السبت ١٥ يونيو ٢٠١٩
غالبا تدرك الوفود الدبلوماسية التي زارت طهران أو تخطط لذلك أنها لن تحرك شيئا في الأزمة الكبرى التي بات يمثلها النظام الإيراني والذي يتحفز العالم الحر اليوم للتخلص منه بعد أن أثبت طيلة أربعين عاما أنه لا يحمل للمنطقة إلا الخراب والدمار. تبحث تلك الوفود عن دور إقليمي إما للحفاظ على مصالحها كما تفعل ألمانيا مثلا وروسيا وهما العضوان الأبرز في مجموعة الخمسة زائد واحد، أو كتلك الدول التي تمثل العقوبات الإيرانية إرباكا لها ولمكوناتها السياسية كالعراق أو تلك المتورطة في تحالف جديد مع طهران كالنظام القطري الذي يشهد مقاطعة من أكبر دول المنطقة بعد دعمه المتزايد للإرهاب والعنف والفوضى. لماذا لن تقدم كل تلك الجهود أي تحول في واقع الأزمة التي تشتد يوميا؟ السبب الرئيسي يكمن في النظام الإيراني نفسه، فالعقوبات لا تريد من طهران التخلي عن جزء من أراضيها ولا مصادرة مقوماتها الاقتصادية ولا إعادة تشكيل السلطة في البلاد، كل ما تريده المنطقة من النظام الإيراني أن يوقف كل مشاريعه التوسعية الثورية في المنطقة، المشكلة أن تلك المشاريع التخريبية الثورية هي تجسيد فعلي وواقعي لعقيدة النظام وهويته وتكوينه، وبالتالي يصبح تغيير السلوك مجرد عنوان يحاول النظام أن يكسب به مزيدا من الوقت. إن أكبر خديعة سياسية حاول النظام الإيراني تسويقها عن نفسه أن لديه تيارين؛ تيارا محافظا متشددا…
السبت ٢٥ مايو ٢٠١٩
كل الجدل الذي رافق انطلاق مسلسل العاصوف كان مرده إلى عنصرين؛ الأول: أحقية من يعيد رواية التاريخ السعودي ومن يملك الحق في روايته، وبناء تلك الرواية وأبعادها الثقافية والاجتماعية والسياسية. العامل الثاني: وجود شخصية ناصر القصبي الذي يثير جدلا ويقابل بمجابهة كبرى من تيارات التشدد والتطرف، ويمكن اعتبار ناصر الفنان السعودي الوحيد الذي يحمل موقفا فكريا واضحا حملته مختلف أعماله الفنية السابقة. لم يحدث أن أصبح التاريخ السعودي الحديث مادة لعمل ملحمي درامي كما هو الحال في العاصوف، بل إن رواية التاريخ الاجتماعي السعودي ربما لم تكتب بعد، فقد تركز الاهتمام على التاريخ السياسي وظل التاريخ الاجتماعي حائرا بين روايتين. الصحوة لديها روايتها للتاريخ الاجتماعي السعودي، تتحفظ على جانب من ذلك التاريخ وتتوسع في جانب، فهي ترى أن التحول الذي شهدته السعودية منذ عام ١٩٧٩ يمثل هداية وعودة للصواب، مدافعة بذلك عن مشروعها بصفتها مرحلة يقظة ووعي ديني حمت به المجتمع من الانحراف والضلال. أعظم ما حدث أن السياسي لم يتدخل في بناء رواية خاصة بالتاريخ الاجتماعي وتُرك ذلك للمجتمع ليكتب روايته. كل التعليقات التي صاحبت الموسم الأول كانت تتمحور حول الفكرة التالية: ما يقدمه العاصوف لا يمثلنا ونحن لم نكن كذلك. لكن تلك التعليقات لا تستوعب أن الدراما لا تكتب كل التاريخ الاجتماعي وإنما تركز على شريحة وعينة واحدة…
السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٩
