الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٢
ما هذا الذي يجري في الكون؟! هل يمكن أن نكون فعلاً قد بتنا أكثر اقتراباً من اللحظة التاريخية التي يتحول فيها الإنسان إلى حيوان... بعد أن كنا نزعم أن الحيوان قد تطور إلى إنسان!! بل لماذا نظن وندّعي الرقي المطلق والشامل للإنسان على الحيوان، ونتغافل أن الإنسان يملك صفات دنيئة ليست موجودة في الحيوان، وأن الإنسان إذا تمكن من أخيه الإنسان فإنه يبطش به أكثر مما قد يفعله الحيوان مع فريسته. إذ لا يقتل الحيوان فريسته إلاّ عندما يجوع، لكن الإنسان يصنع العكس... فالشبعان يقتل الجائع!! أليس القرآن الكريم يصف بعض بني البشر بقوله: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلا). القتل والعنف والعنصرية والتعصب والكذب والتملق والتزييف والغش والأقوال النبيلة والأفعال الدنيئة... كل هذا من أجل كسب المال والمزيد من المال في أخلاقية رأسمالية تدير العالم، وتحدد نوعية المستضعفين الذين يجب إنقاذهم لأن وراءهم منفعة، والمستضعفين الذين لا حاجة لإنقاذهم ولا منفعة من إنصافهم! هكذا يدير العالم «المتحضّر» ملفات وقضايا البشر، فكيف بالعالم غير المتحضر؟! في حوض النفط العالمي تتحرك البوارج من أجل مواجهة أي هزة في الاستقرار... لا لإنقاذ الإنسان بل لإنقاذ النفط، بينما يُحرق ويُسلخ البشر في دول هامشية فقيرة، مكتظة بالأوادم، ولكن غير المرتبطين بأي منفعة مادية لقوى «العدالة» الدولية! أية عدالة دولية تلك التي…
الأربعاء ٠٥ سبتمبر ٢٠١٢
ها قد حان موسم: العودة إلى المدرسة... العودة إلى المكتب... العودة إلى الكتابة (باستثناء بعض التحرشات الكتابية في مواقع أخرى)... كدت أن أقول: (العودة إلى القراءة!) إذ لا تكاد اللقاءات الاجتماعية الصيفية تُبقي وقتاً للقراءة. مع انقضاء شهر أغسطس ومجيء سبتمبر من كل عام تخرج الكائنات البشرية من البيات الصيفي باتجاه حقول العمل والتعلم، بعد أن مكثتْ شهراً كاملاً، يزيد أو ينقص، في ارتخاء عضلي وذهني. هذه الحال لا تنطبق على الجميع، فهناك فئة من الناس تستلزم طبيعة عملهم أن يكونوا دوماً في حالة شد ذهني وعضلي. فئة أخرى أيضاً لها وضعها الخاص فهي تعيش حالة ارتخاء عضلي وذهني طوال العام!! في كل عام أخصص مقالتي الأولى بعد استئناف الكتابة للحديث عن معاناة الإجازة الصيفية، خصوصاً للذين يعملون في الخارج ويقضون صيفهم في الوطن، وقد عنونتها في أحد الأعوام الماضية بـ(موسم الهجرة إلى «الجنوب»). هذا العام سأريحكم، لن أحدثكم عن المعاناة، بل عن متعة العودة إلى القرية. عندما نسمي بلدتنا القديمة بالمدينة فإنها تكبر في عيوننا... ولكن عندما نسميها القرية فإنها تكبر في قلوبنا. أتيحت لي هذا العام فرصة المشاركة مع احتفالات العيد في بلدة آبائي وأجدادي «حَرْمَة» بإقليم سدير. وقد تشرفتُ بإلقاء كلمة الأهالي في الاحتفال الشعبي، وكانت المقاطع التالية مما قلته في الكلمة: «1» سألني صديقي: أرسلناك إلى…
الخميس ١٦ أغسطس ٢٠١٢
