الجمعة ١٨ مارس ٢٠١٦
قبل أسابيع أعطى جورج طرابيشي مقابلة إلى مجلة «أثير» بعنوان «ست محطات في حياتي». وفي إحدى هذه المحطات يقول إنه ترجم شابًا أعمال سيغموند فرويد عن الفرنسية، وليس عن الأصل الألماني، والآن يرغب في العودة إلى تنقيحها بعدما تحصل عبر السنين الماضية على مزيد من العلم والمعرفة! تلك صورة عفوية عن رجل أمضى عمره يحفر في ثقافات العالم، مثل عالِم آثار، لا يترك حبة رمل أو حجرًا أو حرفًا للصدف. اختار طرابيشي الجزء الأكثر صعوبة في العمل الأدبي: الفكر والبحث والجدل. واختار، صامدًا، الجزء الأقل شعبية في العمل الثقافي، كاتبًا ومترجمًا. واختار، خصوصًا، الجزء الأكثر علمًا والأقل شعبية ودخلاً. ومن بين نحو 300 كتاب في التأليف وفي الترجمة، لم يخرج عن القاعدة يومًا. رأى البعض أن المفكر السوري، الذي نفى نفسه إلى باريس منذ أربعة عقود، أضاع كثيرًا من الوقت في متاهات لا ضرورة لها، منها النزاع الفلسفي الحاد مع المفكر المغربي محمد عابد الجابري. وقد أخذ الجابري الخلاف إلى مسالك شعبوية خارجة على أي سياق فكري. تاركًا لطرابيشي المرارة والخيبة، بما كان يعتقده حوارًا فكريًا سوف يترك أثرًا دائمًا في بحيرات الركود العربي. تنقل طرابيشي مثل معظم أهل جيله في مراحل كثيرة من القلق والتحولات. وبدأ حياته بعثيًا، لكنه خرج من التجربة مبكرًا. ثم خرج من سوريا إلى لبنان،…
الثلاثاء ١٥ مارس ٢٠١٦
النص المطول الذي نُشر في مجلة «أتلانتك مانثلي» تحت عنوان «مبدأ أوباما» يحتاج إلى دراسات ومناقشات كثيرة لأنه يضيء على نفسية وسلوك رجل يرأس الولايات المتحدة منذ عقد تقريبًا. سوف أكتفي في هذه المساحة ببضع ملاحظات: الأولى، أن رئيسًا لأميركا مقتنع في ذاته بأن في الإمكان القول، «وداعًا للشرق الأوسط» لأن هذه منطقة مشاكل معقدة، ولا بد من استبدال آسيا بها، بلاد المستقبل والفرص المليئة بالوعود. ويجدر بالذكر أن هذه كانت قناعات أوباما منذ البداية. لا جديد إلا في التوسع بالشرح. والملاحظة الثانية، أن هذا أول رئيس أميركي يستخدم عبارة مبتذلة مرتين رغم توافر البدائل اللغوية: فالحرب الليبية ليست «هراء» بل ما يشبه ذلك صوتيًا ولا يجوز نشره. وفي مرة ثانية يلجأ إلى الكلمة نفسها بدل المتوافر القابل للنشر. المحامي السابق، وأستاذ القانون، وعضو مجلس الشيوخ، وعضو حركة الحقوق المدنية، ورئيس أميركا يقول بالحرف، إن على السعودية وإيران أن «تتقاسما» المنطقة. لم أقرأ مصطلحًا استعماريًا إمبرياليًا فجًا من هذا النوع حتى في حملة دونالد ترامب. هذه المنطقة المعقدة التي ورثها أوباما عن أجداده، يوزعها مناصفة بين السعودية وإيران، ويذهب مرتاح الضمير إلى التقاعد حيث ينصرف إلى وضع الكتب المدرَّة لثروة العائلة. الحقيقة أن الرجل لم يفعل شيئا آخر خارج الصياغات الأدبية التي يهواها. رحلة طويلة إلى البيت الأبيض، وصور للعائلة،…
