السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٨
توزعت عناصر القوة في العالم على مستويين متوازنين: المنتج العالمي العابر للحدود، والطاقة التي يحتاجها ذلك المنتج ليصبح مجديا. وانتهت أزمنة الحضارات الجغرافية الخاصة بإقليم ومنطقة ما، كانت العواصم الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية مصدر الآلة التي انتقلت لكل العالم، وما لبث أن أصبح الخليج مصدر الطاقة التي تعتمد عليها تلك الآلة، لكن النفط ليس كل شيء. عرفت بلدان مثل العراق وليبيا وفنزويلا الطاقة ولكنها لم تصنع حضارة ولم تشهد تنمية ولا استقرارا وهو ما يؤكد أن الطاقة ليست كل شيء. إذن.. لماذا ازدهر الخليج وأصبح شريكا عالميا مؤثرا وأصبحت دولة كالسعودية عضوا في مجموعة العشرين وأصبحت دولة كالإمارات نموذجا تنمويا مدهشا للعالم ؟ القضية ليست في النفط فقط لكنها تكمن أولا في الرؤية والعقيدة السياسية التي تدير تلك البلدان. نشأت دول الخليج على أيدي قادة نوعيين في الفترات الأكثر تحولا في تاريخ وجغرافيا المنطقة ورغم أصالتهم العربية والإسلامية إلا أن أبرز ما أسهم في بناء كياناتهم والحفاظ عليها كان إيمانهم المبكر بالدولة الوطنية. الدولة الوطن هي الهدف والمشروع والقضية، مع إيلاء أهمية قصوى لدعم بناء محيط إقليمي مستقر ينعكس استقراره إيجابا على كل المنطقة. كان الوعي بالدولة الوطنية الحديثة هو التحول الحضاري الكبير الذي وصلت إليه بلدان العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي كشفت وسابقتها للبشرية أن زمن…
السبت ٠٨ ديسمبر ٢٠١٨
وصلت الحضارة الإنسانية اليوم إلى تحولات مفصلية للغاية، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن تلك التحولات تمتد لتشمل إعادة بناء معايير الحضارة أصلا وتفتيت القوالب والإطارات القديمة باتجاه نماذج جديدة ومختلفة في كل شيء. ظل العالم يعتمد الزمن والتقادم كعامل محوري وأساسي في قياس الحضارة وهيمنت على الذهنية الإنسانية تلك الفكرة إلى الدرجة التي ترسخت معها الزمنية بصفتها معياراً أساسياً للحضارات، وتتكرر دائما أوصاف عن حضارات إنسانية عديدة بأنها حضارات تمتد لأكثر من كذا ألف سنة ويحدث التنافس أحيانا في حساب السنين لتقول كل حضارة عن ذاتها بأنها الأقدم والأكثر عراقة. العامل الثاني الذي يمكن ملاحظته أثناء قراءة الحضارات الإنسانية وصورتها في الذهن العام، سنجد أن معظمها حضارات ماضوية سابقة ولا تحمل في داخلها أية أبعاد مستقبلية وفي الثقافة العربية يضاف إلى ذلك أثناء تناول وقراءة الحضارات الكثير من التفاخر والاعتزاز وفي سياق ماضوي سحيق في الغالب لا قيمة ولا تأثير له في المستقبل وفي مجرياته. التحول الإنساني الكبير الذي حدث تمثل في أن البشرية تجاوزت الحضارات الجغرافية الإقليمية إلى الحضارة الإنسانية الشاملة، فبينما كانت معابد السومريين وحدائق بابل المعلقة في العراق أمراً لا يتخيله ابن الصحراء مثلا لأنها كانت حضارة محدودة في جغرافيا محدودة، فقد أخذت الإنسانية ومنذ منتصف القرن التاسع عشر بإنتاج ما يمكن وصفه بالأدوات الحضارية أو…
السبت ٠١ ديسمبر ٢٠١٨