كثيرا ما نسمع التذمر من كآبة وملل وخمول يوم العيد ، خصوصا من فئة الشباب . وهي شكوى حقيقية في جانب لكنها غير ملزمة من جانب آخر . فالعيد ليس قرارا حكوميا يُفرض فرضا على الناس ، والفرحة به ليست من القدَر الذي يأتي شئنا أم أبينا ! العيد توقيتٌ يُصنع لنا .. لكن الفرحة به شعور نحن نصنعه . لماذا لا يفرح بعض الناس بالعيد ؟ بسبب شعورهم بالاكتئاب والخمول . لماذا يشعر بعض الناس بالاكتئاب والخمول في يوم العيد ؟ بسبب سوء تنظيمهم لليلة العيد واليوم الذي يسبقه . في ليلة العيد يخرج كل الناس إلى الأسواق ويتخاصمون مع الخياطين والحلاقين وأصحاب الحلويات والملابس الجاهزة ، ويتشاكسون مع أصحاب السيارات الأخرى ومع رجال المرور ، وعلى رأس هذا التوتر كله تأتي ملاسناتهم مع أزواجهم وأولادهم !! لا ننسى أن هذه الجولات الاستفزازية ستستمر حتى قبيل الفجر من أجل استكمال أغراض العيد " الكئيب " ! دون أن تتاح فرصة لأخذ قسط من النوم أو الراحة تعوض ولو جزءا من نوم النهار المعتاد في أيام رمضان . لماذا كل هذا التوتر ؟ هل جاء العيد حقا فجأة علينا ؟! أستطيع أن أتنبأ لكم من الآن ، بقدراتي الخارقة ، أن العيد سيكون بإذن الله يوم السبت أو يوم الأحد…
الأربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٢
يتزامن هذا المقال عندي مع ذريعتين: الأولى أننا الآن في حضن «رمضان» الحاني، هذا الشهر الذي يغمرنا بالإيمان والرحمة ويغسلنا من رهق الشهور الدنيوية الأحد عشر. والذريعة الأخرى هي ما شاع من تزايد الحديث عن الشك والإلحاد بين الشباب، والتساؤل إن كان عددهم حقاً في ازدياد أم أن جرأتهم على إعلان شكوكهم هي التي زادت؟ ومن دون الدخول في جدلية شطري السؤال فإن نشوء التساؤل ذاته هو مبعث قلق كافٍ للمؤمنين. هنا بالذات تكمن فرادة هذا الكتاب لجان جاك روسو. فالكاتب فيلسوف، ولطالما عُرف الفلاسفة بإسهامهم القديم في تعزيز نوازع التشكيك وتقويض فكرة الإيمان الفطري. أما كتاب روسو هذا فهو إيماني فطري خالص، ولذا فضّل مترجمه إلى العربية المفكر عبدالله العروي أن يجعل عنوانه: (دين الفطرة)، عوضاً عن العنوان الأصلي: عقيدة قس من جبل السافوا. لماذا يعمد المفكر العربي الكبير إلى ترجمة هذا الكتاب، شبه المنسي الآن، لكبير مفكري عصر الأنوار (القرن الثامن عشر)؟! يقول سعيد بنسعيد العلوي، في قراءة نقدية صحافية للكتاب، أن ترجمة العروي لهذا الكتاب ليست اعتباطية، كما يعبّر العروي أيضاً في مقدمة الكتاب، بل هي ذريعة من أجل تفكيك بعض مشكلات الوجود الفكري العربي اليوم. وأفضّل أنا من جانبي، حتى أنسجم مع ذريعتي التي ذكرتها أعلاه، أن أختطف الهامش الذي وضعه المترجم / العروي في الصفحة…
الأربعاء ١٨ يوليو ٢٠١٢
توطئة تبريرية قال لي صديقي: أكثرت علينا من المقالات عن فوز «الإخوان المسلمين» في مصر! أجبته: «الإخوان المسلمون» فازوا في غير مصر أيضاً فلم أكتب عنهم. إذاً فأنا أكثرت في الكتابة عن فوز مصر، البلد الكبير الذي لا تستكثر عليه الكتابة مهما كثرت. *** سأبدأ مقالي هذا بنكتة متداولة، ويقال بأنها واقعية! تزوج رجل مسن بفتاة صغيرة، زوجة ثانية على زوجته الأولى، أم عياله. وانغمس العريس الجديد في شهر عسل طالت مدته عن الشهر والشهرين والثلاثة، فجاءه أولاده الكبار يذكّرونه بالعدل الشرعي في تخصيص يوم لزوجته الأولى (أمهم) ويوم لزوجته الأخرى وهكذا. فنظر إليهم الأب شزراً وقال: يا ظلمة ... تريدون العدل؟! أنا أمضيت مع أمكم خمسين سنة ... كلها لها، والعدل الآن أن أمضي خمسين سنة مماثلة كلها مع هذه الزوجة الجديدة، ثم بعد انقضاء الخمسين سأبدأ بالعدل اليومي ... يوم هنا ويوم هناك! أسوق هذه النكتة «الرجالية»، التي لن تضحك منها زوجتي، الأولى والأخيرة (!)