ياسر حارب
ياسر حارب
كاتب إماراتي

هل أنقذتنا الآلة؟

السبت ٢٤ مايو ٢٠١٤

في بحث أجرته جامعة (ويسكونسِن ماديسون) وشمل 7500 من طلبتها أجاب 82 بالمئة منهم أنهم يُفضّلون أخذ المساقات التي تتوفر فيها محاضرات مرئية على الإنترنت. وفي عام 2006 قام شاب أمريكي من أصل بنغالي يُدعى (سلمان خان) بنشر دروس في الرياضيات على يوتيوب لتعليم أبناء عمّه. ومع مرور الوقت بدأ الناس يتهافتون على دروسه، التي قال عنها أبناء عمه إنهم يُفضلونها على الجلوس مع ابن عمهم مباشرة، لأنهم يستطيعون إعادة ما يقول وإيقافه دون الشعور بالحرج، وفي أي مكان وفي أي وقت. ثم قام سلمان بتأسيس (أكاديمية خان) التي تُعد مؤسسة غير ربحية وهي موقع إلكتروني به أكثر من ثلاثمئة مليون درس تعليمي بالفيديو، ويزوره أكثر من عشرة ملايين طالب في الشهر. وقبل أيام شاهدتُ فيلماً اسمه (هي) يروي قصة رجل يعيش في زمن تتحكم الآلة فيه بكل شيء، المنزل، المكتب، السفر.. إلخ. وعندما قام بتنزيل النسخة الجديدة من نظام تشغيل كمبيوتره الذي يتحكم بحياته ظهر له صوت فتاة، وفهم بعد حوار قصير بأنها صوت النظام الجديد. ولأنها مطلعة على كل تفاصيل حياته وترافقه في سماعة أذنه طوال اليوم فإنه أدمن التحدث معها حتى تعلق بها ووقع في غرامها، فأحبها كما لم يُحِب أحداً من قبل. وفي تفاصيل الفيلم لا يملك المشاهد إلا أن يقع في حُب الآلة أيضاً، لأنها…

هل خُلِقْنا لنَحزن؟

السبت ١٠ مايو ٢٠١٤

كتب شكْسبير في مسرحيته (ماكبث) على لسان مالكوم: «أعطِ الحُزْن كلمات؛ فالحزن الذي لا يُعبَّرُ عنه بالكلام يهمس إلى القلب ويحاول كسره». فالحُزنُ هو أقوى المشاعر الإنسانية التي يحاول كثير من البشر، دون أن يشعروا، اجتراره مِن الماضي. فكُلّنا فارق قريباً أو حبيباً، ولا ننفكُ نتذكر أولئك الأحباب وننكسر حُزْناً عليهم. وتلك طبيعة بشرية، ولكنها لا تكون طبيعية عندما يقتاتُ الإنسان عليها. وخصوصاً إذا صارت فِكْر أمّة بأكملها، ومادة سائغة لبائعي الحكايات، والمتاجرين باسم الدين. ادخل يوتيوب الآن وابحث عن الأسماء اللامعة في مجال «الوعظ» الديني، واستمع إلى مواعظهم. ولا تقف عند واحد فقط، بل اختر خمسة، عشرة، عشرين. أو أي عدد شئت، وشاهد من حلقاتهم واستمع إلى مواعظهم قدر ما شئت، ثم اسأل نفسك: هل ساعدك أحدهم على التميز في حياتك؟ هل نصحك أحدهم بتطوير مهاراتك وتوسعة مداركك؟ وإن قُلتَ في نفسكَ «ولكن هذه ليست وظيفتهم!» فسأفترض بأنني اتفقتُ معك، لثوانٍ فقط، في هذا القول، ولكن اسأل نفسك مرة أخرى: هل تشعرُ بأنك متفائلٌ في الحياة؟ هل تشعر بأنك تُحب الدين وتُحب الله أكثر؟ هل تشعر بالرغبة في نشر المحبة والسلام والتسامح بين الناس؟ وكيف تنظر إلى الآخر المختلف عنك ديناً ومذهباً وعِرْقاً؟ أسئلة كثيرة نغفل عنها، وربما نخاف من طرحها. نُسلم عقولنا، وهي أغلى ما نملك، لكل من…