طهران وأنقرة والدوحة؛ تورطت هذه العواصم الثلاث في أسوأ مشروع للفوضى والدمار والذي أريد له أن يجتاح المنطقة في أسوأ طوفان عرفته العواصم العربية الكبرى، رهانات غير واقعية ومشروع لا سقف له ولا يحمل رؤية واعية وكانت حالة النشوة المؤقتة التي اجتاحت تلك العواصم قد أصابتها بجنون رفع توقعاتها. إيران كانت تتحدث عن أربع عواصم عربية تحت سيطرتها، والدوحة باتت مركز إدارة عمليات حرب في ليبيا واستخبارات في العراق ومصدر تمويل لكل تلك المشاريع ومنبرها الإعلامي، والنظام التركي بدأ يعلن نفسه مرجعاً للأمة وقائدا شاملا للمنطقة. كانت أياما حالكة للغاية وساهم تبني الإدارة الأمريكية السابقة لتلك الفوضى في إمدادها بسند سياسي ضاعف حالة الاستقواء والنشوة لدى تلك العواصم الثلاث. نظريا يحمل مشروع (الربيع العربي) في تركيبته أصلا عوامل أساسية كانت ستؤدي به إلى فشل كبير في نهاية المطاف، فالمشروع بلا رؤية ويحمل أهدافا غير واقعية على الإطلاق، ويتحرك المشروع في فضاء إقليمي وثقافي واجتماعي لا يسمح باستمرار مثل تلك المشاريع. الشارع العربي كله ينظر بازدراء للتحالفات الضارة مع القوى الإقليمية غير العربية كتركيا وإيران ويرى في ذلك خيانة غير مقبولة، وأكبر مثال على ذلك الانطباع السائد في الشارع العربي عن قطر وكيف باتت تمثل علامة على المؤامرت والفوضى والدسائس. ثانيا في ظل نموذج الدولة الوطنية الذي عاشته المنطقة منذ انتهاء…
السبت ٠٦ أبريل ٢٠١٩
لا تفرق إشارة المرور في أي مكان في العالم بين الذاهبين إلى المسجد أو الذاهبين إلى الكنيسة، إنما يجمعهم الامتثال لها بصفتها أداة تنظيمية لمرفق عام هو الطريق الذي يستخدمه الجميع وفق القانون الذي ينظم ذلك الاستخدام. هذا مثال رغم بساطته إلا أنه يمثل مدخلا لقراءة الفرضية التالية: لا يمكن للدولة الوطنية أن تنشأ وتستمر وتزدهر دون مسحة مدنية، وللجدل فإن التعريف الذي أنطلق منه في فهم المدنية هو ما يلي: ألا تتحكم فئة انطلاقا من معتقداتها الخاصة ببقية الفئات وتحملهم عليها، فالسيادة ليست للعقائد الخاصة وإنما للقانون والنظام الذي يساوي بين الجميع. لا القبيلة ولا الجماعة ولا أي كيان أيديولوجي يمكن له الامتثال لذلك النموذج القائم على النظام والقانون لأنها كيانات تنطلق من أيديولوجياتها بصفتها مبرر الانتماء لذلك الكيان وبالتالي فهي في خصومة مستمرة مع من يختلفون عنها وكل الحروب والصراعات التي عرفها العالم كانت تحمل بعدا أيديولوجيا ظل يمثل وقودها الفعلي. في لحظة تاريخية وتحول حضاري كبير وصلت الإنسانية لأعظم إنجاز في تاريخها المعاصر والمتمثل في ظهور الدولة الوطنية. محور الدولة الوطنية ومرتكزها الأول هو التنوع وبالتالي الخروج من زمن الأيديولوجيات الجامعة إلى زمن الوطنية الجامعة؛ الشراكة في الأمن والبناء والمستقبل والتنمية والحياة الكريمة. وفي الدولة الوطنية ظهرت وتطورت المؤسسة بصفتها الجهاز المنظم والمدير لتلك التنوعات ولتلك المصالح…
