الأربعاء ٣١ يوليو ٢٠١٣
لا تكفي حساسية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان وحزبه ذي الجذور الإخوانية تجاه دور الجيش في بلاده لفهم موقفه الحاد وخطابه الشرس ضد انتفاضة 30 يونيو التي سحب فيها المصريون الثقة من الرئيس السابق محمد مرسي ودعمها الجيش امتثالا للإرادة الشعبية. قد تكون هذه الحساسية أحد العوامل التي تفسر موقف أردوجان الذي وصل إلى أبعد مدى في إنكار حقيقة ما حدث في مصر. غير أن هذا العامل يأتي، رغم أهميته، في مرتبة تالية للأثر السلبي الكبير للتغيير في مصر على مشروع أردوجان الإقليمي. فقد حلم أردوجان، ومازال، بأن تكون كلمته مسموعة ليس في الشرق الأوسط فقط ولكن ربما من سراييفو إلى شمال إفريقيا. وتحرك في هذا الاتجاه منذ منتصف العقد الماضي، بالتوازي مع إرساء الركائز اللازمة لهيمنة حزبه (العدالة والتنمية) على مفاصل الدولة التركية. وبدأ ذلك التحرك اعتماداً على الأدوات الاقتصادية والتجارية، مستثمراً الازدهار الذي تحقق في تركيا. ورفع شعار «صفر مشاكل» الذي ينطوي على رسالة مفادها أن التعاون الاقتصادي كفيل بإعادة بناء العلاقات بين دول المنطقة، وأن التجارة تصلح ما تفسده السياسة. وأحرز مشروع أردوجان هذا بعض التقدم في النصف الثاني من العقد الماضي، حيث تنامت علاقات تركيا الاقتصادية والتجارية مع دول كانت سياساتها متناقضة. فقد تحرك نحو سوريا وجعلها مدخلا إلى لبنان والأردن، فضلا عن إيران، وباتجاه…
الأربعاء ٢٤ يوليو ٢٠١٣
ليست مفاجئة موجة العمليات الإرهابية الدراماتيكية التي تصاعدت في سيناء خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة بمعدلات غير مسبوقة منذ تأسيس جماعات مسلحة متطرفة في هذه المنطقة في أواخر تسعينيات القرن الماضي. كانت هذه الموجة متوقعة لدى بعض المحللين، وغير مستبعدة لدى بعضهم الآخر، بعد أن تمددت الجماعات المسلحة في سيناء، مستغلة حالة الفوضى التي أعقبت انهيار جهاز الشرطة خلال انتفاضة 25 يناير. وأظهر الاعتداء الذي استهدف قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أحمد وصفي في رفح مساء الأربعاء قبل الماضي (10 يوليو)، حدوث تطور نوعي في قدرة هذه الجماعات أو بعضها على تنفيذ هجمات أشد خطراً من أي وقت مضى، فقد تم هذا الاعتداء باستخدام صواريخ «جراد» وشحنات متفجرة. ولكن القوة المكلفة تأمين القائد المصري الكبير ردت على ذلك الاعتداء بنجاح. غير أن الخطر يظل كبيراً لأن الجماعات المسلحة استثمرت العام الذي حكمت فيه جماعة «الإخوان» مصر لدعم قدراتها التسليحية والتدريبية والتنظيمية واللوجستية، فقد ثبت الآن وجود علاقة بين الرئيس المعزول محمد مرسي وسلطته ومن ورائهما جماعة «الإخوان» وتلك الجماعات. وتظهر كل يوم دلائل وقرائن جديدة على أن الرئيس السابق استغل سلطته لتحجيم دور الجيش والأجهزة الأمنية في مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة. وكان كاتب السطور قد أثار هذه المسألة في مقالته المنشورة هنا في «وجهات نظر» يوم الأربعاء 29 مايو الماضي تحت…
الجمعة ٢٨ يونيو ٢٠١٣
