الخميس ٣١ مارس ٢٠١٦
عندما وقف الإنجليزي بيتر هايلير على مسرح الفائزين بجائزة أبوظبي، في العام 2013، كان قد أمضى في دولة الإمارات نحواً من أربعين عاماً، مستنفذاً فيها شغفه بالآثار، ممارساً فيها الصحافة والعمل في المجالات الثقافية والنفطية. غير أن ليلة من ليالي بيتر خلال أربعين عاماً قضاها في الإمارات كانت الأصعب، ولم تستطع عيناه أن تغمض للنوم جفناً! في العام 1992، كان برفقة المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في جزيرة صير بني ياس، حيث كان الشيخ زايد، كعادته، يقود فريقاً لتنمية الجزيرة التي يعود تاريخ سكناها لآلاف السنوات. لقد اكتشف بيتر ضمن فريق أن في الجزيرة التي جاء بهم إليها رئيس الإمارات كنيسة يعود تاريخها للقرن السابع الميلادي، وبلغ عمرها 1400 سنة، كيف سيتقبل قائد أمة مسلمة كشفاً أثرياً لكنيسة؟! لا بد أن هذا خبر قد يعكر مزاجه؟ ربما يحرجه أمام شعبه؟! هل أخبره؟ هل يبقى الأمر في طي الكتمان؟ كانت هذه الهواجس تمور في ذهن الرجل موراً! في اليوم التالي، سأله الشيخ زايد، ما سر القلق والإرهاق على وجهك، فتشجع وقال: إننا اكتشفنا بوادر تدل على وجود دير مسيحي، فما كان من الشيخ زايد إلا أن شجعه. وقال: ما الذي يمنع أن يكون أجدادنا الأولون مسيحيون قبل الإسلام؟! وأعطى توجيهاته بالحفاظ على المكان واحترامه والعناية به. كانت…
الأربعاء ٢٣ مارس ٢٠١٦
يشعّ مفهوم التسامح بالأمل لأي مجتمعٍ يطبّقه. لم يكن ترسيخ التسامح عفوياً، بل احتاج إلى جهود اجتماعية وسياسية، وحين نشأ لأول مرةٍ في أوروبا، تبلور نتيجة للحرب التاريخية الكارثية بين البروتستانت والكاثوليك، فجاء مفهوم التسامح، ليضع حداً للجنون غير المسبوق في الحروب الدينية الأوروبية. وهذا ما دفع الفلاسفة حينها إلى وضع المفهوم حيّز التنظير والشرح ليتبعه التنفيذ، بعد ذلك بسنين، عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أتوقف عند شخصيتين أساسيتين، لا بد أن نذكرهما إذا ذُكر مفهوم التسامح، وهما فولتير، وجون لوك. كتبا في الموضوع شرحاً وتوضيحاً وتنقيحاً، حتى بات التسامح لا يمكن فهمه أو شرحه، إلا بالدخول على كتابتيهما وفهمها والغرق في بحار معانيها، وإدراك مغزى الأفكار، وذكاء المعالجة في ما كتباه عن الموضوع. لا يكفّ فولتير في رسالته حول التسامح عن توبيخ مجتمعه المسيحي، حيث يشرح كيف كان: «اليابانيون أكثر الناس تسامحاً، فقد تعايشت اثنتا عشرة ديانة بأمانٍ في إمبراطوريتهم، وقد جاء الآباء اليسوعيون ليضيفوا إليها ديانة جديدة هي الديانة الثالثة عشرة، بيد أن هؤلاء سرعان ما جهروا برفض بقية الأديان فتسببوا في نشوب حربٍ أهلية، لا تقل بشاعة عن تلك التي فجّرتها الرابطة الكاثوليكية، فعمّ الدمار والخراب، ومحق الدين المسيحي من الوجود في حمامٍ من الدم. وقد أغلق اليابانيون امبراطوريتهم في وجه بقية العالم، وباتوا ينظرون إلينا وكأننا…