السبت ٠٩ مارس ٢٠١٩
نحن لا نؤمن بنظرية المؤامرة فقط بل نؤمن بكشفها أيضا، وكل المواقف السعودية الرسمية والشعبية في السنوات القليلة الماضية بمثابة إعلان للتصدي لكل تلك المؤامرات والمكائد التي ظلت تحاك وتنفذ ضد المملكة. كانت قضية الرأي العام السعودي وتوجيهه مشروعا كبيرا جدا وتم العمل عليه والتخطيط له وبدأت خطوات التنفيذ مبكرة. يتمثل الهدف العام في بناء وتوجيه الرأي السعودي كمرحلة أولى، وفي حال لم يتحقق ذلك يتم العمل على إيهام المجتمع أن ثمة رأيا سائدا هو الذي يمثل رغبة المجتمع وتوجهه الحقيقي. الغرض من بناء تلك المعادلة إيجاد شقاق بين توجهات التنمية والوطنية التي تقودها الدولة والنخب الوطنية وبين المجتمع. لقد شهدت هذه المؤامرة نجاحا مؤقتا تمثل في إيهامنا بالتالي: المجتمع ليس مستعدا لأي تغيير. أدت مثل هذه المفاهيم إلى تكدس كبير في الخطوات المؤجلة ووجدنا أنفسنا في واقع يتغير فيه المجتمع وتطمح الدولة للمزيد من التغيير لكن ثمة انطباع عام أن لا أحد يريد ذلك. يحقق نجاح هذا الجزء من المؤامرة فائدتين للخصوم؛ الأولى صناعة مناخ عام يوحي بأن ثمة تنافرا بين توجهات الدولة وتوجهات المجتمع وبالتالي يسهم في تقييد خطوات التطور، والفائدة الثانية تتمثل في ترويج صورة متشددة عن المملكة أنها البلاد التي تقيد الحريات ولا يسمح فيها بقيادة المرأة للسيارة وتمنع فيها حفلات الموسيقى. الخط الثاني لتلك المؤامرة…
السبت ٠٢ مارس ٢٠١٩
فيما لو تم تنفيذ الاتفاق الإيراني - الإسرائيلي بإخراج القوات الأجنبية من سوريا فالمنطقة كلها أمام تحول مهم للغاية؛ أشبه ما يكون بإعلان نهاية وفشل أي تدخل تقوده دولة أو جماعات أيديولوجية وفشل للتدخلات الميليشياوية المسلحة التي لم تقدم سوى المزيد من القتل والفوضى والدمار. لم تتدخل إيران في سوريا ولا في اليمن ولا في لبنان تدخلا سياسيا بهدف حماية مصالحها أو أمنها الإستراتيجي، النظام في طهران لا يفكر هكذا أصلا، إنه نظام يهتم بالمراقد والمزارات وتصدير الثورة وخروج المهدي من السرداب، وأي نظام يملك هذه العقيدة المتطرفة لن يؤمن أبدا بالدولة الوطنية ولا بالمصالح الإستراتيجية وبالتالي لن يجد شريكا له من دول العالم ولن يعتمد عليه العالم في القيام بأي دور إقليمي أمني أو اقتصادي. لا يمكن للعالم أن يستمر صامتا أمام تلك النيران المشتعلة في سوريا وبدخول روسيا لاعبا محوريا في القضية السورية، وبدخول إسرائيل في المعادلة أدرك الطرفان أن سنوات الدمار والحرب لا يمكن أن تنتهي بوجود شريك متطرف ونظام بدائي كالنظام الإيراني، وبينما تفكر روسيا في القضية السورية من خلال أبعاد إستراتيجية مختلفة وتفكر إسرائيل في القضية من زاوية مصلحتها الأمنية، يفكر النظام الإيراني في حماية المراقد! منذ عقود لم تعد إيران لاعبا سياسيا تحركه المصالح والحسابات الإقليمية كبقية الكيانات في المنطقة، لقد تحول بفعل عقيدته…
السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٩