لم ينشغل المصريون فى تاريخهم الحديث بأمر استحوذ على اهتمامهم لأسابيع مثلما شغلهم السؤال عن مستقبل مصر بعد (30-6)، الذى حددته «حملة تمرد» كبداية لتعبير الشعب عن المطلب الذى التف حوله ملايين من أبنائه، وهو سحب الثقة من الرئيس محمد مرسى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ويمكن تصور أربعة سيناريوهات لما يمكن أن يحدث بدءاً من عصر يوم بعد غد، الذى أصبح مشهوداً قبل أن يأتى. فهناك – أولاً – السيناريو الذى يتطلع إليه دعاة الإصلاح، وهو أن تكون الاستجابة الشعبية كبيرة فى معظم المحافظات، وليس فقط فى القاهرة، على نحو يعيد إنتاج ثورة 25 يناير ويجدد ربيعها وينهى الخريف الذى عصف بزهورها، وكاد أن يجرف الوطن كله، فإذا كانت الحشود الشعبية هائلة وقدرة الشباب على حماية سلميتها كبيرة، لن يتمكن من يعدون العدة للانقضاض على المحتجين من مواجهتهم. فالافتراض الذى يقوم عليه هذا السيناريو هو أن الصراع سيكون بين شعب بمختلف فئاته وعدة أحزاب تابعة للسلطة. فإذا عبر هذا الشعب عن إرادته عبر حشود ضخمة، سيستعصى الأمر على من يظنون أن البدء بحشد أتباع السلطة يمكن أن يضمن لهم إحباط الاحتجاجات. وعندئذ لن يكون أمام الرئيس مرسى إلا الاستقالة، إما بمبادرة منه، أو بقرار من جماعة «الإخوان»، لكى تحافظ على دور لها فى المرحلة الجديدة، أو بطلب من الجيش الذى…
الأربعاء ٢٢ مايو ٢٠١٣
ليس واضحاً إلى أين تتجه مصر إقليمياً ودولياً، ولا ما هي سياستها الخارجية الآن بعد أكثر من عشرة أشهر على تولي مرسي رئاسة الجمهورية. فالسؤال الذي يثار عادة عندما تنتقل السلطة إلى رئيس جديد هو حدود الاستمرار والتغير في السياسة الخارجية. وإذا كان هذا السؤال ضرورياً عند انتقال السلطة في ظروف عادية أو طبيعية، فهو أكثر أهمية وأشد إلحاحاً حين يحدث هذا الانتقال بسبب تغيير كبير ترتب على انتفاضة شعبية واسعة خلقت وضعاً جديداً يتولى السلطة فيه رئيس ينتمي إلى جماعة بدا خلال العقود الماضية أنها تتبنى مواقف راديكالية. غير أن هذا السؤال المهم والملح لا يجد إجابة حتى الآن. فلم تطرح السلطة الجديدة رؤية واضحة لسياسة مصر الخارجية، سواء عبر خطاب لرئيس الجمهورية يحدد فيه الاتجاه، أو من خلال وثيقة تضع حداً للغموض الذي ينتاب بعض جوانب هذه السياسة على نحو يثير الكثير من القلق والشك داخل مصر وفي كثير من الأوساط خارجها. وإذا كان استمرار هذه السياسة على المستوى الدولي كما كانت عليه في العقود الأربعة الأخيرة يناقض الاتجاهات التي تبنتها جماعة «الإخوان» خلال الفترة نفسها حيال الولايات المتحدة وسياساتها المنحازة لإسرائيل، ويتعارض مع الهجوم الذي شنته هذه الجماعة على السياسة الخارجية المصرية منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، فإنه يثير سؤالا كبيراً عما إذا كان هذا تكتيكاً أم…
الأربعاء ١٧ أبريل ٢٠١٣
لا يكف بعض العرب عن صنع ما يدخل في نطاق العجائب. ومن غرائب أيامنا الراهنة خطاب المؤامرة الذي تردده السلطتان الحاكمتان في مصر وسوريا، وتلحان عليه كل بطريقتها، رغم الاختلاف الجوهري بينهما. فالسلطة المصرية الخاضعة لجماعة «الإخوان» تُسرف في اللجوء إلى حديث المؤامرة، مثلها في ذلك مثل السلطة السورية رغم مشاركة الجماعة وأتباعهم في الاحتجاجات المستمرة ضد الأسد منذ أكثر من عامين. ويلاحظ المعنيون بما يحدث في مصر أنه لم يخل خطاب لمرسي منذ 22 نوفمبر الماضي من حديث عن المؤامرة التي يعلّق عليها فشل السلطة في إدارة شؤون البلاد وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على