الأربعاء ٠٩ مارس ٢٠١٦
كان غسان تويني مفتونًا بكل ما يذكّره بلبنان الذي عرفه. ولبنان الذي عرفه كان مدنًا وقرى صغيرة. وكل مدينة أو قرية فيها «ساحة». وفي هذه الساحة يلتقي جميع السكان. وأجمل وأهم ساحات لبنان كانت «ساحة البرج»، قلب بيروت. فيها كانت فنادق العاصمة وقيادة الشرطة. ونصب الشهداء، ومحطات الباصات القادمة من المناطق، ومحطة الترامواي الموزِّعة. وفيها يتجمع باعة الصحف بأعلى أصواتهم. ومن حولها دور المسارح والسينما. ومن حولها أسواق اللحوم والخضار ودور الصحف. عندما أنشأ غسان تويني دارًا كبرى لـ«النهار» «عاد» بها إلى ساحة البرج. وفي الطابق الأرضي من المبنى، أنشأ مكتبة حضارية سماها «البرج». ثم أصدر عن «دار النهار للنشر» مجلدًا رائعًا عن ساحة «البرج» شارك فيه كبار الكتّاب والمؤرخين والرسامين، نفدت نسخ الطبعة الأولى والثانية منه، وللأسف، لم تصدر طبعات أخرى. الأسبوع الماضي أعلنت شادية غسان تويني نبأ صعبًا عليها وعلى أولئك الذين كانوا يعدون زيارة مكتبة البرج جزءًا ممتعًا من حياتهم في بيروت. المكتبة، مثل جمالات كثيرة أخرى، سوف تغلق أبوابها. مَعلم آخر في وسط بيروت، يترك الساحة للفراغ. الوسط الذي كان يلتقي فيه اللبنانيون والعرب بدأ في النزع منذ أن احتله «حزب الله» وحزب التيار العوني تحت شعار «الاعتصام». وقد استمر ذلك «الاعتصام» عامين، نسي خلاله الناس «الوسط»، وتذكروا فقط كلمة تاريخية قالها في نهايته النائب العوني…
الثلاثاء ٠٨ مارس ٢٠١٦
ليس هناك من اسم لامع في المسرح الكوميدي المصري إلا وكان خلفه سمير خفاجي، منتجًا أو مخرجًا. من عادل إمام إلى شريهان، أو أي اسم آخر يخطر لك. لذا، سوف يخطر لك أيضًا أن مثل هذا الرجل صنع ثروة طائلة ما دام الأجر الذي يتقاضاه أي من نجومه يفوق الأرقام الستة. لكن خفاجي الذي يتحدث بمرارة في مقابلاته الصحافية، يشكو من العقوق، ومن القلّة، ومن الشلل النصفي الذي هدّه. ويتذمر من أن أحدًا من نجوم مداره السابق لا يسأل عنه، فيما عدا شريهان. لا أعرف ماذا يحدث ولماذا يصل كبار أهل الفن إلى هذه النهايات البالغة الصعوبة. فقد كانت أمينة رزق، على مدى عقود، «النجمة الكبرى»، لكن سنواتها الأخيرة كانت فقرًا وبؤسًا. و«شرير» الشاشة توفيق الدقن (أحد اكتشافات خفاجي) مات بائسًا رغم سنوات النجاح الطويلة. وشكا كثيرون مثله أوضاعهم إلى نقابة الفنانين. وفي لبنان غاب في السنوات الماضية عدد من الفنانين والفنانات في حالات محزنة بلا حدود. طبعًا، يُفترض أن لا أحد في نجاح سمير خفاجي المالي، أو لا أحد يمكن أن يفهم كيف أن نجمة مثل سعاد حسني تصل إلى ما وصلت إليه في سنوات لندن التي انتهت بخاتمة مأساوية وغموض أليم. هناك حالات لم نعرف عنها. وهناك في المقابل الفنانون المتهمون بـ«الحرص الشديد» مثل أم كلثوم وعبد الوهاب…
الخميس ٠٣ مارس ٢٠١٦