الأربعاء ٠٩ مارس ٢٠١٦
زخر تاريخنا الفكري المعاصر بأسماء لامعة ومؤثرة، وضعت لها موطئ قدمٍ في التداول الفكري، عالمياً، وليس عربياً فقط! عبد الله العروي، محمد أركون، محمد الجابري، وجورج طرابيشي، من الصعب أن يخرج قارئ من كتبهم كما دخل. إنهم يحدثون خسوفاً وزلازل في القناعات والأفكار المتداولة الموروثة من دون فحص أو تمحيص. إنهم يوقفون الإجازة المفتوحة التي نمنحها لعقولنا، ويعيدون تفعيل الأسئلة المشروعة في أذهاننا. رحلاتهم مع العلم والتعلم هي نبراس للطلبة والطالبات، إصرار وجد، وصبر وجلد على الفهم والتعلم. قبل أيام كتب الدكتور طرابيشي مقالةً مؤثرة بعنوان: «ست محطات في حياتي»، تنقّل بالقارئ فيها بين القوة والضعف، الصلابة والتهشّم، المنشط والمكره. روعة الكتابة تلك، أنها تكشف جانباً من شخصية مفكّر قدير، لا شك أنه أحد أهم المفكّرين المعاصرين والأحياء اليوم. بها تحدّث عن التحوّلات في تديّنه، ومن ثمّ التوجه البعثي، والدخول إلى السجن، وصولاً إلى اهتمامه بدراسات فرويد، والتي أثّرت فيه كثيراً. يروي قصة الدخول إلى عالم فرويد: «قصتي مع فرويد بدأت بواقعة لا تخلو من طرافة. فبعد أن تزوجت وصار عندي بنتان، كنت كلّما جلست إلى المائدة لآكل الطعام، أمسك برغيف الخبز... فلا أجد نفسي إلا وأنا أقطّعه من أطرافه لا شعورياً، وزوجتي وابنتاي قاعدتان أمامـــي على المائدة تأكلان، وكنت لا أستطيع منع نفسي من تفتيت الخبز، حتى عندما يكون…
الأحد ١٤ ديسمبر ٢٠١٤
شكلت شخصية المفكر السعودي الدكتور عبدالله الغذامي قصة بحد ذاتها، فهو الذي ارتبط اسمه بالحداثة في السعودية، فكان الهجوم عليه كبيرا في الثمانينات، وذلك على أثر أطروحاته حول التشريحية والبنيوية وسواها من الأنماط الحداثية التي كانت سائدة في أوروبا والعالم. أسهم الغذامي مع آخرين في التأسيس للحداثة الأدبية بالسعودية، وقوبل هذا التجديد بالهجوم الكاسح من التيارات الصحوية المعادية لأي تغيير، بل وصل الهجوم حد التكفير والتحريض والعداء. بقي الغذامي أمينا لأطروحاته رغم تمايزه بين الفترة والأخرى. قد تختلف أو تتفق معه في العديد من الأطروحات، لكنك لا تملك إلا أن تقدره وتكبره، فهو شخص على خلقٍ رفيع، كما أنه ساهم في إنتاج الكثير من الأفكار، متجاوزا دور المثقف الكسول أو الأكاديمي الخامل، كما أن الغذامي فوق ذلك محاور من الطراز الأول، مناور بأسلوب فاعل، وهو لا يجد غضاضة في التراجع أو الاعتذار. أجرى الدكتور، قبل أيام، عملية جعلت من تلامذته وقرائه وعشاق كلمته يقلقون عليه، غير أنه طمأن الجميع بأنه أفضل مما كان عليه. شخصية الغذامي ليست من الشخصيات الاجترارية أو التكرارية، بل أعطى الكتاب قدره، والمقالة قدرها، والتغريدة أيضا قدرها؛ لهذا بقي على أساس أخلاقي متين، وحين اقترب منه بعض الرموز الإسلامية ــ أو اقترب هو منهم ــ كان النقد عاليا تجاهه، وبخاصة في أطروحته حول «الليبرالية الموشومة»، حيث…
الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠١٤
ذكرت الولايات المتحدة قبل يومين أن تنظيم «داعش» يشكل خطرا على الجميع. التصريح الأهم تأكيدها على أن «داعش» بات أخطر من ذي قبل، وأنه تجاوز دمويته التي كانت قبل ستة أشهر، ترتفع أرصدته وتزداد ميزانياته، وله في كل مدينة فرع، وفي كل جسر وفد، وفي كل محفلٍ حرب. هذه التصريحات الخطيرة بنيت على أسس أمنية، ومتابعة دقيقة من قبل امبراطورية عظمى كالولايات المتحدة، وقبل ذلك على معلومات استخباراتية. لا تكاد تقرأ شيئا الآن في كل مكان بالصحف، وبالقنوات وبالراديو وبالإنترنت وعلى اليوتيوب إلا وتجد كلمة «داعش» أمامك، إنها الفتنة الكبرى والأخطر في العصر الحديث، والمعضلة الداعشية ليست سهلة ولن يقضى عليها في يوم أو يومين، فما تم نسجه عبر سنوات لا يمكن أن يهدم بأيام! لو تأملنا الخطاب الإعلامي لوجدنا أن حكاية تشويه «داعش» لصورة الإسلام والمسلمين حاضرة في المقالات، ومن هنا كان الدكتور توفيق السيف صادما وقويا وذكيا حين كتب مقالة بعنوان: «في بغض الكافر» استعرض فيه الحالة الدينية والفقهية تجاه القتل وقطع الرؤوس انطلاقا من تخصصه ومن اطلاعه الديني. مما قاله الدكتور: «لاحظت أن معظم من استنكر تلك الأفعال الشنيعة، برر رفضه لها بكونها مسيئة لصورة الإسلام في العالم، وليس بكونها في ذاتها أفعالا قبيحة مخالفة لقيم الدين والإنسانية. وغرضي من هذه الإشارة هو التنبيه إلى أن كتبنا…
الأربعاء ٢٥ يونيو ٢٠١٤
هكذا أسدل الستار على حياة فؤاد عجمي، مدير «برنامج دراسات الشرق الأوسط»، والأستاذ في جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة. أمريكي من أصل لبناني، لكنه كان أمريكيا خالصا، ونفذ في دوائر القرار وكان لكثير من آرائه القبول في الإدارات الأمريكية. هو ليبرالي محافظ ولا يخفي ذلك، له الكثير من الأطروحات المثيرة للجدل. وكان آخر ما قدم باللغة العربية مقدمة لكتاب (السعودية والمشهد الاستراتيجي» من تأليف: جاشوا تتلبام الذي ترجمه الدكتور حمد العيسى ومن مطبوعات دار مدارك للنشر. كانت رؤية عجمي منسجمة مع ما يراه من مصلحة بلاده. من الطبيعي أن تختلف معه، لكن من الصعب أن تمارس إلغاءه، أو تقلل من شأن ما يطرح، كانت زاوية عجمي تترجم إلى لغات عديدة في العالم من بينها الصحف العربية، وقد أحسنت (الشرق الأوسط) حين ترجمت له الكثير من أطروحاته. وربما كان لافتا كتابه (التمرد السوري) الذي ترجمه أحمد الشنبري، وطبعته دار جداول للنشر. في هذا الكتاب يتجه إلى مساءلة استراتيجية وتاريخية للذي يجري في سورية. وهو ملم بالشرق الأوسط تاريخا وتحركا وفكرا. ويذكرك بأطروحاته الرصينة بالأستاذ القديم برنارد لويس، حيث الاستيعاب للمعنى الإشكالي في الأحداث العربية. رأى أنه ومن دون قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لن يقوم أحد بفعل أي شيء في سورية، لأن سياسة أوباما هي إما جنود على الأرض، أو الرأس…
