الأربعاء ١٢ ديسمبر ٢٠١٢
راقت لي كثيراَ المقارنة الطريفة بين الديموقراطية والبوفيه المفتوح، التي أثارها الصديق أحمد العرفج في مقالة له بصحيفة «المدينة» السعودية. وهي مقارنة فوق أنها ساخرة، فهي تضع الضوء على جزء مظلم من سوسيولوجيا ثقافة الإنسان العربي في معيشه اليومي وسلوكه الفردي الذي يتضاد مع آداب الديموقراطية التي يطمح إليها العربي ويحث السياسيين على تطبيقها. في العالم العربي، تشيع فكرة مغلوطة ومشوشة بأن الديموقراطية هي أداة سلوك سياسي فقط، وأنها حكر على صناديق الاقتراع. وننسى أن أول صندوق يجب أن تنتعش فيه الديموقراطية هو «الصندوق» الذي يحوي عقل الإنسان! الفارق بين صحن الإنسان العربي وصحن الإنسان الغربي أمام البوفيه المفتوح هو كالفارق بينهما عند وصولهما إلى موقع القرار والنفوذ وحرية الأخذ من الشهوات المعروضة أمام كل منهما. العربي الجائع أمام البوفيه المفتوح كالعربي السياسي أمام بوفيه الأموال والأراضي والعقارات المعروضة أمامه وهي ليست كلها مُلكٌُ له وحده بل هي حق مشترك لكل الواقفين أمام البوفيه المفتوح. العربي الجائع الذي سيملأ صحنه بحبات «الكبّة» التي أعجبه طعمها حتى لو لم يترك شيئاََ في الطبق لبقية الجائعين، هو نفسه الذي سيكون يوماََ ما سياسياََ يرتقي بجوعه ونهمه من الاستحواذ على كبّات الآخرين إلى الاستحواذ على حقوق الآخرين بأقصى ما يستوعب صحنه... صحنه الكبير الآن! أحياناََ يعمد بعض الذين يعتريهم الخجل أو يحرصون على…
الأربعاء ٠٥ ديسمبر ٢٠١٢
ظلت مدينة القدس طوال التاريخ مكاناً لصراعات وتناوبات على الظفر بها بوصفها عاصمة الرسالات السماوية الثلاث. لم تدم تلك العاصمة الدينية بيد حاكم واحد من دين أو عرق محدد، فهي كلما أخذت زخرفها وزيّنت أتاها من يثير شعثها من جديد. وكنت قد ختمت مقالتي الفائتة، المعنونة: «هل نزور المسجد الأقصى الآن؟» بالنظر في الموقف الإسرائيلي من الدعوات العربية والإسلامية التي باتت تتكاثر الآن في الحضّ على زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى. وقلت إن السيناريو الإسرائيلي المضاد لهذه الدعوات، وهو الأمثل والأنعم والأقل خسائر بشرية ومادية عليها، هو إشعال صراع عربي / عربي على القدس. وقد بدأت بوادر الصراع تلوح في الأفق! الصراع الجديد على القدس هو صراع فلسطيني / أردني. فالمملكة الأردنية الهاشمية التي ظلت مسؤولة عن إدارة المقدسات والأوقاف الإسلامية والمسيحية منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس، باتت تخشى الآن من فقدان هذا الشرف والامتياز، ليس بسبب خروق العدو الصهيوني وتهميش الجنود الإسرائيليين للولاية الأردنية، ولكن بسبب الخوف من استرجاع هذه الوديعة والامتياز «الموقت» إلى الدولة الفلسطينية التي تترعرع الآن وتحصد اعتراف المنظمات الدولية واحدة بعد أخرى. الجديد في الأمر، أن الأردن أصبح يعلن الآن أن ولايته على المقدسات ليست موقتة أو بالإنابة عن دولة فلسطين الغائبة، بل هي حق أصلي مناط بالأسرة «الهاشمية» التي تزاول حق آل البيت في…