قال فيه طه حسين إنه لا يغترف من بحر فحسب، بل هو يتدفق مثل بحر. وقال فيه محمود زكي باشا إنه يشبه ماكينة الخياطة «سنجر» لشدة غزارته وقدرته على «التطريز» والتنوع والكتابة في شتى المواضيع والمسائل والقضايا. وعندما طلب إليه رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق محمد كرد علي أن يجمع مقالاته في مجلدات، كتب إليه معتذرًا: «فإني في أوروبا منذ اثنتي عشرة سنة، وفي الشهر الواحد من هذه المدة كنت أحرر لا أقلّ من عشر مقالات في الشهر، ففي السنة 120 مقالة، ففي الاثنتي عشرة سنة 1440 مقالة، فإن جعلت كل مقالة 3 صفحات من قطع هذا المكتوب، فهذا فوق أربعة آلاف صفحة (...). كلا، هذا لن أقدر على طبعه، وهذا كله ذهب في الجرائد الطائرة». كان الأمير شكيب أرسلان أوائل القرن الماضي أحد رموز عصر النهضة، والوحيد الذي عُرف بلقب «أمير البيان»، كاتبًا وخطيبًا ومفكرًا وداعية سياسي من مناضلي الحركة الاستقلالية. عُرف بلقب آخر هو «كاتب الشرق الكبير». وكانت نضالاته ومعارفه وصداقاته مع كبار أهل النهضة أكبر بكثير من حجم بلده لبنان، الذي لم يكن قد استقل بعد. وقد حارب بريطانيا وفرنسا. فحاول الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة التقرب منه. ومن أصدقائه أحمد شوقي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمود سامي البارودي، ومحمد رشيد رضا. ولعل ثمة شبهًا بين سيرته وسيرة…
الخميس ٢٤ سبتمبر ٢٠١٥
استعاد فلاديمير بوتين ما فقده في ليبيا وأوكرانيا. تدخَّل عسكريًا في سوريا رافعًا على الدبابات صورة بشار الأسد، فتراجعت أميركا خطوة أخرى معلنة القبول بالأسد إلى حين، بعدما كانت تصر، منذ أربع سنوات، على ذهابه فورًا. لا شيء نهائيًا طبعًا. لا في الاندفاعات الروسية نحو استعادة مرتبة الشراكة الأولى، ولا في انحسارات أميركا التي تحوّلت في ربع القرن الماضي من دولة أولى مبتهجة بالانتصار في الحرب الباردة، إلى دولة تكاد تفقد الصفة التي لازمتها منذ الحرب العالمية الأولى. ما بين رعونات جورج دبليو بوش وانكفاءات باراك أوباما، أضاعت الولايات المتحدة الكفة الراجحة في ميزان القوى العالمية. وفي سوريا تراجعت أمام مواجهين، النظام و«داعش». ومضى زمن لم نعد نسمع فيه عن الحرب ضد «داعش»، أو أي انتصار عليها. وتبدو حرب العراق – أميركا لاقتلاع «الخلافة» من المدن الكبرى التي احتلتها، وكأنها تجري في الخفاء في مكان ما على شواطئ الأمازون، لا على شواطئ الفرات. وقد تردد أوباما في إعلان الحرب على «داعش» إلى أن فاجأ المستر جون كيري العالم بالقول: إنها حرب تستغرق 5 سنوات. ما هي هذه القوة القادرة على مواجهة التحالف الغربي نصف عقد؟ وها هو بوتين آتٍ أيضًا لمحاربتها. ومن دون أن يرتفع صوتها تدفعه الصين وتشجعه. ولديها شكوك بأن المتطرفين الصينيين هم وراء انفجار بانكوك «الجهادي». بالأمس…
