الإثنين ١١ يوليو ٢٠١٦
كانت الحقبة السابقة لعصر النهضة في أوروبا تتسم بالإيمان الجماعي، والتسليم المطلق لتعاليم الكنيسة، التي لم تسيطر فقط على عقول الناس، بل حتى على السلطات السياسية في أوروبا. وكانت الآراء والأفكار الفردية مرفوضة، وتهاجَمُ مِن الناس قَبْل رجال الدين، وكان رجل الدين وحده من يمنح الخلاص الروحي والعقلي، أما الذين تشجّعوا وقالوا آراءهم بصراحة فقد اتُّهِموا بالهرطقة، تماماً مثلما يوصف بعض المفكرين في عالمنا الإسلامي اليوم بالليبراليين أو العلمانيين، لمجرد أنهم ردوا على رجل دين، أو اختلفوا معه. كان الصراع في تلك الحقبة في أوروبا محتدماً بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، واللوثريين (أتباع مارتن لوثر)، والكالفينيين (أتباع جون كالفن)، فأصيب الناس بحَيْرة روحية وتساءلوا مَن مِن هؤلاء على صواب؟! لم توجد إجابة شافية حينها، خصوصاً أن رجال الدين كانوا يدفعون الناس للحروب أكثر مما يدعونهم للسلام والتسامح، ولهذا انتشر المذهب الشكوكي (مذهب فلسفي قديم لكنه عاد وانتشر في تلك الفترة)، وبدأ الإلحاد يتسرّب إلى قلوب المؤمنين، إلا أن الفيلسوف الفرنسي رينييه ديكارت لم يرضخ لظلامية رجال الكنيسة، ولا ليأس الشكوكيين، فقرر أن يُعْمِل عقله ويفكر. أراد ديكارت أن يصل إلى حقائق أو بديهيات مُطْلَقة، حتى ينطلق منها في التفكير والحكم على الأشياء، فبدأ بتأسيس منهج جديد في التفكير هو مبدأ «الشك المنهجي»، الذي استعمله الغزالي قبله، لكن بطريقة تختلف أدواتها وغاياتها،…
الإثنين ٠٤ يوليو ٢٠١٦
غداً تُعرض آخر حلقة من برنامج «#لحظة» الذي استمر طيلة أيام هذا الشهر المُبارك. وصلنا للحظة الأخيرة، بعد أن قطعنا شوطاً في اكتشاف آخر مستجدات العلوم والتكنولوجيا، أو بالأحرى في اكتشاف المستقبل. بحثتُ مع فريق عمل رائع طيلة عام كامل، في عشرات المصادر العلمية المُعتبرة، عن الجوانب العلمية لأشياء لم نظن يوماً أن لها تفسيراً علمياً، كالحُب، والتأمّل، والنوم والأحلام، وغيرها. سألني بعضُ الأصدقاء كيف انتقلتُ من إعداد وتقديم برنامج اجتماعي - يقصدون «ما قل ودل» - تحدثتُ فيه خلال خمس سنوات عن معاني وجوانب تنموية وإنسانية ومجتمعية، إلى الحديث عن العلوم والأعصاب والدماغ والهرمونات والفضاء والذرّة والجسيمات والتكنولوجيا، وغيرها من المجالات العلمية التي لم أتحدث عنها يوماً! وجوابي أنني جلستُ يوماً أقرأ بعض مقالاتي، وأشاهد بعض حلقاتي القديمة، وقلّبتُ بعض الكتب في مكتبتي المنزلية وتساءلتُ: «هل هناك فائدة مما أقوم به؟ هل استفاد الناس من المقالات والحلقات والكتب؟»، لم أصل لإجابة شافية، وعندما نظرتُ حولي وحاولت أن أفهم ماذا يهم الجيل الجديد، وكيف يمكن للعقل العربي أن يخرج من براثن الصراعات الطائفية والسياسية، ومن تفاهات المظاهر والبذخ والتباهي بالمقتنيات، وجدتُ أن تعليمنا وقراءاتنا التي نتبجّح بها، يصب أغلبها في مصلحة دغدغة الخيال، وملء الحصيلة اللغوية، وتسليحنا بحُجَج جدليّة نُفجّرها في كل نقاش نخوضه في إحدى هذه الموضوعات الثلاثة: الدين،…