المشهد الأدبي في الإمارات

السبت ٠٣ مايو ٢٠١٤

عندما كنتُ طالباً في الجامعة، كنتُ أزور المجمّع الثقافي في أبوظبي بين الفينة والأخرى. حيث لا يمر أسبوع دون أن تتزين أروقته بملصقات تُبشّر بفعالية ثقافية جديدة، كعرض مسرحي، أو موسيقي، أو معرض فني، أو عرض فيلم مميز. وكان مجرد دخولي إلى مكتبة المجمّع يُشعرني بأنني في حضرة الأديب الأرجنتيني (خورخي لويس بورخيس) الذي اشتُهر بلقب «أعمى بيونيس آيرس». ويُعد بورخيس من أشهر أدباء أمريكا اللاتينية، وكان مُحباً جداً للقراءة والجلوس في المكتبة، وعندما أصابه العمى كانت أمه تقرأ له. وقال قبل موته عبارته الشهيرة: «أظن أن الجنة ستكون شبيهة جداً بالمكتبة». وكنتُ حريصاً على حضور معرض «الكتاب بدرهم» الذي يُباع فيه أي كتاب بدرهم واحد فقط، وكم كانت سعادتي كبيرة وأنا أغادر المعرض وسيارتي تَنُوءُ بِحمْل الكتب. لقد كان المجمّع هو الصرح الثقافي الأبرز في الإمارات، فلقد خرج منه معرض أبو ظبي للكتاب، ومسابقة أفلام من الإمارات التي تُعد بداية الحركة السينمائية في الإمارات، وفكرة الكتاب المسموع. وبعد أن أُزيل المجمّع وظهرت هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، ظننا أنها ستقتات على منجزات المجمّع، ولكن لم تمضِ بضع سنوات حتى أحدثت الهيئة نقلة نوعية للحراك الثقافي. فلقد ظهر مشروع (كلمة) الذي أعتبره – شخصياً – من أهم المشاريع الثقافية في تاريخ الإمارات والمنطقة، وتوالت الجوائز التشجيعية والتكريمية للأدباء والمثقفين. ولا…

القليل والبسيط

السبت ٢٢ مارس ٢٠١٤

شاهدتُ قبل أيام فيلماً اسمه «سارقة الكتب» يروي قصة فتاة صغيرة تُضطر للعيش في إحدى القرى الألمانية مع رجل وامرأته، تبنّياها إبّان الحرب العالمية الثانية بعد أن تخلّت أمها عنها. يتكون المنزل الذي تعيش فيه من سرداب، وغرفة نوم وغرفة جلوس وطعام، وعِلِّيّة صغيرة في الطابق الأول بها سريرها الصغير. تدخل الفتاة المدرسة ولكنها لا تعرف القراءة، فيبدأ والدها الجديد بتعليمها الحروف الأبجدية ويرسم لها الكلمات على جدران السرداب السوداء، حتى تحولت تلك الجدران المهترئة إلى قاموس للكلمات. ولأن النازيين يمنعون الناس من القراءة، فإن كل كتاب تجده الفتاة يصير ثروة بالنسبة إليها. وصادف أنها عندما أتت إلى العائلة كانت تحمل معها كتاباً عن كيفية دفن الموتى، وبما أنه الكتاب الوحيد الموجود في المنزل، قام الأب بتعليمها القراءة فيه. وفي يوم من الأيام أشعل أفراد الحزب النازي ناراً عظيمة في وسط القرية ودعوا الناس لحرق كتبهم فيها، وعندما خمدت النار، تسللت الطفلة وسرقت كتاباً لم يحترق بعد، فحملتهُ بين يديها وكأنها تحمل الكون بنجومه وكواكبه، واتجهت تعدو إلى البيت. تُصوّر لنا القصة مدى محدودية الأشياء وبساطتها وندرتها في حياة القرية، فالطعام قليل، والمنازل صغيرة، والحريات مقيّدة جداً من الدولة، ومصادر الدخل تكاد تكون معدومة، ولكن، تستطيع سارقة الكتب، والطفل الذي رافقها خلال القصة، أن يجدا السعادة باللعب في الساحات القديمة،…