السبت ١٣ يونيو ٢٠١٥
ذكرت صحيفة «العربي الجديد» أن 1100 فلسطيني قتلوا في مخيم اليرموك منذ 2011 حتى الآن. هل هم أغلى من 230 ألف سوري قُتلوا في تلك الفترة؟ دعونا لا نزيد الكوارث مأساوية. هذا مثل القول: ما لنا ولآثار تدمر؟ الآن همّنا البشر لا الحجر. فالحجر هو تاريخ الأمم، والشاهد على تاريخ البشرية، وهو أحيانا، مصدر رزق الأحياء والفقراء والأمم. وعندما ذهبت مرة إلى تدمر، لم يأخذني فقط بهاء الحجر القائم في وجه الشمس منذ قرون، بل أُخذتُ أيضا بأنس أهل المدينة وبسطائها، والذين لا يزالون يعيشون من دخل الحجارة الرائعة، وكأنهم في أيام زنوبيا وقوافل روما. 1100 فلسطيني في مخيم لا فرق فيه بين الموت والحياة، رقم معيب. لأن قدر الفلسطينيين أن يُقتلوا في أرضهم، وليس في ضواحي دمشق، ولا في صبرا وشاتيلا. وما من فارق بين أن يُقتلوا دفعة واحدة، أو في التعذيب البطيء، والتجويع، والحصار غير الإنساني. ليس هذا حظ الفلسطينيين من «قلب العروبة النابض»، نظامًا، أو معارضة. فقد كان يقتضي أن يعامل المخيم، من قبل الفريقين، على أنه جزيرة، أو محميّة بشرية، لا يورطه أحد في الصراع، ولا يكبّده أحد هذه الأثمان المريعة في مواجهة لا علاقة له بها. كان هذا أشبه بإطلاق اسم فلسطين على أسوأ السجون سمعة في سوريا. مسكينة في كل مكان، «قضية العرب الأولى».…
الجمعة ٢٩ مايو ٢٠١٥
آخر أنباء السعادة من «الجمهورية الديمقراطية الاشتراكية» في بلاد الزعيم المبجل كيم جونغ - أون، الطافح فرحًا وحبورًا وضحكًا، أن عبقرية التصنيع توصَّلت إلى تعليب الأسلحة النووية في عبوات صغيرة، يمكنك - إذا شئت - أن تقدمها هدية في حفل عيد ميلاد. أنا شخصيًا، لن أصدق ذلك قبل أن أرى صورة الزعيم المبجّل، ضاحكًا، حليق الفودين، وهو يداعب قنبلة نووية ومن حوله الجنرالات يصفّقون. الزعيم المبجّل لا يتصور إلا إلى جانب مدفع، أو حاملاً رشاشًا. هواية. وبسبب الانصراف إلى التعليب النووي، لا تعرف كوريا الشمالية، إلى الآن، علب التونة والسردين والبولابيف. ترف استعماري، إمبريالي، رجعي، ذيلي، انحرافي، مضاد للثورة. جميلة، المصادفات العفوية. تقرأ لائحة الدول السبع الأكثر فسادًا في العالم، فتذهل للإنجاز: من ليست دولة منّا، فهي دولة صديقة، جمهورية، ديمقراطية، اشتراكية، حرّة. من ليس ليبيا، والسودان والصومال، فهو أفغانستان وفنزويلا وبلد الزعماء المبجّلين. لطالما شعرنا بالاعتزاز ونحن نسمع الرئيس السابق إميل لحود يهتف للصداقة الخالدة مع هوغو شافيز. النضال يقرّب البعيد ويبعد القريب، على قول الأغنية في وصف حال المحبين. ومحمود أحمدي نجاد كان ضيفًا دائمًا في فنزويلا، ينسق لتحرير العالم من الإمبريالية، أو بقاياها. يجمع بين هذه الدول الصديقة ألف رابط، ورابطين. لا إحصاء للبطالة، لا أرقام للنمو، لا موازنات، لا صحف، لا إنترنت، ولا تلفزيونات خارجية.. ولا…