الأربعاء ٢٩ يونيو ٢٠١٦
في مشروعه القديم المُتجدد، يسعى الشيخ عبدالله بن بيّه، الفقيه الأصولي، وأحد كبار المناطِقة المسلمين في هذا الزمان، إلى إعادة تعريف المصطَلَحات الملتبسة في الثقافة الإسلامية اليوم، كالمنطق والفلسفة والعقل والبرهان وغيرها، فما أن تُذكر هذه المصطلحات حتى يجد صغار المتعلمين ألف سهم يرمونها بها من أقواس جهلهم، فيصفونها بالمُضلِّة، والمخادعة، والمفسِدة، وغيرها من الكلمات التي يكتظ بها قاموس الجهل العربي الإسلامي اليوم. ولهذا يعتقد الشيخ بن بيّه أنه علينا قبل أن نبدأ بتدريس المنطق والفلسفة وعلم الكلام، أن نعيد تعريف هذه المصطلحات بقواميس الواقع وأدواته، لا بالعودة بها عبر الزمن، فالواقع هو الحقيقة المطلقة التي ينبغي أن نتعامل معها، لا بمحاولة تغييرها، بل بالتأقلم مع متطلباتها، والواقع يقول إن العقل العربي الإسلامي يعاني تقديساً وتكريساً لجهل تراكم عليه عبر العقود الماضية، وكلنا يعرف ماذا فعلت الأفكار «الصحوية» والحركات الأصولية وحركات الإسلام السياسي بمناهجنا وصحافتنا وإعلامنا بشكل عام. وإذا أردنا أن نُبدد ظلام الجهل، ونطرد أفكاره من داخل الرؤوس، فنحتاج أن نبدأ بعقد مصالحة مع المنطق والفلسفة، حتى لا يجد دارسوها شيئاً في نفوسهم منها، كونها موجودة الآن في قفص الاتهام. ولكي نُسهّل فعل ذلك في المدارس والجامعات، فإننا في حاجة إلى الاستفادة من التجارب الفلسفية في التاريخ الإسلامي، لأن عقولنا تحب اجترار الماضي، وعندما تقرأ عن الكندي والفارابي وابن…
الإثنين ٠٧ مارس ٢٠١٦
قبل أيام؛ عاد رائد الفضاء، سكوت كيلي، بعد أن قضى عاماً - تقريباً - (340) يوماً في محطة الفضاء الدولية التي تدور حول الأرض على ارتفاع 400 كيلومتر، وبذلك يكون أول رائد فضاء أميركي يقضي هذه الفترة في الفضاء، ويأتي عالمياً بعد الروسي فاليري بولياكوف الذي قضى في محطة الفضاء الروسية «مير» 438 يوماً بين عامي 1994 و1995. إلا أن سكوت حظي بفرصة ذهبية لم يحظَ بها فاليري، فمحطة الفضاء الدولية تُعَدُّ مختبراً ذكياً يدرس العلماء، من خلاله، تأثير انعدام الجاذبية على الإنسان. الفرصة الأخرى التي حظي بها سكوت هو أخوه التوأم مارك الذي استعانت به (ناسا) لإجراء دراسة موسعة على التغيرات التي تطرأ على التوائم. وقبل أن ينطلق سكوت إلى المحطة، تم فحصه مع أخيه بدقة متناهية، بدءاً بتسلسل الحامض النووي إلى الفحص الجسدي والنفسي. وخلال عمل سكوت في المحطة، اشتركت 12 جامعة لدراسة التغيرات التي تطرأ على الأخوين، فكان سكوت يأخذ عينات من فضلاته، ولعابه، ودمه ويرسلها إلى العلماء في (ناسا)، ثم يقومون بمقارنتها بعينات أخيه الموجود في الأرض. وبسبب انعدام الجاذبية في الفضاء وتعرّض الإنسان لكميات كبيرة من الأشعة الضارة، فإن كتلة عظام الجسم تتغير، وتتحرك أماكن السوائل في جسده، حتى نظره يتغير لتغير حجم مقلة العين. واكتشف العلماء بعد مراقبة مستوى نظر سكوت أنه تغيّر فعلاً،…