الإنسان المُشتَرَك

السبت ١٥ مارس ٢٠١٤

في كلمته أمام المجتمعين في "منتدى تعزيز السّلْم في المجتمعات المسلمة" الذي عُقِدَ في أبوظبي قبل أيام، تحدث فضيلة الإمام الأكبر، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عن مفهوم السلام، وعرّج في حديثه على مبدأ التعارف قائلا: "وإذا كان الاختلاف مشيئة إلهية في خلق الناس لا راد لها، فإن العلاقة بين المختلفين - فيما يقرر الإسلام - هي علاقة التعارف والالتقاء والتعاون على البر والتقوى، والسلام هو مقتضى تلك العلاقة". وشدّني في حديث فضيلته كلامه حول أن السلام أصلٌ في العلاقات الدولية، وفي علاقة الناس ببعضهم البعض، وأن الحروب ضرورة واستثناء (...) فتحقيق السلام، أحد أعلا مقاصد الشريعة الإسلامية. بعد أن استمعتُ إلى الكلمة، ذهبتُ وجلستُ إلى الشيخ العلامة عبد الله بن بيّه، رئيس المؤتمر، وسألته عن سبب ورود لفظ "لتعارفوا" في الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" ولم يستخدم الشارع كلمة أخرى مثل "لتحابّوا"، ظنّاً مني أن المحبة أكثر توطيداً للعلاقات الإنسانية من التعارف. فقال لي الشيخ، ما معناه، إن التسامح والمحبة والأفعال التي على شاكلتها يمكن التراجع عنها، كأن تحب فلاناً اليوم وتبغضه غداً، أما التعارف فلا يمكن الرجوع عنه؛ فإذا عرفت أحداً فإنك لن تستطيع أن تتنكّر لتلك المعرفة، ولذلك فإن معنى التعارف هنا أكثر ديمومة من المحبة.…

لُغْز النهاية

السبت ٠١ مارس ٢٠١٤

بينما أنا مشغول بالرد على مكالمة هاتفية وإرسال رسالة نصية، رفعتُ رأسي وإذا بسيارتي تنحى تجاه كتف الطريق الذي سَدّتْهُ شاحنة ضخمة. اغتالَ المكانَ صمتٌ مُطْبِق، وشعرتُ بأنها النهاية. اخترتُ حينها التفكير في شيء واحد، أطفالي على وجْه الخصوص، وأحسستُ بأن الثواني القليلة المتبقية لي يجب قضاؤها في شيء جميل.. لا أُريد لنهايتي أن تكون مأساوية - هذا ما دار في بالي - قد تكون كذلك لمن سيبكون بعدي، ولكن بالنسبة لي، أردتُها أن تكون ذكرى جميلة. وبينما أنا أتمعّن في وجوه أطفالي الصغار، وأبتسم مُتذكّراً وجه أحدهم وهو يضربني في بطني بالأمس مشتكياً من غيابي عن البيت وكثرة انشغالي، شعرتُ بيدي اليُسْرى تُدير المقْود بهدوء لتعيد السيارة إلى نصابها قدْر المستطاع إلى أن تجاوزت الشاحنة، فشعرتُ بأنني بُعثْتُ من جديد. رميتُ هاتفي وتعلّقتُ بالمقود كالموشِك على الغرق فوجد فجأة لوْحاً خشبياً طافياً على سطح المحيط. أخذتُ نفساً عميقاً، ثم خَرَجَت من صدري زفْرة طفل وُلِد قبل قليل. قضيتُ اليوم كله وأنا أفكّر في النهاية، ولكي أصدقكم القول، فإن هذه الفكرة لم تُغادرني منذ زمن. فكلما زُرتُ متحفاً، أو مَعْلماً أثرياً، أقف على سؤال مُحيّر: لماذا انشغل الإنسان دوماً بنهايته وحاول تخليد ذكراه؟ لماذا تَقُضّ فكرة النهاية مضجعه؟ ولستُ أتحدث عن الخوف من الموت، فذلك أمر فِطْري، ولكنني أقصد الخوف…