الخميس ٢٧ مارس ٢٠١٤
حين تتحدث عن الرواية في السعودية لا يمكنك تجاوز الأديب عبده خال. الذي نشأ في جيزان، في عمق الطبيعة، حين يتجول في القرية يرى كل المخاطر والسباع، وفي مقارنته بين القرية والمدينة يعتبر الأخيرة تعلب الأشياء أكثر مما تشرحها. المدينة لا تتسع للخيال، على عكس الريف والقرية والحقل. رغم دراسته للعلوم السياسية غير أنه استطاع أن يكون عالما بشؤون مجتمعه من خلال كتاباته وأعماله منذ السبعينات وإلى اليوم. نقرأ له «الطين، الموت يمر من هنا، ترمي بشرر». وتراه في المؤتمرات والندوات لطيفا يجمع بين سلوكه الهادئ وخلقه الرفيع وأستاذية تلهم الشباب والفتيات. له قدرته على الصياغة. كلماته يزنها بميزانٍ من ذهب. عاش في القرية حيث الحكايا التي تسردها الأمهات والقريبات. يعتبر الرواية والأساطير والحكايا عملا أجادته في القرية النساء، وقد كتب عن تلك الأساطير وغيرها «أساطير تهامية». بارع في الخيال، يعتبر المدينة قتلا للخيال. أسس في سن الحادية عشرة مسرحا في القرية، كان ثمن الدخول إلى المسرح الشراء من بسطته البسيطة المتكونة من بعض البطاطا والخضروات. أحب أن يجمع بين واجب العمل (البيع)، والتسلية التي يرى فيها السحر (المسرح). في سن الطفولة يسهر على نصوص يكتبها من أجل أن يمثلها زملاؤه على تلك (الدكة الأسمنتية)، لأحد الجيران، والتي حولها عبده إلى مسرح. يرفض عبده أن يخضع لثقافة «التعليب»، أو«الكرتنة»، بمعنى…
الإثنين ٠٦ يناير ٢٠١٤
«ابن لادن لا يزال حيا»! هكذا صرح أستاذ العلوم السياسية د.عبدالله النفيسي. ولا غرابة أن تنتشر مثل هذه الأطروحات لدينا فقد انتشرت من قبل في الغرب والشرق. فالأساطير خلقت قائلة:إن هتلر لم يقتل، وعندنا قالوا إن صدام حسين حي يرزق، وكذلك القذافي، وأن من قتل هو الشبيه أو المثيل، وأن كل حالات الإعدام ليست سوى مسرحيات تديرها الإمبريالية الأمريكية، والقوى الاستعمارية الغربية. هذه الأطروحات تلقى صدى ورواجا اجتماعيا لأنها تحرك كوامن الأمنيات، أو غرائب التصورات، مبنية على ساقين، أحدهما: التفكير الرغبوي، وثانيهما: انتظار المخلص. الكل يعلم أن ابن لادن مات بمعرفة أهله وذويه وباعتراف تنظيم القاعدة نفسه الذي نعاه وأعلن عن مقتله، والقصة معروفة منذ رصد أبو أحمد الكويتي إلى أن اصطادت فرقة خاصة نوعية، أسامة بن لادن. يرى النفيسي أن أسامة ــ فقط ــ مخطوف لدى الولايات المتحدة، مستندا في ذلك إلى أن أعوام المطاردة الطويلة لا يمكن أن يكون القتل حلا بعدها، بل الأسر هو المتوقع من قوة عالمية كبيرة! هناك كتب شعبية صفراء تباع على الأرصفة في القاهرة وبيروت تتحدث عن حياة صدام، وأنه يعيش في روسيا! قل مثل ذلك عن الزعامات الأخرى. للأسف أن الدكتور النفيسي يحاكي النزعات الشعبية في أطروحاته السياسية، فهو بأدائه المسرحي، وبتسلية الحديث التي يتمتع بها يجعل من القصة الجادة قصة شعبية،…