الثلاثاء ٢٦ مايو ٢٠١٥
احتلت «داعش»، على طريقتها، مدينة الرمادي وبهاء تدمر. وفي شرح ذلك، بلغتها، أنها أصبحت على بعد ساعة من بغداد، وأخرى من الغوطة. ومن الآن إلى أن «يدرس» باراك أوباما استراتيجيّته الجديدة، فإن خريطة المنطقة قد تغيرت ولم تعد فقط قيد التغيير. وكردستان التي كانت تُتهم بالإعداد للانفصال، أصبحت مأوى لمئات الآلاف من العراقيين، تسأل من يقف وراءها. ولا يزال أوباما يعيد النظر في استراتيجيته. وهناك جبهة، لا نعرف إذا كان قد لحظ وجودها، تمتد من جرود عرسال في لبنان إلى مرسى سفن «المساعدات الإنسانية» الإيرانية في جيبوتي. ما يجري على مدن سوريا ومدن العراق والآن في حملة الحوثيين على اليمن، هو حرب لا بد أن ثمة من يخوضها. حرب لها من يموِّلها ومن يخطط لها ومن يخوضها، والآن من يخسرها. وسوف تكون الكارثة في تقاسم الفوز. أي في أن تأخذ «داعش» الجزء الأكبر من سوريا والعراق، ويبقى الباقي بلا دولة أو جيش رابع أو فرقة رابعة. ويقتضي المنطق أن تتأمل إيران جيدًا نتائج حروبها وتسعى إلى حل سياسي قبل أن تحترق جميع أحلامها، ومعها ما تبقى قائمًا من سوريا والعراق. لقد تغيرت «وقائع الأرض» على نحو لم يعد يحتمل أي مكابرة. التلفزيونات لم تعد قادرة على تغطية المتغيرات الهائلة التي لها أسماء كانت في الماضي تعني شيئًا، وأصبحت تعني شيئًا…
الجمعة ٠٨ مايو ٢٠١٥
هذا الصيف ذكرى مائتي عام على هزيمة نابليون في معركة واترلو، إحدى ضواحي، أو أحياء بروكسل. الكاتب العظيم ألكسندر دوماس يصف كيف شاهد الإمبراطور متوجهًا إلى المعركة في عربته، وكيف عاد منها شاحبًا ومنكسرًا. بمحض المصادفة، وقعتُ على شيء مختلف من أوراق نابليون: نصوص الأوامر التي كان يوجهها إلى ضباطه وجنوده. والذين منا كان قد رسخ لديه أن «البروباغندا» بدأت مع وزير هتلر جوزيف غوبلز، يجب أن يعودوا إلى مرحلة نابليون. من أجل معنويات جنوده ومعنويات الفرنسيين، كان الرجل يكذب. وكان يحجب الحقيقة، ولذلك، سلط الرقابة على الصحافة. وعندما فقدت الصحافة ثقة الناس، فقدت قراءها. وافتقرت. وأفلست. وبعدما كانت باريس تحتار بين 24 صحيفة كل يوم، انخفض العدد إلى أربع. وهو العدد نفسه الذي انخفضت إليه صحف دمشق وبغداد وليبيا الفاتح العظيم في الجماهيرية العظمى، بعد نزول «الثورات» بها. كان نابليون يخسر في مسارح القتال ويربح في الصحف الأربع. وكان جنوده ينسحبون مُدمين في الحرب، ويقرأون عن الانتصارات في الجرائد. فتوقفوا هم أيضا عن قراءتها. وما لبث بعضها أن افتقر وتوقف عن الصدور. وفي صحف سوريا، لا تزال الانتصارات تتالى، لأن الصحف الأربع تصدر من دمشق، وليس من حلب، أو إدلب. كذبت الصحف على نابليون بأوامر منه. ومن يقرأ تلك الأوامر يعرف من أين ترجمت خطب السياسيين العرب: يا جماهير…
الأربعاء ٠٦ مايو ٢٠١٥