امتحان الهوية

السبت ٢٢ فبراير ٢٠١٤

كنتُ أمشي في مركز تجاري لابساً قميصاً وبنطال جينز، فأرسل لي أحدهم في المساء رسالة عبر البريد الإلكتروني يقول فيها: «رأيتك اليوم في المركز الفلاني، ولأني أحبك فإني أريد أن أنصحك: لا تُفرّط بهويتك الوطنية!» تساءلتُ بيني وبين نفسي: وهل الهوية زي نلبسه؟ ولو حضرتَ فعالية تراثية في أي بلد خليجي، فسترى عجائز يرتدين «الزي الوطني» ويعكفن على عجن وطبخ وجبات محلية طوال اليوم، إلى جانب بعض كبار السن الآخرين الذين يعمل بعضهم في مشغل للأدوات البرية، ويعمل آخرون في مشغل للأدوات البحرية. ولا يخلو المكان من استعراضات وأهازيج شعبية محاطة ببعض الجِمال والصقور، ثم يُطلَق على هذا التجمع اسم «القرية التراثية». وعندما يزورنا السيّاح، فإنهم إلى جانب حضورهم لهذه الفعاليات فإنهم يذهبون في رحلة «سفاري» إلى الصحراء، تنتهي بعشاء فاخر بين الكثبان الرملية، أو ربما يقضون وقتاً على ظهر مركب صيد يصطادون فيه أسماكاً ويرمونها لطبّاخ غير مواطن ليشويها وهو يُغني أغاني بلاده، ولكنه يرتدي الزي الوطني! ثم يعود السائح إلى بلده وهو سعيد بتعرفه إلى ثقافة بلدنا (والحديث هنا عن دول الخليج بصفة عامة). «لا تُفرّط بهويتك الوطنية!» كلما فكرّت فيها أحاول أن أفهم ماذا تعني؟ هل هويتنا فيما نأكل؟ أو فيما نلبس؟ أو في طريقة حديثنا؟ أو في أكلاتنا الشعبية؟ أو في أهازيجنا التراثية؟ وبينما أنا في…

دُكّان الحَي

السبت ٠٨ فبراير ٢٠١٤

عندما كنتُ صغيراً كُنت أذهب لصلاة العصر في المسجد مع أخي بدر، ثم نجلس مع أصدقائنا أمام دُكّان الحي الصغير. نذهب وفي جيوبنا دراهم قليلة، ولكننا لم نفكّر يوماً أنها قد لا تكفينا. ندخل الدكان الذي لا يتجاوز حجمه خمسة أمتار في أربعة، فتُبسط الأرض أمامنا وكأننا في أحد المراكز التجارية العملاقة. كان صاحب الدكان (نعمةُ الله) يسألنا إن صلينا أم لا، وعندما يتأكد من أننا فعلنا ذلك، يعود لمراجعة حساباته ويترك أحد إخوته لاستلام النقود منا. نذهب للعب الكرة في الملعب الرملي حتى أذان المغرب، فنهرع عندها للوضوء وندخل للصلاة، وعندما نخرج، يكون أحد كبار السن في انتظارنا على عتبات المسجد، فَيُوبّخنا لأننا نؤذي المصلين برائحة العرق، وينهانا عن العودة إلى المسجد بهذه الحال. ثم نعاود الكَرّة في اليوم التالي. نركب دراجاتنا الهوائية وندور في الحي حتى أذان العشاء، وبعد الصلاة يتجه كل واحد منا إلى بيته. لم تكن الهواتف النقّالة موجودة حينها، بل إننا قلّما لبسنا ساعات حول معاصِمنا، وكان الأذان يُحدد مواعيد يومنا بدقة. أذكر أننا اشترينا مرة كمية كبيرة من المبيدات الحشرية من الدكان، ولكي لا يشكّ (نعمة الله) في الأمر؛ قررنا ألا نشتريها في يوم واحد، وفي الحقيقة فإننا لم نكن نمتلك قيمة البضاعة؛ فكنا نقتصد في الصرف كل يوم حتى تتجمع لدينا الكمية المطلوبة.…