الأربعاء ٢٨ نوفمبر ٢٠١٢
رغم أني أتحاشى استخدام تعبير: (الغائب / الحاضر) لكثرة ما استُخدم حتى استُهلك، لكني فعلت حين فطنت أن هذا الوصف لا ينطبق على أحد مثلما ينطبق على الشيطان! كانت مدينة فيينا، قبل البارحة، تحتضن في إحدى كبرى قاعاتها الأخاذة، الزعامات الدينية المسيّرة لمشاعر وشعائر سكان هذا الكون. تحت قبة واحدة، بل ربما على الطاولة نفسها، كان يجلس الشيخ الإسلامي والقس النصراني والحاخام اليهودي والزعيم الهندوسي والبوذي، يجلسون معاً لا للتقريب بين الأديان كما كان المفهوم الخاطئ في زمن مضى بل للتقريب بين أتباع الأديان فيما يخدم مصالحهم الإنسانية المشتركة ويخفف الاحتقان الذي يهدد أمنهم كل يوم. قلت لزميلي على الطاولة: أرى أن المنظمين قد دعوا كل المعنيين عن الاحتقان الذي يلف العالم اليوم لكنهم نسوا أن يدعوا واحداً من أهم الأطراف المعنية في التشابك البغيض بين بني البشر .. لقد نسوا أن يدعوا الشيطان!! كانت هذه ممازحة، في الحين الذي كنت أعلم أن الشيطان موجود أصلاً في حفلة التصالح تلك، حتى من غير دعوة، فالشيطان عادة لا ينتظر دعوة للحضور، خصوصاً في المناسبات الخيّرة كتلك! كان افتتاح مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بفيينا حفلة خيرية نبيلة وحكيمة بكل المقاييس، ويتضاعف هذا النبل المكنوز فيها عندما نتأمل في توقيتها الحساس حيث تكاد تتحول فُرُش البشر اليوم إلى…
الأربعاء ٢١ نوفمبر ٢٠١٢
لست أول من يضع هذا السؤال ولن أكون الأخير، فسلّة التحولات التي أصبح ينوء بحملها الإنسان العربي البسيط غدت تستوعب كل الخيارات والتساؤلات والمفاجآت، فنحن أمام لحظة زمنية يصعب فيها التكهن، لا بالأشياء غير المتوقعة، بل يصعب التكهن بالأشياء المتوقعة! كأن سلّة التحولات العربية غير مكتظة بفواكه وأتربة وديدان الربيع العربي حتى نحشر فيها تحولات الموقف من زيارة القدس والمسجد الأقصى. ظلّت زيارة القدس، منذ السادات، تهمة لا تغتفر بحسبانها تطبيعاً مع العدو الصهيوني وإقراراً بوجوده وولايته على القدس وفلسطين بعامة. الآن، نحن أمام لغة أخرى غير تخوينية لزوار القدس، بل هي لغة تحفيزية للذهاب إلى القدس وزيارة المسجد الأقصى، فما الذي تغيّر؟! هل تغير مفهوم التطبيع، أم تغيرت الوقائع على الأرض، أم تغيرت أجندة الإنسان العربي بحيث أصبح يمزج الرومانسية بالواقعية .. والطوباوية بالبراغماتية؟ هل نشوة الربيع العربي أم انضمام فلسطين إلى اليونسكو وما قد يلي في الأمم المتحدة هو الدافع لهذه المبادرة، حتى أن د. وصفي الكيلاني وضع مؤخراً كتاباً صغيراً عنونه «لماذا يجب أن نزور المسجد الأقصى المبارك؟». الدعوة إلى زيارة القدس تنطلق الآن من زعامات سياسية (الرئيس الفلسطيني) وقيادات دينية (مفتي فلسطين ومفتي مصر) ومن مكونات ومدونات شعبية، لكن تعارضها بالمقابل زعامات سياسية (حماس) وقيادات دينية (القرضاوي) ومكونات شعبية محافظة. حجة الطرف المعارض أن زيارة القدس…
الأربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٢
النقاشات عند العرب تصنّف عادة في (باب: المعارك)، فهي قلّما تنتهي نهاية سليمة وسلميّة، يخرج منها الطرفان مثلما دخلا! تتفاوت أهداف المتحاورين / المتحاربين، فبعضهم يدخل المعركة النقاشية وهو يريد إحراج خصمه، آخر يريد إفحامه، ثالثٌ طموحه أن «يمسح بخصمه البلاط»! والفئة الأخيرة هي التي تناولها د. سليمان الهتلان في مقالة تشخيصية جميلة الأسبوع الماضي. فكرة (المسح بالبلاط) أثارت شجوني، وبتُّ أتأمل، وبتحفيز من الصديق محمد المختار الفال، في علاقتنا العجيبة مع البلاط، فالناس إذا أرادوا أن يمتدحوا مكانة إنسانِ ما وعلّوا مقامه ونفوذه قالوا إنه: قريب من (البلاط)، لكنهم إذا أرادوا إهانة شخص وإذلاله توعّدوه بأنهم: سيمسحون به البلاط. فالناس في علاقتها مع البلاط على نوعين: فئة يُمسح بها البلاط... وفئة تتمسّح بالبلاط! ما الفرق بين البلاطين؟! هل يكمن الفرق في نوعية البلاط أم في نوع المبلّط؟! الفارق الظاهر بين الفئتين أن أحدهما فاعل والآخر مفعول به، لكن في العمق سنجد أن الفاعل يتحول مع الزمن إلى مفعول به، وأن المفعول به الثاني يتحول أحياناَ إلى فاعل. لا تطلبوا مني إيضاحاَ أكثر لأن البلاط المبلل يكون اكثر مدعاة للانزلاق! بالمناسبة، فالناس تنجذب إلى المشي في البلاط المبلل، البلاط الناشف لا يجذبها، وهذا يعني أن احتمالات سقوطها تتزايد مع تزايد البلل! في الكتابات العربية يتردد اسم البلاط، أكثر ما يتردد،…
الأربعاء ٠٧ نوفمبر ٢٠١٢
تُعدّ باريس إحدى أجمل مدن العالم. عشّاق باريس لا يكتفون بهذا الغزل المتحفظ، فهم يجاهرون بعشقهم المتناهي لباريس بالقول: إنها أجمل مدن العالم. ما هو معيار الجمال عند تصنيف المدن؟ هل هو الإطار المعماري أم نوعية الطقس أم تعامل الناس أم توافر الخدمات، أم هو كل ذلك؟! ستكون الإجابة الأسهل حتماََ هي الأخيرة لأنها تقدم حلاً توافقياً للخروج من مأزق التفضيل بين العناصر الأربعة الرئيسة، وباريس بالذات مؤهلة وجديرة بهذا الحل التوافقي. لن أتحدث عن الإطار المعماري الفاخر لباريس الذي يجمع بين الكلاسيكية والحداثة في تناسق مذهل، ولا عن نوعية الطقس الذي إذا أمطر بلّل الرؤوس وإذا أشمس أنعش النفوس، ولا عن تعامل الفرنسيين المثير للجدل بين أنفة الارستقراطية وشوائب العنصرية. سأتحدث عن توافر الخدمات، التي يمكن لأي مدينة في العالم أن تستجلبها، فهي ليست معماراً تاريخياً وثقافياً تراكمياً لا يمكن تخليقه، كما أنها ليست طقساً ربانياً ليس للبشر يدٌ فيه، أما طبائع الفرنسيين فميزة غير متفق عليها لحسن الحظ! في مدينة باريس يوجد: مطاران دوليان و 6 محطات قطار داخلي ودولي و300 محطة مترو و 1000 باص و 15 ألف سيارة تاكسي. وفي صباح أحد أيام عام 2007 استيقظنا فوجدنا، هكذا من دون سابق إعلان وإعلام، وسيلة نقل جديدة لأهالي باريس هي الدراجات الهوائية العمومية، بدأت بمحطات معدودة حتى…
الأربعاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٢