، ولا القارئات الكريمات، لأوظفها في الدخول إلى جدلية سياسية مشابهة تتعلق بالرئيس المصري الجديد محمد مرسي. إذ تنطوي أدبيات السياسة والإدارة، عرفياً، على إعطاء الرئيس الجديد مهلة 100 يوم قبل البدء بتقويم أدائه ونقده ومحاسبته. لكن أنصار الرئيس مرسي يعترضون على الوعيد الذي ينتظره نقّاد المرشح الإسلامي بعد انقضاء مهلة المئة يوم، بأن…
الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٢
لم يكن مفاجأة لي الإعلان عن أن أول زيارة رسمية للرئيس المصري الجديد ستكون إلى المملكة العربية السعودية، نهاية هذا الأسبوع. ربما كان الإعلان عن الزيارة مفاجأة للمصابين بقصر النظر، الذين لا يدركون حقاً حجم المملكة وحجم مصر، ليس الحجم الجيوسياسي فقط، بل الحجم العقلاني الذي يحكم سياسة العلاقة بين البلدين الكبيرين منذ عقود. الضيف هو رئيس دولة مصر العظيمة، وليس مجرد عضو حزبي .. أيّاً كان حزبه! والمضيف هو ملك المملكة العربية السعودية، بلد الحرمين الشريفين والمسلمين جميعاً. تُسارع السعودية بدعوة الرئيس (الإخواني) لتثبت، مجدداً لا جديداً، أن «خصوصية» هذا البلد هي في «عموميته»، لجميع المسلمين .. السلفي والإخواني والصوفي والليبرالي والسني والشيعي، شئنا أو أبينا، أحببنا هذا أو كرهنا ذاك. هذا هو العقد التوافقي، الديني/ الاجتماعي، الذي لأجله وبه استحققنا شرف رعاية الحرمين الشريفين. يتحسس البعض من الوصف بالعمومية ويعدّه من التمييع للخصوصية الفاضلة. رغم أن ميزة الإسلام عن سائر الأديان والنبي محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء والرسل هي في عدم خصوصيته لفئة من البشر، بل في عموميته للخلق أجمعين (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً)، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وهنا تكون مهارتنا في الحفاظ على خصوصيتنا التي تنبع من عموميتنا. عندما كتبت مقالتي: «السلفية» .. هل هذا وقتها؟! (صحيفة «الحياة»، 4 /…
الثلاثاء ١٠ يوليو ٢٠١٢
أحمد الله أني لست مسكونا ً بالضعف أمام دعوات الاستضافة في البرامج التلفزيونية ، وخصوصا ً برامج الحوار الثنائي / التناطحي . ولم أفعلها سوى مرة واحدة قبل عشر سنوات حين استجبت لبرنامج حواري في إحدى القنوات الفضائية لكن بعدما تأكدت من وجود " طفاية حريق " في الإستديو ! الآن ، ازددت إيمانا ً وتمسكا ً بموقفي الرافض للزج بحياتي في هذه البرامج الحوارية ، بعدما شاهدنا أول من أمس في إحدى الفضائيات نائبين أردنيين ، سابق ولاحق ، يتبادلان الشتائم ، ثم يقذف النائب الحالي حذائه في وجه النائب السابق ، ولم تكن هذه هي المفاجأة إذ بدأنا نتعايش مع الإعلام الحذائي وكيف " نعلي " قيمة الحوار في عالمنا الآن ! المفاجأة الحقيقية كانت حين أشهر النائب " المدني " مسدسه في وجه الضيف الآخر . مسدس .. في برنامج حواري ؟! للإحاطة ، فالضيفان الكريمان ليسا من الإسلاميين ، وإلا لقلنا وقالوا إن الضيف " المسلّح " قد حصل على مسدسه هدية تذكارية من تنظيم القاعدة مثلا ً. أي أن العنف في عالمنا العربي ليس حكرا ً على تيار ثقافي دون آخر .. فالكل قابل للإشتعال ! استبدلنا بالحوار المنطقي .. الحوار البندقي ! خاص بــ الهتلان بوست باريس 8/7/2012م