التساؤلات الكُبرى

السبت ٠١ فبراير ٢٠١٤

يسأل الابن أباه عن الله وما شكله؛ فيرتبك وينهره. تسأل البنت أمها عن الجنس فتغضب وتقول لها "عيب". يكبر الفتى وأخته وهما لا يعرفان عن الله إلا ما قرآه في مادة التربية الإسلامية في المدرسة، التي غالباً ما تصوره، جل وعلا، على أنه ينتظر هفوة من عباده حتى يعاقبهم، تعالى عن ذلك علواً كبيراً. أما الجنس، فغاية ما يتعلمانه عنه في المدرسة هو درس عن الأعضاء التناسلية في مادة الأحياء، يمر عليه المعلم أو المعلمة بسرعة وعلى استحياء، ودرس آخر عن الطهارة يتحدث فيه المعلمون عن الغُسْل وكأنهم يتحدثون عن جريمة. تبدأ تغيرات جسدية عند الفتى وأخته، ولأنهما يخافان من سؤال أبويهما ومعلميهما، فإنهما يلجآن إلى الأصدقاء والإنترنت، فيسلك أحدهما درباً شائكاً، ويصاب الآخر بصدمة فينطوي على نفسه وتبدأ عُقَده الداخلية بالتشكل مع مرور الوقت. يتخرجان من الجامعة، يتزوج كل منهما فيصطدمان بالشريك الجديد، ليس جنسياً فقط، بل اجتماعياً وعاطفياً أيضاً. فعلاقة أبويهما أمامهما عندما كانا صغيرين كانت رسمية، وربما لم يسمعا أحدهما يقول للآخر "حبيبي"! يدخلان الثلاثين، يحتكان بالعالم، يتواصلان مع مختلف أنواع البشر على الإنترنت، فيصدمهما العالم على شاشاته الثلاث (وهو مصطلح لعبد الله العذامي) شاشة التلفاز، شاشة الكمبيوتر، وشاشة الهاتف. يريان كل شيء، يسمعان كل الآراء، يحتكان مع آلاف البشر، ويتعرضان لآلاف الأفكار والآراء حول الدين والوجود…

ماذا تعرف عن «الرّتْوَنَة»؟

السبت ١٨ يناير ٢٠١٤

قرأتُ مقالاً لشاب أميركي بدأه بقصة عن مُدربة تمثيل تستيقظ كل صباح فتُعد القهوة ذاتها وتأكل كعكة صغيرة. تلبس ثياباً شبيهة بثياب اليوم الماضي، تخرج من شقتها وتركب المصعد ذاته، تخرج من العمارة وتتجه إلىزاوية الشارع نفسها كل يوم، تلوح لسيارة أجرة، تستقلها متجهة إلى المسرح، تدخل من الباب، تعتلي الخشبة، تنظر إلى طلبتها، ثم تتخذ أول قرار في يومها عندما تبدأ بتدريبهم. لا تتخذ هذه المرأة أي قرار حيوي قبل دخولها المسرح، تماماً مثلما يفعل باراك أوباما كل صباح في البيت الأبيض، حسب كاتب المقال، الذي يستيقظ في السابعة، يدخل الصالة الرياضية في السابعة والنصف، يبدأ تمرينه اليومي حتى الثامنة والنصف، يستحم، ثم يلبس إحدى بذلتين: زرقاء أو رمادية. حتى ان زوجته ميشيل تسخر منه أحياناً مستنكرة كيف صارت حياته روتينية إلى هذا الحد! إلا أن الرئيس الأمريكي يُدرِك أنه يحتاج إلى الاحتفاظ بجودة قراراته للمهام الكبيرة، فللإنسان طاقة محدودة في اتخاذ القرار، تماماً كما هو حاله في التمارين الرياضية، وعليه أن يدخر قوته للمراحل والمواقف الصعبة. ولكي يُحقق أحدنا ذلك، فإنه يحتاج إلى أن "يُرَتْوِنَ" أكبر قدر من الأعمال في حياته حتى يتفرّغ للمهمة منها.قد تبدو كلمة "روتين" سلبية، وهي كذلك إذا ما تعلقت بإجراءات العمل الحكومي، ولكنها ليست كذلك على صعيد الحياة الشخصية. فمع كثرة انشغالنا، ولشدة…