كلنا يعرف ما يعنيه مسمى: (المصلحجي) في المتداول الشعبي، عن الإنسان الذي لا يقول أو يصنع معروفاً لأحد هكذا من دون مقابل، إذ لا يقدم شيئاً إلا وهو يرتجي من ورائه شيئاً أكبر، فهو وإن كان يقول كلاماً كثيراً عن مصالح الناس ... لكنه يؤدي أعمالاً كثيرة لمصلحة نفسه، فهو يدور حيث تدور مصلحته، ولا يأبه إن كانت مصلحته تتعارض أو تسلب مصالح الآخرين. المشلحجي (أو الكرَفَتْجي) هو صيغة هندامية من الشخصية المصلحجية. حيث يتم توظيف النمط الأرقى من الزي الوطني من أجل تسهيل الدخول إلى الأماكن التي يتم فيها تفريخ المصالح! من المهم الإشارة إلى أن «المشلح/ البشت» ليس ملبس سوء ولا هو ذريعة إلى الفساد، فممّن يلبسه أخيارٌ كثر وشغوفون بأناقته ووجهاء ملزمون به أدبياً أو رسمياً. لكن، لا أحد ينكر أن «المشلح» له دور فعال في إزالة القشرة التي تحمي مصالح الناس، كما أن له أثراً قوياً في هضم الوعود الوهمية واختصار الإجراءات النظامية للحقوق العامة. يتكاثر المشلحجيون في أيام الأعياد وفي مناسبات التعازي وفي حفلات المدائح. هو لا يكترث بتهنئة أقاربه بالعيد أو تعزية أحد جيرانه في وفاة أو زيارة أحد معارفه المرضى، على رغم سهولة المهمة إذ لا تستلزم منه سوى لبس ثيابه الاعتيادية. لكنه بالمقابل مستعد لضرب المسافات الطويلة واختراق الصفوف المتراصة، حاملاً جواز…
الأربعاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٢
اعتمدت منظمة اليونسكو، الأسبوع الماضي، قراراً جماعياً بإدراج يوم 18 كانون الأول (ديسمبر) في أجندتها السنوية الثابتة، يوماً عالمياً للاحتفال باللغة العربية. كانت الأمم المتحدة بتوصية من اليونسكو قد اقترحت في عام 2010 أياماً رسمية للاحتفال باللغات الدولية الست المعتمدة، وقد اقترح للغة العربية يوم 18 كانون الأول لأنه اليوم الذي أدرجت فيه العربية ضمن لغات الأمم المتحدة الست في عام 1973. يجدر التنويه أن منظمة اليونسكو وغيرها من الوكالات الأممية المتخصصة قد سبقت المنظمة الأم في اعتماد العربية ضمن لغاتها المستخدمة. وقد جاء في المذكرة التوضيحية لمشروع القرار «اليونسكي» أن اللغة العربية هي أكثر لغات المجموعة الساميّة استخداماً وإحدى أكثر اللغات انتشاراً وتمدداً الآن، حيث يتحدث بها أكثر من 420 مليون نسمة، في حين تجعل إحصاءات أخرى الرقم يقترب كثيراً من 500 مليون نسمة. هذا هو عدد الذين يتحدثون بها، أما الذين يستخدمونها فيقترب عددهم من بليون ونصف بليون مسلم يزاولون عبادتهم وصلواتهم باللغة العربية أو بشيء منها. تتوسع المذكرة التوضيحية (باقتباس من «ويكيبيديا») في الحديث عن أهمية اللغة العربية وإسهاماتها في الحضارة الإنسانية. هذا الحديث موجه لغير العرب لإقناعهم بأهمية العربية، لكننا بتنا في حاجة إلى حديث موجه للعرب، وخصوصاََ لشباب العرب لإقناعهم بأهمية لغتهم العربية، وعدم الخجل أو التردد في استخدامها في كل مكان، ولتفكيك شعور هؤلاء…
الأربعاء ١٠ أكتوبر ٢٠١٢