الأربعاء ٠٢ مارس ٢٠١٦
مُقدِّم إذاعي ناجح، لا يهم من أين، قضى سنوات طوالاً يرتقي سلم النجاح. اشتُهِر عنه أنه كان يلبس أفضل ما عنده عندما يذهب إلى الإذاعة وكأنه ذاهب إلى لقاء رسمي. وفي أحد الأيام، دُعي للقاء تلفزيوني إلا أنه تأخر عن المقابلة قليلاً، وعندما حضر قال للمخرج إنه عندما كان في الطريق إلى الاستوديو تذكر أن جواربه ليست جيدة، فاضطر للتوقف في أحد المحال لشراء جوارب جديدة. ضحك المخرج وقال له إنه لن يصور جواربه، وفي كل الأحوال فإن المشاهدين لا يهتمون بهذه التفاصيل. ابتسم الضيف وقال: «كيف ستشعر إذا خرجتَ من منزلك بملابس داخلية قديمة.. لن تكون مرتاحاً أليس كذلك؟ لقد قضيتُ عمري كله في غرفة إذاعية صغيرة لا يراني فيها أحد، لكنني كنت ألبس أفضل ما عندي حتى أشعر بالراحة وأنا أتحدث، فينتقل ذلك الشعور إلى المستمع». شهير آخر، سيناتور أميركي، لُقّب بالنحيف صاحب الوجه الطويل. عانى كثيراً في حياته من فقر أسرته ومن شكله وأصيب بعقدة نفسية لأنه لم يكن يستطيع أن يجد ملابس تناسب جسمه النحيل جداً. وعندما عمل واستطاع أن يُعيل نفسه، كان أول شيء قام به هو تفصيل «بدلة» تناسب جسمه، ومع مرور والوقت صارت أناقته حديث مَن حوله، حتى حصل على لقب أفضل أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي أناقة. قال إن أول وأهم أمنياته في…
الأربعاء ٢٤ فبراير ٢٠١٦
عندما كنتُ طفلاً في المدرسة كنت أحب الموسيقى، ورغم أنني لم أكن أجيد العزف، إلا أنني لم أتأخر عن حصة الموسيقى يوماً، وفجأة قيل لنا إن الموسيقى حرام، وتم اقتلاعها من الجدول الدراسي، وعلمتُ لاحقاً أن غرفة الموسيقى تحولت إلى مخزن. اتجهتُ إلى الرسم والتلوين والنحت، رغم فشلي فيها أيضاً، وإلى اليوم لا أستطيع أن أرسم خطاً مستقيماً، لكنني أحببتُ الفن كثيراً. لم أكن أعرف حينها أنها من أكثر الفنون نُبلاً وإبداعاً، ويكفي أن نزور المعابد القديمة ونلقي نظرة على جدران الكهوف العتيقة حتى ندرك أن الرسم كان لغة الإنسان الأول، والوعاء الذي احتمل فضفضاته وحملها عبر التاريخ. وفي يوم من الأيام اختفت حصة «الرسم» أيضاً، وعندما سألنا قيل لنا إنه مضيعة للوقت، والنحت صناعة للأوثان، وذلك حرام. وفي المرحلة الثانوية اختفت دورس الفلسفة والمنطق من المناهج، ولا أدري إلى اليوم لماذا ألغيت! وقبل عامين، كنت أراجع مع ابني (سعيد) كان يبلغ 10 سنوات، مادة التربية الإسلامية، فوجدتُ باباً عن الجهاد وفضائله. تناولتُ القلم وشطبتُ على الدرس وكتبت للمعلم ما معناه إنني أرفض أن يدرس ابني هذه المفاهيم المغلوطة، ووضعت له رقمي وطلبت منه الاتصال بي، إلا أنه لم يفعل. وقد يتساءل القارئ الكريم عن كلمة «مغلوطة» في حق الجهاد، وأقول له إن الشيخ العلامة عبدالله بن بيّه، قد قال،…
