمين معلوف في عناصر شتى: كلاهما حقق نجاحه في فرنسا، وباللغة الفرنسية. كلاهما نقل قضاياه وقضايا العالم أجمع إلى المسرح الإنساني العالمي. كلاهما كتب باللغة العربية قبل الفرنسية. كلاهما جاء من بيئة ثقافية واحدة في لبنان. وكلاهما جعل الهوية الإنسانية قاعدة للكتابة، بل هما من مواليد عام واحد 1949. ليس من بلد تكاثرت فيه الهويات، وتزاحمت وتقاتلت مثل بلدهما. والصراع على الهوية هو الذي نقلهما إلى فرنسا خلال حرب لبنان، حيث اتخذ كل منهما موقعه في الحقل القادم منه: واحد في الرواية والعمل الأدبي، والآخر في علم السياسة…
السبت ٢٠ يوليو ٢٠٢٤
وسط أعلى أصوات وضوضاء الحرب منذ 1948، صوَّت الكنيست الإسرائيلي ضد قيام دولة فلسطينية «لكونها تشكل خطراً على وجود إسرائيل ومواطنيها». الذين كانوا يعتقدون أن فائدة الحرب الطاحنة في غزة هي إقامة الدولة أبلغهم البرلمان الإسرائيلي أن الموقف العام لا يختلف إطلاقاً عن موقف نتنياهو، وغانتس، ويوآف، وغفير، والحريديم وسائر العصابيين. لم ينتبه العالم الذي كان يتحدث بكل ثقة عن الدولة أن إسرائيل ترى فيها خطراً عليها، وليس حلاً للشعب الفلسطيني الذي طردته من أرضه، ومنزله، وشردته في الخيام وأراضي الآخرين. بعد حرب غزة، كان جو بايدن أول من وعد بالدولة الفلسطينية. وبدا للحظات أن الشرق الأوسط المزروع بالألغام في كل بوصة منه يشهد بصيص أمل بعيد، وأن الثمن الرهيب المدفوع في غزة أدى إلى فتح ثغرة في جدار الموت واليأس. لكن الرد الإسرائيلي جاء بالإجماع: 68 نائباً يهودياً ضد، مقابل 9 نواب عرب. في هذه الطريقة وهذا التوقيت، أبلغت إسرائيل من يهمه الأمر أن المظاهرات ضد نتنياهو في تل أبيب لا تعني خرقاً في الموقف الجوهري من أساس الصراع في الشرق الأوسط. وأن موقف اليمين واليسار والحريديم والسفارديم من هذه المسألة واحد وموحد. تكراراً، تلك كانت الرسالة إلى واشنطن أولاً عشية رحلة نتنياهو إلى واشنطن: هذه منطقة لا مجال للحديث عن السلام فيها عندما يأتي الحديث عن الفلسطينيين. السلام…
الإثنين ١٥ يوليو ٢٠٢٤
أول سؤال يطرحه الكاتب على نفسه كل صباح: ماذا نكتب اليوم؟ ماذا يستحب القارئ؟ أن نبقى في الأحداث والآلام والخوف، أو أن نبتعد قليلاً، ونوفّر عليه المزيد من الأحزان والقلق والتوتر؟ ولكن إذا ابتعدنا ألا يبدو هارباً من عالمه، وهو عالم حافل باللؤم والجريمة وهزائم القيم جميعها؟ أم أن كل ما عليك، كل صباح، أن تستعرض صورة العالم، ثم تنقلها كما هي: أطلال رفح ورمادها، أخطار أوكرانيا واحتمالات الحرب العالمية؟ أنا الذي عشت عمري بين الورق، تمنيت اليوم لو أن العصر الورقي انقضى. الصفحة الأولى من «الفيغارو» مثل ورقة نعي معلقة على جدار فرنسا: أسود، كل شيء أسود. مجلة «لوبوان» تندب الآمال في صوت عالٍ ونوح شديد: السياسة محنة، والانتخابات مصائب، والرئيس ماكرون «طفل مدلل» أساء إدارة البلاد. كأن ما رأيناه حتى الآن من صور غزة وأطفالها لا يعطي فكرة كافية عن الحالة البشرية برمّتها، وتدخل الصحافة إلى رفح بعد السماح لها: لم يعد هناك شيء اسمه رفح. هناك مشهد على مدى الرؤية مأخوذ من رواية، أو وثائقي عن يوم الحشر. «جيش الدفاع» الإسرائيلي مرّ من هنا. الغزيون كانوا هنا، ثم أُمروا بالموت أو الخروج، ثم أُمروا بالذهاب شمالاً ثم جنوباً، ثم شمالاً، ثم شرقاً، ثم جنوباً – فغرباً، ثم رُميت لهم المساعدات من الجو، ثم من ميناء متحرك، ثم…