لا تزال المبادرة السعودية للسلام التي تحولت إلى مبادرة عربية هي المسار الأنسب ربما للتخلص من كل الآثار التي خلفتها وتخلفها يوميا القضية الفلسطينية في المنطقة وكيف تحولت من قضية شعب وأرض محتلة إلى حفلة مزايدات سياسية لا تنتهي. كل الكيانات والأنظمة التي لديها مشكلة في الشرعية جعلت من القضية الفلسطينية شعارا لها ومادة للمزيدات والبحث عن أدوار كارثية في المنطقة. ربما يكون النظام الإيراني أبرز من تاجر في قضية فلسطين، ولا تكاد تمر خطبة ولا مناسبة يتحدث فيها قيادي إيراني إلا وكانت فلسطين والقدس والتحرير حاضرة وبكثافة؛ سرايا القدس، فيلق القدس، وغيرهما من التسميات التي تم إطلاقها على فرق عسكرية إيرانية تعكس ذلك التعلق الزائف بالقضية، ومحاولة جعلها قضية وجود بحثا عن شرعية للكيان، وبينما يتطلع المواطن الإيراني لحلول لقضاياه الداخلية يجد أن كل مقدرات بلاده موجهة لإذكاء الصراعات ودعم الميليشيات الإرهابية المسلحة تحت شعار الموت لإسرائيل وتحرير الأراضي الفلسطينية. حزب الله في لبنان مثلا يجعل من المقاومة والقضية الفلسطينية مبررا لوجوده وانتهاكاته للسلطة واختطافه الدولة اللبنانية، مما يعني أن أي حل للقضية الفلسطينية يمثل تهديدا وجوديا للحزب وانشطته ومبررات بقائه. حماس الفلسطينية أيضا سيتحول كوادرها إلى عاطلين عن العمل فيما لو شهدت القضية الفلسطينية أي انفراج نحو الحل. أنظمة مثل النظام التركي والنظام القطري وفي سياق سعيها للعب…
السبت ١٦ فبراير ٢٠١٩
الفقه القائم والمتداول اليوم هو وبلا جدال فقه قديم جدا، قادم من مرحلة تاريخية موغلة في القدم، إذ لم يشهد التاريخ الإسلامي منذ القرن التاسع الميلادي ظهور مصنفات وأعمال فقهية جديدة؛ جديدة في آلياتها وأفكارها وخطابها، إذ مثلت تلك الفترة تأسيسا لمنهج فكري يقوم على الثبات والأحادية وكثير من الصرامة والحدة إضافة إلى أنه مرتبط بالجغرافيا والأحداث التي ظهرت فيها. أخطر ما في تلك المراجع الفقهية أنها مراجع؛ أي أن كل ما سيأتي بعدها يجب أن يدور في فلكها شرحا وتفسيرا وتحقيقا لكن الآليات والأدوات البحثية ظلت ثابتة كما هي، وساعد على ذلك كثرة الاستدلال بالمرويات الحديثية والنقلية وتراجع كبير في قراءة وبحث النص القرآني مما توجد خطا موازيا لعملية التشريع وبناء الأحكام الفقهية تكاد تكون في جانب كبير منها مجافية لما جاء به التنزيل الحكيم. 1. إنه الفقه العربي الذي تأثر بالأزمة الكبرى التي مرت بها اللغة العربية والمتمثلة في طغيان علوم النحو والصرف على حساب علوم الدلالة وفقه اللغة، ولأن نصوص الحديث الشريف لا تحتاج تأويلا وذات معان واضحة ومباشرة فقد كانت أسهل للاتكاء عليها استدلالا واستشهادا إلى الدرجة التي ربما هيمنت معها على نصوص التنزيل الحكيم. ورافق ذلك سطوة عارمة لأسماء ومصنفات تاريخية باتت ثقافة الدرس الفقهي تتخوف من نقدها أو الدعوة لإعادة قراءة نتاجها الفقهي. ومثلما…
السبت ١٩ يناير ٢٠١٩