شبعتُ ضحكا ًوأنا أقرأ الحوار الذي أجرته الصحافية، «المناضلة» حينذاك، راغدة درغام مع وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي، في هذه الصحيفة، الأسبوع الماضي. هل سبق أن ظننتم أنكم قد تضحكون يوماً من حوار مع وزير خارجية عربي، وخصوصاً من السيد بن علوي الذي لم نعهد منه أمام الكاميرا يوماً ولو مزحة صغيرة، كما يحاول أن يصنع بعض وزراء الخارجية أحياناً من أجل تخفيف الكلام «القتالي» السائد بينهم والمقلق للمشاهدين! ما أضحكني في الحوار هو الشحن والتوتر بين المحاوِر والمحاوَر. أفهم أن تكون مشادة بين مسؤول وصحافي في سؤال سريع أو تعليق عابر بالكاد تلتقطه الكاميرا ويتداوله «اليوتيوب»، لكن أن تكون مشادة وتوتر متواصل طوال ستين سؤالاً، فهذا جزء من سرّ «الخلطة العمانية»! لن أستدعي هنا مقاطع مثيرة من الحوار، فهو كله عبارة عن مقطع مثير، يمكنكم الرجوع إليه (صحيفة «الحياة»، الخميس 4 تشرين الاول / أكتوبر الحالي) والتمعن في مضامينه، فهو حوار غير عادي وغير مألوف على الذهنية العربية التي ألفت الحوارات المليئة بمساحيق التجميل! غرضي من هذا الاستدعاء للحوار ليس مناقشة السياسة العمانية ومواقفها من القضايا الإقليمية والدولية، بل مناقشة الشخصية العمانية برمّتها. أقول هذا وفي ذهني التعليقات والمناقشات التي يتداولها الشباب الخليجي في «تويتر» و «الواتس آب» حول هدوء أو صمت أو غياب الشباب العماني عن…
الأربعاء ٠٣ أكتوبر ٢٠١٢
في حفل أقامته منظمة اليونسكو، يوم أمس الأول، لتنصيب د. حياة سندي سفيرة للنوايا الحسنة في مجال العلوم، ألقيت بصفتي المندوب الدائم للسعودية لدى المنظمة، كلمة هذه مقتطفات منها. ما يجري الآن في احتفاليتنا هو مشهد مغاير لما يجري خارج أسوار اليونسكو، الأسوار الحسية والمعنوية. فالاحتقان الذي يلفّ العلاقة بين الشرق والغرب بسبب إقدام بعض الغربيين، ولا أقول الغرب، على صنع الأفلام الاستفزازية والرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتجاوب بعض المسلمين، ولا أقول الإسلام، لهذه الاستفزازات باحتجاجات غير منضبطة وغير عادلة هو مشهد في العلاقة الإنسانية يبعث على الأسى. لن أدخل الآن في تفاصيل تحديد الجناة من الجانبين، فقد تحدثت عن هذه الواقعة المؤلمة بإسهاب في مقالتي للأسبوعين الماضيين في صحيفة «الحياة»: (حرية التعبير) و (الفيلم المسيء .. الشعب المسيء). أتحدث بسعادة الآن عن مشهد آخر لهذه العلاقة، فها هي منظمة دولية عريقة تقودها امرأة غربية محترمة تكرّم اليوم امرأة عربية مسلمة بأرفع ما يمكن أن تعبر به اليونسكو عن تقديرها للإنسان الإيجابي والمنتج. كيف يمكن أن نعرض هذا المشهد الإنساني النبيل أمام ناظري الغوغاء من صنّاع الفيلم ومن المحتجين عليه؟! تأتي العالِمة حياة سندي إلى مقر المنظمة في عاصمة النور، باريس، لتقول: أوقفوا الأحكام المسبقة والصور النمطية عن الإنسان المسلم عموماً... وعن المرأة المسلمة خصوصاً. تجيء…
الأربعاء ٢٦ سبتمبر ٢٠١٢