في 14 مايو (أيار) يشهد كامب ديفيد ملتقى مفصليًا آخر في تاريخ العرب: الملك سلمان وأمراء الخليج يتدارسون الوضع في الجزيرة العربية مع باراك أوباما. أول قمة جماعية مع رئيس أميركي منذ تأسيس مجلس التعاون، وأول مرة تُطرح فيها قضية واحدة بين الفريقين: إيران. ما هو هذا المكان الذي صار اسمه جزءًا من مفرداتنا؟ معتزل في جبال ميريلاند، تربو مساحته على نصف مليون متر مربع، ويبعد 60 ميلاً عن البيت الأبيض. وكان فرانكلين روزفلت أول رئيس يستخدمه، وقد أطلق عليه اسم «شانغريلا»، وهو مكان متخيل مليء بالهدوء والسعادة. ففي عام 1942، ذروة الحرب العالمية، بحث عن معتزل سري حيث يستطيع النوم في ساعة متأخرة، وينصرف إلى العناية بمجموعة الطوابع التي يملكها، واستضافة بعض زعماء الدول الذين يستسيغ صحبتهم. كان ونستون تشرشل أول أولئك الزعماء عندما حل ضيفًا عام 1943 في قمة أعدت لهجوم النورماندي الكبير على قوات هتلر. وعندما تسربت الأنباء عن وجود شانغريلا، نصح رجال الأمن روزفلت بأن ينقل مقره إلى قادة غوانتانامو خوفًا من التعرض للقصف، غير أن رفض روزفلت كان قاطعًا: «كوبا بلد ملوث بالفوضويين والقتلة وإلى آخره، وأيضا بالمحتالين». عندما وصل دوايت أيزنهاور إلى الرئاسة أعاد تسمية المعتزل على اسم حفيده، ديفيد. استضاف هناك عام 1959 الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف في محادثات تهدف إلى خفض التوتر…
الجمعة ١٠ أبريل ٢٠١٥
قال الدكتور عبد الله بن زايد إن «إيران لم تترك لنا الأمل لإقامة علاقات نموذجية معها». هذا اختصار شديد ومؤلم لثلاثة عقود من التوتّر المعلن والمكتوم بين طهران والعالم العربي برمّته، وليس فقط جوارها المباشر. حاول العرب، أو أملوا، طوال الوقت، في إقامة علاقة حسنة أو سوية لمصلحة الفريقين. رأوا ماذا فعلت حربها مع العراق بالبلدين وأهلهما، وما تركت من آثار مادية ونفسية، وأملوا ببدء مرحلة خالية من القوة والعنف والنزاعات، لكنهم اكتشفوا أن إيران التي ترفع شعار «الموت لأميركا وإسرائيل»، تتجه نحو العالم العربي دون توقف، وتطلق على أحد شوارعها اسم قاتل رئيس عربي، وتحاول أن تحتكر القدس كصاحبة لها. وساعدها في ذلك انتصار المقاومة اللبنانية في الجنوب، فلم تعد حربها على الاحتلال الإسرائيلي، بل على «التخاذل» العربي. ولم تترك مشكلة داخلية إلا تدخلت فيها سرًا وعلنًا، من البحرين إلى تونس. ولم تبق دولة عربية إلاّ حاولت التفاهم مع إيران ومعرفة سبب السياسات العدائية. وكان الموفدون يعودون بأجوبة غامضة لا تعيش أكثر من فترة الزيارة. وتحول جميع العرب إلى متهمين في إعلام إيران الداخلي والخارجي. وعدنا إلى الدعوى النفعيّة المغطاة دومًا برداء فلسطين، وهي أنه من أجل تحريرها يجب أولاً إسقاط الدولة العربية، لأن الطريق إليها يمر في لبنان والكويت، وكل دولة يمكن وضع اليد عليها. حاولت جميع الدول…