كان العام ٢٠١١ مهيأ بالفعل لكل ما حدث؛ آفاق مسدودة في عيون الشباب العربي في مختلف العواصم، وثورة اتصالية جديدة تم استثمارها لبناء منصات للأصوات الغاضبة وحالة من ترقب الفرصة للانقضاض على كل ذلك من القوى ذات الطموحات التوسعية في المنطقة. لا مبادرات ولا خطط ولا قيادات تقدم شيئا جديدا، فكان الشارع قابلا للتثوير واستخراج أسوأ ما فيه من تطرف وحدة وعنف. تحولت الدوحة إلى جهاز مالي وإعلامي وسياسي في قلب المنطقة لإدارة ذلك الخراب، وأخذت طهران خطواتها ضمن مشروعها القائم أصلا والمتمثل في تصدير الثورة، بينما اتجه النظام التركي للتحالف مع المشروع والدفاع عنه والبحث عن نفوذ جديد في المنطقة. ولأن الثورة أصلا وبذلك النموذج الذي شهدته العواصم العربية لم يعد نموذجا صالحا للتغيير ولا أداة يمكن أن تبني مستقبلا، ولأن الفوضى التي اشتعلت كانت خرابا ودمارا وتطرفا لم تعرفه المنطقة منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية، ولأن دول الاستقرار في المنطقة وجدت أنها أمام لحظة تاريخية تستدعي موقفا محوريا في إعادة الاستقرار ودعم الدولة الوطنية، لكل ذلك انهار المشروع في كثير من تلك العواصم ولا ترال عمليات إخماد الحرائق قائمة في عواصم أخرى. كانت المنطقة بحاجة للغة جديدة ووعي جديد يخرج بها من حالة الرتابة والخوف من المستقبل إلى أعلى مستويات الحيوية والانطلاق إلى المستقبل بدلا عن الخوف منه، ولن…
السبت ١٢ يناير ٢٠١٩
يوم لم يكن للتنوير والاعتدال سند ولا منبر، وفي أوج صعود الأصوات المتشددة التي كانت تنقض على كل صوت جديد، حمل الأمير خالد الفيصل قلقه على وطنه وآمن بمسؤوليته الثقافية والوطنية وفتح بابا جديدا للوعي ومواجهة الحزبية والتطرف وتعرض لكثير من الهجوم من أعداء الوطنية وممن أصابهم الذعر وهم يسمعون بكل وضوح حديثا عن (المنهج الخفي). أدرك الأمير مبكرا أن التطرّف لا يمكن مواجهته فقط من خلال القضاء على الجماعات والخلايا المسلحة بل لا بد من مواجهته فكريا، وكان صاحب أول تحذير من تكرار ما حدث بعد حادثة جهيمان: لقد قضينا على الجماعة ولم نقض على فكرها. مبكرا أيضا عرف الأمير أهمية الفنون والآداب في بناء الشخصية المعتدلة وعرفت عسير أبرز وأشهر الحفلات الغنائية والمتاحف وكثيرا من الاحتفاء بالفنون والجمال والتراث، بالإضافة إلى النقلة التنموية الضخمة التي شهدتها المنطقة وفي كتابه: (مسافة التنمية وشاهد عيان) ما يعكس التجربة وتحدياتها. جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر العام 2001 وما تلاها من أحداث العنف والإرهاب التي شهدتها بعض المدن السعودية وحين وجد أصحاب الفكر المتشدد أنهم أصبحوا في دائرة الاتهام غيروا جلودهم ومنطقهم وأصبحوا دعاة تعايش ووسطية، وفي الواقع فقد انطلى على كثير منا ذلك التحول، لكن وفي العام 2004 وفي أحد اللقاءات التلفزيونية تساءل الأمير: ماذا عن خطابهم السابق؟ وكيف تحولوا…
السبت ٢٩ ديسمبر ٢٠١٨