الإثنين ٢٢ فبراير ٢٠١٦
افتح هاتفك الآن وتساءل: كم تطبيقاً فيه لم تستخدمه منذ مدة؟ كم برنامجاً لم تفتحه إلا مرة واحدة لكنك أنزلته لأن شخصاً ما نصحك به؟ افتح دولابك وتساءل: كم قميصاً لم تلبسه منذ اشتريته؟ انظر إلى الكتب المتراكمة في غرفتك أو مكتبك وتساءل: كم كتاباً تنتظر الوقت المناسب حتى تقرأه؟ قف أمام المرآة وتساءل: كم مرة قررت ممارسة الرياضة ولم تفعل؟ من عادات الناس اليوم ملء جدولهم اليومي بالمهام والأعمال حتى ينجزوا أكثر؛ وينجحوا أكثر، والحقيقة تقول إننا لا نستطيع تحقيق كل أحلامنا. لا يمكننا أن نكون عازفين وفي الوقت نفسه نقاداً أدبيين، ومحللين سياسيين، ورياضيين بارعين، وأصحاب شركات ضخمة.. إلا أننا نحاول؛ لأن ذلك يمنحنا قيمة، لكننا لا ننجح! هل سمعت عن السؤال المُكَرَّر؟ إنه أهم سؤال في الوجود «لماذا؟»، وربما أقدم سؤال. «لماذا يا رب خلقت آدم؟»، أليس هذا فحوى سؤال الملائكة لربّ العزة؟ كم مرة سألت نفسك لماذا تفعل كذا وكذا؟ لماذا تحتفظ بكل هذه الثياب في خزانتك؟ لماذا تشتري كتباً تعلم أنك لن تقرأها في حياتك؟ لماذا تسافر إلى مدن لم تحبها يوماً؟ لماذا تعمل في وظيفة تكرهها؟ إجابتك عن هذا السؤال، بينك وبين نفسك، تشبه وقوفك أمام المرآة؛ إنه الفعل الوحيد الذي يُريك حقيقتك المجردة. أنا شخصياً أكرر هذا السؤال على نفسي كل يوم منذ…
الجمعة ٠٥ فبراير ٢٠١٦
الفنان الكوميدي مروان عبدالله من أكثر الفنانين الإماراتيين قدرة على استحضار النكتة ورسم البهجة على وجوه الناس، إلا أنه لا يقل إبداعاً في لعب الأدوار الدرامية على خشبة المسرح، تماماً كوالده القدير. دخل مروان عالم «سناب شات» من خلال تعليقاته الطريفة على المواقف التي يمر بها كل يوم. تعليقاته تخلو من التنميق، يتحدث أمام الكاميرا تماماً كما يتحدث معك في الشارع أو في مطعم؛ فدخل بيوت الناس وقلوبهم، وأدمنوا متابعته حتى صار الشباب والصغار يقلدون بعض عباراته المضحكة، ويكتبونها على قمصانهم وقُبّعاتهم. وقبل مدة شن البعض هجوماً عنيفاً على مروان متهمينه بأنه «يُفسد» الشباب بتعليقاته اليومية. دخلتُ «سناب شات» ذلك اليوم لأرى وأشاهد ماذا يقول وكيف أفسد الشباب، فوجدته يتحدث عن الحبوب المخدرة التي يتعاطاها المراهقون في الأحياء، إلا أنه كان يتحدث عنهم بشكل فكاهي يدفعك للاستمرار حتى نهاية الفيديو من دون أن تشعر، لكن مروان لم يكن يقدم فقرة فكاهية – رغم أنه مبدع في ذلك – بقدر ما كان يحاول التقرّب من الشباب والمراهقين خصوصاً، كان يحاول توعيتهم بطريقة مسلية وجذابة، بلغتهم و«سوالفهم» التي تكسر الحواجز وتفتح الآذان والقلوب. فانتقده البعض؛ متهمينه بأنه يفتح أعينهم على هذه الممارسات السيئة التي قد يكونون غافلين عنها! قلتُ لمروان إنني أتحدث مع ابني سعيد - ذي الاثني عشر عاماً - عن…