السبت ١٣ يوليو ٢٠٢٤
يحتل أدب السيرة والمذكرات المراتب الأولى من الكتب الأكثر مبيعاً في جميع الثقافات. الناس تحب أن تعرف عن حياة الروائي قدر ما تحب أن تعرف عن أبطاله. وتحب أن تعرف عن حياة النجوم بقدر ما يمثلون من أدوار. وكلما قرأت في تراجم الأدباء ترى أن أعظمهم جاء من الصحافة. أعظم شعراء فرنسا بدأ صحافياً في ثلاث صحف، ومجلات عادية. وخلال عمله هذا تعرف إلى حكايات البؤس والظلم. وتشارلز ديكنز بدأ صحافياً في أزقة لندن قبل أن يصبح أعظم كتّاب بريطانيا. وغابرييل غارسيا ماركيز بدأ حياته في صحف كولومبيا الصغيرة قبل أن يصبح أعظم روائيي أميركا اللاتينية. لم يكن المراسل أرنست همنغواي أعظم كتّاب أميركا، بل إنه أحدهم على أقل تقدير. بدأ العمل في صحيفة «تورنتو ستار» الكندية، وأصبح أشهر مراسلي الحرب العالمية الثانية، ثم انتقل من الصحافة إلى الرواية، وفي جعبته فصول كثيرة يكتبها خارج أعمدة الصحافة. جورج أورويل جاء من الصحافة البسيطة إلى الأدب الكبير. ألبير كامو في فرنسا، جاء إلى نوبل الآداب من الصحافة المحلية في الجزائر، حيث ولد وعاش شبابه. ضمن هذا الإطار والمعيار يمكن تصنيف أمين معلوف، الذي أمضى عدة سنين في الصحافة اللبنانية، قبل أن يتفرغ للرواية الفرنسية، ويصبح أحد ألمع كتّابها. ولا أنسى أن أمين كان بين أواخر المراسلين الذين غادروا سايغون بعد سقوطها…
الجمعة ٠٥ يوليو ٢٠٢٤
فداحة الأمر أن المأزق ليس سياسياً مهما تعددت أو اختلفت أسماؤه، جمهوري، ديمقراطي، ليكودي، بل هو أخلاقي. وفي بعض الحالات هو مشهد إغريقي من مآسي النفس البشرية التي لا حدود إلى ما يمكن أن تصل إليه من الاعتداد، عندما تصاب بالمرض الشائع الذي لا شفاء منه: الطمع والغرور. أمام العالم أجمع يتصارع ثلاثة من غير الأكفياء على أخطر منصب في العالم: الرئيس الأميركي الذي يرفض الرضوخ لواقعه الصحي المذري. والرئيس السابق الذي يرفض الإقرار بمقياس اجتماعي أو اعتباري أو قانوني. والآن، السيدة كامالا هاريس، المجهولة التي لا يعرفها أحد، والتي تعتقد أنها الحل، وأنها المرشحة القادرة على لمّ شمل أميركا المنقسمة، وتحقيق المصالحة. نحن أمام حالات مرضية موصوفة على بعد أشهر قليلة من ساعة الخيار: سيدة لم تشغل منصباً سياسياً تريد أن تصبح رئيسة مرة واحدة. ورجل يعتبر نفسه أهم من أميركا ومن الرئاسة. ورئيس لا يستطيع التمييز بين «نزلة البرد» وزلة الدماغ. أو أحكام الشيخوخة التي قال ديغول إنها «غرق». كل يوجه الإهانة، أو الاحتقار، على طريقته ومدى استيعابه لما يفعل. بعد الكلام عن إمكان ترشح هاريس لم يعد ترشح ترمب مستهجناً. لكن تبقى حالة بايدن ظاهرة بشرية لا تصدق. رجل يقع على الأرض، ثم ينهض ليعلن ترشحه. ويصاب «بنزلة برد» تفقده القدرة على التركيز، ثم يقف ليعلن أنه…