ترى من كان يتوقع أن إرهابيا ينتمي لمليشيا مسلحة يمكن أن يمنح مساحة للكتابة في صحيفة عريقة كالواشنطن بوست؟ لكن ذلك حدث بالفعل؛ محمد علي الحوثي يكتب مقالة في تلك الصحيفة ضمن حربها الإعلامية الشعواء التي شنتها على المملكة منذ بداية أزمة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حيث أعلنت الصحيفة بكل وضوح أنها طرف في الأزمة وأنها ستواصل الهجوم على السعودية وهو ما يحدث يوميا. لم يكن ذلك موقفا فرديا من الصحيفة بل تضافرت معه كل القوى التي يمكن وصفها بالقوى الموجهة والقوى التي أسهمت السعودية بشكل رئيسي في إفشال أبرز مشاريعهم في المنطقة. يعتنق اليسار الليبرالي النظريات ويتعلق بها على حساب الواقع، لديه معاييره للخير والشر والعدل والمساواة والحقوق ويتعامل معها كعناوين مطلقة يسعى لتطويع الواقع واعتسافه لتحقيقها من وجهة نظر مثالية وغير واقعية. ويمكن اعتبار فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أبرز سنوات تجلت فيها أفكار اليسار الليبرالي ومشاريعه في المنطقة. صحف وشخصيات ومنظمات دولية استغلت الحادثة أبشع استغلال، كانت الفرصة الأكبر للنيل من المملكة وقيادتها ومحاصرة مشروعها النهضوي التنموي المعتدل. كل الأطراف الذين استغلوا هذه القضية هم ذاتهم أطراف معادلة الربيع العربي، من قوى ومؤسسات اليسار الليبرالي في واشنطن إلى تركيا والدوحة وطهران وجماعات الإسلام السياسي في المنطقة إضافة إلى المنظمات الحقوقية الموجهة حول العالم. أدركت تلك القوى…
السبت ٢٤ نوفمبر ٢٠١٨
انتهت الأزمة الكبرى التي مرت بها المملكة؛ مواطن إعلامي سعودي يتعرض لحادثة فاجعة في قنصلية بلاده، وفجأة يجد الخصوم أنهم امتلكوا سلاحا فريدا من نوعه يمكن تصويبه للسعودية وتحديدا لولي عهدها الذي باتت كل مواقفه تمثل هاجسا مقلقا للغاية لكل قوى الشر والمؤامرات الموجهة نحو بلاده ونحو المنطقة. فجأة أيضا وجدت كثير من القوى السياسية المتصارعة حول العالم ورقة سياسية جديدة فاتجه كل طرف لاستغلال الحادثة واستثمارها بما يصب في مصالحه. حرب إعلامية غير مسبوقة ونموذج سيئ لتسييس القضايا الإنسانية واستخدامها ورقة للضغط والابتزاز والمناورات، لكن شيئا من ذلك لم يكن مجديا على الإطلاق والسبب في كل ذلك مستوى الواقعية السعودية في التعامل مع هذه الأزمة وغيرها من الأزمات. أول قيمة في تلك الواقعية هي إشراك الرأي العام العالمي في كل التفاصيل والتحولات التي مر بها الحادث، ومن خلال الجهات الرسمية المخولة بذلك، انطلاقا من أن القيادة السعودية ليس لديها ما تخفيه في القضية وتتعامل معها على أنها جريمة شنيعة ويجب محاسبة المسؤولين عنها. كانت تلك الواقعية بحد ذاتها أزمة كبرى لكل من عملوا على تسييس القضية واتخذوها حربا إعلامية مفتوحة ضد المملكة. وهكذا بدأت حالات الانفعال التي صاحبت تلك الهجمات ولم تتبق للخصوم في تلك الحرب إلا أداة واحدة؛ التشكيك في كل الروايات السعودية واستمرار الاستهداف الموجه تحديدا لولي…
السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٨
كل خطوات الانفتاح التي تعيشها المملكة اليوم تمثل أزمة كبرى للجماعات والكيانات المعادية في المنطقة التي ظلت تراهن على التشدد بصفته العامل الأبرز الذي يمكن من خلاله تهديد استقرار المملكة والتأثير في مستقبلها. إذ تم التحفيز المستمر لقوى التشدد والأصوات المتشددة والدفاع عنها على أنها أصوات فكرية معارضة وترويج ذلك في منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام العالمية. ومن خلال مسارين اثنين تم العمل من الخارج على التشدد: المسار الأول يتمثل في تنشيط ودعم التشدد وإذكائه داخليا ليمثل ثقافة تناهض كل خطوة جديدة تقودها الدولة وكل تغيير يشهده المجتمع في حياته اليومية وهو الأمر الذي لو تحقق فسيمثل صراعا داخليا مستمرا وتأخيرا لمسيرة الدولة نحو المدنية والتنمية والاعتدال. المسار الثاني في التعامل مع التشدد والتطرف يتمثل في ترويج صورة متشددة للعالم عن المملكة والتركيز