ماذا فعلت بنا اللا مذهبية؟

السبت ٠٤ يناير ٢٠١٤

في العام 420هـ ظهر، باسم الخليفة العباسي «القادر بالله»، كتاب وُضِعَت فيه عقيدة (أهل السنة والجماعة) وسُمّي بـ"الاعتقاد القادري". إلا إن ابن تيمية يقول بأن الكتاب من جمع الشيخ أحمد الكرجي القصّاب.. وإنما نُسبت العقيدة إلى القادر لأنه من فرضها على المسلمين، حُيث أمر بأن يقرأ الكتاب على الناس في المساجد والجوامع والتجمعات، وعند حدوث النزاعات بين المذاهب. وكان كل من يُخالف ما جاء فيه يُستتاب، لأنه يعتبر بفعله ذلك كافراً! ويقول الدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف، عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في دراسة حول الاعتقاد القادري: "فلم يقتصر على مجرد قراءته وإقرار العلماء به، بل أضيف إلى ذلك أن من خالف هذا الاعتقاد، ليس مسلماً، بل هو فاسق كافر". ثم يذكر كلاماً على لسان ابن تيمية يقول فيه: "ولهذا اهتم كثير من الملوك والعلماء بأمر الإسلام، وجهاد أعدائه، حتى صاروا يلعنون الرافضة والجهمية وغيرهم على المنابر، حتى لعنوا كل طائفة رأوا فيها بدعة". وقبل ذلك لم يتوان المهدي والرشيد في جلد أو سجن أو قتل من خالف اعتقادهما الديني، وكان المتسائل في مسائل الإيمان في بلاط الرشيد يُزنْدَق، ثُم يطلق الرشيد أمره الشهير "عَلَيّ بالنّطع والسيف". وعندما اعتلى المأمون كرسي الحُكم فعل في أهل السُنّة ما فعله أبوه وجدّه في…

توقف الآن

السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠١٣

شاهدتُ قبل مدة مقطع فيديو عن أحد الذين فازوا بلقب "أبطال سي إن إن" وهي سلسلة أطلقتها القناة قبل سنوات تُسجّل خلالها أعمال أشخاص بسيطين، من مختلف طبقات المجتمع، وضعوا حياتهم رهناً لخدمة البشرية، سواء كانت تلك "البشرية" فقراء في إفريقيا، أو مرضى في الحي الذي يسكنون فيه. كان المقطع عن امرأة تُدعى "روبِن إيمونز" تسكن مدينة شارلوت في ولاية نورث كارولاينا، ولها أخ مختل عقلياً كان يهيم على وجهه في الشوارع طوال اليوم منتقلاً من ملجأ إلى آخر. وعندما استصدرت من المحكمة قراراً بأن تكون حاضنته، تفاجأت بأنه يعاني من مرض السُكّري لأن الملاجئ التي كانت تؤويه لم تكن تقدم لنزلائها طعاماً صحياً، بل معلبّاً وقديماً. نظرت إيمونز حولها فوجدت بأن أصحاب الدخل الضعيف يأكلون طعاماً مُعالجاً صناعياً لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الطعام الصحي، كما أنه غير متواجد في أحيائهم وعليهم استخدام المواصلات العامة حتى يصلوا إلى محلات متخصصة في بيع الطعام العضوي. فقررت أن تُحيل حديقتها الخلفية إلى مزرعة للخضروات والفواكه العضوية. ثم أطلقت مؤسسة خيراً، رغم أنها لا تملك مالاً، وتفاجأت بانخراط أكثر من مئتي متطوع من أبناء وفتيات الحي لمساعدتها في زراعة الفواكه والخضروات العضوية ثم يبيعونها في السوق بنصف السعر. كبرت جهود إيمونز وبدأ رجال الأعمال والمؤسسات يتبرعون لها بأراض ٍزراعية، ثم أطلقت ورش…