الإثنين ٠١ يوليو ٢٠٢٤
منذ 1948 لم تكن إسرائيل مرة في مثل هذا الانقسام الداخلي، والفوضى السياسية، والضعف الدولي، والبلبلة العامة والخوف الوجودي. ومنذ 1948 كانت موجات الهجرة، باختلاف أحجامها، من الخارج إلى إسرائيل، والآن أكبر موجة هجرة من إسرائيل إلى الخارج، وبالمعايير النسبية، تشهد أسوأ حالة شلل اقتصادي. فالموظفون يقاتلون في غزة بدل أن يكونوا في أعمالهم وشركاتهم. وتعيش إسرائيل أسوأ مرحلة من علاقاتها مع الولايات المتحدة، منذ اعتراف هاري ترومان بها بعد 13 دقيقة من إعلانها. ومنذ 1948 لم يحدث أن اتَّهم رئيس وزراء سابق، رئيس وزراء حالياً بالخيانة العظمى، كما فعل إيهود أولمرت مع بنيامين نتنياهو. ولا حدث أن كانت المظاهرات الداخلية ضد رئيس الوزراء في هذا الحجم والعنف والإلحاح. منذ 1948 لم تتخذ الصحافة المعارضة مثل هذا الموقف التخويني من رجل الحكم. وتطعن الصحف الرئيسية، مثل «هآرتس» في أهلية وكفاءة وقدرة نتنياهو، ويدعو كتابها كل يوم إلى استقالته وإجراء انتخابات جديدة تنهي حكمه الأطول في تاريخ إسرائيل. للمرة الأولى منذ 1948 يدور الجدل، في هذه الحدة وفي مثل هذه العلانية، حول الخوف على وجود إسرائيل. وللمرة الأولى يحدث تمرد واسع في جيشها، ويرفض جزءٌ منه القتالَ في حالة حرب. للمرة الأولى منذ 1948 نرى نصف الحكومة الإسرائيلية في واشنطن، ونصفها في تل أبيب، خصوصاً وزير الدفاع. ترتبط حالة التفكك غير…
الخميس ٢٧ يونيو ٢٠٢٤
أصبح العالم دائرة انتخابية واحدة. أي في الدول التي تجري فيها انتخابات حقيقية، يقترع فيها الناخب في «الغرفة السرية». وليس الشرطي في المخفر. ولذلك نرى أن انتخابات فرنسا لا تجري في مدنها و«مقاطعاتها عبر البحار» فقط، بل في الكثير من بلدان العالم أيضاً. انعكاسات نتائجها سوف تؤثر على وضع اليمين السياسي في معظم البلدان. وكذلك، بدرجة أقل بريطانيا، لأن مشكلة الأقليات فيها ليست في خطورة الوضع الفرنسي، أو في حدته، وامتداداته. دعك طبعاً من انتخابات الرئاسة الأميركية، التي قد تهز الاستقرار في مناطق كثيرة، خصوصاً إذا عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. قضايا العالم أصبحت واحدة. ليس فقط في الأوبئة التي لا تتوقف عند مركز الجمارك على الحدود، بل في حركات المال، والاقتصاد، والسياسة، وخصوصاً، الهجرة التي بلغت أرقاماً ونسباً اجتماعية مزلزلة في دول عدة، من أميركا إلى أوروبا. وهذه الهجرة تغير لون الهويات القديمة فعلاً، كما قال زعيم اليمين البريطاني لافارج (هولسيم). وليس مشهداً عادياً أن يكون رجل هندي البشرة والجذور والثقافة، على رأس حزب المحافظين المترهل في المعركة، هو الذي يحاول إعادة حزب تشرشل، وماكميلان، وثاتشر إلى الصدارة. يجب أن يكون أحدنا ألمانياً في برلين، أو إيطالياً في روما، أو إسبانياً في مدريد لكي يعرف مدى الاضطراب في العلاقات الاجتماعية الذي أدى إلى تحول العامة نحو اليمين. وهو…