على بعض المظاهر الاجتماعية التي كانت قائمة كعدم تمكن النساء من قيادة السيارة سابقا وغياب الاحتفاء بالفنون والثقافة الجديدة وبالتالي على العالم ألا يثق بالمملكة كشريك مستقبلي؛ لأنها لا تزال تشهد ممارسات غريبة وغير واقعية. جاءت التحولات الجديدة التي شهدتها المملكة لتمثل إعاقة كبرى لتلك المشاريع والمخططات؛ لقد فقدوا فجأة كل تلك الأدوات وأصبحوا في حالة من التوتر العالي الذي حولوا معه كثيرا من الأسماء المتشددة المتطرفة التي كانت تمدهم بآرائها وفتاواها الغريبة بعناوين لحملاتهم الإعلامية التي…
السبت ٢٩ سبتمبر ٢٠١٨
الدوائر السياسية التقليدية في أوروبا تعيش حالة ذهول كبرى وهي تراقب المواقف السعودية الصارمة من كل تدخل في شؤونها الداخلية ومن كل المواقف السياسية التي تخالف أبسط أبجديات العلاقات المتكافئة بين البلدان؛ الموقف من ألمانيا والموقف من كندا تمثل أبرز الشواهد على الأداء السياسي السعودي الجديد وتمثل أيضا دليلا على أن ثمة ذهنيات سياسية أوروبية توقفت أفكارها ورؤيتها السياسية عند زمن الحرب الباردة والمعادلات السياسية المألوفة، التي تنظر لدول العالم الثالث باعتبارها قاصرة حضاريا وإنسانيا. في الواقع أن هذا التصنيف (دول العالم الثالث) هو أيضا من الماضي، وأول من استخدمه كان الباحث الفرنسي الفريد سوفيه العام ١٩٥٢، في إشارة إلى البلدان المتراجعة اقتصاديا والتي ليست جزءا من النهضة الصناعية والتي تعتمد في اقتصادها على الدول الاستعمارية. اليوم لا يكاد يصدق أي من هذه الأوصاف على كثير من دول المنطقة وعلى رأسها دول الاستقرار: السعودية، الإمارات، وغيرها، فلا اقتصادها معتمد على المستعمر ولم يحدث أن كانت عرضة للاستعمار أصلا، إضافة إلى أن ما تشهده من ثورات حقيقية تنموية واجتماعية وما لديها من قوة اقتصادية جعلتها ضمن مجموعة العشرين، وما تحمله اليوم من تطلع وعمل نحو المستقبل يجعل من المستحيل أن تقبل الإملاءات أو المواقف غير الراشدة سياسيا، كالتي جاءت في تصريح وزير الخارجية الألماني السابق أو التي فجرت الأزمة الكندية. التصريحات…
السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٨
السعودية اليوم أكثر حيوية ونشاطا من أي وقت مضى، والذي يحدث اليوم هو التتويج الأنسب والفعلي لكل تلك المراحل السابقة التي عاشتها المملكة تدرجا متصلا كانت فيه كل مرحلة تنقل معها الدولة إلى المستوى الأنسب والأقدر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. شكلت مرحلة التأسيس والتوحيد إحدى أبرز وأضخم التجارب التي عرفها العصر الحديث، كيان جديد تتضافر فيه مجموعة من أهم عناصر القوة تتنوع من القوة الروحية التاريخية ثم القوة الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية. استثمرت المملكة هذه القوى لهدف واحد انطلقت فيه من وعي حديث بالدولة الوطنية بصفتها الوصفة الحضارية الأخيرة للتمدن والسلام والاستقرار وبناء العلاقات الدولية الواعية. لقد مثل هذا الإيمان العميق بالدولة الوطنية سببا لكل التحديات والمواجهات التي خاضتها المملكة طيلة مسيرتها؛ كل تلك المواجهات كانت في حقيقتها للحفاظ على الدولة الوطنية ومواجهة مع من لم يؤمنوا بها، سواء في الداخل أو الخارج. كان التحول المدني الأبرز في السعودية هو أنها انطلقت لتأسيس دولة لا إمبراطورية ولا كيان توسعي ولا كيان دعوي. وكلما انحرفت بعض التوجهات والأصوات التي أرادت تحويل الكيان إلى كيان دعوي تحركت الدولة لإعادة توجيه المسار باتجاه الدولة الوطنية، وبناء فهم جديد ومدني لدورنا الدعوي يتمثل في خدمة المقدسات الجامعة للمسلمين ومواجهة الإرهاب وبناء هذا النموذج المتجدد. كل الكيانات والأنظمة الثابتة أو ذات التوجهات الدعوية والتوسعية سقطت…