الثلاثاء ١٨ أغسطس ٢٠١٥
قبل وفاة السيد محمد مهدي شمس الدين – رحمه الله - الذي كان رئيساً للمجلس الشيعي الأعلى بلبنان، ألقى على ابنه، وهو على فراش الموت، مجموعة وصايا للشيعة في العالم، كانت غاية في الأهمية، جاء فيها: "أوصي أبنائي وإخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وألا يميزوا أنفسهم بأي تميز خاص، وألا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم، لأن المبدأ الأساس في الإسلام هو وحدة الأمة، التي تلازم وحدة المصلحة، ووحدة الأمة تقتضي الاندماج وعدم التمايز". ثم يقول رحمه الله :"وأوصيهم بألا ينجروا وألا يندفعوا وراء كل دعوة تريد أن تميزهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلم عنهم، ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمتع بها سائر الأقليات. إن هذه الدعوات كانت وما زالت شراً مطلقاً". لقد كان رحمه الله صاحب نظرة بعيدة؛ فقرأ الواقع السياسي في المنطقة بعناية، واستوعب محاولات إيران لتصدير الثورة الخمينية إلى العالم العربي، وتحويل فكرة "ولاية الفقيه" إلى إحدى مُسلّمات المذهب الشيعي لإحكام سيطرتها على شيعة العالم. وقد عارض هذه الفكرة الخمينية، التي لا تُعتبر أصيلة في المذهب الشيعي، علماء كبار عند الشيعة، كالسيد محمد مهدي شمس الدين، والسيد…
السبت ١٨ أبريل ٢٠١٥
تعلمتُ قبل مدة لعبة جماعية اسمها (مافيا). جميلة وفيها كثير من الدهاء والحِيَل، ولكن الأجمل من ذلك أنك لابد أن تمارسها مع مجموعة لا تقل عن 7 أشخاص. لا تحتاج فيها إلى أجهزة إلكترونية، لا هواتف، لا إنترنت، ولا شيء غير أصدقاء، وساعات جميلة تقضونها في مساء لطيف. وقبل أيام مررتُ بمحل للألعاب في أحد المراكز التجارية، فدخلته لأرى ما الجديد لديهم. وهي عادة لم أتوقف عن ممارستها، ليس فقط لأعرف ماذا أشتري لأطفالي أو لأطفال العائلة في المناسبات، بل أيضاً، حتى لا أفقد اتصالي بذكريات الطفولة. وربما هي محاولة بائسة مني للتعلق بجذور البراءة والنقاء، واجترار أحاسيسي في تلك الأيام التي كانت تخلو من كره أو حقد، فأقصى خطيئة يمكن لطفل أن يرتكبها هي أن يغار مِن أتْرابِه. خلال جولتي في محل الألعاب تفاجأتُ، أو رُبما صُدِمْتُ، عندما وجدت أن غالبية الألعاب الجديدة لا تمت للتكنولوجيا بِصِلَةٍ، فمعظمها كانت ألعاباً بدائية: أوراقا، أحجارا، نردا، وغيرها من الأدوات البلاستيكية والمعدنية التي يستخدمها لاعبو (مونوبولي) الشهيرة. خرجتُ من المحل وأنا أفكّر في لعبة (مافيا) وأتساءل لماذا أخذت تنتشر بين الناس بسرعة كبيرة؟ ولماذا تنتشر في ذاك المحل ألعاب بدائية؟ ثم فكّرتُ أكثر: لماذا عادت صيحات الأزياء الكلاسيكية إلى الأسواق، كالنظارات، والساعات، والملابس، بل حتى السيارات بدأت تستعيد أشكال الستينيات والسبعينيات؟ ما…