الأربعاء ٠٤ يوليو ٢٠١٢
لكل واحد منا مجموعة «طويلة الأجل» من الأصدقاء. وأعني بها «الشلّة» من أصدقاء حارة الطفولة أو من زملاء المرحلة الابتدائية أو ما بعدها حتى الجامعية. البعض يتأخر في انتقاء الشلّة الطويلة الأجل حتى يكونوا ربما من زملاء التجربة الوظيفية الأولى. وجود هذه «الشلّة» الأثيرة، وامتداد العلاقة معها منذ ذلك العهد القديم حتى اليوم لا يعني انتفاء وجود مجموعات صداقية أخرى حديثة العهد، وقد تكون العلاقة معها أعمق وأكثر نضجاً.. لكن القديم يبقى له نكهة وطعم مختلف! (راجع مقالتي: شيخوخة الشباب، صحيفة «الحياة» 30/ 7 / 2008). تمر هذه العلاقات، المتقادمة خصوصاً، بتحولات الحياة الطبيعية، من ارتقاء أو اغتناء أو انتكاسة صحية أو مالية أو شهرة أو عزلة، لكن أكثر التحولات تأثيراً في هذه الحياة هو الموت! علاقتنا مع الموت «فن»، هو بالطبع فن كريه لا نريده ولا نختاره، لكنه فن إلزامي يدندن على أسماعنا دوماً لحن القطيعة مع سائر فنون الحياة الأخرى. من فنون الموت المتينة والأساسية هو سيناريو المغادرة! حين كنا أطفالاً كان الموت بين مجموعة أقراننا نادراً، وإذا حدث أن مات أحد في عمرنا ذاك وسألنا عن سبب وفاته، قالوا: غرق في بركة أو صدمته سيارة عند باب بيتهم. ثم تعقب الخبر المفجع موعظة من الأهل في التحذير من السباحة كيفما اتفق أو من اللعب في الشوارع. في…
الثلاثاء ٠٣ يوليو ٢٠١٢
الذي فاز بمنصب الرئيس في مصر، أمس الأول، ليس «إخوانياَ» أو سلفياَ أو ليبرالياَ أو ماركسياً. الذي فاز كان «مصرياً» جاء من وسط زحام المصريين. ولذا فمن البساطة، أو التبسيط، اعتبار كل من فرح بفوز محمد مرسي هو «إخواني»، والحال كذلك عند اعتبار كل من أيّد أحمد شفيق معادياً للدين. الذين فرحوا بفوز محمد مرسي هم: «إخوان مسلمون»، وإسلاميون ليسوا «إخواناً مسلمين»، ومسلمون ليسوا إسلاميين، ووطنيون أقباط ليسوا مسلمين، وثوريون ليس في أجندتهم لا الإسلام ولا القبطية، ومواطنون اعتياديون يريدون التغيير. وعلى المنوال ذاته يمكن رسم طيف المؤيدين لأحمد شفيق أو بالأصح، المستائين من فوز مرسي. والذين فرحوا بنتيجة الانتخابات ليسوا كلهم يريدون الدولة الدينية أن تحكم مصر، وإلاّ لما رأينا ملتحين ومحجبات يؤيدون شفيق وحليقين وسافرات يؤيدون مرسي. في داخل كل ناخب مصري ذهب إلى صندوق الاقتراع كانت توجد شخوص عدة في جسد واحد: الشخصية الدينية والشخصية الوطنية والشخصية النفعية والشخصية العبثية. وهكذا هي صفات كل ناخب ديموقراطي في أي بلد. يختلف طغيان شخصية عن أخرى وفق نضج التجرية الديموقراطية ووفق المناخ الشعبي المهيمن. من خلال النسبة المتقاربة لمرشحَيْ الرئاسة المصرية يتضح أن كثيراً من شباب الثورة المصرية لم يكن يرغب في أن تذهب رئاسة مصر إلى «حزب» الاخوان المسلمين، لكنهم أُسقط في يدهم حين وجدوا أنفسهم أمام خيارين…