السبت ١٥ سبتمبر ٢٠١٨
أدت التحولات الاقتصادية الضخمة التي تمر بها المملكة إلى ما يشبه عمليات الفرز الحقيقية لمجتمع الأعمال والتجارة، لنصبح اليوم أمام مستويين من الاستثمار: الاستثمار الربحي والاستثمار التنموي. يقوم الاستثمار الربحي على أنماط تقليدية من التجارة تعتمد على قوتها المالية وعلى أهمية البضاعة التي تتاجر بها، وتهيمن عليها التقليدية والثبات ولا تحمل أية أفكار جديدة، بل قد تتحول أحيانا إلى عنصر إعاقة للتنمية العامة، خذ تجارة الأراضي مثلا والتي وإن كانت صالحة لمرحلة إلا أنها بالتأكيد لا يمكن لها الاستمرار. وبالنظر إلى كون الأراضي مكونا من مكونات الإنشاء والبناء سواء للمنزل أو المدرسة أو المصنع، فإن استخدام أحد تلك المكونات وتحويله إلى منتج من شأنه أن يقضي على كل العملية ويعيق اكتمالها. وحين تم إقرار نظام رسوم الأراضي البيضاء كان الغرض الأبرز منه تحويل تلك المساحات الهائلة من كونها عناصر اقتصاد مهملة ومعطلة لتصبح عناصر منتجة. الاستثمار التنموي يختلف عن كل ذلك؛ يحمل الاستثمار التنموي قيما جديدة في داخله وفي أدواته ويرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بمعادلات التنمية الوطنية وأهدافها، ويقوم الاستثمار التنموي على بعدين هما: الأفكار الجديدة التي تتحول إلى أنشطة استثمارية واقعية، وأعمال التطوير والابتكار في الأنشطة الاستثمارية القائمة والمعروفة. تطوير وابتكار على مستوى الأفكار والأدوات سعيا للجودة الأمثل والتكلفة المناسبة والقدرة على التطور المستمر. الأنظمة والتحولات والتشريعات…
السبت ٠٨ سبتمبر ٢٠١٨
في يونيو العام ١٩٤٥ صدر ميثاق الأمم المتحدة، وأصبح نافذا بعد ذلك التاريخ بأشهر، أي منذ أكثر من 65 عاما. تغير كل شيء في العالم؛ في أفكاره وقيمه وأدواته، ومر العالم بثورات معرفية واتصالية وتقنية ولا يزال الميثاق كما هو، تهيمن عليه لغة يسيرة ومثالية ومحايدة للغاية. هذا الحياد وتلك اللغة الحالمة جعلت الأمم المتحدة أقل جدوى وأقل تأثيرا وفاعلية خصوصاً أمام الملفات والأحداث الجديدة التي شهدها العالم. تسعة عشر فصلا تتضمن 111 مادة تمثل محتويات ومضامين ميثاق الأمم المتحدة: «نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح». بهذه اللغة المثالية الحالمة تبدأ ديباجة ميثاق الأمم المتحدة وتهيمن بشكل شبه كامل على كل الفصول والمواد، وتضع قوالب عامة ربما كانت صالحة وجيدة في الفترة التي كتب بها الميثاق لكنها بالتأكيد لن تظل كذلك إلى الأبد. القضية الفلسطينية،…
السبت ٠١ سبتمبر ٢٠١٨
في الواقع، ليس من الضروري على الإطلاق أن يكون جميع الناس متفقين على كل ما تشهده السعودية اليوم وما ستشهده من تغييرات قادمة، لكن الأهم هو أن لا تكون ثمة سلطة في أيدي الممانعين وألا تكون الآراء والقناعات الشخصية قادرة على التأثير في اختيارات الآخرين. أستطيع القول إن تلك الحالة المؤلمة والقاهرة انتهت تماماً بعد التنظيم الجديد لعمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي ظلت لسنوات تمثل بسلوكها وتحركها دون سند قانوني واضح أزمة كبرى في الحياة اليومية في السعودية، ولكي تؤسس لزمن المؤسسات والحياة المدنية وتسهم في بناء الاستقرار والسلم الاجتماعي كان صدور ذلك التنظيم ضرورة ملحة للغاية. في كل بلدان العالم يمثل القانون والنظام الضابط الأول لحياة الناس اليومية وتمثل