نحو لا سابق له منذ مطلع القرن التاسع عشر. وهذا هو حال خطاب الأسد، لكن منذ منتصف 2011 عندما بدأت سلطته تفقد سيطرتها فلم يجد إلا حديث المؤامرة مهرباً من الاستجابة لمطالب قطاعات متزايدة من الشعب السوري. وأخذت المساحة التي يشغلها حديث المؤامرة في خطاب الرئيس السوري تزداد منذ ذلك الوقت بمقدار تنامي الاحتجاجات الشعبية وتوسع نطاقها. كما اشتد إلحاح الرئيس المصري على هذا الحديث في الأسابيع الأخيرة بمقدار تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ورغم أن تشابه خطاب مرسي وبشار عن المؤامرة يبدو غريباً، لأن الثاني يقاوم تغييراً أوصل مثله الأول إلى السلطة، ربما يكون هذا التشابه مفهوماً في ضوء إحدى القواعد العامة التي…
الأربعاء ١٠ أبريل ٢٠١٣
لم يتغير شيء في سلوك جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر بعد وصولها إلى السلطة وانفرادها بها مقارنة بما كان عليه الحال عندما كانت تحت ضغط الحظر السياسي والملاحقة الأمنية. ويتصرف «الإخوان» في السلطة الآن، مثلما كانوا في المعارضة، انطلاقاً من تخيل وجود مؤامرات تستهدفهم طوال الوقت. وبعد أن كانت المؤامرات تهدف إلى القضاء على الجماعة نفسها، صار غرضها إسقاط سلطة هذه الجماعة. فقد أصبحت معارضة سياسة الرئيس الذى ينتمي إليهم مؤامرة، لأن منهجهم يأبى افتراض أنهم يمكن أن يخطئوا. ولذلك تمادوا على مدى تاريخهم في تفسير الأزمات التي ترتبت على ممارساتهم باعتبارها محنة، لكنهم لم يعترفوا أبداً بأنه ما من محنة واجهتهم طوال تاريخهم إلا كانت من صنعهم وليست بسبب مؤامرة. وكان مفترضاً أن تنتهي محنتهم بوصولهم إلى السلطة، لكن إصرارهم على استخدام هذه السلطة للتمكن من الدولة أدى إلى احتدام الأزمة وتنامي السخط الشعبي عليهم، وليست هذه إلا محنة أخرى من صنع أيديهم كسابقاتها، لكن في ظرف مختلف صارت فيه محنتهم وبالًا على مصر وخطراً يهددها بل يضربها في القلب. وبدلًا من تصحيح هذا المسار أصروا على المضي فيه ومواصلة النظر إلى الوضع البائس الراهن من الثقب الضيق الذي يرون تاريخهم منه. فقد اعتبر قادتهم أن محنة الجماعة الأولى بدأت بقرار حلها في نوفمبر عام 1948 رغم أنها تعود…
الأربعاء ٠٣ أبريل ٢٠١٣
دخلت الأزمة الممتدة في مصر منعطفاً بالغ الخطر على مختلف المستويات. فالانسداد السياسي الذي يكرّس الانقسام والاستقطاب يحول دون معالجة الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم أعراضها المالية والنقدية في صورة عجز متزايد في الميزانية وانهيار سريع للعملة الوطنية وارتفاع في أسعار سلع وخدمات أساسية. ولعل أخطر التداعيات الناجمة هو تبديد آمال قطاعات واسعة من المجتمع في إمكان تحسين مستوى حياتها، وإحباط ثورة التوقعات التي ترتبت على التغيير الذي حدث في السلطة، الأمر الذي يدفع بعض الشباب الأصغر سناً والأكثر غضباً والأشد حماساً واندفاعاً إلى العنف الذي يضفي على المشهد العام في مصر المزيد من القتامة. وتقف السلطة عاجزة عن وضع حد لهذا التدهور في غياب خطة للإنقاذ، فهى تفتقد القدرة على توفير البيئة السياسية والاجتماعية اللازمة لتعبئة طاقات المجتمع وقدراته، كما أن محاولاتها الاعتماد على قروض ومساعدات خارجية تتعثر بسبب ضعف ثقة صندوق النقد الدولى فى أدائها ولتخبط سياستها الخارجية، لذلك يبدو أنها تراهن الآن على أن يزداد الإحباط الشعبى فيتراجع التعبير عن الغضب سلماً أو عنفاً فيُسّلم الغاضبون بأنه لا جدوى من المقاومة. غير أنه حتى بافتراض إمكان نجاح هذا الرهان الذي لا يقوم على أساس يُعتدّ به حتى الآن، ستظل مصر بحاجة إلى عملية إنقاذ اقتصادي كبيرة لا يمكن أن تتحقق بدون مشاركة شعبية. فلن ينقذ مصر من هذه…