كنت أمشي على أطراف أصابعي وأنا أكتب مقالتي هنا الأسبوع الماضي («حرية التغبير») عن الفيلم المسيء لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كنت أخشى أن أندفع بعاطفتي المحبة والمبجلة لرسول الهدى فأصنع كما صنع الغوغاء، أو أتثاقل بعقلانية مصطنعة مميتة للمشاعر فأكون كالذين يدافعون عن حق صنّاع الفيلم في حرية التعبير أكثر من دفاعهم عن حق الرسول صلى الله عليه وسلم في إجلاله وتوقيره، ولا تعارض بينهما إلا لمن أراد أن يصوّب سهام حرية التعبير ضد من يريد ويمنعها عمن يريد! لن أكرر اليوم ما سبق أن قلته عن ملابسات مفهوم حرية التعبير عند الغرب، وخصوصاً في مزلقي: الانتقائية والازدواجيـــة، فقــــــد أشبعــــت هذا الجانب في المقـــال السابق. الــــيوم سأتناول موقف الطرف الآخر: المحتجين على الفيلم. سؤال أساسي كان يجب أن نطرحه على أنفسنا قبل الخروج إلى الشوارع للاحتجاج: إلى ماذا كان يهدف صناع الفيلم أو الرسوم المسيئة، إلى: الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم أو استفزاز المسلمين أو التكسب التجاري والمادي؟! لا تخرج أهداف هؤلاء المسيئين عن هذه الاحتمالات الثلاثة. قد يندرج عنها احتمالات فرعية تعود للأصول الثلاثة. الاحتمال الأول ضئيـــل تَحقّقه بالنظر إلى المستوى الفني والإنتاجـــي الرديء الذي صنــع به الفيلم التافــــه، الذي بالأصح كــــان تافهــــاً ثم أصبح عظيماً بالاحتجاجات التـــي أشغلت العالم لأجله. ويجــــب أن نفـــــرق بيـــــن الإساءة…
الأربعاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٢
عندما تشيطن سلمان رشدي ووضع كتابه «آيات شيطانية» ثم احتضنه الغرب وحماه من غضب الغاضبين، قلنا إنها حالة فردية ولا يمكن تعميم ملابساتها على صانعيها أو رعاتها. لكن توالت بعد ذلك المبادرات الاستفزازية من الجانب الغربي للنيل من الرموز والمقدسات الإسلامية، بالرسوم الدنماركية والبلجيكية والفرنسية والهولندية للنيل من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والمحاولات الأميركية لإحراق المصحف الشريف، ثم الآن بالفيلم الأميركي «براءة المسلمين»، هذا عدا عن احتضان ورعاية الغرب، رعاية خاصة، لكل عربي أو مسلم يشتم دينه أو نبيه، من الهندي إلى الصومالية، حتى أصبحت أفضل وأسرع وسيلة للهجرة إلى الغرب ليس بتعبئة الأوراق والوثائق التعجيزية ولا بتعبئة قوارب التهريب القابلة للغرق، بل بشتم الدين والمقدسات فيتم على الفور احتضانك ورعايتك من لدن الغرب باسم حرية التعبير. هل ما زال ممكناً وصف هذه الأعمال للنيل من قداسة الإسلام في الغرب بأنها أعمال فردية؟! معرفتنا بما يكنّه الغرب من احترام، ليس للأديان، بل لحرية الأديان والمعتقدات، وبما تآزرت عليه أدبيات المجتمع الغربي من تعييب سؤال الشخص عن دينه أو معتقده، يجعلنا نستبعد احتمالية وصف هذه العمليات الممنهجة منذ سنوات للنيل من الإسلام، بأنها مجرد تصرفات فردية لا مواقف مؤسساتية خلفها. لا أريد هنا أن ألغي التفسيرات الأخرى لهذه الاستفزازات الغربية للمسلمين، مثل الغضب الغربي من الاعتداءات والعنف المرتبط بالتطرف…