وظيفته الكبرى في حماية حق الاختيار والتنوع بينما تدير مؤسسات الدولة ذلك التنوع من خلال توسيع دائرة الخيارات في الحياة العامة وتكاد تتضح يوما بعد يوم ملامح تلك المعادلة في الحياة السعودية. إن أكثر ما يستفز خصوم السعودية اليوم ليست الحرب في اليمن ولا الموقف من تدخلات الحكومة الكندية، إنه هذا الاعتدال الذي بات واقعا ملموسا وتوجها مستقبليا، يمثل الاعتدال في السعودية إفسادا لكل مشاريع التربص التي ظل يبنيها خصوم المملكة، والذي طالما ارتكزوا فيه على قضية التشدد والوجود السابق لهيئة الأمر بالمعروف وحظر قيادة المرأة للسيارة…
السبت ٢٥ أغسطس ٢٠١٨
كل موجات العنف والتطرف التي عرفتها المنطقة قلما كانت تأتي منفردة، فغالبا ما تكون ضمن سياقات تمثلها أحداث كبرى مفصلية؛ الحرب الأفغانية، احتلال العراق، الثورة السورية، ولكن أبرز ما يمكن ملاحظته في تلك الموجات أن الأحداث الكبرى تمثل إحياء وإيقاظا للمارد الإرهابي بكل تجلياته الفكرية والحربية والتعبوية، ويصاحب ذلك نشاط واسع في إبراز المرتكزات التي يقوم عليها. الجهاد ينطلق أولا من فكرة خطيرة ومحورية في المدون الفقهي، وهي: الإنكار، (حيث يجب أن يتحمل المسلم مسؤولية تجاه ما يتعرض له المسلمون في أي مكان في العالم وأن يهب لنصرتهم) بالتأكيد التوصيفات في الفقه لهذه الحالة أكثر تعبوية واندفاعا. ربما يكون ذلك الواقع طبيعيا بالنظر للسياقات التاريخية والمعرفية التي كتب فيها ذلك المدون، لكن الأزمة نشأت حين لم يوجد فقه معاصر يستوعب كل المتغيرات الحضارية والإنسانية التي شهدها العالم والتي كان من أهمها نشوء الدولة الوطنية الحديثة. هذا يعني أن السند الفكري للعنف والإرهاب لا يزال قائما وحاضرا، وإلى الآن ومع كل المحاولات التي قامت بها كثير من الشخصيات والهيئات الشرعية للرد على أفكار الإرهابيين والجهاديين إلا أنها لا تزال مجرد مساجلات فقهية وعظية أكثر من كونها مشروعا فقهيا واعيا وجديدا. كل موجات الإرهاب التي شهدتها المنطقة لم تكن في الغالب تلقائية؛ فقد تم استثمارها استخباراتيا وأفرزت تلك المراحل ما يمكن تسميتها…
السبت ١٨ أغسطس ٢٠١٨
كل الكيانات في المنطقة التي تشهد اليوم أوضاعا غير مستقرة، هي في الغالب تلك التي شاركت ومثلت أضلاع المربع الأخطر الذي أراد الإحاطة بالمنطقة في أحداث ما سموه بـ(الربيع العربي)، وما يحدث لهم هو بمثابة ارتدادات تلك العملية المريعة التي شهدتها المنطقة والتي لا تزال نتائجها المدمرة ونيرانها المشتعلة في أكثر من مكان. قطر وإيران وتركيا، بكل ما يتبع لها من خلايا وتنظيمات ومؤسسات وميليشيات هي اليوم في زاوية الخسارة لكنها لم تعترف بعد ولا تزال في حالة إنكار وهروب من تورطها في ذلك المشروع التدميري الأسود. كان الراعي الأبرز الذي منحهم القوة ليكونوا أعضاء في ذلك المشروع، الإدارة السابقة في البيت الأبيض وما تحمله من قيم ونظريات سياسية لا علاقة لها بالواقع ولا بقراءة النتائج التي يمكن أن تؤول إليها الأمور في المنطقة. مثلت الأنظمة في كل من الدوحة وطهران وأنقرة الوكلاء لتنفيذ وإدارة واستثمار كل ما شهدته المنطقة من أحداث لصالحهم؛ وحيث إن لكل نظام من هذه الأنظمة أطماعه التوسعية فقد كانوا أحصنة الرهان لإنفاذ مشروع الثورات، لكنها أحصنة ما لبث أن تعثرت في منتصف الطريق وأصبحت في دائرة الاتهام، وبدأت تحاصرها الارتدادات العنيفة جراء تورطها وفشلها. لماذا هذه الأنظمة الثلاثة تحديدا؟ أولا: لكل منها مشروعاته وتطلعاته التوسعية خارج حدوده: • طهران بأيديولوجيتها المتطرفة التي تجاهر منذ العام…