الأربعاء ٢٠ يونيو ٢٠١٢
المقالات أنواع وأصناف متعددة ومتغايرة، تختلف باختلاف كتّابها وباختلاف مضمونها ثم باختلاف الصحف المنشورة فيها. وبصفتي شريكاً في الصنعة فإنه كثيراً ما يلفت انتباهي، مثلاً، المقال القصير المكتنز عن المقال الطويل الممطوط (طول صناعي)! وهناك المقال الذي لا تكاد تجد فيه الكاتب، والمقال الآخر الذي لا يكاد يجد القارئ فيه مكاناً بسبب زحمة وجود الكاتب! ويمكن سرد تصنيفات أخرى ثنائية وأحادية لأنواع المقالات، لكن الشكل الأعجب منها عندي هو ما يمكن تسميته بالمقال الجماعي، أي المقال الذي يشارك في كتابته اثنان أو ثلاثة أو أكثر ممن يزدان عنق أو ذيل المقال بأسمائهم المكتظة! دوماً كنت أتفهَم المسألة حين أرى مقالاً جماعياً بقلم: هيلاري كلينتون وكوفي أنان ونبيل العربي، لأني أعرف أنهم اشتركوا معاً في «عدم» كتابة المقال (!) لكني أعجب حين أرى مقالاً جماعياً مظللاً بأسماء كتّاب حقيقيين. لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لأكثر من شخص واحد أن يكتبوا مقالاً واحداً؟! فالواحد منا بالكاد يتوافق مع نفسه عند كتابة المقال. يتصارع فينا أكثر من شخص (شخصية) عند الكتابة: الشخص القديم والشخص الجديد... الشخص الرسمي والشخص الشعبي... الشخص الفرداني والشخص الاجتماعي، شخوص عدة في دواخلنا تتنافس لكتابة المقال. الكل في داخلي يريد أن يلتقط أصابع الكتابة من الآخر، وأنا أحاول أن أكون عادلاً بين كل هذه الشخوص في داخلي، وأن…
السبت ١٦ يونيو ٢٠١٢
سأتوقف موقتاََ عن استكمال محاور «المسألة العربية» التي تناولتها في مقالاتي الأربع الماضية، رغم أن مقالة اليوم يمكن أيضاََ دمجها ضمن «خصائص» المسألة العربية! سأتناول اليوم إشكالية (ثنائية المنصب والكاتب)، بل ثنائية المنصب والشخص في الثقافة العربية. وقد استفزني لهذا الحديث «الشخصاني» البغيض تعليقات بعض القراء على ما أكتب أحياناََ بأنها نتاج خديعة المنصب وضغوطه على الكاتب «الأصلي». فأنا بدأت الكتابة منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكني تبوأت المنصب «المرموق» (كما يسميه أولئك القراء العاتبون) منذ قرابة خمس سنوات فقط. وأصبح هذا المنصب شمّاعة لمن لا تعجبه فكرة مقالي، فيقول محذراََ لي من فوره: إياك يا زياد أن تغترّ بالمنصب المرموق الذي أنت فيه وأن تكون ممن أعمى ضباب المناصب عيونهم وأقلامهم، وأن يغريك بريق المنصب لأن تكتب ما لا يطابق قناعاتك! اشتدَت هذه النبرة التحذيرية، أكثر ما اشتدت، عندما كتبت مقالي (السلفية .. هل هذا وقتها؟) ثم عادت بدرجة أقل عند مقالي قبل الأخير (هل نحن مستهدفون؟). لو تمعّن هؤلاء قليلاََ في فحوى تلك المقالتين وغيرهما لوجدوا أن كتابتي كانت ضد التيار... تيار المناصب، لأنها لم تكن بالضرورة متوافقة مع رؤية من بيده المناصب! ويعرف هؤلاء المحذِّرون أني لو استحضرت في ذهني عند الكتابة بريق المناصب «المرموقة» لصرخت بأعلى صوتي، كما يصرخ المتناصبون: نحن مستهدفون ومحسودون يا مولاي! لكن…