السبت ١٧ يناير ٢٠١٥
قرأتُ مرة نكتة تقول إن من آداب الضيافة اليوم أن تُقدم لضيفك عندما يزورك في البيت شاحناً للهاتف النقّال وكلمة السرّ لشبكة الإنترنت. وقرأتُ قبل أيام تغريدة لأحد الأصدقاء قال فيها إنه يرغب في التوقف عن استخدام الانترنت لأسبوع كامل إلا أن عمله يعتمد عليها. وفي هاتفي مجموعة من البرامج التي أستخدمها بشكل يومي لأتعرف على العالم، وعندما أقول "العالم" فإنني أعني هذه الكلمة حرفياً. من هواياتي ركوب الدراجات الهوائية، ولذلك فإنني لا أكفّ عن مشاهدة مقاطع فيديو في يوتيوب عن آخر صيحات الدراجات، ثم أدخل أمازون أو إي بي، باستخدام تطبيقاتهم وليس مواقعهم الإلكترونية، لأشتري إكسسوارات لدراجتي. ثم أنتقل إلى تطبيقات القراءة كتطبيق بلينكست، أهيم فيها بعض الوقت، ثم إلى برامج التواصل الاجتماعي لأرى ماذا يقول الناس وماذا يكتبون. ثم تطبيقات الأخبار بمختلف أنواعها، ثم إلى برامج تقييم الأفلام السينمائية التي تُسلّيك بعروض الأفلام الدعائية. إلا أنني لا أفعل ذلك وأنا جالس مع شخص ما، بل كثيراً ما أتجاهل الاتصالات والرسائل التي تصلني وأنا جالس في مجلس أو حتى في مقهى مع صديق أو قريب. ولا أحب أن أتحدث مع أحد فيقطع حديثي بالرد على هاتفه، دون استئذان، أو يعبث به، حتى وإن كان فعله ذلك لا إرادياً. نسمع ونقرأ ونتحدث بين الفينة والأخرى عن المشكلات الاجتماعية التي سببتها…
السبت ٠٣ يناير ٢٠١٥
في إحدى مراحل حياتي الوظيفية أصبتُ بالإحباط حيث كان مديري متخصصاً في سد كل أبواب الفرص والنمو في وجوه موظفيه. وجلستُ مرة أشكو لزميل يكبرني في السن وله تجربة طويلة في العمل، فسألني عن طقوس استيقاظي من النوم في الصباح! استغربتُ من سؤاله فقال لي إن لحظة استيقاظ الإنسان وقيامه من فراشه هي لحظة مصيرية.. فإذا فتحتَ عينيك ونهضت من فراشك وأنت في شوق للوصول إلى مقر عملك فاعلم بأنك في المكان الصحيح، ولكن، إذا فتحت عينيك وترددت قليلاً «هل أذهب للعمل أم أعتذر» فاعلم بأنك في المكان الخطأ. حينها عليك أن تذهب وتقدم استقالتك وتبحث عن وظيفة أخرى. عدتُ إلى البيت وعزمتُ على أن أطبق كلامه. فتحتُ عيني في الصباح التالي فشعرتُ بثقل كبير يجثو على صدري؛ أدركتُ بأنني في المكان الخطأ. ذهبت إلى عملي حاملاً استقالتي، وضعتها على طاولة مديري وانصرفت. اتصل بي محاولاً ثنيي عنها لكنني كنتُ مُصراً. مضى شهر وإذا بي في البيت «لا شغلة ولا مشغلة». كان شعوري حينها في مكان رمادي بين الفرح والخوف، فَرِحٌ بأنني تخلصتُ من همّ كان يؤرقني كل يوم، وخائف من ألا أجد وظيفة أعيل بها أسرتي. بعد أسبوعين وجدتُ وظيفة قريبة إلى قلبي، وكانت تلك الوظيفة مدخلي إلى عالم آخر، اكتشفتُ أنه يقبع في داخلي وكل ما كان عليّ…