الأربعاء ٢٧ مارس ٢٠١٣
ليس وزير الخارجية الأميركي الأسبق والأشهر هنري كيسنجر وحده الذي يتوقع حدوث مواجهة بين الجيش وجماعة «الإخوان» في مصر. وقد لا يكون هو أول من عبر عن اعتقاده بأن هذه المواجهة ستقع إذا لم يتمكن الطرفان من التفاهم على آلية فعاّلة لتجنب حدوث أزمات كبيرة بينهما أو احتوائها في مهدها بطريقة الإنذار المبكر. ورغم أن كيسنجر تحدث في هذه المسألة مرات عدة في الأشهر الأخيرة، فقد بدا أنه أكثر ثقة عندما أجاب على سؤال بشأنها في 8 مارس الجاري خلال مشاركته في أعمال المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي في نيويورك، حيث قال إن الأزمة بين الجيش و«الإخوان» في مصر ستأتي لا محالة. والأرجح أن كيسنجر يتابع جيداً الوضع الذي يزداد اضطراباً في مصر ويدفع بعض الخائفين مما تحمله الأيام القادمة إلى دعوة الجيش للتدخل وتنظيم فعاليات لدعمه. لكن الأرجح أن اللهجة القاطعة التي تحدث بها ارتبطت بازدياد الشواهد الدالة على تباين مواقف الرئاسة ومن ورائها جماعة «الإخوان» وقيادة الجيش تجاه الوضع في غزة عموماً وحركة «حماس» خصوصاً. فقد توالت الأحداث منذ أوائل فبراير الماضي كاشفةً هذا التباين الذي لم يعد ممكناً تغطيته، بين موقف منضبط باعتبارات الأمن القومي المصري وقواعده المجردة دون غيرها، وآخر تختلط فيه هذه الاعتبارات بالعلاقات الوثيقة بين جماعة «الإخوان» وحركة «حماس». وكان اتجاه الجيش إلى…
الخميس ٢٨ فبراير ٢٠١٣
ليس واضحاً بعد ما إذا كانت قيادة جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر تدرك حجم خسائرها المترتبة على طريقة ممارستها لسلطة طال شوقها إليها. فقد تبدلت صورتها لدى قطاعات متزايدة في المجتمع، وتحولت من جماعة مضطهدة (بفتح الهاء) إلى سلطة مضطهدة (بكسر الهاء). وندم غير قليل ممن أيدوها وانتخبوا مرشحها د. محمد مرسي رئيساً. تحدث بعضهم عن ندمه علناً لأن في إمكانهم الوصول إلى وسائل الإعلام، واحتفظ أكثرهم بخيبة أملهم لأنفسهم، وفقد عدد من شبابهم حياته في المواجهات التي حدثت مع الشرطة في الشهرين الأخيرين. غير أن خسائر جماعة «الإخوان» في مصر قد لا تكون داخلية فحسب. فثمة ما يدل على أن تدهور الأوضاع بسبب سوء إدارتها للسلطة يثير قلقاً في أوساط بعض تنظيمات «الإخوان» في العالم العربي. وظهر ذلك في تصريحات أدلى بها قياديون في عدد من هذه التنظيمات وحملت معنى تأكيد استقلالها عن جماعة «الإخوان» في مصر. وهذا أمر جديد في تاريخ العلاقات بين تنظيمات تيار «الإخوان» المنتشرة في أرجاء العالم والمركز الرئيسي لهذا التيار في مصر حيث نشأت الجماعة التي تعتبر بمثابة «الأم» بالنسبة إلى تلك التنظيمات. فلم يحدث في أي وقت مضى أن أبدى قياديون في أي من تنظيمات «الإخوان» مثل هذا الاهتمام بإعلان استقلالهم عن الجماعة التي يعرف الدارسون والمراقبون المعنيون مدى ارتباطهم بها باعتبارها المركز…