هكذا كانت المعادلة في العام ٢٠١١ ؛ شرارة تنطلق في شوارع العواصم العربية، تندلع الفوضى تتدخل جماعات وقوى وأموال خارجية وتقوم بتوجيه حالة الجريان القائمة إلى مصب واحد ينتهي باستبدال القوى الوطنية القائمة في تلك البلدان بقوى حزبية أيديولوجية ذات ولاءات خارجية. وتوافرت الأطراف على كل المقومات التي تعين على ذلك ومثل النظام القطري وكيل ذلك المشروع في المنطقة بالمال والإعلام سعيا منه ليكون اللاعب الكبير في المنطقة، وبينما حملت تركيا مسؤولية التغطية الأيديولوجية للمشروع وحملت إدارة أوباما مسؤولية التغطية السياسية الدولية انفجر الشارع العربي وتحققت انتصارات مؤقتة كان أسوأها ذلك الذي شهدته مصر حين حكمت جماعة الإخوان المسلمين. كان الوضع مأساويا للغاية وأصبحت الدولة الوطنية مهددة بالكامل في مصر وسوريا وليبيا وكانت المسارات واضحة تعتمد في الغالب على جماعات الإسلام السياسي بوصفها الخيار القادم لتسلم السلطة في كل تلك البلدان. كان تفكيراً كارثيا للغاية ولو تحقق لتحولت المنطقة إلى البقعة الأسوأ في العالم، خاصة وأن الدفع بجماعات الإسلام السياسي من شأنه أن يستلزم بناء نماذج تخدم ذلك المشروع وتقدمه بصفته الخيار الأنسب، ومن أبرز تلك النماذج تنظيم داعش في العراق والشام وما تبعه من ظهور مفاجئ وانتشار سريع في البلدان التي شهدت تلك الفوضى. كانت ليبا واليمن ومصر بلدانا تضم تشكيلات واسعة لجماعات الإسلام السياسي لذلك كانت المهمة ظاهريا…
السبت ٢٢ ديسمبر ٢٠١٨
يحرز كثير من الطلاب والطالبات في السعودية مراكز متقدمة جدا في مختلف المسابقات ولقاءات الأولمبياد العالمية في الرياضيات والفيزياء والعلوم، والكثير منهم يدرسون في مدارس عادية على مستوى التجهيزات والتقنيات ولكن بالمقابل لا نشهد كثيرا من تلك النجاحات في العلوم الإنسانية ولا نعرف نماذج قدمت رؤى جديدة في الفلسفة والفكر واللغة والفقه وغيرها من العلوم ويمتد ذلك من مدارس التعليم العام وصولا إلى الجامعات. كان الحدث الأبرز القادم من وزارة التعليم ومنذ أعوام ليس خاصا بالمباني ولا بالتجهيزات التعليمية الحديثة فكل هذه العوامل رغم أهميتها لا ترتبط بلب العملية التعليمية، لكن الحدث الأبرز تمثل في إعلان الوزارة إدراج مادة مهارات التفكير الناقد والفلسفة ومادة القانون ضمن مناهج المرحلة الثانوية. في الواقع أن هذا يمثل تحولا مهما في فكرة التعليم السعودي نفسه ما هو وما الغرض وما الطالب الذي نريد، وبالنظر إلى المخرجات التعليمية السعودية على مدى الأعوام الماضية سندرك أن ثمة قصورا في الوعي والمعرفة والتفكير وهذه كلها مهارات أصيبت بنوع من التخثر جراء هيمنة الرؤية الواحدة على مختلف العلوم الإنسانية وبأسلوب تلقيني واحد وجامد. وربما لا تكون هذه مشكلة في التعليم في السعودية فقط بل هي من وجهة نظري مشكلة في الثقافة العربية بأكملها، وبما أننا نتحرك اليوم وفق رؤية واعية ومستقبلية لتجاوز السائد والنمطي فلن ننتظر حتى يصلح…